بروفايل

سناء البيسي.. سيدة الصحافة المصرية الأولى

بطلة الإسبوع الحالي، أسطى من أسطوات مهنة البحث عن المتاعب، فنانة اللعب بالكلمات والتشبيهات، صحفية تجمع بين سلاسة اللغة العربية والشكل القصصي للمقال وحيوية الموضوع.. استطاعت أن تبني مدرسة صحفية خاصة بها، أحدثت طوفانًا هائلًا في المجتمع المصري عندما تولت تأسيس ورئاسة تحرير مجلة “نصف الدنيا” فى فبراير 1990، تلك المجلة التى قُدر لها أن تكون ثورة فى عالم الصحافة المصرية.. فتعالوا بنا نتعرف على السيرة الذاتية للكاتبة سناء البيسي سيدة الصحافة المصرية الأولى.

وُلدت سناء البيسي فى 3 أغسطس 1937، وعاشت طفولة هانئة،كانت محظوظة بأبوين يعشقان القراءة والثقافة والإبداع، والدها حسين حسن البيسي مدير الآثار العربية والإسلامية، وله عدة مؤلفات في الفقه والشريعة، وصاحب مكتبة إسلامية رائعة تضم العديد من أمهات الكتب والمخطوطات، إضافة إلى كتب الأدب القديم والحديث، أما والدتها دينا نور فكانت “ست بيت”، تعتني بزوجها وبناتها الثلاث وهن: سناء الابنة الوسطى وآمال الكبيرة وبثينة “آخر العنقود”، وكانت أيضًا سيدة مجتمع مثقفة تحب القراءة والكتابة، وتكتب القصة القصيرة، وتوقعها باسم مستعار، وكانت تشجع سناء على القراءة، وتحلم بأن تكون كاتبة في يوم من الأيام.

فى طفولتها كانت سناء تجلس إلى جوار والدها قبل أن تبلغ الخامسة من عمرها لتقرأ الجريدة، وهى لا تدرك مما تقرأه شيئاً، ولم يكن والدها يمنع عنها أي كتاب، لدرجة أنها قرأت “ألف ليلة وليلة”، قبل أن تكمل العاشرة من عمرها، وقرأت مبكراً جداً للزيات، ولطفي السيد، وعائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ، ورحلات عبدالرحمن عزام، وفي بيتها كانت هناك مجلات من مختلفة مثل “الطائف المصورة”، والمختار، والفصول وغيرها، وكان والدها يتمنى أن تكون مثل بنت الشاطئ.

تفوقت سناء منذ صغرها في اللغة العربية خاصة التعبير، وحصلت على جوائز عدة في مدرستها العباسية الابتدائية والثانوية، إلا أنها كانت على خصام مع الرياضيات والهندسة، وكانت بالكاد تحصل على الدرجات الصغرى للنجاح.

حصلت في الثانوية العامة على مجموع 73%، وكان يعد في هذا الوقت تفوقاً ملحوظاً احتفلت به العائلة، وقدمت إليها الهدايا، وقدم والدها أوراقها إلى كلية الحقوق بجامعة عين شمس القريبة من منزلها في العباسية، رغبةً منه أن تكمل مسيرته القانونية، وفي أحد الأيام وقبل بداية العام الدراسي، جاءتها جارتها ورفيقة طفولتها “صافي ناز كاظم”، وأخبرتها بافتتاح قسم جديد للصحافة بجامعة القاهرة، وكان هذا النداء بمثابة تغيير مسار لمستقبلها، ولم تفكر لحظة، وتركت أوراقها بكلية الحقوق، وذهبت بأوراق جديدة لقسم الصحافة التي تعشقها، وكان ذلك في العام 1953.

في السنة الأولى لها من دراستها الجامعية، كانت سناء البيسي تجلس فى مدرجات قسم الصحافة بكلية الآداب جامعة القاهرة، أمام عملاق الصحافة المصرية وقتها مصطفى أمين الذى كان يلقى على طلابه محاضرة، وبطريقته العملية طلب منهم أن يكتبوا تقريرًا مكثفًا عن المحاضرة، وما دار فيها.

بعفويتها التى ولدت معها كتبت سناء ضمن تقريرها “حضر الأستاذ مصطفى أمين ليلقى علينا محاضرة لم أفهم معظمها، لأنه كان ينفث كلماته بين أنفاس سيجارته التى غرسها بين شفتيه مع الدخان”، و بعبقرية كشاف النجوم التى كان يملكها مصطفى أمين اصطحب معه سناء البيسى إلى مؤسسة “أخبار اليوم”- التى كان عمرها 11 عامًا بعد صدورها فى العام 1945- لتكون فصلًا جديدًا فى حياة الصحافة المصرية، وعلامة من علاماتها.

كان عمرها 17 عاماً وطالبة تدرس بالفرقة الأولى في الجامعة عندما أسند لها التوأمان مصطفى وعلي أمين ومعهما أحمد بهاء الدين صفحة كاملة في أخبار اليوم عنوانها “قيل وقال”، وبعدها تولت رئاسة قسم المرأة، لتقوم بتحرير ملزمة خاصة بها في مجلة “آخر ساعة” تحت عنوان”النصف الحلو”. وفي “أخبار اليوم”، تعرفت سناء على الفنان التشكيلي الراحل (منير كنعان)، وتزوجته عام 1963.

ولأن الصحافة لا تعيش فى مأمن أبدًا فى ظل سياسة متقلبة ومفاجئة، فقد وجدت سناء نفسها فى مطب مهنى كبير فى الستينيات بسبب محاولات تغيير هوية “أخبار اليوم”، التي دخلها “اليساريون” و”الاشتراكيون”، الذين لم يكن همهم تطوير المهنة والصعود بالمؤسسة، بقدر ما شغلهم مطاردة أبناء مصطفى أمين الذى دخل السجن متهمًا فى قضية تجسس.

وفي أوائل الستينات من القرن الماضي انتقلت سناء إلى “الأهرام” بعدما توارى نفوذ أساتذتها على ومصطفى أمين، وفي “الأهرام” وجدت كل تشجيع من الأستاذ محمد حسنين هيكل، كما وجدت نفسها وسط عالم من الفكر والأدب والثقافة بجوار توفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، ويوسف إدريس، ولويس عوض، وبطرس غالى، وحسين فوزى، والدكتورة عائشة عبدالرحمن. وقبل أن تصل سفينة سناء إلى ميناء الصحافة الكبير أسعدها زمنها بأن تحضر بعض جلسات صالون العقاد الكبير فى بيته بمصر الجديدة، وأن تكون واحدة من أعضاء اجتماع الكاتب الكبير يحيى حقى الأسبوعى بطلاب قسم الصحافة بكلية الآداب.

في “الأهرام” تولت سناء رئاسة قسم المرأة، وأصبحت فيما بعد مساعدًا لرئيس تحرير الأهرام، ثم نائبًا لرئيس التحرير، وفى السبعينيات كان يُلح عليها خاطر خدمة زملائها من الصحفيين، لم تكن تعرف طريقًا ممهدًا أو معبدًا لذلك، جاءتها النصيحة ممن تثق فيهم بأن ترشح نفسها لعضوية مجلس نقابة الصحفيين، فتكون لها منصة تعمل من خلالها، تخوفت قليلًا، فقد منحت نفسها بالكلية للصحافة، ولم تكن لها خبرة بالانتخابات والمنافسات التى تحكمها الكواليس والتربيطات، ومع ذلك رشحت نفسها، وربحت مقعدًا فى مجلس النقابة، وكانت على قدر المسئولية تمامًا.

فى السبعينيات أيضًا عرض عليها الرئيس الراحل محمد أنور السادات أن تكون رئيسة لتحرير مجلة «حواء» فرفضت، وحاول مرة أخرى، فعرض عليها رئاسة قسم المرأة فى جريدة «مايو» التى صنعت على عينيه، لكنها تمسكت ببيتها الكبير فى الأهرام، ربما لأنها كانت تعرف أن محطتها الكبيرة لم تأت بعد، وأن الأقدار التى انصفتها تدخر لها التجربة الكبيرة.

في فبراير 1990، تولت تأسيس ورئاسة تحرير مجلة “نصف الدنيا”، وعلى مدار 15 عاما جعلت من مجلتها مرجعية للثقافة والفن والأدب والفنون التشكيلية والتاريخ، وكتب للمجلة ثلاثة مبدعين هم: أحمد بهاء الدين، ونجيب محفوظ، ويوسف إدريس، ولم تَقْصُر «نصف الدنيا» على قضايا المرأة، بل أتاحت أفقاً رحيبا لمختلف تجليات الصحافة، فنهل فريقها النشط من كل نبع، وفتّشوا فى كل صوب، فنقلوا مشاغل الناس باحترام، وشاغبوا واقعهم بمحبة.

حرصت البيسي على تشجيع المواهب الشبابية اقتداءً بما حدث معها في بداية حياتها الصحفية، لذا لم تكن “نصف الدنيا”، بالنسبة لها مجرد مجلة أصدرتها، لكنها بيت بنته، تعرف كل ركن فى أركانه جيدًا، وتخشى على من سكنوه إلى جوارها من الشتات.

عملت سناء البيسي أيضًا في عدة مناصب إدارية منها عضو الجمعية العمومية بالأهرام، عضو جمعية الأدباء، عضو اتحاد الكتاب، عضو لجنة تخطيط الإنتاج المسموع بمجلس الأمناء باتحاد الإذاعة والتلفزيون، و لها إنتاج إبداعي فى القصة والمقال والتحقيق، ومن أشهر مؤلفاتها التي تحولت لأعمال درامية مسلسل (هو وهي) من بطولة النجمين (أحمد زكي)، و(سعاد حسني)، وإخراج (يحيى العلمي)، وبجانب مقالاتها الصحفية لها عدد من المؤلفات يذكر منها: (الكلام المباح، في الهواء الطلق، امرأة لكل العصور، الكلام الساكت، أموت وافهم).

وتعتز سناء البيسي بأنها كانت وراء إقامة أول حفل للزفاف الجماعي في مصر في استاد القاهرة، الذي شمل 55 عروساً، وفي عام 2020 حصلت على جائزة شخصية العام الصحفية في مسابقة علي ومصطفى أمين.

المصادر
محمد الباز يكتب: سناء البيسي.. أم كلثوم الصحافة المصرية

سناء البيسى تفوز بجائزة شخصية العام الصحفية في مسابقة علي ومصطفى أمين

سناء البيسي: نداء صافي ناز كاظم أدخلني عالم الصحافة

سناء البيسي حريفة الكتابة وأسطورة الصحافة العربية

سناء البيسي

سناء البيسى: عندما أٌغلق باب مكتبى لأصاحب القلم لا أكون أنا.. والفكرة تجعل وسادتى شوكا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى