بروفايل

صحفية المهام الصعبة “آية نبيل”.. قصة نجاح ملهمة

 

يصعب كتابة تعريف واحد عنها، فهي أحبت الصحافة في وقت كانت فيه المهنة حلم جميل لأصحاب/ صاحبات المواهب والرؤية المختلفة؛ وحين أمسكت بخيوط أحلامها استطاعت أن تضيف للمهنة الكثير، فكتبت عن كل شِبر ومحافظة مصرية، واهتمت بالإنسان في قصصها. 

ونتاج إخلاصها ودأبها حصلت على العديد من الجوائز والتكريمات رفيعة المستوى؛ هي الصحفية الاستقصائية آية نبيل التي تعمل حاليًا مديرة في مؤسسة باشكاتب، وتعمل على تحقيقات مكتوبة ومتلفزة لصحف وقنوات مصرية ودولية، ومهتمة بحقوق الإنسان والجندر، وحاصلة على جائزة التفوق الصحفي عامي 2015 و 2016 وجائزة سيمنس 2016 وجائزة أريج فئة التحقيقات المكتوبة 2017، وغيرها. 

 

البداية 

درست آية في كلية إعلام بجامعة القاهرة، لكن قبلها كان الهدف واضحًا؛ فوالدها يعمل محامٍ ولديه من القدرة على مناقشة كافة القضايا المجتمعية مع الزوجة والأبناء، والأم نفسها والجدة عاشقتان للقراءة والتطلع. 

تقول آية في حديثها للمرصد المصري للصحافة والإعلام: “كل شيء كان يعدني للصحافة، جرائد دائمة الحضور في منزلنا، وبالأخص أعداد السبت من جريدة الأهرام التي كان يكتب فيها قامات صحفية منهم سناء البيسي ومحمود السعدني، حتى مجلات ميكي ومتابعة إصدارات مشروع القراءة للجميع في فترات الصيف، والمجتمع كان في بداياته على الإبهار التكنولوجي، وبداية عصر برامج التوك شو، وانطلاق الأقمار الصناعية ثم منصات التواصل الاجتماعي؛ كل هذا مع وجود مناخ عام منفتح على ثقافة الأصوات المتعددة في الإعلام والسياسة أيضًا، فكان اختياري لقسم الصحافة في كلية الإعلام أمر متوقع ومفهوم”.

 

الانطلاقة المهنية

من العام الثاني لدراسة آية الجامعية، تدربت في جريدة الوفد، وتنقلت بين كافة الأقسام الصحفية لفهم طبيعة المهنة، وتتبع أسرارها بداية من طرح السؤال، والحديث مع المصادر؛ وهنا تذكر أول مكالمة هاتفية لأحد المصادر وتصفها بـ”المرعبة”، لكن فور الانتهاء منها وجمع أكبر قدر من المعلومات شعرت بالإنجاز والتحقق. 

أما في العام الأخير من الجامعة، عملت في جريدة “استثمار” الاقتصادية، ونجحت في كتابة تقارير معمقة في اقتصاد السياحة والبنوك والنقل والمواصلات والبنية التحتية، وكل ما يخص هذا الملف. 

 

تخرجت من الجامعة عام 2009 لتبدأ رحلة العمل المنتظم، منطلقة من جريدة اليوم السابع التي كانت تصدر أسبوعيًا، ثم انضمت إلى قسم المنوعات والمجتمع، لتنجز فيه تقارير مميزة إلى أن نجحت في كتابة صفحة أسبوعية مع قسمها، وأفردت لها المساحة لإنتاج موضوعات تناولت قضايا الفقر والمناطق المهمشة، هذا بالتزامن مع دراستها للماجستير. 

 

وفي عام 2010 انتقلت آية إلى قسم الأخبار تزامنًا مع الحراك السياسي وانتخابات مجلس الشعب بنفس العام، لتُكلف بتغطية الأحداث والاشتباكات من الشارع، وواصلت التغطيات الميدانية مع ثورة الخامس والعشرين من يناير لتوثق كتابتها الأحداث الساخنة على المستويين الاجتماعي والسياسي. 

 

مع تحول جريدة اليوم السابع إلى إصدار يومي تم استحداث قسم التحقيقات الصحفية لتكون آية من أوائل من أسسوا هذا المولود الجديد. أثناء هذه الفترة لمع اسم الصحفية الشابة في الوسط الصحفي بعد كتابة العديد من التحقيقات الاستقصائية، سافرت لأجلها معظم المحافظات المصرية، دون الارتكاز على موضوعات من القاهرة والمدن الكبرى فقط.

 

تطرقت إلى قضايا تتلامس وحياة المواطنين/ات البسطاء، واستوعبت مفاهيم حقوق الإنسان لتكتب من هذا المنطلق في قضايا المرأة والصحة والتعليم والصناعة والاستثمار والعلاقات الخارجية، وكل ما له شأن بالحياة، لتربط جميعها بالمسؤولين، وتحيط القضية بآراء أصحاب الشأن ومن ثم تسعى لتوصيل رسائل من لا صوت لهم.

 

إنجازات وجوائز 

 

عملت بالتعاون مع الصحفية صفاء عاشور على ملف صحفي عن المصريين الذين سافروا إلى ليبيا للعمل هناك، ثم اختفوا في وقت الثورة، وتتبعوا قصة كل مصري من خلال ذويه في مصر ومن خلال الأوراق الرسمية والمسؤولين، إلى أن وجدوا في سجون ليبيا. 

 

حصلت على هذا التحقيق على أول جائزة صحفية من نقابة الصحفيين كأفضل موضوع للصحافة المحلية في نسخة 2015. 

 

كما عملت على ملف عن تناولت فيه محافظات الصعيد، بالتعاون مع الزميلة صفاء عاشور، كان عبارة عن 28 صفحة ركزت فيها الصحفيتان عن كل ما له علاقة بالفقر وآثاره على المجتمعات في المحافظات، ومنها البطالة لتجاهل الحكومات الأقاليم، وبمن ثم عدم وجود مجالات للعمل، وكذلك ارتفاع معدل وفيات الأطفال، وقصص عدة كشف هذا الملف أسرارها تحت عنوان: “أوجاع الجنوب”. 

 

كان نتاج هذه التحقيقات المجمعة جائزتين، الأولى من نقابة الصحفيين لأفضل حملة صحفية لعام 2016 وثانيًا مركز أول في جائزة سيمنس بالعام نفسه، عن تحقيق داخل الملف حول قرى مبارك.

ومنذ هذا العام 2016 عملت في الصحافة المستقلة بجانب عملها في الإعداد التلفزيوني والمشاركة في تقارير معمقة لصالح قنوات عربية وأجنبية. هنا رأت آية أن المناخ العام للصحافة لم يعد كما عهدته، بدأ يميل إلى الاستقطاب وثقافة الصوت الواحد، والبحث على الترند ونسب المشاهدات، تقول: “شعرت أن هذا المناخ لم يعد يلائمني ولا يتناسب مع تطلعاتي الصحفية، فاتجهت إلى العمل بشكل مستقل وبدأت في إنتاج تقارير أحبها”.

 

تحقيق شائك

 

صادف أن سمعت آية لأول مرة عن عبارة الاغتصاب الزوجي في إحدى الندوات، فبحثت عن الفكرة ولم تجد لها آلية واضحة في مصر أو في القوانين على الرغم من أنه كان مثارًا للجدل الموسع في أوروبا وأمريكا التي كانت تجرمه وتضع قوانين صارمة ضده. 

 

من هنا بحثت عن مصادر لأكثر من شهرين، إلى أن وجدت نساء حررت محاضر اغتصاب مثبتة بالتقارير الطبية ضد مجهول، ومن ثم نجحت في توثيق الفكرة، ومع الوقت وصلت إلى الكثير من الحالات في القاهرة والصعيد ومعظم محافظات مصر. 

 

نُشر التحقيق عام 2017، تقول عن هذا الوقت: “توقعت أن يثير الجدل لتناوله قضية شائكة يصعب إثباتها، فنشرته وأغلقت هاتفي لتجنب النقاش، ثم فوجئت بعد فترة برد الفعل أن التحقيق نشر على نطاق واسع على منصات التواصل الاجتماعي وفي البرامج التلفزيونية، وحصل على جائزة أريج كأفضل تحقيق استقصائي لعام 2017، وجائزة أكت، وجائزة نجيبة الحمروني في تونس 2019 

 

خطوات جديدة

 

تعاونت آية كمدربة مع مؤسسة باشكاتب وهي مؤسسة تدريبية وصحفية تركز جهدها على خلق جيل جديد من الصحفيين/ات الموهوبين/ات في محافظات مصر، وتسلط الضوء على صحافة الأقاليم المنسية بسبب المركزية في العمل الصحفي واهتمام معظم المؤسسات بإتاحة فرص التدريب والترقي للعاملين/ات بالقاهرة والمحافظات الكبرى. 

 

وقدمت تدريبات لشباب وفتيات من أعمار 13 عامًا فما فوق على مهارات النقد والتفكير والبحث عن فكرة جيدة للكتابة عنها، وفي عام 2018 عملت كمحررة محتوى ثم مطورة وأخيرًا مديرة محتوى في نفس الشركة، ومع هذه الخطوة كانت تكتب بشكل مستقل لصالح موقع رصيف22، ومع مجلة رؤية التابعة لمعهد جوته الألماني وتتعاون مع منظمات بحثية. 

 

عن هذه المرحلة تقول آية، أن اهتمامها الحالي هو تأسيس جيل يفهم الصحافة بقالبها المهيب الذي عرفناه في عصر البحث عن المعلومات بدقة قبل السوشيال ميديا وما تفرضه من موضوعات تجعل من الجمهور الحديث مجرد متلقي وليس فاعل.

وتضيف: “أحاول إعادة صياغة مفاهيم الفتيات والشباب في محافظات مصر المنسية، ونقوم بإنتاج برامج ومحتوى صحفي يعلمهم ليس فقط فهم الصحافة ولكن الانتقاء والنقد والاشتباك مع القضايا بشكل عام، وعدم الاكتفاء بتلقي ما يظهر أمامهم على المنصات الإلكترونية.

أحلام مهنية وشخصية

في الوقت الحالي تسعى آية لاستكمال دراستها في الأنثربولوجي وتؤكد أن الصحافة مهنة التعلم وعدم الوقوف عند نقطة محددة.

أخيرًا.. تحلم بمناخ أكثر رحابة لاستيعاب أفكار وتطلعات الصحفيين/ات في مصر، تقول: “المجتمعات دون صحافة أو بصحافة الصوت الواحد هي مجتمعات ضعيفة خائرة، فجودة الإعلام يعني جودة البيئة المحيطة التي تخلق التنوع وتحفز على التفكير والإبداع بالقبول لكافة الآراء والأطياف”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى