أحمد عاشور.. صحفي يوثق عصره بعدسة الكاميرا وقلم التحقيقات

أحمد عاشور.. صحفي يوثق عصره بعدسة الكاميرا وقلم التحقيقات
لم تكن الصحافة مهنة طارئة على أحمد عاشور، بل كانت قدرًا بدأ مبكرًا من قلب الشارع المصري، وتحديدًا خلال أحداث ثورة 25 يناير 2011، حين حمل كاميرته ليصور، لا مدفوعًا بواجب مهني، بل بإحساس داخلي بأن عليه توثيق ما يحدث، لأن ما لا يُوثق يُنسى.
تخرّج أحمد من كلية التجارة عام 2015، إلا أن حبه للمهنة لم يتوقف عند مجاله الأكاديمي، بل سلك طريق الصحافة بشجاعة ويقين.
يعمل حاليًا صحفيًا بجريدة الدستور المصرية منذ عام 2017، بعد أن تنقل بين عدد من المؤسسات الإعلامية والصحف المحلية والدولية، من بينها جريدة روزاليوسف، التي كانت بوابته إلى عالم التحقيقات الاستقصائية، وهو المجال الذي وجد فيه ذاته، وصقل موهبته، وعزز شغفه بالصحافة كرسالة.
من الصورة إلى الحكاية.. البدايات المهنية
بدأت رحلته المهنية بعد الثورة مباشرة كمصور صحفي، قبل أن ينتقل إلى الكتابة في إحدى الصحف المحلية بمدينة الإسكندرية، ومنها إلى قسم التحقيقات في روزاليوسف.
توالت بعدها محطاته المهنية بين صحف ومواقع إخبارية ورياضية وقنوات تلفزيونية، حتى استقر في جريدة الدستور، حيث وجد مساحة أوسع للتعبير والتطور.
الأسرة.. من الحذر إلى الفخر
لم تكن بيئة أحمد العائلية تألف طبيعة العمل الصحفي، لذا واجه في بداياته بعض القلق من الأسرة، كون المهنة جديدة على محيطه العائلي، لكن مع الوقت تغيّر ذلك تمامًا، وأصبح يحظى بدعمهم الكامل وفخرهم بإنجازاته.
ورغم أنه ليس خريج كلية إعلام، لم يمنعه ذلك من أن يصبح واحدًا من الصحفيين البارزين في مجاله. اعتمد على القراءة الذاتية والمشاركة في عشرات الدورات التدريبية الدولية والمحلية في مجالات متنوعة مثل: الصحافة الاستقصائية، الصحافة الصحية، تغطية الأزمات، السرد القصصي، والإسعافات الأولية.
ومن أبرز المؤسسات التي حصل منها على تدريبات:
جامعة بنسلفانيا (2021): الصحافة باللغة الإنجليزية.
دويتشه فيله (2021): الصحافة الصحية.
رويترز (2020): الصحافة الرقمية.
أريج: الصحافة الاستقصائية، السرد القصصي الرقمي، إدارة القلق والصدمات.
جامعة ميشيغان (2017): كتابة الأخبار.
فريدريش إيبرت (2015): الصحافة الاستقصائية.
نقابة الصحفيين المصريين (2015): الكتابة لوكالات الأنباء، تصوير الفيديو
الهيئة العامة للاستعلامات (2015): دبلوماسية الإعلام.
مركز الجيزويت الثقافي (2015): التكوين الصحفي.
منظمة الصحة العالمية وجامعة جونز هوبكنز (2020–2021): تغطية جائحة كورونا.
جامعة عمان – الأردن، والمركز الأوروبي (2015): الإسعافات الأولية للصحفيين.
تكريمات ومحطات صنعت الفرق
حصل “عاشور” على تكريم في التصوير من إحدى المسابقات في المملكة العربية السعودية، وتكريم آخر من معهد الإسكندرية العالي للإعلام.
من أبرز المحطات التي يعتبرها فارقة في مسيرته كانت العمل تحت إشراف الصحفية إلهام رفعت في جريدة روزاليوسف، والتي كانت أول من آمن به ودعمه على المستويين المهني والإنساني.
كما شكّلت فترة انتقاله إلى القاهرة للعمل بمكتب جريدة الدستور تحولًا كبيرًا في رؤيته الصحفية ومساحته المهنية.
وشارك أحمد أيضًا في عدد من المشروعات المجتمعية المؤثرة من خلال مركز الإبراهيمية للإعلام، مثل مشروع “مصرتوبيا” لنشر ثقافة السلام بين الأطفال، و”حتب” للتعريف بقوانين التعايش، بالإضافة إلى مشاركته في مشروع “المرأة في الإعلام” لتعزيز صورة المرأة ودورها في العمل الصحفي.
كما عمل مدربًا صحفيًا بمركز أركان التابع للكنيسة الكاثوليكية بالإسكندرية من عام 2015 وحتى 2018، ومدربًا بمركز تدريب روزاليوسف، وكان آنذاك أصغر مدرب في الفريق.
تجارب لا تُنسى.. من سيناء إلى غزة
يصف أحمد تجربته في تغطية جنازات الشهداء خلال الحرب على الإرهاب في سيناء بأنها من اللحظات التي لم يستطع فيها الفصل بين مشاعره وعدسة الكاميرا، يقول في حديثه للمرصد المصري للصحافة والإعلام: “تلك المواقف تركت أثرًا بالغًا في شخصيتي الصحفية والإنسانية”.
أما التجربة الثانية التي شكلت عمقًا جديدًا له، فكانت خلال تغطية الحرب على غزة في أكتوبر 2023، والتي عمل خلالها على تحقيقات استقصائية بارزة مع زميله الصحفي هاني سميح، منها:
“أقذر جرائم الإنسانية”: تحقيق عن قيام الاحتلال الإسرائيلي بإنشاء بنك جلود بشرية من جثامين الفلسطينيين، لأغراض البحث والتجارة وبيعها لمعامل التجميل العالمية.
“بين الأنقاض.. الأسبستوس قاتل جديد”: تحقيق كشف عن خطر غبار الأسبستوس الناتج عن تفاعل الجثامين تحت أنقاض المباني المتضررة في غزة، والذي يهدد السكان دون علمهم.
بين الأدب والصورة.. طموحات لا تتوقف
ظلت الكاميرا رفيقة أحمد عاشور طوال 14 عامًا، لكنه في عام 2024 انتقل إلى مساحة جديدة من التعبير عبر الأدب، فأصدر أولى رواياته البوليسية بعنوان “الوحدة 93″، والمبنية على أحداث حقيقية عاشها بنفسه.
ويعمل حاليًا على عدة روايات أخرى، من المنتظر صدورها في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 2026.
أما في مجال التصوير، يسعى إلى توثيق التراث الشعبي المصري من خلال السفر إلى مختلف المحافظات والتوثيق الفوتوغرافي، كمقدمة لإصدار موسوعة ثقافية تراثية مصرية، تجمع بين الكلمة والصورة.
وعلى صعيد الصحافة، فما زال حريصًا على التطور المستمر عبر التدريب والقراءة، مواكبًا لأحدث أدوات وتقنيات المهنة، وعلى الجانب الأدبي، يعمل حاليًا على عدد من الروايات التي تمزج بين الواقع والتخيل بأسلوب بوليسي إنساني.
أخيرًا.. يحلم أحمد عاشور بأن يُنجز خلال السنوات القادمة مشروعه الكبير: “توثيق التراث الشعبي المصري المعاصر”، في موسوعة أدبية مصورة تحفظ ملامح الهوية، وتسرد الحكايات التي لا تنقلها الأخبار.