إنجي عبد الوهاب.. صحفية لا تحيد عن الصدق في مهنة البحث عن المتاعب
“أسباب شغفي بالعمل الصحفي متشابكة وذات جذور عميقة؛ يمكنني القول أنها بدأت في طفولتي بسبب مشاهد الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، ثم تبلورت وباتت هدفًا لن أحيد عنه مع اندلاع ثورة يناير عام 2011”.
تتذكر الصحفية الدؤوبة إنجي عبد الوهاب متى وضح حبها للصحافة، وانكشف تطلعها للبدء في رحلة البحث عن المتاعب، لتشير في حديثها إلى المرصد المصري للصحافة والإعلام، إلى أنها من جيل عاصر مراحل عصيبة على المستويين الداخلي والإقليمي، “أتذكر جيدًا وعمري لم يتجاوز 12 عامًا حين استشهد الطفل الفلسطيني محمد الدرة، ليكون دم هذا البطل والتفاف يدي والده حول جسده الهزيل، جسرًا ربطني إلى الأبد بهذا الواجب الإنساني”، كما تقول.
أدركت إنجي حينها قيمة العدسة التي تنقل الحقيقة وسط حالة عامة من الزيف، وابتدأ ارتباطها بأولى محطات مهنة الصحافة انطلاقًا من تأثرها الشديد بمشهد دماء “الدرة” المتناثرة في القنوات، مصحوبة بأصوات المراسلين/ات الفلسطينيين/ات التي تفسر الحدث، أو تحاول نقل أي صوت حقيقي وسط شبح الموت الذي ربط في عقل إنجي حب المهن للأبد.
محطات مهنية وتحديات لا تنتهي:
لم يكن اختيار الإعلام وجهة إنجي الأولى، فقد اختارت الشُعبة العلمية بمرحلة الثانوية العامة، إرضاء لوالدتها التي دفعت كغيرها من الأمهات ابنتها للالتحاق بكلية أو مهنة عملية، وبعد انتهاء إنجي من المرحلة الجامعية عملت مُدرسة للغة الإنجليزية بإحدى المدارس اللغات الاستثمارية، وخلال عامين رأت وجه آخر للتعليم الاستثماري كسلعة تقدم لمن يدفع أكثر.
فجنحت مرة أخرى نحو حلم الطفولة بالعمل في الصحافة المتفقة وقيمها التي طالما حلمت بالتشبث بها، إلى أن حلت ثورة يناير 2011 لتنضبط معها بوصلة إنجي فتقرر ممارسة العمل الصحفي بلا عودة.
تقول: “كنت في البداية أفرغ طاقتي في الكتابة، وأبحث عن جريدة حتى اهتديت لأحد المواقع مطلع عام 2015 بعد 4 أعوام من البحث الدؤوب، وبهذا أعادتني ثورة يناير ومشاهدها لبوصلتي الأولى وحلمي الأول “أن أكون صوتًا للحقيقة، وفي قول آخر (صحافية) وبالمناسبة، انتقلت بعد فترة وجيزة لموقع البداية ( كان يديره آنذاك النقيب الحالي الذي اعتز به كثيرا خالد البلشي).
في تلك المرحلة كان الدعم الأسري غائبًا، نظرًا لرحيل والدها مبكرًا كانت الأم دائمة القلق من مهنة الصحافة ومخاطرها، وكانت تدفع ابنتها للعودة إلى مهنة التدريس، توضح إنجي: “كان ذلك عبئًا ثقيلًا بالنسبة لي، بقيت سنوات أقنعها، وهي لم تقنع، وقد تأجج قلقلها بعد تعرضي مرة للاعتقال بسبب عملي، وذلك إضافة إلى الأعباء المادية التي فرضتها عليَ مهنة الصحافة”.
وترى إنجي أن الصعوبات لا زالت قائمة ولكن بأشكال مختلفة، “التحدي الأكبر في هذا الزمان بالنسبة إلى من يعمل بالصحافة هو الحفاظ على استقلالية الصوت والقلم، وألا تكون المهنة أداة في يد أحدهم لتُوجٍه أو تُوجًه”.
نقطة أخرى فارق، وهي رحيل والدها عام 2013 الذي ترك أثرًا كبيرًا على استكمال مسيرتها المهنية والأكاديمية، كانت في السنة التمهيدية للماجستير بكلية الآداب، وأتمت العام التمهيدي بعد 40 يومًا من رحيل أبيها، ثم أجلت هذا الحلم قسرًا لـ8 سنوات بسبب التزامها المهني لحين الالتحاق بنقابة الصحفيين، بخلاف عودتها للعمل كُمدرسة لتحقيق الاستقلال المادي، واستمرت 10 أعوام تمزج بين المهنتين لتنويع مصادر دخلها المادي، لتظل صحفية (مستقلة)، تقول: “نعم أفعل ذلك لأحافظ على استقلال لساني وقلمي، فنظرتي لهذه المهنة بنوع من “المثالية” وجدتها بعيدة نسبيًا عن واقعها؛ كنت أظنها مهنة حرة، ومهنة تعتمد في أساسها على إطلاق العنان للحريات والدفاع عن التنوع كأساس أصيل لمبادئ العدالة والمواطنة والديمقراطية، لكن ما وجدته أن هناك جهود مضاعفة أحتاج بذلها من أجل التحقق ماديًا كي لا اضطر في أي وقت إلى الحياد عن مبادئي”.
ولأن إنجي من جيل عاش أحداث الثورة من بداياتها، واجهت كل مخاطر هذه المهنة توضح: “تعرضت للاعتقال والاختفاء القسري، وخلال 10 سنوات تركت المهنة مكرهة 3 مرات، وعدت لها بكامل إرادتي لأركز على قضايا العدالة الاجتماعية سواء على المستوى المحلي أو الدولي”.
خطوات فارقة:
بدأت إنجي مسيرتها المهنية بشكل منتظم فى سن متأخر نسبيًا مقارنة بزملائها، رغم ذلك طالما كثفت من جهدها لاستشعارها بالمسؤولية وبضرورة التقدم الدائم والمستمر، تتحدث بشيء من التفصيل عما وصلت إليه: “أحافظ على اسمي ولا ألوثه بما يسمى بـ(الصحافة الصفراء)، وهي للأسف سائدة منذ بدأت مسيرتي المهنية، أتطور أكاديميًا ومهنيًا، وبالتوازي أتعلم لغتين وأدرس صحافة الموبايل رغم ارتباطي بالورق، أعرف مبادئ الذكاء الاصطناعي، وكيفيه توظيفه في غرف الأخبار دون الوقوع في أفخاخه على صعيد الدقة وعلى صعيد تجنب التحيز، كما أحضر حلقات عمل لأعي حقوقي الجندرية في مجتمع يميز ضد النساء، ويرفض منحهن فرصًا يستحقونها أو يستنكر عليهن الحق في الالتحاق بالصفوف الأولى”.
وتتابع: “كنت أركز دومًا على الإنسان كقضية مركزية حتى وأنا أغطي الشؤون الخارجية، حاولت التركيز على الأبعاد الإنسانية للقضايا الدولية السياسية منها والاقتصادية، عل ذلك يكون نبراسًا، مع اهتمام بقضايا التنوع الاجتماعي ومفاهيم العدالة الاقتصادية والمناخية”.
تعمل إنجي في الوقت الحالي محررة للشؤون الخارجية بصحيفة المصري اليوم، وهي الصحيفة التي تعتز بها كثيرًا، وقد التحقت قبلها بصحيفة الشروق، عطفًا على نشرها مع عدة صحف عربية بينها سكاي نيوز عربية وسودان بوست، وصحيفة الوسط الليبية.
جوائز وتكريمات:
تهتم الآن إنجي بتغطية مناطق الحروب والنزاعات في المنطقة العربية، وتطمح بأن تكون “مراسلة حربية”.
وحصلت خلال مسيرتها المهنية على جائزة من مؤسسة هيكل للصحافة العربية والنشر، عن برنامج تغطية الحروب والنزاعات في عصر الصحافة الرقمية، عن تحقيق مدعوم بالبيانات يوثق جريمة تعرض أطفال السودان للإتجار جراء النزاع الدائر منذ أبريل 2023 حتى اليوم.
وتروي تفاصيل تلك التغطيات: “العمل على مناطق النزاع في منطقتنا العربية تحديًا؛ بداية من فلسطين تلك القضية التي أتت بي للصحافة، في حرب الإبادة التي شنها الاحتلال على غزة في أكتوبر 2023 كانت تغطية قصص الضحايا سواء أطفال بترت أطرافهم، أو محاصرون في القطاع تحت الجوع وندرة المياه، أو أسر العالقين تحت الأنقاض تنفذ إلى قلبي كخنجر حاد”.
وتروي عن موقف لن تنساه ما حيت: “بعث لي شاب فلسطيني مناشدة لإجلاء طفله الرضيع من غزة إلى مصر، بالفعل نشرنا مناشدته، لكنه أخبرني بعد يومين بوفاة رضيعه قبل استخراج شهادة ميلاده، وكان وقع الخبر مؤلمًا، ظللت يومين غير قادرة على استكمال العمل لكنني عدت بدافع شعوري بالمسؤولية”.
أما حرب السودان، فخلال تحقيقها “مصائر في مرمى المجهول”، أجرت مكالمات مع ضحايا اغتصاب، وكان بينهن قاصرات روين قصص هروبهن تحت جنح اللبل من المسلحين، كان وقع الروايات مؤلمًا إضافة إلى التحديات التي واجهت إنجي للعثور على الضحايا والتحقق منهن، ومن قصصهن عن بعد.
كما عملت أيضًا إنجي في مجال الصحافة العلمية، خاصة تلك الموضوعات التي تغطي العدالة المناخية، وهنا أبدت اهتمامًا بإفريقيا كونها الحلقة الأضعف، حينها قامت بتغطية مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ في دورته السابعة والعشرين المنعقدة في شرم الشيخ2022 والتقت بمعظم وزراء البيئة الأفارقة، “كنت أشعر بالمسؤولية تجاه القارة السمراء التي تعاني جورًا وتدفع ثمن أعباء مناخية ارتكبها الغرب بتغولهم في الصناعة”.
وأخيرًا.. لدى إنجي أحلام مهنية لا تنضب، تطمح بأن تكون وجهًا إعلاميًا أيقوني كشيرين أبو عاقلة، وتحلم بتأسيس وامتلاك منصة صحفية لتغطية قضايا النساء في الشرق والجنوب من العالم، “حيث يمارس ضد تلك المنطقة كل أشكال التمييز الاقتصادي والسياسي من قبل النظام العالمي الجائر وبالطبع، تدفع النساء الثمن الأكبر لهذا الجور” كما تشير.
وقررت الانخراط في ماجستير النوع الاجتماعي والتنمية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية هذا العام، وتخطط أيضًا لدراسة القانون الدولي الإنساني، لتأسيس تجربة نقابية فريدة، متبعة خطى الصحفية المخضرمة عبير السعدي، وتصفها: بـ” النموذج المضيء”.