بروفايل

الشيماء زيدان.. من دعم والدها إلى حلم المراسلة وشغف الصحافة الإنسانية

منذ طفولتها كانت الشيماء زيدان تتابع أخبار العالم في الصحف وعلى شاشات التلفزيون، يحركها فضول لا يهدأ تجاه ما يجري خارج حدود قريتها الصغيرة. وحين اندلعت حرب السابع من أكتوبر 2023، شعرت بأن اللحظة التي طالما تخيلتها قد حضرت، إذ أدركت أن رسالتها الحقيقية هي نقل شهادات ضحايا الحرب إلى العالم أجمع.

ولدت الشيماء في قرية نزلة حسين بمحافظة المنيا، حيث عاشت طفولة بسيطة في كنف أسرتها. لكن تلك الطفولة لم تخل من التحديات، فقد اصطدمت منذ وقت مبكر برغبة بعض أفراد العائلة في أن تتوقف عن التعليم وأن تتزوج صغيرة مثل كثير من فتيات القرية. غير أن والدها وقف في وجه هذا المصير المرسوم، مدفوعا بتجربته الشخصية ومعركته القديمة التي خاضها كي يكمل تعليمه.

وفي سن مبكرة كانت الشيماء تسمع الجملة التي تتردد في بيوت القرية عن أن البنات يجب أن يتزوجن مبكرا، إلا أن والدتها اتخذت موقفا مغايرا. كانت امرأة بسيطة لم تنل قسطا من التعليم، لكنها أدركت قيمته بعمق، فأخبرت ابنتها أن التعليم هو سلاحها الوحيد في الحياة. ومن تلك اللحظة بدأ وعي الشيماء يتشكل ويتفتح على عالم أوسع مما حولها.

كبرت وهي تراقب التفاصيل التي تجعل المرأة في مجتمعها تعامل بدرجة أقل من الرجل، فاشتعل بداخلها غضب مكتوم تحول بمرور الوقت إلى اسئلة لا تهدأ. ومع اتساع رؤيتها للعالم اكتشفت أن الصحافة قد تكون الطريق الذي يتيح لها أن تفهم الواقع وتنقل قصصه وتواجه الظلم الذي كانت تراه.

كانت تقرأ الصحف يوميا وتتابع نشرات الأخبار بشغف، وتحلم أن تصبح مراسلة حرب تنقل أثر القصف وتوثق معاناة المصابين. ووجدت في شخصية ليلى بفيلم “الباب المفتوح” نموذجا للمرأة صاحبة الصوت والقرار. ومن هنا ولدت لديها فكرة أن تكون إعلامية تنقل صوت الناس وتدافع عن حقهم في أن يراهم العالم.

لم يكن ذلك مجرد حلم عابر، بل خطة حياة وضعتها مبكرا. فقد كانت من أوائل طالبات مدرستها الأزهرية ونالت التفوق عاما بعد عام. وحين ظهرت نتيجة الثانوية العامة وقررت الالتحاق بكلية الصحافة والإعلام بجامعة الأزهر، عاد الصدام العائلي من جديد. فالخوف من سفر ابنة القرية كان كبيرا، لكن والدها أصر على موقفه ودعمها ليكون التعليم طريقها نحو المستقبل.

التحقت بالجامعة عام 2012 في وقت كانت مصر تعيش فيه اضطرابا شديدا بعد ثورة يناير. وللمرة الأولى وجدت نفسها بعيدة عن أسرتها بآلاف الكيلومترات، وسط اعتصامات وتوترات سياسية واجتماعية. وهناك اكتشفت فجوة واسعة بين مجتمع القرية الذي نشأت فيه ومجتمع المدينة الذي احتضن تجربتها الجديدة، الأمر الذي دفعها أكثر نحو مهنة البحث عن الحقيقة.

في عامها الجامعي الثاني بدأت العمل في راديو رسالة عام 2013، حيث قدمت برامج وتعليقا صوتيا أكسبها ثقة أكبر أمام الميكروفون. وبعد تخرجها عام 2017 واصلت طريقها عبر عدد من الصحف منها “أهل مصر” و”بلدنا اليوم” و”الفجر” قبل أن تستقر في جريدة “الدستور”. وخلال تلك السنوات كتبت عن الناس البسطاء وعن الفقر والظلم والقصص التي لا يلتفت إليها أحد، حتى أدركت أنها وجدت نفسها في الصحافة الإنسانية.

لكن النجاح لم يكن سهلا. فبعد سنوات من الضغط والإرهاق أصيبت بحالة من الاكتئاب جعلتها تفكر في ترك المهنة. غير أن كلمات والدها آنذاك أعادت إليها قوتها، إذ ذكرها بالطريق الطويل الذي سلكته، فاستعادت توازنها وعادت إلى العمل من جديد.

واجهت الشيماء أيضا تحديات داخل قريتها، حيث تعرضت لانتقادات واتهامات بأنها مختلفة عن فتيات القرية. لكنها مضت في الطريق الذي اختارته بكامل إرادتها، مدركة أنها ستدفع ثمنا ما، إلا أنها لم تشعر بالندم يوما. ومع مرور السنوات لاحظت أن بنات القرية أصبحن يذكرنها باعتبارها قدوة، ويرغبن في أن يصبحن صحفيات مثلها.

وكانت حرب غزة أكثر اللحظات تأثيرا في مسيرتها المهنية. فمع أنها لم تكن في الميدان، إلا أنها كانت في قلب الحدث عبر تواصلها اليومي مع أهالي غزة وتوثيق شهاداتهم. وكان الكاتب يلاحظ كيف أثرت التجربة في أعماقها، فقد سمعت عبر الهاتف صرخات تحت القصف، وشعرت كما لو أن رائحة الغبار وصلت إليها. وتركت تلك الفترة جرحا داخليا لا يزول.

اليوم تواصل الشيماء زيدان طريقها بين العمل الميداني والقصص الإنسانية، بينما يظل حلمها بأن تصبح مراسلة حرب معلقا في الأفق، يلوح لها كلما أمسكت بقلمها أو فتحت دفاتر شهادات غزة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى