الصحفية سارة جمال.. صوت من لا صوت لهم
بطلة هذا الأسبوع هي الصحفية سارة جمال، واحدة من أهم الصحفيات اللاتي يعالجن قضايا المجتمع والحقوق والحريّات بحرفية وواقعية شديدة، وبشجاعة قلّما نجدها.
ربما تندهش للوهلة الأولى حين تقرأ عناوين التحقيقات والتقارير التي تحمل اسم “سارة جمال” على المنصات الصحفية المُختلِفة، وبمجرد قرائتها ستشعر حتمًا أنك تجلس بشكل مباشر مع هؤلاء المُهمشين والمحرومين من أبسط حقوقهم، وستندمج حتى الكلمة الأخيرة التي ترغب بعدها في التصفيق الحاد لجهدها المبذول.
تربّت سارة وسط أسرة تدعمها وتُقدر شغفها، فكانت والدتها نقطة البداية؛ حيث زرعت فيها حُب القراءة والاطلاع منذ طفولتها، أما والدها فكان يحرص على مكافأتها نهاية كل أسبوع، بشراء الصحف والمجلات التي تروقها وتفضّلها.
من هنا تعلّقت “سارة” بالكتابة والبحث وأرضى شغفها التحاقها بكلية الإعلام جامعة القاهرة تخصص الصحافة، وبدأت ممارسة العمل الصحفي أثناء دراستها.
تنقّلت بين عدد من الملفات والمهام، كان أولها التغطية الميدانية لأحداث فارقة منها إضراب عمال المحلة في 6 أبريل عام 2008، وما رافقه من تظاهرات، وكذلك قامت بتغطية ملف العمال، والحوادث، والمتابعات الميدانية، والتحقيقات.
“ملامح” كان اسم مشروع تخرجها الذي تعاونت فيه مع زملاء الدراسة، وكان عبارة عن مجلة تنشر موضوعات بطريقة الفيتشر الصحفي (اللقطة)، الذي لم يكن منتشراً وقتها، لتشعر أنها وقعت في غرام رواية قصص الناس ليكونوا هم أبطال القصة الصحفية.
وتم اختيار المجلة ضمن المشاريع المتميزة، وطلب المذيع عمرو الليثي، من الفريق الانضمام لإعداد برنامجه في ذلك الوقت “واحد من الناس”.
أما بعد تخرجها، التحقت بشركة لبحوث الإعلام، كما قامت بإعداد مجموعة من التقارير التليفزيونية، منها على سبيل المثال: مثلث ماسبيرو المهدد بالخطر في ذلك الوقت، وتلوث المياه في إحدى قرى المنوفية بالصرف الصناعي وتسببها في مشكلات صحية للمواطنين، ومناطق تل العقارب وعزبة القرود العشوائيتان المهددتان بالانهيار في ذلك الوقت.
وبعدها انضمت في 2010 لموقع البديل الإلكتروني بعد انطلاقته الثانية، وتقول سارة إن خط البديل التحريري كان الأقرب لقلمها وأفكارها، ولكن مع تخرجها كان إصداره الورقي قد توقف، لذا كانت سعيدة جدًا بعودة البديل الإلكتروني في 2010، وكان استقبال رئيس تحريره الأستاذ خالد البلشي -نقيب الصحفيين الحالي – بالغ اللطف والأثر.
استمرت سارة في العمل بالبديل لفترة طويلة، انتقلت مع نهايتها لجريدة الوادي، وخلال تلك السنوات، واصلت العمل الميداني،كذلك عملت على ملفات الحريات وحقوق الإنسان والمجتمع المدني وحقوق المرأة.
ثم انضمت لفريق موقع البداية في تجربتيه الأولى والثانية، وبدأت العمل كمحررة ديسك ولاحقًا كمسؤولة نشر، ثم انضمت لموقع “مصريات” المعني بقضايا المرأة كمسؤولة نشر، ثم عملت كمديرة نشر في مؤسسة أونا نيوز.
اكتسبت سارة جمال مزيد من الخبرة بالملفات التي تهتم بالعمل عليها، عبر الالتحاق بالعمل كباحثة أو مسؤول إعلامي في عدد من مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحقوقية المصرية والدولية، ومن بينها مركز القاهرة، ولجنة الإغاثة والطوارئ، وبعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات الرئاسية، والمركز الإقليمي للحقوق والحريات.
و في عام 2019 بدأت العمل كصحفية مستقلّة للتحقيقات الاستقصائية والقصص المعمقة، وهو الأمر الذي وجدت فيه شغفها خلال السنوات الأخيرة، والتي عملت خلالها على تحقيقات وقصص مدفوعة بالبيانات حول قضايا الصحة والمجتمع وحقوق النساء والأطفال والبيئة، وتعاونت مع عدد من المؤسسات والمنصات بينها أريج، ورصيف 22، درج، شريكة ولكن، مناخ، بلينكس.
وكانت أهم موضوعاتها في هذه الفترة: “جشع أو تساهل.. مشرط القيصرية يلقي بالمواليد إلى الحاضنات”، وهو تحقيق استقصائي مدفوع بالبيانات بالتعاون مع أريج، كشف عن تصاعد معدلات القيصرية لأكثر بكثير من المعلن عنه في ذلك الوقت، وعن تسببها في دخول المواليد للحاضنات.
أيضًا تحقيق “بيزنس الليزك” كشف عن إجراء عمليات تصحيح الإبصار دون ضرورة ودون الإفصاح عن المضاعفات المحتملة، ما تسبب في إصابة عدد من المرضى لمضاعفات.
وتحقيقها المُميز “كشف جبري.. عنف الولادة يمر من دون حساب”، تحقيق استقصائي مدفوع بالبيانات، كشف عن إجراءات طبية غير ضرورية أثناء الولادة وتعرض بعض السيدات لأشكال متعددة من العنف التوليدي.
كما أنتجت مجموعة أخرى من التحقيقات والقصص المعمقة، التي تناولت : التلوث البلاستيكي، والإجهاض، والمواريث، والتوحد، والعنف ضد الأطفال، وتزويج القاصرات، والاختبارات غير القانونية للالتحاق بالمدارس، وغيرها.
لم تكتفِ الصحفية سارة جمال بموهبتها الفذّة أو مجهودها المهني لكنها تسعى بشكل دائم لتطوير نفسها ،فحصلت على عدد من التدريبات المتقدمة ومنها، دبلوم صحافة البيانات، والسرد القصصي المتقدم، وزمالة الصحافة البناءة، وإنتاج التحقيقات الاستقصائية التلفزيونية.
وفي عام 2022 حصلت سارة جمال على منحة الصحافة الاستقصائية النسوية، وهي منحة تنافسية مقدمة من مؤسسة فريدريش إيبرت، وترشح تحقيقها الاستقصائي المدفوع بالبيانات “كشف جبري.. عنف الولادة يمر من دون حساب”، لجائزة سمير قصير لحرية الصحافة، في 2023.
أما عن الوقت الحالي فتهتم سارة بالعمل على ملف الحقوق الصحية للنساء، لأنها ترى أنه ملف مهم ويؤثر على قطاع كبير من السيدات ويمتد أثره لأطفالهن وأسرهن والمجتمع ككل، دون أن يلقى التغطية الكافية. وأيضًا لديها اهتمام خاص بالعمل على التحقيقات الاستقصائية المدفوعة بالبيانات، لأنها قادرة على كشف الحقائق وإحداث الأثر.
وعن الأشخاص المؤثرين في مشوارها المهني، فهي تشعر بالإمتنان لدعم أساتذتها الذين كان لهم بالغ الأثر عليها بداية من الأستاذ خالد البلشي، وكذلك الأستاذات العزيزات نفيسة الصباغ، بيسان الشيخ، وربى الحلو.
وختامًا، تحلم سارة جمال بأن تستعيد الصحافة حريتها وتمارس دورها في تحقيق أثر إيجابي في حياة الناس.