الصحفي مراد رشدي.. عين الحقيقة من شمال سيناء
كان ومازال جزءًا من الأحداث التي ينقلها من محافظته في شمال سيناء، فلا ينقل الوقائع وهو بمعزل عنها، بل يعيشها ويتأثر بالكثير منها حتى انطبعت على ظهور رؤيته صادقة وأكثر تعبيرًا عن الصحافة النابعة من التجربة الذاتية، ومنها تكلل جهده بحصوله مؤخرًا على الجائزة الأولى من مؤسسة هيكل للصحافة تقديرًا لتجربته في تغطية الأحداث الحربية للعدوان على غزة، وغيرها من التقارير الصحفية التي أصبحت بمثابة دليل لمن يريد فهم ما يحدث في سيناء.
الصحفي مراد رشدي في سطور:
أنهى مراد رشدي حجازي دراسته الجامعية بكلية الإعلام عام 2012 بتقدير عام امتياز، ويعمل حاليًا صحفي ومراسل لشمال سيناء في موقع مدى مصر.
بدأ حبه للصحافة منذ طفولته بسبب ارتباط والدته الراحلة بالراديو، ومحطات الأخبار التي كانت بوابته الأولى لفهم ما يحدث في العالم، يتذكر: “هنا لندن من إذاعة بي بي سي.. كانت تلك العبارة تجذبني للاستماع إلى الأخبار، وفهم ما يحدث حولنا، وبعد ذلك قرأت من مكتبة والدي التي في الثقافة والأدب والسياسة ثم الجرائد التي ربطتني أكثر بحب المهنة”.
محطات مهنية:
تخرج مراد من الكلية بعد ثورة يناير، وكانت مصر كلها في حالة حراك سياسي، لكن الوضع في سيناء كان مشتعلًا على أخره، حرب واشتباكات ورايات سوداء للجماعات الإرهابية ترفع في الميادين، يقول عن هذه الفترة: “لم أنتظر للحصول على فرصة جيدة، فقد صنعت فرصتي بالعمل في جرائد ومبادرات محلية كانت تنقل ما يحدث في سيناء للإعلام والمنصات الإلكترونية، لتأتي الفرصة في 2014 بالعمل بشكل احترافي في جريدة التحرير كمراسل وناقل لأخبار سيناء”.
ويضيف خلال حديثه للمرصد: “كتبت عن النازحين من خرجوا من رفح والشيخ زويد وعن الاشتباكات على الكمائن، وكتبت العديد من القصص التي انتشرت ولاقت رواجًا لنقلها ما يحدث في هذه المنطقة المشتعلة”، يحكي: “من القصص المقربة لقلبي كانت بعنوان: “النازحون في شمال سيناء.. الجرح الذي لم يندمل”.
منذ عام 2016 تغير الحال في الصحافة، وتحول اهتمام المواقع الإخبارية إلى ملاحقة الترند والإغراق في الأخبار شديدة المحلية من انقطاع المياه أو تتبع أنشطة المحافظ، ليتكرر رفض نشر أخباره، ما دفعه للاستقالة من جريدة التحرير والبحث عن فرصة جديدة وجدها بعد 6 أشهر من التعطل عن العمل والاكتفاء بنشر الأخبار على صفحته الشخصية عبر فيسبوك.
وفي عام 2017 حصل على فرصة جديدة للعمل مع منصة مدى مصر، التي تتسم بمساحتها الكبيرة في الحرية والاهتمام بالمعلومات المعمقة، يقول: “كتبت العديد من التقارير التي أعتبرها بمثابة وثيقة لما حدث في سيناء، ومنها موضوعات كنت جزءًا منها، وعايشتها بنفسي، مثل تفاصيل مذ بـ حة مسجد الروضة، التي أسفرت عن وقوع مئات القتلى والجرحى، شاهدت المشهد المأساوي بوجودي في قلب الحدث بعد 45 دقيقة من وقوعه، لنقل كل التفاصيل والحكايات من أصحابها”.
كما نقل عن تفاصيل العملية الشاملة للقوات المسلحة في سيناء، وحكايات المدنيين مع البحث عن الطعام الشحيح وقتها، “كنت واحدًا ممكن يخرجون في الصباح للبحث عن الطعام ﻷصل المنزل في الساعة الرابعة ظهرًا”.
وأيضًا نقل الأحداث التي عرفت إعلاميًا بـ “يوم الاثنين الأسود”، والتي وقعت وسط العريش بعد تحولها إلى ساحة حـ ر ب بعد قيام الجمـ اعـ ات الإرهـ ابـ ية بسطو مسلح على البنك الأهلي، وسرقته ونقل كافة التفاصيل ﻷنهاوقعت بالقرب من مسكنه وكان شاهدًا على الحدث من بدايته.
إنجازات مهنية:
مؤخرًا بالتحديد في عام 2022 كتب 3 تقارير بمثابة وثيقة تاريخية ستبقى موجودة لأي باحث/ة أو قاريء/ة يبحث/تبحث عن كيف انتهت الحرب في سيناء بعد دخول القبائل للمشهد.
يقول: “أعتز بهذه التقارير وأعتبرها أحد أهم الإنجازات التي قمت بها في عملي بالصحافة لتوضيحها كل ما يحدث في معركة شمال سيناء واتجاهها لمرحلة الاستقرار”.
أحد التقارير حمل عنوان: “هل يكتب تحالف القبائل أخر فصول الحرب في سيناء؟”، والثاني: “معركة الشمال.. الجيش والقبائل في وجه التنظيم والجغرافيا والأزمات الداخلية.”
حرص مراد على نقل انعكاس الحرب على حياة الناس المدنيين والأهالي والقبائل، وواجه لنقل هذه الصور صعوبات جمة منها إقناع الناس أنفسهم بالحديث للصحافة خاصة وأن مجتمعات سيناء محافظة بشكل كبير، ومنها أيضًا صعوبة الوصول إلى المصادر الرسمية وتدقيق المعلومات.
غير أنه في كل القصص يشعر أنه بطل من أبطالها، يقول: “قصص كثيرة قريبة لي وكتبتها من واقع تجاربي الشخصية وما عاينته في مدينتي، ومنها قصة عن خروج الناس من رفح المصرية من بعد 2015 إلى 2017 حملت عنوان: “رفح.. مدينة الدماء والرحيل”، تأثرت بها كثيرًا ﻷن معظم الناس أصحابي وتحدثوا لي عن ذكرياتهم ومشاعرهم تجاه بيوتهم وأمالهم في العودة لمدينتهم”.
تكللت جهود الصحفي الدؤوب مراد بحصوله على جائزة هيكل عن إجمالي تقارير كتبها منها قصة عن تتبع رحلة خروج المصريين من السودان بعد الحـ رب الأهلية في السودان عام 2023، ما اضطرهم إلى الإجلاء الجوي وخوض رحلة 1000 كيلو متر للوصول إلى المعابر المصرية، ومواجهة جرائم قوات الدعم السريع وسط حـ رب أهلية في السودان، بمشاركة زميل في مدى مصر من محافظة أسوان اسمه معتز هكا.
أما قصته الثانية تناولت انعكاسات الحرب في غزة على مصر فيما يخص شمال سيناء، وسلطت الضوء على العالقين في شمال سيناء بعد ما أغلق معبر رفح، وثالثة عن سبب دفع إسرائيل بالفلسطينيين تجاه سيناء.
تحديات وطموحات:
يرى الصحفي مراد رشدي أن الصحافة والإعلام في مصر في واقع مأزوم – لأسباب عدة منها داخلية تتعلق بممارسة أهل المهنة أنفسهم لإجراءات تعسفية ضد الصحفيين/ات من فصل تعسفي وإعطائهم مرتبات هزيلة في ظل حالة تضخم يعاني منها المجتمع، ما يعد مناخًا محبطًا وغير مرحب ببقاء الصحفيين/ات الأكفاء في المهنة، أو بقائهم بممارسة أقل أداء.
ومع ذلك لا يزال لحلمه بقية، ويرى أن الاستمرارية في التعلم هو أهم خطوة لتطوير الصحفي/ة أدواته/ا ويحاول التدرب على أشكال عديدة من الكتابة باعتبارها عصب المهنة، كما أنه يسعى للحصول على دورات تدريبية في الصحافة الحديثة وبالتحديد في صحافة تدقيق المعلومات والتحقق لا سيما في عصر التكنولوجيا المتطورة.
ويحلم مراد بأن يجوب العالم من خلال تغطية الأحداث الساخنة يقول: “أحلم بارتداء الخوذة والسترة الزرقاء المكتوب عليها صحافة، وأقف في ساحات الحرب لكتابة المزيد من القصص الصحفية ونقل الحقيقة للعالم”.