بروفايل

باكينام قطامش.. من طفلة أوقفتها رواية لطه حسين إلى إحدى أعمدة الصحافة الفنية في مصر

وُلدت في مدينة الدمام بالسعودية لأب طبيب وأم ربة منزل، وعاشت طفولتها مغموسة في هدوء البيت ودفء الكتب. وعندما عادت إلى الأراضي المصرية في عمر الرابعة، بدأ والدها في غرس حب القراءة داخلها، إذ لم يتوقف يوما عن إحضار الكتب لها، كأنه يقدم لها مفاتيح لعوالم لا تنتهي. وكانت تلك أول فصول قصة حياة الكاتبة الصحفية باكينام قطامش.

لحظة التحول الحقيقية لصحفية تحولت إلى أحد أعمدة الصحافة الفنية في مصر بدأت عندما قرأت رواية “جنة الشوك” لطه حسين وهي في العاشرة من عمرها. هنا، ألقت الرواية من يدها الصغيرة لعدم قدرتها على فهمها، فصرخت في والدها قائلة: “أنا مش فاهمة حاجة!”.. لم يوبخها الأب، ولم يعنفها، ولم يغضب، بل احتواها بابتسامة، وأخبرها بأن وقت هذا الكتاب لم يحن بعد، ووعدها بأن يختار لها ما يناسبها، فابتاع لها روايات أجاثا كريستي وغيرها مما يلائم عمرها. لكنها ظلّت تشعر بغضب خافت حتى انكشفت لها معاني الرواية شيئا فشيئا.

ظل هذا الموقف علامة مضيئة في تجربتها، حتى إنها كتبت لاحقًا مقالًا بعنوان “طه حسين السبب”، استعادت فيه تلك اللحظة الأولى التي دفعتها إلى الطريق الذي استمر عقودا؛ فالبداية كانت مع كتاب لم تفهمه.

واصلت باكينام محاولاتها الأولى في الكتابة؛ نصوصًا بسيطة تلائم عمرها، لكنها تكشف عن شغف وصل حد السماء. التحقت بقسم الفلسفة بكلية الآداب – جامعة القاهرة، وتخرجت عام 1981. وبعد خمس سنوات جاءت فرصتها الحقيقية عندما عرفها أحد الأصدقاء إلى نائب رئيس تحرير مجلة “الكواكب”.

تقول: “أول أيامي في المجلة صادفتُ العدد السنوي لعام 1986، فكُلِّفت بإعداد ملف عن النقابات الفنية في مصر. أجريتُ حوارات مع رؤساء نقابات الموسيقيين والتمثيليين والسينمائيين، ولم أكن أتوقع نشر العمل باسمي. لكن حين رأيت اسمي في نهاية الصفحة شعرت بفرحة الإنجاز الأول، فحملته بفخر وأريته لعائلتي بأكملها. ومن ذلك الوقت بدأت خطواتي الواثقة داخل الكواكب”.

استمرت باكينام عشر سنوات تعمل وتثبت حضورها داخل أروقة مجلة “الكواكب”، فأجرت حوارات مع عدد كبير من القامات الفنية في مصر، حتى تم تعيينها رسميًا بالمجلة عام 1996، ومن هناك التحقت بجداول نقابة الصحفيين. وتروي: “كان التعيين متوقفًا فترة طويلة بسبب خلاف نشب بين رئيسة التحرير آنذاك ورئيس مجلس الإدارة”.

وفي واحدة من أبرز محطاتها المهنية، كلفها لويس جريس – رئيس تحرير مجلة “ستالايت” وقتئذ – بإجراء حوار مع الفنان الكبير عادل أدهم. استقبلت التكليف بدهشة حقيقية قائلة: “يا أستاذ لويس، إنت بتهرج؟ مستحيل يوافق! عادل أدهم ومحمود مرسي ما بيعملوش حوارات!” إلا أن جريس طلب منها الاتصال به وإخباره بأنها تعمل معه.

المفاجأة أنها عندما هاتفته، وما إن علم بعملها مع جريس، حتى قال لها ببساطة: “تعالي اشربي معايا قهوة”. ذهبت، لتجد نفسها تقضي أربع ساعات كاملة مع هذا الفنان الاستثنائي، ساعات كشفت لها عن روح مختلفة خلف وجهه الشهير.

لم تنسِ الصحفية الكبيرة تجربتها مع موضوعين صحفيين؛ أحدهما كان لقاءً تخيليا بين أحمد زكي وعبد الحليم حافظ بعد وفاة الأخير بعنوان “لقاء لم يتم”، وضعت فيه أوجه التشابه بين الشخصيتين من النشأة في الشرقية واليُتم وغيرهما من التشابهات، والآخر كان حوارا تخيليا بينها وبين الفنانة فيروز.

أجرت باكينام خلال مسيرتها حوارات مع كبار النجوم؛ تحدثت مع نور الشريف، وفتحت مساحات عميقة مع محمود ياسين، وجلست مع سميحة أيوب تستمع إلى حكمة المسرح ورائحته القديمة. ورغم قيمة كل هذه اللقاءات، ظلّ حوار عادل أدهم الأعمق في ذاكرتها، وكأنه علامة لا تُمحى.

وفي تلك السنوات كان مهرجان القاهرة السينمائي حدثًا مهيبًا، لا يُسمح لكل صحفي بدخوله أو تغطيته. لكن يد الصحفية أمينة الشريف فتحت لها باب المهرجان وقدّمتها إلى مساحته المغلقة، لتبدأ من هناك مرحلة جديدة من اقترابها من عالم السينما ونبضه الحقيقي.

ومع مرور السنوات واجهت باكينام مرحلة جديدة حين ذهبت لإجراء حوار مع الإعلامية سلمى الشماع، لكن الشماع رأت فيها ما هو أبعد من مجرد صحفية، فطلبت منها الانضمام إلى فريق إعداد البرامج.

هنا انتقلت باكينام إلى شاشة التلفزيون، وعملت في برامج كبرى مثل “نهارك سعيد”، أحد أهم البرامج اليومية. ورغم النجاحات، لم تكن الطريق خالية من التحديات؛ إذ واجهت تمييزًا ضد الصحفيات، في ظل نظرة نمطية ترى أن المرأة منشغلة ببيتها، وأن العمل الصحفي ليس أولوية لديها. لكنها أثبتت العكس بتفانٍ ومثابرة.

وتروي باكينام: “ابني ورث حب الفن عني؛ فمنذ طفولته يقرأ ويساعدني في تحضير الموضوعات الصحفية، حتى التحق بمعهد السينما – قسم الإخراج”.

وفي ختام تجربتها توجه نصيحة للأجيال الجديدة من الصحفيين: “اقرأوا”. فالقراءة هي التي تصنع الصحفي الحقيقي وتمنحه البصيرة لرؤية ما لا تراه العين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى