بربارة يوسف.. صحفية من قلب الصعيد إلى العالمية

 

بطلة هذا الأسبوع، هي الصحفية بربارة يوسف، التي نجحت في السير بخُطى ثابتة، منفردة، دون صُحبة، أو أصدقاء، أو مظلّة مؤسسية واحدة.. فقط اعتمدت على جهدها، وحُلم ظنه من حولها بعيد المنال، قبل ما تحققه وتُقنع الجميع بحقيقته.

ولدت وتربّت بربارة في المنيا، وأنهت دراستها الجامعية في كلية آداب إعلام قسم صحافة عام 2014، وقبل ذلك فهي قارئة منتظمة خاصة في الفلسفة الغربية، قرأت معظم أعمال كُتّاب الأدب الروسي، مثل دوستويفسكي، ليو تولستوي، نيقولاي جوجل، مكسيم غوركي، وغيرهم، هذا بالإضافة إلى دأبها الاطلاع على نجوم المكتبة المصرية، مثل عباس محمود العقاد، وطه حسين، ونجيب محفوظ، وآخرين.

لم تتردد بربارة مرتين في اختيار العمل الصحفي، فنظرتها الإنسانية للأحداث، وحبها لفهم أدق تفاصيل ما يدور حولها، كانت نقاط انطلاقها نحو مهنة الصحافة.

بدأت عملها في القسم الفني والوثائقي بمجلة روزاليوسف عام 2018، وفي المنيا كانت تكتب بمجلة محلية تُسمى “صوت المنيا”، تقربت بواسطتها من الناس في القُرى، وسمعت شكواهم، وعبرت عنهم في كتاباتها.

نجحت في الحصول على منحة للدراسة في لبنان باسم “صحافة السلام.. الصحافة المحايدة أثناء الحروب والنزاعات”، وتكوّنت لديها شبكة علاقات ومصادر صحفية، دفعتها نحو خطوات جديدة في المجال.

تقول في حديثها للمرصد: “هذه النوعية من الصحافة لا نحتاج لها كثيرًا، كبلد مُستقر، ولكنها عرّفتني على شكل كتابة هادئة بعيدة عن التحيّزات”.

وأنجزت خلال رحلتها ملف عن أزمات سوريا، نُشر في جريدة المصري اليوم، وظلّت تعمل في أكثر من مكان على تحقيقات تحتاج لجهد بالأشهر.

في بدايات عام 2022، تقدمت إلى شبكة “أريج” بفكرة تحقيق عن “أطفال المحاجر في مصر”، تحمل تفاصيل عن الانتهاكات التي يتعرض لها الصغار خلال عملهم الذي يكسر القوانين الدولية الخاصة باحترام هوية الأطفال، وتجريم عمالتهم، وكانت المنيا بها أعداد تقارب 22 ألف طفل يعمل في الأماكن الخطرة، مثل المحاجر والمناجم.

تم قبول الفكرة التي تقدّمت بها، ونفذتها على مدار 8 أشهر، من خلال توثيق ما يواجهه الأطفال من مخاطر في بيئة العمل غير الآمنةالتي تعرضهم للعديد من المخاطر الصحية.

وتشرح بربارة قائلة: “كانت تغطية شاملة من خلال وثائق وملفات، تؤكد أن الأطفال تتعرّض للموت أثناء عملهم في المحاجر، وآخرون يفقدون أطرافهم بالمناشير والآلات الحادة، التي يتعاملون معها، وتم توثيق الحكايات من آباء/ أمهات الأطفال، ومن خلال المحاضر الرسمية”.

نُشر التحقيق في سبتمبر 2022 باسم “الأيدي الدامية… أطفال محاجر المنيا”، وكان له أثر كبير على مستوى القوانين، إذ تواصلت معها أمين عام النقابة العمالية في هولندا السيدة فيفيان فايسين، وجاءت إلى مصر مع وفد لمعاينة أرض الواقع، والتأكّد من قوانين السلامة المهنية، وعملت على إعادة صياغة القوانين في هولندا لتتواءم مع المواثيق والقوانين الدولية، التي تمنع استيراد أي منتج قائم على انتهاك حقوق الإنسان.

كما تواصلت معها أيضًا مؤسسة دير شبيجل الألمانية، وتعاونا سويا لإنجاز تحقيق صحفي عابر للحدود، يرصد قوانين العمل في البلدين، ويوثّق جزءًا تاليًا من قصة أطفال المحاجر، عن الدول التي تنتهك القوانين، وتستورد منتجات قائمة على انتهاكات حقوق الإنسان أو الأطفال.

وبالتزامن، تعمل حاليًا بربارة مع مؤسسة أريج، وتدرس دبلومة “صحافة البيانات” وهي نوع جديد في عالم الصحافة، وتعتمد على الأرقام والبيانات، وتم اختيارها للدراسة ضمن 20 صحفي/ة من أصل 700 تقدّموا من الوطن العربي.

وتُعبّر بربارة عن امتنانها إلى والدها الذي تعتبره بطل رحلتها، لدعمه لها في وقت كان يصعُب على كل من حولها تصديق فكرة أن تعمل فتاة صعيدية في مهنة لا تتقاضى عنها أجرًا على مدار سنوات، وتكلّفها القدوم إلى القاهرة، ثم السفر إلى بلاد جديدة بمفردها، وتجعلها مُستقلة ماديًا وفي المعيشة بشكل تام.

تقول: “والدي الوحيد الذي اقتنع بي، ووافقني على كل خطوة اتخذتها، من بداية اختيار الصحافة ثم الاستقلال المكاني والمادي”.

وتطمح بربارة لأن تُعبّر عن أزمات بلدها، وتكون لسان حال المُهمشين ومن لا صوت لهم، وترى أن الأصل في الصحافة الاستقصائية هي النظرة الإنسانية للحكايات، والسعي الدائم وراء كل معلومة، مهما كانت بسيطة.

وتختتم حديثها قائلة: “أصل شخصيتي تتوافق مع مفهوم الصحافة الاستقصائية والتحقيقات، فأنا أحب السؤال، وفهم كل ما يحيط بي”.

#المرصد_المصري_للصحافة_والإعلام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى