تحسين بكر.. عين الكاميرا دائمًا محايدة

وظيفته كمصور صحفى تضعه دائمًا فى جميع الظروف والمواقف والأحداث والتى دائماً يكون لها أكثر من طرف، يظهر بعيون عدساته الواقع بشكل عام وتام دون أي تزييف للواقع أو للحقائق، وﻷنه يرى أن عين الكاميرا دائما محايدة، نجح في إثبات احترافه، وخلق من الصور عالما متكاملا يغوص في أعماق الحياة مسجلا أدق وأهم الأحداث التى شهدتها مصر منذ عام 2008 حتى يومنا هذا، فأصبح كل من يرى أعماله ينبهر بها ويثني عليها.. بطل قصة اليوم هو المصور الصحفي تحسين بكر.

يعشق تحسين بكر التصوير منذ نعومة أظافره، و قد ورث حب هذه المهنة من أبيه، أحد كبار المصورين الفوتوغرافيين وصاحب أشهر استوديوهات تصوير فى منطقة حلوان، فكان خير تجسيد للمثل الشعبي “ابن الوز عوام”.

البداية
بدايته مع التصوير كانت فى المرحلة الإبتدائية، فبحكم تواجده فى محلات والده تعرف على عالم التصوير وأنواع الكاميرات، وفى المرحلة الإعدادية بدأ يتقرب شيئًا فشيئًا من الكاميرا، وأهداه والده كاميرا فى عيد ميلاده، كانت بالنسبة له الدنيا كلها، بعدها بدأ يتجرأ ويتعرف على الكاميرات ومواصفاتها وكيف يقوم بعملية تحميض الصور وطبعها، ونظرًا لتعلقه الشديد بمهنة التصوير كان والده يسند إليه بعض المهام كالإشراف على أرشيف الأفلام أو الكيماويات الخاصة بالأحماض والطبع.

فى بداية الألفية بدأ تحسين ينظر إلى التصوير بشكل مختلف ونظرة أعمق، فبعد الغزو الأمريكي على العراق عام 2003، كان يتابع الأحداث مثله مثل أي مواطن فى ذلك الوقت، وفى إحدى المرات شاهد صورة لوكالة الأخبار العالمية “رويترز” منشورة فى جريدة الأخبار، عن الحرب، كانت صورة عبقرية بمعني الكلمة، توقف عند هذه الصورة كثيرًا وسأل نفسه: “كيف التقط المصور صورته بالفكر والطريقة هذه؟”، ومنذ هذه اللحظة قرر بطل حكاية اليوم أن يكون مصورًا صحفيًا.

وضع تحسين قدمه على الطريق الصحيح، والتحق بالجمعية المصرية للتصوير الفوتوغرافي التابعة لنقابة الصحفيين التى كان يرأسها رشاد القوصي، أثقل مهاراته فى التصوير الصحفي عبر الاجتماعات الأسبوعية للجمعية، والورش التدريبية والمحاضرات فى مجال التصوير والمسابقات والمعارض السنوية التي تتم بين الأعضاء، واعتمد على الكثير من المراجع والمجلات والدوريات.

وكان يحرص على شراء الجرائد والمجلات ويشاهد صور الوكالات برؤية مختلفة وبشكل احترافي أكثر من السابق، وتعلم كيف يقرأ الصور ويفهمها ويعرف التكنيك الذى التقت به الصورة والعدسة المستخدمة.

اشترى معدات تصوير أكثر احترافية بناءً على الورش والمحاضرات التي شارك فيها بالجمعية المصرية للتصوير الفوتوغرافي، وبدأ ينطلق في عالم التصوير، مستغلًا حالة الزخم السياسي التي صاحبت ظهور حركة كفاية وحزب الغد، فى تغطية المؤتمرات الجماهيرية والمظاهرات والاحتجاجات أمام نقابة الصحفيين، إلى جانب المسيرات التي نظمتها الجالية اللبنانية فى مصر أثناء اندلاع العدوان الإسرائيلي على لبنان.

وبعد أربع سنوات من العمل كهاوي، تعلم فيها تحسين بكر كيفية التقاط صورة صحفية فنية وفى نفس الوقت تحمل طابعًا جماليًا، ولم يخجل من عرض صورة السيئة على المتخصصين ليتعلم من أخطائه، وقد ساهم هذا فى تطوير مستواه، وهنا قرر جمع أرشيفه وعرضه على جميع الصحف والمجلات ومكاتب الوكالات فى مصر، ولكن قوبل بالرفض، فذهب إلى جريدة المصري اليوم عام 2008 لمقابلة المصور حسام دياب، ونالت أعماله وشخصيته إعجاب دياب وتم قبوله فى جريدة المصري اليوم.

أول يوم عمل
أول يوم عمل لتحسين بكر كمصور صحفي في جريدة المصري اليوم، كان 6 أبريل 2008 وكان يومًا صعبًا على المصورين المصريين، فى هذا اليوم خرجت أول مظاهرات لحركة شباب 6 أبريل، وفى نفس اليوم تظاهر عمال المحلة، وانطلقت تظاهرات فى السويس، وكان اليوم بروفة مصغرة لثورة 25 يناير 2011، ففى أطلقت قوات الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين، وتمكن بطلنا من التقاط صور صحفية جميلة وثقت هذه الأحداث.

مع اندلاع ثورة يناير وتحديدا بعد أحداث موقعة الجمل كان تحسين بكر مكلف بتصوير المتظاهرين فى ميدان عبدالمنعم رياض، وكانت قوات الجيش منتشرة بكثافة، وكان اللواء حسن الرويني موجود ويطمئن الناس، وكان أحد المتظاهرين يطالب الجيش بالوقوف بجانب المتظاهرين وحمايتهم، فاحتضنه اللواء حسن الرويني ومسح دموعه، على الفور اتخذ تحسين زاوية التصوير المناسبة والتقط صورة صنفها خبراء التصوير بأنها إحدى أيقونات ثورة يناير.

وبعد تنحي مبارك استمرت المظاهرات والدعوات المليونية كل جمعة، وفى إحدي المرات تفاجئ بكر بصورته مطبوعة فى “بوستر” كبير تباع للمتظاهرين وسط صور للزعماء المصريين والعرب، وعندما شاهد الموقف اختلطت معه مشاعر الفرح والغضب، يفرح لنجاح صورته وانتشارها ؟!، أم يغضب على حقه المهدور ومتاجرة الناس به؟!، وكان الحل الوسط من وجهة نظره هو أن يلتقط صورة للمتظاهرين وهم رافعين صورته فى المظاهرات.

تأثير حسام دياب وأسامة عبدالنبي
يكن تحسين بكر، لرئيس قسم التصوير الأسبق بالمصري اليوم حسام دياب، ونائبه أسامة عبد النبي، كل الاحترام والتقدير، ويرى أنهما أصحاب الفضل عليه فى مسيرته المهنية بعد الله عز وجل وسببًا رئيسيًا فى نجاحه، موضحا أنهما كانا أصحاب مدرسة مهنية راقية، وأنه تعلم منهما كيف يلتقط صورة تغني عن آلاف الكلمات وتكون سببا فى بيع وانتشار الجريدة الصحفية، ولذا كان مصورو المصري اليوم أقوى قسم تصوير فى مصر، -على حد قوله-.

ومن الدروس التى تعلمها تحسن بكر من دياب وعبد النبي، الاستعداد الجيد لأي حدث يقوم بتصويره، فإن كان المصدر مسئولًا حكوميًا أو شخصية عامة عليها لغط على سبيل المثال، فإن المصور يراقب حركاته وانفعالاته خلال اللقاء إلى أن يلتقط صورة معبرة عن الوضع، وإن كان التكليف هو تصوير مظاهرة أو وقفة احتجاجية، هنا يجب على المصور أن يتأكد من سلامة معدات التصوير، وأن يلتزم بالحياد فى ملابسه بحيث لا يرتدي ألوانا تكون سببا فى استهدافه، كذلك يدرس خريطة المكان الذى يتواجد فيه حتى يمكنه الانسحاب بسلام فى حالة وقوع اشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين.

حكاية كمين سيناء
خلال مشواره المهني تعرض تحسين بكر للعديد من المخاطر ، وجرى إلقاء القبض عليه بسبب عمله المهني أكثر من مرة، منها على سبيل المثال فى عام 2013 تم تكليفه بالسفر إلى سيناء وقت اندلاع العمليات الإرهابية فى العريش والشيخ زويد، بصحبة زميله المسئول عن الملف العسكري بالمصري اليوم، وفى إحدى المرات كان يصور أشجار زيتون قرب كمين تابع للقوات المسلحة دون أن يدري، فتفاجئ بعسكري يستوقفه ويطلب منه التحرك معه إلى داخل الكمين.

بعد أن أبلغ العسكري قيادته بالواقعة، جاءت مدرعة ونزل منها ضابط وعلى وجهه علامات الغضب، أخذوا معدات التصوير وكل ما بحوزته وتم تعمية عينه وتقييد يديه وترحيله إلى كتيبة عسكرية، وبعد وصوله الكتيبة تفاجئ بوجود اللواء أحمد وصفي رئيس الجيش الثاني الميداني وقتها، ومجموعة من القيادات، وبعد التحقيق معه وسؤاله عن أسباب تواجده قرب الكمين، سُمح له بالانصراف وحصل على جميع أغراضه.

و أثناء خروج تحسين بكر من الكتيبة شاهد مضبوطات لعملية عسكرية حصل عليها الجيش بعد مداهمة لأوكار الجماعات الإرهابية منها سيارات دفع رباعي وأسلحة ومتفجرات وكراسي طائرة، طلب التصوير وتم السماح له بذلك، بعدها اتصل تحسين بمديره حسام دياب وحكي له تفاصيل ما حدث معه طوال اليوم الصعب، إلى أن انتهى به المطاف إلى تصوير مضبوطات عسكرية من بينها كراسي طائرة.

طلب منه دياب ارسال الصور على الفور، وفى صباح اليوم التالي كانت صور الكراسي الطائرة منشورة نصف صفحة أولى بجريدة المصري اليوم وتباع على الأرصفة، وفى اليوم ذاته عقد المتحدث العسكري مؤتمرًا صحفيًا أعلن فيه تفاصيل العملية العسكرية وتحدث عن الكراسي الطائرة، وكان سبقًا صحفيًا لتحسين بكر هنأه عليه زملائه من المصورين، وتواصلت معه العديد من وكالات الأنباء لشراء هذه الصور.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى