حبيبة جمال.. صحفية تتقن صحافة الأثر والتغيير 

منذ اليوم الأول لعمل حبيبة جمال بالصحافة، أدركت أن الشارع هو الكنز الحقيقي الذي تختبىء في أركانه كل الحكايات كمادة تُمكن الصحفي/ة من خلق تقارير مؤثرة على مستوى الأفراد والمجتمع، فاختارت قسم الحوادث لارتباطه بالشارع والحكايات؛ وهي بخلاف الصحافة، قدمت برنامج خاص على قناة اليوتيوب عن الجريمة، إلى أن نجحت مؤخرًا في اقتناص جائزة نقابة الصحفيين لعام 2023، عن تحقيقها: “صفقة مع إبليس.. محررة أخبار الحوادث تخوض مغامرة مع شبكة دولية لاستدراج المراهقات عبر الإنترنت”. 

البداية:

كانت تحلم حبيبة جمال، ابنة محافظة المنوفية بدراسة الطب والتخصص في علاج الأسنان، لكنها اختارت الصحافة والدراسة في أكاديمية أخبار اليوم، بدعم أسرتها التي ذكرتها بحبها للكتابة منذ طفولتها وشجعتها على اختيار مهنة البحث عن المتاعب، لتحصل على درجة الامتياز مع مرتبة الشرف على مدار سنوات الجامعة الأربعة، ثم ترشحها الأكاديمية للتدريب في مؤسسة أخبار اليوم، ومن ثم عملت بها وتخصصت بقسم الحوادث. 

كواليس إنهاء نشاط عصابة تستدرج الفتيات: 

من خلال “جروب” فتيات على موقع فيسبوك، كتبت إحدى المشاركات منشورًا طلبت فيه من الفتيات كتابة أي وظيفة متاحة في التعليقات لمساعدة بعضهن لبعض، وبالفعل تفاعل مع المنشور العديد من الفتيات.

لكن لفت نظر حبيبة تعليق كتبت صاحبته “عندي وظيفة موديل”، لتسألها حبيبة عن التفاصيل، وتتلقى إجابة من صاحبة التعليق تخبرها أنها ستتواصل معها على رسائل الخاص.

تقول حبيبة للمرصد المصري للصحافة والإعلام: إنني “فوجئت برد صاحبة التعليق ﻷن المفترض أن يكون المنشور على العام من أجل مساعدة الفتيات على إيجاد فرصة عمل، ولا وجود للتعاملات الخاصة، لكن قررت أتتبع الأمر لشعوري أن هناك شيء خاطئ”. جائتها التفاصيل أن الوظيفة المطلوبة موديل خاصة ﻷحد الرجال الأثرياء مقابل عقد عمل لمدة 6 أشهر ويتم تجديده بعدها، بمبلغ 100 ألف دولار، نظير إرسال الموديل صور ومقاطع فيديو بملابس كاشفة، وفق ما يطلبه منها هذا الثري.

مرة أخرى تأكدت حبيبة أن ما يُطلب للمهنة غير منطقي ويحمل ورائه قصة صحفية، تقول: “الصحفي/ة يعرف كيف يلتقط خيوط أي قصة من تعليق هنا أو هناك أو حتى كلمة عابرة، وهذا ما قررته أن أخوض التجربة لمعرفة طبيعة هذه المهنة”.

استدرجت حبيبة الفتاة الغامضة في الحديث لتعرف منها أن هناك فتيات من سن 18 إلى 25 عامًا -هو السن المستهدف- تعملن بهذه الوظيفة، ثم أوصلتها بشاب “صاحب العرض”، لتسأله حبيبة عن منطقية المبلغ المعروض للوظيفة، ويجيبها أنه ثري ولا يعيش في مصر ويمكنه دفع المزيد.

بعد شهر من النقاش والحديث الدائر بين حبيبة من جهة، والفتاة وصاحب الوظيفة من جهة أخرى، قررت التوقف عند هذا الحد، وكتابة التقرير في صورة أقرب إلى بلاغ ضد هؤلاء الذين يستدرجون الفتيات بإغرائهن بالمال مقابل إرسال فيديوهات لا نعرف كيف يتصرفون بها فيما بعد.

استجابت وزارة الداخلية لتحقيق حبيبة، ومن خلال تتبع الحسابات الإلكترونية تم الكشف عن صاحب المهنة الوهمية، وهو شاب عاطل من محافظة الجيزة، يوهم الفتيات بهذه المهنة من خلال حسابات مزيفة لفتاة تطلب موديل بالمبالغ المذكورة سابقًا، ثم يتم ابتزاز الفتيات اللواتي يتم خداعهن بالفيديوهات والصور المرسلة، ويطلب مبالغ مالية منهن مقابل كل فيديو. 

صحافة الأثر:

تذكر حبيبة حبها لصحافة الحوادث والقضايا الكبيرة التي تحصل عليها من حكايات الناس البسيطة لتكون صوت حالهم، وتستطيع بمهنتها مساعدتهم ولو بالقليل، تتذكر تقرير ضمن الموضوعات القريبة لقلبها، كتبته في مارس عام 2018 كان عن قصة “الحجة سعدية”، الذي تحول إلى ترند وقتها، وتم نشره على غلاف مجلة أخبار الحوادث، وهو عن سيدة من الدقهلية تعرضت للخداع من رجل أنهى لها إجراءات السفر إلى السعودية،  وورطها بدس كمية من المخدرات في حقيبة سفرها دون علمها، لتفاجئ بالقبض عليها في السعودية. 

وتؤكد حبيبة أنها تسعد بكل تقرير ينتج عنه رد فعل من مسؤول أو يحرك ساكنًا تجاه قضية ما، تقول: “أسمى هدف للصحافة هو مساعدة الناس والكلام بلسانهم، ورد المعاناة عن المقهورين”. 

وكان من ضمن الموضوعات التي تركت أثرها في حبيبة عن قصة فتاة اسمها أميرة 21 عامًا، اكتشفت أن الشخص الذي قام بتربيتها خالها وليس أبيها، ما عرضها للهروب إلى الشارع، وتناولت الصحفية الشابة حكاية أميرة خلال سلسلة موضوعات عن تتبع القصة، وتعاونت مع محامٍ لمحاولة إثبات نسبها إلى أهلها الحقيقيين. 

كما أنجزت قصة أخرى بمغامرة تتبعت فيها نشاط أحد الدجالين الذين يوهمون الناس البسطاء بحل مشاكلهم بالدجل والأعمال. 

 مهنة البحث عن التطور:

 ترى حبيبة أن الصحافة تمر بتحديات كبيرة ترتبط بالتطور التكنولوجي السريع الذي يلزم معه سعي الصحفيين/ات لتعلم المزيد من الأدوات الخاصة بصناعة المحتوى مثل التصوير والمونتاج والكتابة للسوشيال ميديا، وغيرها.

وتضيف: “أصبحت المادة المرئية أكثر أهمية من المكتوبة، ما دفعني للتطوير من نفسي من أجل إعداد وتقديم برنامج بدأته على صفحتي الشخصية عبر فيسبوك باسم “شوف الحادثة”، وقد لفت نظر رؤسائي في بوابة أخبار اليوم وطلبوا تقديمه عبر البوابة الإلكترونية وبالفعل أنتجت منه عدد من الحلقات على منصة يوتيوب”. 

كما صنعت برنامج ألغاز يشبه حكايات المفتش كرومبو لكن بنسخة نسائية وسرد أحداث حقيقية عن الجرائم، من خلال الحديث عن حادثة ولغز تطلب من المتفرجين/ات حله، وتطمح حبيبة في صناعة المزيد من القصص المؤثرة والبرامج التي تتحدث عن الناس وهمومهم وتكون بمثابة صوتهم للمسؤولين. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى