حسن القباني.. صحفي اختار أن يكون نصيرًا للحقيقة والحق

حسن القباني.. صحفي اختار أن يكون نصيرًا للحقيقة والحق
من شارع صلاح الدين بمدينة دمنهور، حيث تنبت الجدعنة وسط العائلات العريقة، خرج حسن محمود القباني حاملاً إرث المكان، ووعي المدينة التي لها حضور في التاريخ الوطني والثقافي المصري. وُلد لأب ترزي ماهر، احترف الحرفة وورث الاحترام، وأم ربة منزل، كان اسمها “صبرية” يُعبّر عن جوهرها، آمنت بأهمية التعليم وصبرت من أجل أن يحقق أبناؤها أحلامهم. لم يخذلها حسن، ولا أخوه التوأم الصحفي حسين القباني، الحاصل على جائزة نقابة الصحفيين.
تخرّج حسن من كلية الآداب، قسم اللغة الإنجليزية، بجامعة الإسكندرية، دفعة 2004، وهو اليوم المحرر العام لمنصة “فكر تاني” الإخبارية، وعضو نقابة الصحفيين عن جريدة “الكرامة” التي يصفها ببيته المهني الأول والأهم.
البداية.. من صوت المدرسة إلى صفحات الوطن:
لم تكن الصحافة دخيلة على حياته، بل كانت رفيقة دربه منذ المرحلة الابتدائية عبر الإذاعة المدرسية، واستمرت معه في المجلات الجامعية، ثم إلى مراسلة الصحف في مرحلة الثانوية، عبر بريد القراء. كانت الانطلاقة الحقيقية في أواخر سنوات الجامعة كمراسل صحفي لمحافظة البحيرة في عدد من الصحف منها صحيفة “الخميس” القاهرية، يرافقه فيها شقيقه حسين، وأساتذة كثر آمنوا بموهبته.
مسيرة مهنية ممتدة:
على مدار ما يزيد عن 18 عامًا، عمل حسن في مختلف مواقع التحرير، وكتب في صحف مصرية وعربية، ومجلات دولية، وشغل مناصب استشارية إعلامية لعدد من المؤسسات والشخصيات العامة. بيته المهني الأثير “الكرامة” احتضنه في فترات محورية من تاريخ مصر، تحت رئاسة تحرير الأستاذ حمدين صباحي والدكتور الراحل عزازي علي عزازي. هناك، تخصص حسن في تغطية الملف القضائي، خصوصًا ملف استقلال القضاء، محققًا انفرادات كانت موضوعًا للمساءلة البرلمانية.
يقول في حديثه للمرصد: “غطيت أيضًا ملفات السياسة، البرلمان، حقوق الإنسان، وكل الانتخابات المصرية من 2007 إلى 2013 في مؤسسات عدة منها “الوفاق القومي” و”الطريق”، كما عملت كمراسل إذاعي (2010-2013)، وشاركت بصفتي ضيفًا ومحللًا في العديد من البرامج التلفزيونية”.
وإلى جانب عمله الصحفي، درّب حسن مئات الصحفيين، وكتب القصة القصيرة، حيث صدرت له مجموعة بعنوان “سباق الحياة”، وأخرى قيد الطبع. يحمل رؤية خاصة في الكتابة الاجتماعية، تدعو لتجديد الخطاب الأسري، وتعكس انشغاله العميق بقيم المجتمع ودوره في بناء الوعي.
الأسرة.. الشريك الداعم دومًا:
منذ البداية، كانت أسرته خير داعم. والده، والدته، إخوته، ثم زوجته الفنانة التشكيلية والصحفية الحرة آية علاء حسني، التي شاركته رحلته حتى الانضمام لنقابة الصحفيين.. يذكرها كرفيقة كفاح، ويستحضر ليلًا قضياه في إعداد أرشيفه للنقابة بدعمها، واليوم هما أبوان لهـمس وهيا.
التكريمات وتأجيل الجوائز:
رغم حصوله على العديد من شهادات التقدير داخل مصر وخارجها، لم ينل القباني جائزة كبرى بعد، لأنه لم يركّز بعد في التقدم لها، كما يقول، ولكن يرى أن جائزة أخيه حسين كانت فرحة كبرى للأسرة، يعتز بها.
موضوعات شكلت ملامحه المهنية والإنسانية:
كل ما كتبه دفاعًا عن استقلال القضاء والمحاماة ظل محفورًا فيه، فعمله مع القضاة أكسبه فهمًا عميقًا لمعنى الكبرياء المهني، والعمل مع المحامين منحه صبرًا نادرًا. وهو يصفهم بأنهم “أيقونات صبر كبير في مهنة تأكل أصحابها”.
ومن تغطية ثورة 25 يناير ومحاكمة القرن، إلى انتخابات نادي القضاة، لم يكن القباني يومًا داخل الحدث، بل على أطرافه يرى كل الزوايا. وكاد يفقد حياته أثناء تغطية الثورة، ليقول بعدها: “كتب الله لي عمرًا جديدًا سأكون فيه للحقيقة والحق نصيرًا وظهيرًا”.
أبرز التحديات وقادة المهنة:
تحديات كثيرة واجهته، أبرزها الانتقال من دمنهور إلى القاهرة، وتجاوزه الحبس الاحتياطي مرتين بسبب عمله الصحفي. نال البراءة من إحدى القضايا، وكانت محنته محطة نضوج ودعم هائل من زملاء المهنة وأسرته، ويخص بالذكر دعم زوجته وابنتيه، وما زال يحاول تعويضهن عن آثار تلك التجربة الثقيلة.
يتأثر القباني برفيقي دربه: الأستاذ أحمد سبيع، الصحفي الكبير والمحبوس حاليًا على ذمة قضية نشر، والذي علّمه فنون الحوار الصحفي، والدكتور هاني صلاح الدين رمزي، الذي فتح أمامه أبوابًا واسعة للتطوير. يستكمل القباني طريقهما اليوم، مشيدًا بفتح لجنة التدريب في نقابة الصحفيين برئاسة محمد سعد عبد الحفيظ أمام الزملاء والزميلات.
“فكر تاني”.. مساحة لحوارات تعيد للمهنة ألقها:
يشرف حسن حاليًا على ملف “مستقبل مصر” في منصة “فكر تاني”، والذي نُشر ككتاب متاح في الأسواق. يعكف أيضًا على استعادة بريق الحوار الصحفي، سواء الفردي أو الجماعي، من خلال جلسات حوارية ثرية مع شخصيات متنوعة، مدعومًا بفريق المنصة ورئيس تحريرها سامح حنين.
الطموح والرؤية المستقبلية
يحلم القباني بأن يستعيد الصحفيون/ات مساحات الحرية، لتعود الصحافة المصرية إلى دورها الريادي كقوة ناعمة، ويستعيد الصحفي المصري/ة حضوره/ا عربيًا ودوليًا. يؤمن أن مصر كانت وستظل مصنع الكفاءات الصحفية في المنطقة.
رسالته للجيل الجديد:
“المهنية، ثم المهنية، ثم المهنية”، يدعوهم لتقدير الذات وقيمة المهنة، مستلهمًا مقولة هيكل: “الصحفي أبقى من السياسي، والكلمة أقوى من السلطة”. ويرى نفسه امتدادًا لهذا الدرب، لكن بطريقته ومدرسته الخاصة، تحت مظلة “الاستقلال المهني الكامل”، ومبدأ “المهنية المبدعة” التي تضع الحقيقة والحق في مقدمة كل شيء، وفي القلب منها “الحق الفلسطيني الخالد”.