حُرمة الميت أم حق الجمهور؟.. تغطية جنازات ومراسم عزاء المشاهير بين الضوابط وحق المواطنين في المعرفة

لماذا لا توجد ضوابط لتغطية الجنازات ومراسم العزاء في مصر؟

دراما الجنازات وتغطية مراسم العزاء تلاحق المشاهير.. إلى أين؟

رصد لأسباب الأزمة.. وحلول واقعية!

لحظات قاسية عاشها الفنان أحمد السعدني خلال دفن جثمان والده صلاح السعدني؛ حيث لم يتمالك دموعه خلال حمله النعش، وانهار في البكاء، وسط مواساة الفنانين له.

على الرغم من تلك اللحظات الحزينة، لاحق الصحفيون/ات الفنان أحمد السعدني خلال دفن جثمان والده؛ فلم تكن المرة الأولى التي يندفع فيها المصورون/ات على جنازات الفنانين/ات والشخصيات العامة، والتي يظهر فيها عدد كبير من المشاهير ونجوم المجتمع، بل ظلّت حديث مواقع التواصل الاجتماعي دائمًا.

“لا يفوتك انهيار أحمد السعدني”، “شاهد دموع زوجة صلاح السعدني”، كانت هذه أبرز العناوين التي اكتست بها الصفحات الرئيسية للكثير من المواقع الإخبارية المصرية خلال الجنازة، وتصدّرت صور دموع الأسرة تلك المواقع؛ فلم تصبح المشكلة مقتصرة فقط على اختراق خصوصية الحاضرين/ات، ولكن تطوّر الأمر لاستغلال مشاعر الحزن لديهم، في صُنع عناوين وصور صحفية لتحقيق مشاهدات عالية.

“محدش يصور”، جملة قالها أحمد السعدني وسط حالة من الانهيار لحظة تشييع جنازة والده، الأمر الذي أعاد الجدل مجددًا بشأن تصوير جنازات المشاهير في مصر.

لم تكن جنازة الفنان الراحل صلاح السعدني هي الأولى، ولكن ما تلبثْ أن تهدأ تداعيات أزمة تغطية الصحفيين/ات لجنازات ومراسم عزاء المشاهير، إلا وتدفع “صحافة التريند” الأزمة إلى السطح من جديد، وسط مطالب لنقابة الصحفيين والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، بوضع معايير واضحة للتغطية، ومناشدات للصحفيين/ات والإعلاميين/ات، احترام مواثيق الشرف الصحفية وأخلاقيات المهنة، والالتزام باحترام حُرمة الحياة الخاصة، وحُرمة الموت.

من السبب وراء حالة الجدل بشأن تغطية الجنازات ومراسم العزاء؟

تصوير الجنازات ومراسم عزاء المسؤولين/ات والشخصيات العامة، هو لون من ألوان التغطية الصحفية الإخبارية، التي طالما عمل عليها الصحفيون/ات والمصورون/ات طوال تاريخ مصر، حتى إننا نسترجع حتى اليوم، مشاهد جنازة الست أم كلثوم، أو جنازة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وغيرها من الجنازات، التي صنعت فيها الصحف صورًا خلّدها التاريخ.

جنازات مصطفى درويش، ودلال عبدالعزيز وصلاح السعدني وغيرهم، أزمات خلقت حالة من الخلط، بين التغطية الصحفية المهنية، والبحث عن “التريند” على حِساب مشاعر الآخرين.

ولكن، ما الذي اختلف اليوم، حوّل قيمة الصورة الصحفية بالجنازة أو العزاء، من توثيق وحق في المعرفة، إلى جدلٍ كبير بين الجمهور والصحفيين/ات أنفسهم؟

راقبت الوحدة الإعلامية بـ”المرصد المصري للصحافة والإعلام”، ردود أفعال مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، بعد انفعال الفنان أحمد السعدني على المصورين/ات والصحفيين/ات خلال تغطية جنازة والده، ورفض أسرته أي تواجد إعلامي خلال تلقّي مراسم العزاء.

وخلُص ذلك إلى انقسام أغلب الآراء إلى فريقين؛ أحدهم يرى أن السبب في ذلك يعود إلى انتشار صفحات “البلوجرز”، واهتمامها بـ”التريند” وتحقيق المشاهدات، دون أن يكونوا على علم بأخلاقيات الصحافة، ويرى البعض الآخر أن العديد من الصحف والمواقع الإخبارية الكبيرة، هي شريك أساسي في خلق تلك الأزمة، والتي تبحث في أغلب الأوقات عن مشاهدات عالية لصفحاتها، ما يساعدها على تحقيق مكاسب مادية كبيرة.

من المسؤول عن وضع ضوابط لتغطية الجنازات ومراسم العزاء؟

على الرغم حِزمة القوانين الصحفية والإعلامية التي أُقرّت خلال السنوات الماضية بمصر، إلا أنها لم تتضمّن أي أكوادٍ أو مواثيق حول تغطية الجنازات ومراسم العزاء المختلفة، وذلك برغم مناقشة الأمر أكثر من مرة؛ حيث أكد رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام كرم جبر في تصريحات سابقة، نية المجلس الإعلان عن أكواد وضوابط استرشادية لتغطية الجنازات ومراسم العزاء وأفراح المشاهير والشخصيات العامة، كما وعد نقيب الصحفيين من قبل ببحث الأمر، ودراسة وضع ضوابط للتغطية مع شُعبة المصورين الصحفيين، إلا أن جديدًا لم يحدث.

المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام هو المسؤول عن وضع القواعد والمعايير الضابطة للأداء المؤسسات الصحفية والإعلامية، وذلك بالاشتراك مع النقابة المعنية، وفقًا للمادة 70 من القانون رقم 180 لسنة 2018 لتنظيم الصحافة والإعلام، وأيضًا وضع وتطبيق القواعد والضوابط، التي تضمن جودة الخدمات التي تُقدّم للجمهور.

كما أن نقابة الصحفيين هي المسؤول عن أداء الصحفيين/ات، ومحاسبة المخالفين/ات لبنود ميثاق الشرف الصحفي، وذلك وفقًا لقانون إنشاء النقابة رقم 170 لسنة 1976؛ حيث ينص الميثاق على التزام الصحفي فيما ينشره، بمقتضيات الشرف والأمانة والصدق، لما يحفظ للمجتمع مُثُله العُليا وقيمه، وبما لاينتهك حقًا من حقوق المواطنين، أو يمس إحدى حرياته، والابتعاد عن كافة أشكال التجريح الشخصي.

اعتذار قدّمه نقيب الصحفيين السابق ضياء رشوان، لأسرة الفنانة الراحلة دلال عبدالعزيز، منذ نحو 3 سنوات، بعد حادثة شبيهة بجنازة الفنان صلاح السعدني، قوبل برفض من أعضاء النقابة، ومطالب بإصدار كود أخلاقي واضح للتغطية، واعتزم تقدّيم مشروع كود أخلاقي لمجلس النقابة، يتضمّن أخلاقيات تغطية الجنازات تصويرًا وتحريرًا، يستقي بنوده من قانون النقابة وميثاق الشرف الصحفي، إلا أنه حتى اليوم، لم تخطو النقابة أو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، أي خطوات جديّة حيال الأمر.

تلقّت نقابة الصحفيين أكثر من مذكرة، تطالب بوقف تغطية الجنازات ومراسم العزاء، لحين وضع ضوابط واضحة للصحف والمواقع الإخبارية، بشأن التغطية المهنية الصحيحة، تحترم مشاعر الآخرين وحُرمة الحياة الخاصة والموت.

وبعد إصدار نقابة المهنة التمثيلية بيانًا، اعتذرت فيه لوسائل الإعلام والصحافة عن تغطية عزاء الفنان صلاح السعدني، أعلنت نقابة الصحفيين، عن عقد اجتماعٍ مشترك، الأربعاء المقبل؛ لبحث القواعد والآليات اللازمة لتنظيم التغطية الصحفية للجنازات ومراسم العزاء.

وقالت النقابة إن ما حدث بالجنازة هو “مؤسِف”، ويحتاج إلى تدخّل سريع وحاسم لحله الأمر ومنع تكراره، ودعت الزملاء/الزميلات إلى وقف تغطية الجنازات والعزاءات، وذلك لحين وضع ضوابط ممارسة التغطية والمتابعة لأي حدث من هذا النوع، لتحمي حُرمة الحياة الشخصية للمواطنين، وتحفظ كرامة وهيبة الصحفيين/ات، مؤكدةً احترامها لمشاعر أسر وأصدقاء المُتوفين من كل الفئات، وأن تغطية الجنازات ومراسم العزاء عملًا صحفيًا يوثّق حدث يهم الجمهور، ويؤرشف لحظات قد تكون لها أهميتها مستقبلًا.

حلول واقعية لإنهاء الأزمة

في محاولة للبحث عن الأسباب الحقيقية للأزمة، ووضع حلول واقعية لها، تواصلنا في المرصد المصري للصحافة والإعلام، مع جميع الجهات التي تتداخل مع القضية.

المدير التنفيذي لـ”المرصد”: يجب أن يتم تنظيم تدريبات للصحفيين.. والتفريق بين الإعلام والسوشيال ميديا مهم

كشف أشرف عباس المدير التنفيذي لمؤسسة المرصد المصري للصحافة والإعلام، ومسؤول ملف مهنية الإعلام بالمؤسسة، عن وجود أزمة حقيقية في تصوير وتغطية المناسبات الخاصة بالمشاهير، سواءً كانت جنازات أو حفلات أو أفراح أو مراسم عزاء، السبب الرئيسي فيها بعض رؤساء ومديري تحرير الصحف والمواقع الإخبارية، الذين يبحثون عن “التريند” أو “الريتش” وتحقيق المشاهدات والأرباح، دون النظر إلى أي معايير مهنية أو أخلاقية أو إنسانية، أو حتى فيما يخص دورهم في حماية الصحفيين/ات والمراسلين/ات والمصورين/ات الذين يعملون على تغطية الحدث.

وقال في حديثه، إن المسؤولية الأولى يجب أن تقع على رؤساء ومديريّ التحرير، قبل أن نطلب من النقابة والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، بوضع معايير مهنية للتغطية؛ فهناك العشرات من الأكواد والقوانين ومواثيق الشرف الموضوعة فيما يتعلّق بالتغطية المهنية، لا يتم الالتفات إليها أو تطبيقها.

وأكد ضرورة أن يتم تنظيم تدريبات للصحفيين/ات على تغطية تلك الأحداث الخاصة؛ ففي حال تغطية الجنازات يجب أن يتم وضع ضوابط محددة للتغطية، وأماكن لا يجوز دخولها، مثل المقابر وسيارات الإسعاف، وغيرها من الأماكن التي تحمل خصوصية لأهل المتوفي.

وطالب “عباس” من الصحفيين، التوقّف عن التكالب على المشاهير، واعتبارهم فرائس يجب اغتنامها في لحظات الضعف، مؤكدًا أن تصوير جنازات المشاهير والمؤثّرين حدث مهم لذاكرة الأمة، ولكن يجب قبل التفكير في الصورة الصحفية، التفكير في المعايير المهنية والأخلاقية والإنسانية.

ولفت إلى وجود بعض الأصوات المتطرّفة، التي تريد تقييد العمل الصحفي، وتوقيع عقوبات سالبة للحرية على الصحفيين/ات ومؤسساتهم في حال تصويرهم الجنازات، في وقت نحن بحاجة إلى إعلاء قيّم الصحافة الحرة، والتي بدورها ستُفرز صحفيين أكفّاء، قادرون على العمل بمهنية واحترافية.

وطالب “عباس”، المؤسسات الصحفية، عدم الدفع بالصحفيين/ات أصحاب الخبرة القليلة أو من لم يحصل على تدريبات كافية، في تغطية جنازات ومراسم عزاء المشاهير؛ لأنهم عادةً ما يقعوا في أخطاء تُعرّض أمنهم الشخصي للخطر.

واستنكر “عباس” الخلط بين الصحافة، وصفحات السوشيال ميديا، واليوتيوبرز أو البلوجرز، وبين المواطن العادي أيضًا؛ ففي لحظة واحدة لا يمكن التمييز بين أيًا منهم، ووضع مجموعة من المقترحات التي يمكن العمل بها للتمييز بينهم، أبرزها وضع شارة أو ارتداء “فيست” يُكتب عليه كلمة “صحفي” واسم المؤسسة الصحفية، كما يحدث في تغطية المباريات، وذلك يكون بتنسيق بين النقابات المهنية بعضها البعض.

وأكد ضرورة أن يعي الجميع، أن دور الصحافة في تغطية الأحداث الخاصة، مثل الجنازات، هو نوع من أنواع التأريخ والأرشفة والتوثيق، وليس معنى حدوث أخطاء أن يكون مبررًا للاعتداء على الصحفيين/ات أو إهانتهم، وأن الصحافة مهنة تحترم نفسها وتحترم المجتمع.

وتابع: “أرى أنه من الظُلم تحميل نقابة الصحفيين/ات المسؤولية كاملة، أو إلقاء اللوم عليها، في ظل تعدد الآلاف من المنصّات، والتي اعتبرها القانون منصات إعلامية، وهي ليس لها علاقة بالعمل الصحفي والإعلامي، بجانب المئات من الصحف والمواقع الإخبارية، التي لا تخضع لقانون النقابة أو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام”.

نقابة الصحفيين: توثيق جنازات المشاهير كان بفضل الصحافة.. والخطاب التصعيدي ضدنا “مرفوض”

أكد جمال عبدالرحيم سكرتير عام نقابة الصحفيين، في حديثه لنا، وجود خطاب تصعيدي ضد الصحفيين، من شأنه رفض بشكل قاطع تصوير الجنازات، كان آخره طلب إحاطة قدّمه عضو بالبرلمان، يطالب فيه بإجراء تعديلات على المادة 88 من قانون العقوبات، لتُجيز حبس الصحفيين/ات لمدة عام، في حال قاموا بتغطية الجنازات دون إذن مُسبق من ذويهم/ن.

وعلّق “عبد الرحيم” على هذا التصعيد، قائلًا: “تلك الإحاطة من شأنها إعاقة حرية الصحافة، وتقييد حق الصحفيين/ات في التعبير وممارسة عملهم/ن، تصوير جنازات المشاهير هو حق أصيل للصحفي/ة، كنوع من التوثيق؛ وذلك لأن سيرة المشاهير هي ملك للجمهور وليست ﻷصحابها”.

وقال “عبدالرحيم” إن توثيق الكثير من جنازات نجوم الفن والسياسة في مصر، كان بفضل التصوير الصحفي، ومنها جنازات الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وكوكب الشرق أم كلثوم، والفنان عبدالحليم حافظ، وغيرها.

ورغم دفاع “عبد الرحيم” عن حق الصحفيين/ات في ممارسة التصوير، إلا أنه تحفّظ أمام ما أسماه بـ”السلوكيات غير المقبولة” من قِبل صُناع المحتوى والمؤثرين/ات، موضحًا أن اقتحام الخصوصية، والتطفّل، والرغبة في التواجد خلال أكثر الأوقات خصوصية وهو الدفن، وعدم احترام حزن ذوي الراحلين/ات كلها أمور تكررت في الآونة الأخيرة بسبب صُناع المحتوى، وهم الأكثر حضورًا من الصحفيين/ات في مثل هذه الوقائع.

ولفت إلى وجود صحفيين/ات لكن بنسبة أقل من “المُتطفلين/ات” على المجال، مؤكدًا ضرورة أن نتحمّل أخطاء الآخرين؛ فالصحفي هو إما المُنتسب لنقابة الصحفيين، أو المُتدرب مع جريدة مُعتمدة وحاصلة على ترخيص، ومن دون ذلك لا يُعد صحفي/ة، ولا ينتمي إلى الجماعة الصحفية”. 

واقترح “عبد الرحيم” في ختام حديثه مع مؤسسة المرصد المصري للصحافة والإعلام، تخصيص مكان للصحفيين/ات أثناء تغطية الجنازات عليهم الالتزام به خلال التصوير، كما هو الحال في تغطية المباريات وتغطية مؤتمرات المؤسسات الدينية، وذلك حفاظًا على المشهد العام وحتى لا يتجاوز أحدهم/ن هذا الحاجز ولا تتكرر مشاهد الفوضى التي نراها مع كل جنازة.

واقترح أيضا تدريب الصحفيين/ات على الأسئلة المناسبة لتغطية الجنازات، وتجنب الأسئلة غير اللائقة، و دلل على ذلك بالسؤال المتكرر” إيه شعورك؟”، لافتًا إلى أن كل صحفي/ة يجب أن يكون/تكون رقيبًا/ة لنفسه/ا، بمراعاة المعايير الإنسانية أثناء تغطية مثل هذا الحدث الجلل.

أستاذ إعلام: نؤمن بدور الصحافة في هذه الأوقات.. ولكن بشرط الضوابط المهنية

من جانبها لم تتفق الدكتورة أماني ألبرت رئيس قسم العلاقات العامة والإعلان بكلية الإعلام بجامعة بني سويف، مع الرأي السائد بوقف تصوير الجنازات تمامًا، إيمانًا بدور الإعلام في نقل الخبر، ولكن بشرط أن يتم ذلك وفقًا لضوابط مهنية وأخلاقية، ومنها استئذان أسرة الشخص المتوفى، ومراعاة شعور الأقارب من الدرجة الأولى في تلك اللحظات الصعبة، مثل الزوجة، أو الزوج، أو الأم، والأب، أو الأبناء، وتجنّب توجيه أي سؤال لهم.

واعتبرت “ألبرت” أن ما يحدث من التركيز على لحظات ضعف المشاهير أثناء الجنازات، ما هو إلا محاولة لـ”خلق تريند”، وهو ما يُعتبر متاجرة بأحزان الناس، ولا يجب على أي صحفي/ة الوقوع فيه.

وأكدت رئيس قسم العلاقات العامة والإعلان بكلية الإعلام جامعة بني سويف، أن مسؤولية تغطية الجنازات مشتركة بين الصحفي/ة ورئيس/ة التحرير؛ فلا يجب أن يتجاوز الصحفي/ة أخلاقيات المهنة.

وتابعت: “على رئيس التحرير رفض نشر مثل تلك التجاوزات، والكتب الجامعية الخاصة بكليات وأقسام الإعلام مليئة بتوصيات وأخلاقيات المهنة، ولكن الدراسة وحدها لا تكفي، ولا بد من مراعاة الأصول”.

شُعبة المصورين: لدينا تصوّر سنطرحه على النقابة.. ويجب التفريق بين الجنازة والعزاء

فيما أوضح مجدي إبراهيم رئيس شُعبة المصورين الصحفيين بنقابة الصحفيين، أن الشُعبة لديها تصوّرًا ستطرحه على مجلس النقابة خلال اجتماعها به الأربعاء المقبل، وتقدّمت به أكثر من مرة، في كل أزمة تتعلّق بتغطية الجنازات ومراسم عزاء المشاهير، ولكن لم تتحرّك النقابة بشكل فعلي.

وقال في تصريحات خاصة، إن المصور الصحفي هو أضعف حلقة في منظومة تغطية الجنازات ومراسم العزاء، وفي بعض الأوقات يكون المصورين والصحفيين/ات المُبتدئين/ات لا يعون بشكل واضح أخلاقيات التغطية الصحفية لمثل هذه الأحداث الإنسانية، أو أنه مُجبر على التغطية بأمر مباشر من جريدته.

وأضاف: “أطراف هذه المنظومة يجب أن يعملوا على وضع قواعد واضحة لذلك، ومحاسبة المخالفين/ات؛ فمن أمِن العقاب أساء الأدب، لذلك وضع القواعد وآلية المحاسبة والعقاب هو دائرة مكتملة”.

وكشف “إبراهيم” عن الفرق بين العزاء والجنازة، وهو ما يجب أن يدركه الصحفيون/ات والجمهور أيضًا؛ فتغطية الجنازة هي حق أصيل للصحفيين/ات والقارئ، بهدف التوثيق والتأريخ، إنما العزاء هو حق لأهل المتوفي، ويجب احترام رغبتهم في رفض التصوير والتغطية.

وأكد رئيس شُعبة المصورين، ضرورة أن تتخذ النقابة قرارًا بمنع التصوير عند المدافن، خاصة وأن هذه اللحظات خاصة بأهل المتوفي، وعندها تنتهي مرحلة التأريخ للصحافة، والمعلوماتية، والإخبار، والإعلام، وينتهي دور الصحفي أو المصور عند المسجد وتشييع الجثمان في وجود الجماهير، وحتى في هذه اللحظات يجب أن يكون الصحفي/ة بعيدًا عن النعش، ويحترم مشاعر ذوي الفقيد.

وتابع: “للأسف لدينا خلط بين أقسام السوشيال ميديا والتصوير، وهو ما صنع الأزمة الحقيقية مؤخرًا، المشكلة الأكبر المتسبب الرئيسي بها هو أقسام السوشيال ميديا وليس التصوير، وهو ما يستوجب ضرورة التحرّك، والوقوف على الأمر، والعمل على تدريب الزملاء بهذه الأقسام، ليكونوا قادرين على التعامل مع مثل هذه التغطيات”.

وفيما يخص التفريق بين الصحفيين/ات ومُنتحلي/ات الصفة، كشف “إبراهيم” عن صعوبة القيام بذلك، خاصة في ظل وجود عدد كبير من المؤثرين/ات الآن، وأصحاب صفحات السوشيال ميديا الكبيرة، ولكن الشُعبة لديها بعض الأفكار التي ستطرحها على المجلس خلال الاجتماع المقبل في هذا الشأن.

وكشف عن أحد المقترحات التي ستقدّمها الشُعبة خلال الاجتماع، وهو أن يتم تحديد شكل “فيست” مُعيّن، يرتديه الصحفيون/ات خلال تغطية الجنازات، تكون مسؤولة عنه الصحف والمواقع المكوّدة والمُرخّصة، ومن دون ذلك فهو ليس صحفيًا/ة أو محسوبًا/ة عليهم.

وشدد مجدي إبراهيم على ضرورة أن تضع النقابة خطة واضحة لتدريب الصحفيين/ات الجُدد على تغطية الجنازات ومراسم العزاء، وذلك بالتعاون مع الشُعبة، ومن حصلوا على مثل هذه الدورات من قبل، على أن تخاطب الصحف والمواقع الإخبارية المكوّدة، والحاصلة على تراخيص، لعمل الدورات بشكل إلزامي.

عمرو نبيل: يجب محاسبة “البلوجرز”.. والاستعانة بشركات تأمين لتنظيم الحدث

ولفت عمرو نبيل مؤسس شُعبة المصورين الصحفيين بنقابة الصحفيين، وكبير مصوري وكالة أنباء أسوشيتدبرس بمكتبها الإقليمي بالشرق الأوسط، إلى حق الصحفيين/ات والجمهور في توثيق جنازات المشاهير والنجوم، خاصة وأنه نوع من أنواع التوثيق الهام في آخر صفحة من حياة الشخصية العامة، ولولا الصحافة والإعلام، لما استطاع الكثيرين عمل أفلام وثائقية ومسلسلات عن حياة الشخصيات الهامة في التاريخ.

وقال في تصريح خاص، إن الكثير من الفنانين/ات والنجوم لما كانوا مشهورين/ات لولا الصحافة والإعلام، الذين ساهموا في نجوميتهم/ن، ويجب عليهم تقدير دور الصحفيين/ات والإعلاميين/ات، ومعرفة أهميته للمجتمع ولهم.

وفيما يخص المعايير المهنية والأخلاقية لتصوير الجنازات ومراسم العزاء، أكد “نبيل” أن الأزمة الأخيرة كانت بسبب قيام الكثير ممن لا ينتسبون للصحافة، بتصوير وانتهاك خصوصية أهل المتوفي، وهم أصحاب صفحات على السوشيال ميديا، وانتشار ما يُعرف باسم “صحافة المواطن”.

وأضاف أن نقابة الصحفيين وشُعبة المصورين غير مسؤولين عن مشاهير السوشيال ميديا، ولكن المسؤول عنهم هو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وذلك وفقًا للقانون، ولكن في النهاية هي مشكلة أمنية، بدليل أن الشُعبة منذ تأسيسها كانت حريصة على الاهتمام بإعطاء الشكل الاحترافي المنضبط للمصور الصحفي، بدليل الانضباط الذي تشهده مباريات كرة القدم، والذي تكون فيه الشُعبة مسؤولة بشكل كامل عن تنظيم المصورين/ات، وهو ما يؤكد أن ما يحدث في الجنازات ومراسم العزاء لا علاقة له بالصحفيين/ات أو المصورين/ات.

ووضع عمرو نبيل مجموعة من المعايير، التي يجب الالتزام بها حال الرغبة في تنظيم الأمر وإنهاء الأزمة.

  • يجب على المصور/ة والصحفي/ة أن يستشعرا جلال الحدث، وذلك عن طريق تنسيق الملابس والمظهر العام، ليكون مناسبًا للجنازة والعزاء.
  • أن يكون الأداء العام للصحفي/ة والمصور/ة في تصرفاتهم، به احترام لأهل المتوفي، وعدم الحديث بصوت عالي أو الضحك خلال ذلك الوقت.
  • معرفة ما يجب تصويره وما لا يجب تصويره خلال الجنازة والعزاء؛ فليس من الأخلاقي تصوير نعش المتوفي، أو تصوير جثمانه خلال الدفن.
  • التركيز على اللقطات المهنية المعمول بها دوليًا، مثل الجماهير الكبيرة في الجنازة والعزاء، واللقطة الواسعة.
  • عدم اقتحام خصوصية أهل المتوفى، واحترام رغبتهم في عدم التصوير.
  • استخدام عدسات طويلة، لتجنب الاقتراب بشكل كبير من أهل المتوفي، أو اقتحام خصوصيتهم.

ووصف مؤسس شُعبة المصورين الصحفيين، تصوير بعض المواطنين أو رواد السوشيال ميديا لمظاهر الدفن بـ”الجهل الحقيقي”، و”التسلل”، وهو أمر يجرّمه الدستور والقانون، واشترط لتصوير صلاة الجنازة أن تكون في مكان عام ومفتوح، وأن تكون مُتاحة للجميع، مع ضرورة الحفاظ على مسافة مناسبة بين المصوّر/ة والمُصلين.

ولفت إلى أن ما يحدث لا يوصف سوى بأنه “تنافس في الجهل ليس في العلم”، مع ضرورة محاسبة البلوجرز أو رواد السوشيال ميديا من قِبل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.

وطالب عمرو نبيل، بضرورة وجود تنسيق بين النقابات المهنية، بشأن تغطية الجنازات ومراسم العزاء للمشاهير والشخصيات العامة، خاصة وأن تغطية مراسم العزاء هي أمر “اختياري” لأهل المتوفى، وليس بالضرورة مثل الجنازة.

ولفت إلى أن الكثير من الفنانين/ات ولاعبي/ات الكرة والشخصيات العامة والسياسيين/ات، ليس لديهم أي مشكلة في التواصل مع وسائل الإعلام المختلفة خلال مراسم العزاء أو الجنازة، بدليل أن الكثير منهم يتحدّث للصحافة برغبته، ولتفادي وقوع أي أزمة، يجب أن يتم تحديد أماكن مُعيّنة للصحفيين/ات والإعلاميين/ات في كل حدث، يتلقّون خلالها تصريحات منهم، في حال رغبتهم القيام بذلك.

وتابع: “يمكن عمل ذلك في المساجد المُعتاد فيها قيام مراسم العزاء للمشاهير والشخصيات العامة، مثل مسجد عمر مكرم بميدان التحرير، أو مساجد الشرطة، أو مسجد الحامدية الشاذلية، أو غير ذلك، تقوم النقابات المهنية بالاتفاق مع شركات تأمين خاصة، تعمل على تنظيم عمل اليوم”.

وكشف “نبيل” ضرورة أن تضع نقابة الصحفيين آلية لعقاب المخالفين/ات، وهو الأمر الذي سيضمن التزام جميع المؤسسات والصحفيين/ات بالقواعد التي سيتم الاتفاق عليها.

وطالب وزارة الداخلية بتأمين جنازات ومراسم عزاء الشخصيات العامة، مثل الوزراء، والسياسيين/ات، وكَبار الفنانين/ات، وضرورة التواجد الأمني في الأوقات التي يُعلن فيها عن رفض التصوير والتغطية.

السهيتي: “فوضى الجنازات” سببها أصحاب الصفحات الخاصة.. ومستعد للتعاون مع النقابة لتدريب الصحفيين/ات

بينما أوضح المصور الصحفي عبدالوهاب السهيتي، كبير مصوري مؤسسة الأهرام، ونائب رئيس تحرير الجريدة، أن غالبية الصحفيين/ات المصورين/ات من الجيل الجديد، لديهم/ن تصوّر عن الصحافة بنمطها القديم، المُعتمدة على  السرعة والانفرادات في نقل الخبر والصورة، وهي صحافة لم تعد موجودة في وقتنا الحالي.

أضاف “السهيتي” في حديثه لنا، أن معظم من يتسببون في فوضى الجنازات هم/ن رواد صفحات على السوشيال ميديا، وغير منتسبين للصحافة بشكل رسمي، بحثًا عن الترند، وهم/ن لا علم لهم/ن ولا ثقافة، فضلًا عن المشكلات التي يسببونها في إعاقة عمل الصحفيين/ات الحقيقين/ات؛ حيث يجدون أنفسهم/ن مدفوعين/ات بنفس السلوك غير المهني في الجنازات، بسبب المنافسة مع أصحاب/صاحبات الصفحات الفردية، أو لقلة خبرتهم/ن بالقواعد المهنية اللائقة. 

ويرى “السهيتي” أن الصحفي/ة أثناء تغطية الجنازات من قبل، كان/ت يراعي/تراعي القيم الإنسانية قبل الخبر، ويُراعى في عملهم الابتعاد عن الفنان/ة أو الشخصية الشهيرة إذا رأيناه/ا في موقف مؤلم أو في بصورة لا تليق بمكانته/ا عند الجمهور، أما الآن يتكالب المصورين/ات لتوثيق هذه اللقطات للخروج بعناوين مُهينة للفنان/ة، من قبيل “شاهد انهيار فلان/ة”، دون مراعاة الإنسانية أو الحدث الجلل.

وأشار “السهيتي” إلى مشكلة تخص الطرف الآخر من جهة نجوم/نجمات الفن؛ فبعضهم/ن يسعى لخلق حالة من الجدل حوله/ا، وذلك بهدف تصدّر الترند، عن طريق افتعال أزمة مع الصحافة، فيحدث في بعض الأحيان أن يكون الطرف المقابل هو صاحب الأزمة، بهدف مواكبة الترند، لافتًا إلى أن هذا حدث بالفعل في أكثر من جنازة.

وأبدى “السهيتي” استعداده للتعاون الدائم مع نقابة الصحفيين، أو أي جهة صحفية ترغب في تقدّيم التدريبات المجانية للصحفيين/ات الجُدد بدون مقابل مادي، مُقترحًا أن يكون لنقابة الصحفيين دورٌ في توجيه أصحاب/صاحبات الصفحات الفنية حتى غير الصحفيين/ات، بتقدّيم تدريبات لهم على تغطية مثل هذه الأحداث، وأيضًا أن يتم التفكير في حلول مبتكرة؛ بحيث يُعطى للمستحقين/ات شارات أو “فيست” مُرقّم، وأن تُصدر كل جريدة اثنين منهم، وتكلّف نقابة المهن التمثيلية أو المعنيين بحالة الوفاة، بمنع من دون ذلك من التواجد بأي مكان يخص العزاء، حتى يسهُل معرفة المُندسين/ات من خارج الاتفاق مع النقابة أو الجريدة.

دليل شبكة الصحفيين الدوليين لتغطية مهنية للجنازات ومراسم العزاء

وضعت شبكة الصحفيين الدوليين مجموعة من القواعد، عن مدرسة التصوير الرقمي، لتغطية مهنية وأخلاقية للجنازات ومراسم العزاء المختلفة، كالتالي:

  • لا تقم بتصوير جنازة، إذا كانت هذه مهمتك الأولى أو حتى الثانية في عالم الاحتراف؛ لأن هذا الحدث يحتاج الكثير من الخبرة.
  • لا يجب أن تكون متواجدًا في نقاط محورية، أو تكون مصدر إلهاء عن الحدث.
  • حافظ على المسافة الخاصة بك وابقَ غير مرئي.
  • لا تقف أمام النعش في أي وقت أثناء الخدمة، مما يحجب رؤية الأشخاص الذين يحضرون الجنازة، وبالمثل لا تقف أبدًا خلف الشخص المسؤول في الجنازة.
  • إذا لاحظت الضيق على أحد المتواجدين، أو رفضه لتضمينه في أي صورة، تقبّل ذلك على الفور، وأوقف تصويره.
  • حاول التقاط لحظات القوة بدلاً من التركيز فقط على الحزن؛ فهذه اللحظات يمكن أن تكون لا تُقدّر بثمن، لذا أبقَ متيّقظًا لها.
  • التزم أكثر باللقطات البعيدة أو الطويلة التي تتسم بالزوايا الواسعة.
  • التقط أجزاء من الجنازة، لا تركز كليًا أو حتى جزئيًا على صور المُعزين أنفسهم، ضع في اعتبارك أيضًا عدم إظهار الوجوه.
  • كن سريعًا عند التقاط الصور، ليس هذا هو الوقت المناسب لأولئك الذين يستغرقون مناصب طويلة الأمد للحصول على اللقطة المثالية.
  • احرص على تقليل الضوضاء إلى الحد الأدنى، قم بإيقاف تشغيل أي أصوات تصدرها الكاميرا حيثما أمكن ذلك.

توصية من المرصد المصري للصحافة والإعلام

وتابعت مؤسسة المرصد المصري للصحافة والإعلام، التغطيات غير المهنية التي وقعت أثناء جنازة الفنان الراحل صلاح السعدني، سواءً في التغطيات المصورة أو المكتوبة، والتي جاء معظمها بعناوين وصور لا تليق بحدث إنساني له قدسيته.  

وإذ يؤكد المرصد، ضرورة احترام مواثيق الشرف الصحفية، وقوانين الصحافة والإعلام، والالتزام بها في تغطية كافة الفعّاليات، وعلى رأسها الأحداث الإنسانية، مثل الجنازات ومراسم العزاء، خاصة للمشاهير والشخصيات العامة، واحترام رغبتهم في عدم التغطية الصحفية.

ويشير المرصد إلى أن تكرار مثل هذه المشاهد في تغطية جنازات المشاهير مؤخرًا، يطرح سؤالًا دائمًا عن “الخصوصية” والضمير المهني، وكذلك عن حدود التغطية نفسها، ومعاييرها، وإشكالية الوقوف على مسافة بين التوثيق والانتهاك.

ويطالب المرصد، جميع المؤسسات الصحفية والمواقع الإخبارية، بمراعاة القيم الأخلاقية والمهنية في تغطية الجنازات ومراسم العزاء، وعدم الركض وراء “التريند”، أو البحث عن تحقيق مشاهدات عالية على حِساب الجانب الأخلاقي والإنساني والمهني للصحافة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى