خيرية شعلان: رجائي الميرغني كان فنانًا قبل أن يكون صحفيًا.. أحب بيتهوفن وعاش فارسًا نبيلًا في بلاط صاحبة الجلالة
“أظنك تكتب الآن فصلًا جديدًا في إحدى حكاياتك، ربما تُقدّم أو تؤخّر في أحداثها، تُغيّر النهاية أو تتركها كما هي، لكن أبطالك أبدًا لا يُقهرون، يرفضون القيد، يصمدون في وجه الحزن، ويمنحونا الحب”، هكذا كتبت خيرية شعلان زوجة الكاتب الصحفي الراحل رجائي الميرغني، التي ظلّت تودّعه كل يوم كأنه اليوم الأول.
الكاتب الصحفي رجائي الميرغني، لم يكن فقط صحفيًا كبيرًا، ولكنه كان نقابيًا فريدًا، قائد ثورات تصحيح عديدة داخل نقابة الصحفيين، بطل من أبطال العمل النقابي، الذي خاص معاركًا داخل أروقة صاحبة الجلالة، دفاعًا عن المهنة والزملاء.
خسرت نقابة الصحفيين والجماعة الصحفية نقابيًا من طرازٍ رفيع، عند وفاة الكاتب الراحل رجائي الميرغني يوم 3 يونيو عام 2020، وظلّ الصحفيون يتذكّرون نضالاته المختلفة، ينشرون تدويناته، ومقالاته، ورُباعياته، وأيضًا صور الجرافيك التي كان يرسمها؛ فكان فنانًا من نوع فريد، وليس صحفيًا ونقابيًا مميزًا فقط.
يُصادف تاريخ وفاة الكاتب الراحل رجائي الميرغني في نفس الشهر الذي تحل فيه ذكرى “عمومية قانون اغتيال الصحافة”، في شهر يونيو.
وحاور المرصد المصري للصحافة والإعلام، الكاتبة الصحفية خيرية شعلان، زوجة الكاتب الراحل رجائي الميرغني؛ للغوص في حياة الكاتب الراحل، والتعرّف على تاريخه النقابي والمهني والفني والإنساني.
نص الحوار..
كيف عاش الميرغني طفولته ودراسته؟
رجائي الميرغني من مواليد المنيا 25-9-1948، والذي انتمى لأسرة وطنية، لها دور بارز في تاريخ مصر؛ حيث كان والده الشيخ محمد الميرغني واحدًا من قادة ثورة 1919 بمحافظة المنيا، واُختير عضوًا في اللجنة الوطنية التي أدارت شؤون بندر المنيا أثناء أحداث الثورة، وخاض الميرغني الكبير انتخابات مجلس النواب، وتصدّر الدعوة إلى الأفكار الاشتراكية ضد الفقر والجهل والمرض بالمحافظة، وكان شديد الإيمان بالوحدة الوطنية؛ فكان يُلقى خطبه في الكنائس والمساجد على السواء، كما حصل على شهادة العالمية من الأزهر الشريف في 3 فبراير 1938، وعمل محاميًا شرعيًا بعد الحصول عليها.
وتخرّج من قسم الصحافة بجامعة القاهرة عام 1970، بتقدير جيد جدًا مع مرتبة الشرف، وأسهم في الحركة الوطنية للطلاب منذ تفجيرها في فبراير 1968.
كما شارك في حرب أكتوبر عام 1973، والقتال ضمن قوات اللواء 16 مشاة في معركة “المزرعة الصينية” بالدفرسوار، والتي تكبّد فيها العدو خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، وأُصيب على إثرها بشظية مدفعية.
حدثينا عن تاريخه المهني
عمل محررًا بقسم الأخبار بوكالة أنباء الشرق الأوسط عام 1970، وتنقّل بين مختلف إدارات التحرير، وتخصّص في الشؤون الفلسطينية والعربية، وعمل نائبًا لرئيس التحرير بوكالة أنباء الشرق الأوسط، اعتبارًا من 2007، والمسؤول عن شبكة المراسلين للوكالة داخل مصر وخارجها حتى 2013.
كما قاد مع زملائه بالوكالة، حملة رفض إلحاق الوكالة بوزارة الإعلام عام 1984، والتي انتهت بإعلان الحكومة تخلّيها عن هذا المُخطط.
كما عمل الراحل مديرًا لمكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط في العاصمة اليمنية صنعاء، خلال الفترة من 1988 – 1992.
وماذا عن تاريخه النقابي؟
ارتبط “الميرغني” بالعمل النقابي منذ عام 1980، وشارك في مختلف معارك الدفاع عن حرية الصحافة واستقلال النقابة؛ حيث انتُخب عضوًا في مجلس نقابة الصحفيين لدورتين متتاليتين لمدة 8 سنوات، بدءًا من عام 1995، وحتى عام 2003، كما شغل منصب وكيل أول مجلس النقابة خلال الدورة من عام 1999 حتى 2000، واُختير وكيلًا أول للنقابة ورئيسًا للجنة القيد.
وتولّى مسؤولية الحفاظ على تراث النقابة من الدوريات، التي يرجع بعضها إلى زمن الثورة العُرابية، وكذلك الكتب القديمة والتاريخية التي ضمّتها مكتبة النقابة.
كما أسهم “رجائي” تطوير إجراءات القيد بالنقابة، واعتماد معايير موضوعية للعضوية، والتي كانت تعتمد على أساليب غير مناسبة للقيد بهذه النقابة العريقة، وكان أبرزها نظام “الكوتة” في اختيار الأعضاء، بديلًا عن المعايير المهنية والصحفية السليمة، بالإضافة إلى إسهاماته في أعمال اللجنة المُكلّفة بإعداد مشروع قانون إلغاء العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر، والتي أشرف عليها الدكتور أسامة الغزالي حرب، ورأسها المستشار عوض المر رئيس المحكمة الدستورية الأسبق.
وكان لرجائي رؤية مختلفة لتطوير العمل الصحفي في مصر؛ فأعد خطة عام 2012 مُفصّلة لإنشاء هيئة وطنية للتنظيم الذاتي للصحافة ووسائل الإعلام المصرية، وذلك بالتنسيق بين نقابة الصحفيين ومكتب اليونسكو بالقاهرة، تُعد الأولى في مجالها بمصر، لإيمانه بضرورة تكوين هيئة مُستقلة للإعلام غير تابعة للدولة، وتكون كل الصحف والمنظمات الإعلامية مرتبطة بهذه الهيئة، وتابع من أجل ذلك تجارب الدول التي أسست هذه الهيئة، والتي تبلغ أكثر من 80 هيئة حول العالم، كما نظّم عددًا من ورش العمل في نقابة الصحفيين وبعض المؤسسات الصحفية، للتدريب على هذا النظام.
ودوره في عمومية “قانون اغتيال الصحافة”؟
يحتفل الصحفيون هذه الأيام بـ”يوم الصحفي المصري”، الذي يوافق 10 يونيو، وكان رجائي من أبطال عمومية “قانون اغتيال الصحافة”؛ حيث قاد معركة قوية ضد القانون، حتى استطاع الصحفيون انتزاع حقهم في إلغاء القانون، وإقرار قانون 1996 السابق.
رجائي كان قويًا في التشريعات، درس قانون اغتيال الصحافة، ورفضه بقوة، وعمل مع الصحفيين طوال عام كامل -مدة انعقاد العمومية الطارئة آنذاك- حتى سقط هذا القانون، على الرغم من حالة التضييق التي كانت تفرضها السُلطة في ذلك الوقت على النقابة والنشر، وشارك “الميرغني” في لجنة صحفية قانونية، ضمت الأساتذة أحمد نبيل الهلالي، والمستشار سعيد الجمل، والدكتور نور فرحات، وحسين عبدالرازق، ومجدي مهنا؛ بهدف إعداد مشروع قانون بديل في مواجهة هذا القانون.
كيف كان رجائي فنانًا قبل أن يكون صحفيًا؟
رجائي كان إنسانًا قبل أن يكون صحفيًا؛ أحب الموسيقى، واعتدنا على سماعها سويًا، حتى اعتاد أطفالنا عليها، كان يحب موسيقى “بيتهوفين” بشدة، وغيرها من أنواع الموسيقى الهادئة.
عمل رجائي على عشرات رسومات الجرافيك؛ وثّق فيها إنسانيته وتجاربه في الحياة، وقيمه، وكان يعمل لساعات طويلة لتخرج الصورة بجودة عالية، وألوان متناسقة؛ فكان فنانًا قبل أن يكون إنسانًا وصحفيًا.
وحفظ “الميرغني” تجربته الثرية بمشاركته في حرب أكتوبر 1973، في عمل روائي طويل، تناول بطولات الإنسان المصري في هذه الحرب، وتحقيقه النصر، وقد نُشرت فصول منها في الصحف والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعي، في مناسبات ذكرى أكتوبر خلال السنوات السابقة.
كيف بدأت قصة حُب رجائي الميرغني وخيرية شعلان؟
كنت أرفض فكرة الزواج، وكان عملي الصحفي هو كل حياتي، لم أتخيل أنني قد أُغرم بشخص كما أحببت رجائي الميرغني، وفي أحد اجتماعات العمل في وكالة أنباء الشرق الأوسط، شاهدته لأول مرة، يتحدّث بثقة وهدوء، أعجبني حُبه لعمله، وإخلاصه وتفانيه.
تزوجته عام 1985، وتكلّل زواجنا بأولادنا الإعلامية سوسنة، والمهندس حاتم، الذين رسّخ فيهم لمساته الفنية والإنسانية الرفيعة.
تُغرّد كل يوم “صباح الخير يارجائي”، في صباح رومانسي يومي، يتذكّر الصحفي النبيل، وتُذكّر الصحفيين بأعماله، التي لم ينسوها يومًا في الأساس.
اقرأ أيضًا..