“دورة مياه للنساء”.. حُلم يراود الصحفيات في مصر
هل توفّر الصحف والقنوات في مصر "حمام خاص للنساء"؟
صحفية: تم فصلي بسبب مطالبتي بتخصيص دورة مياه لنا
طبيب: المضاعفات الصحية للمرأة قد تؤدي إلى الوفاة
لم تتوقع الصحفية غادة نبيل أن يتم فصلها يومًا من إحدى القنوات الفضائية، بعد أن طالبت بتوفير دورة مياه خاصة للصحفيات داخل المؤسسة، على الرغم من أن القناة كان بها 6 دورات مياه، في داخل كل غرفة واحدة، إلا أن جميعها كان مخصصًا للرجال فقط.
كان الأمر غريبًا على “غادة”، التي لم تشعر بالراحة خلال ساعات عملها؛ بسبب عدم توفير دورة مياه خاصة للنساء، ما أثّر على أدائها لوظيفتها، وجعلها في حالة من التوتر خلال ساعات العمل، والتي لم تتردد في أن تطالب بحقها في دورة مياه مُخصصة للنساء داخل القناة، ما دفعها لإرسال إيميل للإدارة، تطالب فيه بتخصيص حمام للسيدات فقط، بعيدًا عن تلك المُخصصة للرجال.
تقول في حديثها للمرصد: “على الرغم من أن دورات المياه كانت متوفّرة في المكان بعدد كبير، إلا أن ثقافة تخصيص إحداها للسيدات كان أمرًا غريبًا عليهم، وعلى الفور توجّه مدير القناة إلى المقر لتفقد الوضع، بعد الإيميل الذي أرسلته، ومنذ ذلك الوقت لم أسلم من ممارسة الضغوط المستمرّة من المديرين، وكأنني أجرمت في حقهم، لمجرّد مطالبتي بتوفير دورة مياه خاصة لنا”.
لم تتحمّل “غادة” الضغوط المستمرّة التي تعرّضت لها طوال أشهر بعد ذلك، وقررت أن تترك المؤسسة، وتبحث عن أخرى تحترم المساحة الآمنة للنساء.
صحفية: كنت أُجبر على الدخول لحمام الرجال وإلا أتعرّض للخصم
الأمر نفسه شعرت به الصحفية منى -اسم مُستعار- خلال عملها بإحدى المؤسسات الصحفية الكُبرى؛ وذلك بسبب تواجد دورة المياه الخاصة بالسيدات في الطابق العلوي لصالة التحرير، ما جعل الأمر أكثر صعوبة على الصحفيات، خاصة وأن مدير التحرير كان يرفض ذلك، ويجبرهنّ على استخدام حمام الرجال، تفاديًا لتضييع الوقت بحد وصفه.
لم يكن الأمر سهلًا عليها، خاصةً وأن دورة المياه المخصصة للرجال كانت في وسط صالة التحرير، وبحد وصفها “مكشوف” أمام الجميع، ومن تدخلها تكون في مرمى أعيُن الصحفيين/ات المتواجدين/ات بالصالة.
“الشعور بعدم الراحة والأمان من أكثر الأمور صعوبةً على أي شخص، قد يبدو الأمر ليس مهمًا بالنسبة للكثيرين، إلا أننا كنّا نتعرّض للخصم إذا استخدمنا دورة مياه السيدات في الطابق العلوي”، هكذا قالت الصحفية في حديثها للمرصد، مؤكدةً أن أكثر تلك اللحظات إحراجًا، التي تكون فيها على موعد مع الدورة الشهرية، ما يجعلها تتردد على دورة المياه بشكل أكثر من الطبيعي، بالإضافة إلى أن الأصوات التي كانت تخرج من الحمام تكون مسموعةً للجميع.
صحفية: دورة مياه النساء داخل المؤسسة لم يتم تنظيفها نهائيًا
لم تكن الصحفية ندى -اسم مُستعار- أكثر حظًا عن زميلاتها، والتي تعمل في مؤسسة صحفية كُبرى؛ وذلك على الرغم من توفّر حمامين داخل مقر الصحيفة، إلا أن أحدهم لا يعمل، ولم يتم تنظيفه نهائيًا منذ سنوات.
تقول في حديثها للمرصد: “مقر الجريدة على طابقين، الطابق الأول يحتوي على دورة مياه مشتركة بين النساء والرجال، والطابق العلوي لا يتم تنظيف الحمام به نهائيًا، منذ أن دخلت مقر المؤسسة حتى اليوم، ما يجعل الجميع ينفر منه، ولا يتم الاكتراث به، حتى أصبح أسوأ من المراحيض العامة، ويُشعرني الأمر بالاشمئزاز كلّما اقتربت، بالكاد قد يصيب أي شخص بالعدوى إذا استخدمه”.
وكشفت “ندى” أن ربما عدم الاهتمام بحمام النساء داخل المؤسسة، يعود لعدم استخدام الطابق العلوي للجريدة بشكل كبير، إلا أن ثقافة دورة المياه المُخصصة للنساء ليست موجودة بالأساس، ما يجبرها على الانتظار حتى تعود للمنزل، الأمر الذي قد يعرّضها في أي وقت لمضاعفات خطيرة”.
صحفية: أتردد على كافيه بجوار الجريدة لاستخدام الحمام والأمر مكلّف ماديًا
تقول الصحفية سالي -اسم مستعار- إنها كانت تعمل في جريدة وموقع البوابة نيوز بمنطقة الدقي، منذ عامين ماضيين، ولديها تجربة مع دورة المياه المشتركة تعبترها “الأسوأ”، في حياتها.
تقول في حديثها للمرصد: “كل مرة أحتاج الدخول إلى الحمام، أشعر بانعدام الخصوصية، فكرة وجود حمام يجمع النساء والرجال هي فكرة غير آدمية بالنسبة إلى مجتمعنا، كنا نشعر بحرج طوال الوقت، ونقلل من مرات استخدامنا لدورة المياه قدر المُستطاع”.
وتابعت: “لم تكن الخصوصية هي المشكلة الوحيدة -فبخلافها- غابت النظافة تمامًا، رائحة سيئة، وبقايا بول على المرحاض نفسه، وعدم وجود أبسط أدوات النظافة المطلوبة لدورة مياه آدمية، تتناسب مع جريدة كبيرة، مثل الصابون والمناديل”.
كان حال دورة المياه المشتركة تدفع “سالي” إلى الجلوس يوميًا في إحدى الكافيهات الشهيرة المحيطة بمقر الجريدة، تتناول القهوة، ثم تدخل الحمام مرة واحدة على مدار يومها بالعمل، الذي يبدأ الساعة العاشرة صباحًا، وينتهي في حوالي الساعة 6 مساءً على الأقل، اضطرت لهذا بعد أن ترددت على دورة مياه من الكافيه عدة مرات دون أن تجلس وتطلب القهوة، ما عرّضها لحرج اضطرها تتردد كـ”زبونة” دائمة على المكان المُكلف ماديًا، والذي وصفته بأنه “غير متناسب مع مرتبات الصحافة”، لتجد نفسها آخر كل شهر في أزمة مالية، تقول: “اضطُررت لاستخدام حمام الجريدة مرة أخرى، مُجبرة بسبب الكُلفة المادية للكافيه”.
مع الوقت استجابت إدارة المكان لشكاوى الفتيات، وتم تخصيص حمام للنساء داخل صالة التحرير، لكن بقيت أزمة انعدام النظافة مستمرّة، ورائحته السيئة دائمًا موجودة، بجانب مكانه في وسط صالة التحرير، ما يتسبب في حرجٍ كبيرٍ للفتيات أثناء وبعد التردد عليه.
تقول نهى -اسم مستعار- صحفية بنفس الجريدة: “أشعر في كل مرة أدخل فيها الحمام، بأنه دون باب أو حاجز يمنع أي صوت، حتى لو نزلت نقطة مياه واحدة من الحنفية، سمع الجميع في صالة التحرير صوتها، الأمر في غاية الصعوبة والحرج”.
لماذا “حمام خاص للنساء”؟
مفهوم “الحمام الخاص للنساء”، هو الذي يكون مخصصًا فقط للسيدات، وغير مُصرّح للرجال استخدامه، وهو الذي يتوفّر فيه كل أشكال الأمان للمرأة، ووسائل النظافة المختلفة، مثل الماء الجاري، والصابون، أو المناديل الورقية، وصندوق القمامة، بالإضافة إلى التنظيف الدوري، والصيانة المستمرّة.
غياب الحمام الخاص بالصحفيات داخل مؤسساتهنّ، قد يؤثّر سلبًا على تركيزهنّ وراحتهنّ خلال ساعات العمل، خاصة خلال فترات الحيض، ما قد يتسبب في أذى نفسي وبدني لهنّ، وربما للنساء الحوامل، الذي قد يتسبب في إلحاق الضرر بالجنين، بسبب عدوى أو غير ذلك.
الحمام الخاص للنساء، أصبح حُلمًا يراود الكثير من الصحفيات داخل مؤسساتهنّ؛ حيث لا توفّر تلك الصحف حمامًا نظيفًا أو خاصًا لهنّ؛ ففي بعض الأحيان نجده مشتركًا بين النساء والرجال، ما يجعل الأمر مُحرجًا بشدة، ويدفعها للشعور بعدم الراحة والأمان، خاصةً في فترات الحيض.
إن احتياجات النساء داخل الحمام المُخصص لهنّ، تختلف في جوهرها عن الرجال؛ مثل الحاجة إلى توفير الأكياس السوداء للتخلّص من الفوط الصحية، لتجنّب الإحراج من إلقائها أمام زملائهنّ، وذلك بهدف تجنيبهنّ الإحراج والأزمات النفسية والاجتماعية، الناجمة عن الوصم الاجتماعي، المتعلّق بالأفكار المغلوطة عن الدورة الشهرية.
كما أن فكرة الحمام المشترك قد تتسبب في مضاعفات صحية للطرفين، سواءً للنساء أو الرجال؛ وذلك لاختلاف الطبيعة الفسيولوجية لهم/نّ، وتعرّض السيدات لفترات حيض، بالإضافة إلى التغيّرات الهرمونية التي تواجه الرجال، ما قد يؤدّي إلى انتشار البكتيريا التي تتسبب في نقل العدوى.
أستاذ أمراض النساء: تأخّر تغيير الفوطة الصحية قد يعرّض المرأة لـ”صدمة تسممية”
يقول الدكتور يحيى دوير أستاذ أمراض النساء والتوليد، وعضو مجلس نقابة أطباء القاهرة، إن أزمة توفير حمام مخصص للنساء تنقسم إلى جزئين؛ الأول هي أزمة نفسية، وذلك بسبب غياب عامل الراحة والأمان للسيدات داخل دورة المياه، خاصة تلك التي تعاني من اضطرابات في عضلات الحوض، وتحتاج إلى التردد على الحمام أكثر من مرة خلال ساعات العمل، بالإضافة إلى فترة الحيض، والتي تجعلها في حاجة إلى تغيير الفوط الصحية بشكل متكرر، وأيضًا إلقائها في القمامة أمام زملائها الرجال، يضعها في جرح كبير طوال الوقت، وعدم تغييرها لمدة تزيد عن 6 ساعات، قد يعرّضها لمضاعفات صحية، مثل “الصدمة التسممية”، التي قد تؤدي إلى الوفاة.
ولفت إلى أن الكثير من السيدات يشعرنّ بحرج من فترات الدورة الشهرية، حتى من أزواجهنّ، متسائلًا كيف لهنّ أن يستدخدمنّ دورات مياه مشتركة مع الرجال في تلك الفترة؟ خاصةً وأن المجتمع مازال يعتبر أن فترات الحيض هي وصمة للسيدات.
ويضيف في حديثه للمرصد، أن غياب دورة المياه المُخصصة للنساء، من الممكن أن يتسبب في حاجز نفسي لهنّ، ويدفعهنّ لعدم استخدامه لفترات طويلة، ما قد يعرّضهنّ إلى تراكم البكتيريا في المثانة، حتى النافعة منها، ما يؤدي إلى احتباس البول، وغير ذلك.
وأكد الدكتور يحيى دوير، أن الشكل التشريحي للعضو التناسلي للمرأة يختلف عن الرجل، ما يجعل مضاعفات البكتيريا لديها أسرع بكثير، واصفًا المرأة بأنها “أقل حظًا” في ذلك، خاصةً وأن الجزء التناسلي لديها لا يتعدّى 2.5 سم، وعند الرجال نحو 6 أو 7 سم، ما يجعل البكتيريا المتراكمة في القناة البولية لدى السيدات تتراكم بشكل أكبر؟
وتابع: “السيدة لديها مخرج للبول ومدخل للمهبل، والرجل لديه مخرج للبول فقط، ما يساعده على خروج أي بكتيريا لديه عن طريق البول، والسيدة قد لا تنجح في ذلك بشكل كبير، ويدفعها ذلك إلى زيادة الالتهابات.
وكشف “دوير” عن الضرر الواقع من استخدام الرجال والنساء لحمام واحد، والذي يتسبب في تراكم أنواع كثيرة ومختلفة من البكتيريا والأمراض، مثل الديدان، أو البلهارسيا، وهي التي تنتقل بصورة سريعة من شخصٍ لآخر.