بروفايلسلايدر رئيسي

رباب عزام.. صحفية تنقب عن الحقيقة وتنحاز للناس

منذ طفولتها، لم تكن الصحافة بالنسبة لرباب عزام مجرد مهنة، بل كانت قدرًا رسم ملامحه شغف الطفولة، حينما تعلمت قراءة الجرائد قبل أن تتم السادسة، وصاغت أولى مقالاتها تحت اسم مستعار وهي لم تتجاوز العاشرة. نشأت في منزل يقدّس الكلمة، حيث كان والدها، صلاح عزام، مدرسًا للغة العربية ومتدربًا في مؤسسة الأهرام أثناء مرحلة الدراسة، مما خلق بيئة خصبة لازدهار موهبتها. لم تكن الدراما والسينما بعيدتين عن تشكيل وعيها الصحفي، فقد وجدت في صورة الصحفي المتمرد، المدافع عن الحق، كما جسدها نور الشريف في “ضربة شمس”، إلهامًا قادها نحو الصحافة بلا رجعة.

 

وفي سنوات الدراسة، لم تكتفِ بالانضمام إلى جماعات الصحافة المدرسية، بل أسست جريدة يدوية سرية مع صديقاتها، تقول في حديثها للمرصد: “قررت للمرة الأولى أني سأعمل في الصحافة وأنا في التاسعة من عمري بعد أن التحقت بجماعة الإذاعة المدرسية وجماعة الصحافة التي أهلتني لكتابة نصوص إبداعية، كما عززت من مشاركتي وقتئذٍ في مناظرات إذاعية مسجلة، ما أهلني لأصبح محاورة صحفية فيما بعد. وعزز من لغتي وخطابي وأسلوبي، وبدأت في صغري بتأسيس مجموعة أشبه بالسرية في المدرسة، رفقة مجموعة من صديقاتي، كنت أرأس تحريرها، وبدأنا جريدة مكتوبة بخط اليد ننشر فيها أهم أخبار المدرسة وأهم الأخبار في الشارع المصري، وكنا نوفر بضع جنيهات لطباعتها بعد الانتهاء منها وتوزيعها على الفصول بشكل خفي. كنت أكتب بعض المقالات والنصوص تحت اسم “الواد الجن”. وقتئذٍ، شاركت كمسؤولة عن الطلاب أيضًا في جماعة الصحافة المدرسية وفزنا بعدة مسابقات على مستوى محافظة القاهرة، ولدي شهادة استثمار احتفظ بها حتى اللحظة بعد فوزنا بالمركز الأول في إحدى المسابقات الخاصة بمجلات الحائط والمناظرات الإذاعية”. 

 

كما تمسكت بحلمها رغم اعتراض الأسرة التي كانت تطمح لأن تصبح طبيبة، ورسمت خطة للهروب من هذا المسار، تشرح ذلك: “كان أبي يشجعني دومًا على ممارسة الأنشطة، وكنت أتمتع بموهبة في الرسم أيضًا والمسرح، إضافة إلى تفوقي الدراسي؛ لذا طمعت الأسرة أن أصبح طبيبة – كحلم معظم الأسر المصرية تقريبًا- ومع إصرار والدي على دخولي كلية الطب، جهزت خطة لإجهاض حلمه، إذ قررت أن أجيب على أسئلة دون غيرها في امتحان الكيمياء للصف الثاني الثانوي، على أن أعوض في السنة التالية، لأحقق مجموع نهائي يؤهلني لدخول كلية الإعلام دون الطب، لكن مخططي فشل ولم أستطع الالتحاق بكلية الإعلام بسبب نصف درجة فقط. والتحقت أولًا بكلية الفنون الجميلة ثم غادرتها بعد أيام لكلية السياحة والفنادق جامعة حلوان، التي تخرجت فيها في العام “2012.

 

لم يمنعها ذلك من خوض غمار الصحافة، إذ انطلقت تجربتها الاحترافية أثناء دراستها، وتحديدًا في العام 2011، حين عملت كمتدربة على إعداد البرامج التلفزيونية، لكن سرعان ما وجدت نفسها في مواجهة الواقع العملي بعد استقالة فريق الإعداد بأكمله، مما منحها الفرصة لصقل مهاراتها بالممارسة المباشرة.

 

المسيرة المهنية والتنقل بين المؤسسات الصحفية: 

 

بدأت رباب عزام رحلتها المهنية في الصحافة الرياضية بجريدة محلية بحلوان عام 2008، لكنها لم تلبث أن انتقلت إلى إعداد البرامج التلفزيونية، ثم تلقت تدريبات في إذاعة صوت العرب وعملت كمذيعة راديو لمدة سبعة أشهر، قبل أن تستقر على الصحافة المكتوبة، وبالأخص التحقيقات الصحفية.

 

لم يكن الطريق سهلًا، فقد واجهت الفصل التعسفي للمرة الأولى عام 2014 أثناء عملها في منصة “فيتو”، بسبب آرائها الشخصية، وكانت هذه مجرد بداية لسلسلة من التحديات التي جعلتها أكثر إصرارًا على الاستقلالية المهنية. لاحقًا، انضمت إلى تجارب شبابية مثل “فيس مصر”، حيث شغلت مواقع متقدمة رغم صغر سنها، لكنها تعرضت مجددًا للفصل بسبب تغطيتها لقضية جزيرة الوراق، لتجد نفسها أمام خيارين: البقاء في المؤسسة أو الانحياز للأهالي، فاختارت الانحياز للحقيقة، مما دفعها إلى العمل كمراسلة مستقلة منذ عام 2017.

 

في هذه المرحلة، بدأت التعاون مع منصات إقليمية مثل “رصيف 22” و”عربي برس”، وكتبت في “السفير العربي” لمدة أربع سنوات. كما شاركت في تأسيس وإدارة منصة “زاوية ثالثة”، حيث عملت كرئيسة تحرير لمدة عامين، قبل أن تغادرها مؤخرًا لأسباب شخصية. في الوقت نفسه، التحقت بفريق “بلومبيرج” كمنتجة تقارير، ما أتاح لها فرصة للتعمق في الصحافة الاقتصادية.

 

التحقيقات وأبرز الأعمال:

 

على مدار مسيرتها، أولت رباب عزام اهتمامًا خاصًا بقضايا العمال، والحق في السكن، وقضايا المرأة، والأقليات، واللاجئين. ومن أبرز تحقيقاتها:

 

تحقيق ميداني في محافظة سوهاج نجحت من خلاله في منع انتزاع نحو 50 فدانًا من مزارعين، بعد كشفها عن فساد مسؤول نافذ.

 

تحقيق كشف عن عصابة لسرقة المواد التموينية بحي الخليفة، أدى إلى محاكمة زعيمها.

 

تحقيق استقصائي عن التضحية بالأطفال الرضع كقرابين في حي الزبالين بمنشية ناصر، قادها بالمصادفة إلى الكشف عن عصابة لتجارة المخدرات.

 

تحقيق “من يحمل مفاتيح معبر رفح؟”، المنشور في “زاوية ثالثة”، حيث كانت أول من أشار إلى التنسيقات الجارية بعد حرب غزة بشهر واحد فقط، وهو ما فتح الباب أمام تقارير أخرى محلية ودولية عن القضية. كما دشنت حملة “عودة العالقين المصريين في غزة”، بالتعاون مع منصة “فكّر تاني”، والتي ساهمت في إعادة بعض العالقين.

 

ورغم رفضها لفكرة “صحافة الجوائز”، فقد شاركت في بعض المسابقات الدولية ووصلت إلى التصفيات النهائية، وكانت هذه المشاركات سببًا في انضمامها لاحقًا إلى “بلومبيرج”.

 

الصعوبات والمخاطر:

 

لم تكن الطريق ممهدة، فقد تعرضت للاختطاف، والضرب، والملاحقات القضائية بسبب عملها. إحدى المحطات البارزة في هذا السياق كانت حملتها لمناهضة ختان الإناث، حيث طالبت في 2017 بتعديل القانون لمحاسبة الوالدين كشريكين في الجريمة، وهو ما تحقق لاحقًا. لكن الحملة لم تمر دون تبعات، فقد تلقت تهديدات وتعرضت للاعتداء الجسدي من أحد الآباء في الشارع.

 

التعلم والتطوير المهني: 

 

ترى رباب عزام أن الصحافة تشهد تحولات كبرى في عصر التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، وتؤمن بأن من لا يواكب التطورات اليومية سيجد نفسه خارج المجال. لذا، تحرص على تطوير مهاراتها من خلال الورش التدريبية في مؤسسات مثل “أريج”، كما تسعى لمشاركة معرفتها مع زملائها، إيمانًا بدور التدريب في تعزيز التجربة المهنية.

 

العمل النقابي وحقوق الصحفيين

إلى جانب عملها الصحفي، تولي اهتمامًا خاصًا بالعمل النقابي، حيث كانت من بين المؤسسين للجنة المرأة في نقابة الصحفيين، وتسعى إلى تمكين الصحفيات اقتصاديًا ومهنيًا. كما تعمل حاليًا على دراسة حول حقوق الصحفيين والفنانين اللاجئين، بهدف دمجهم في المجال الإعلامي.

 

طموحات ومشروعات مستقبلية: 

 

حاليًا، تخطو رباب عزام نحو عالم صناعة الأفلام، إذ تدرس السيناريو في دبلومة صناعة الفيلم مع المخرج علي بدرخان، كما بدأت بكتابة سيناريوهات قصيرة، ولديها روايتان لم تُنشر بعد. بجانب ذلك، تشارك في تأسيس تجربة شبابية مستقلة تسعى لإنتاج الأفلام الوثائقية والبودكاست والمحتوى التلفزيوني البديل، من خلال شركة “درافت وبيت الحواديت”، التي تأمل أن تصبح منصة قوية تفتح الباب أمام الصحفيين المستقلين والمواهب الجديدة في مجالي الصحافة والإنتاج الفني.

 

بهذا المسار الحافل، تواصل رباب عزام التمسك بمبادئها، واضعة نصب عينيها تقديم صحافة جادة ومستقلة، مهما كانت التحديات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى