التقارير الإعلاميةسلايدر رئيسي

رحلة 1200 جنيه في “جيوب” الصحفيين.. الحد الأدنى للأجور حلم

مرَّ راتب نورا_اسم مستعار_، 33 عامًا، بـ”طفرة” حيث ارتفع من 500 جنيه بجريدة المصريون إلى 1500 جنيه بجريدة البوابة نيوز، ذلك عام 2015.

“طفرة المرتبات” التي عبرت عنها نورا لم تأتِ من فراغ في ذلك الوقت، عام 2015، قرر المجلس القومي للأجور ارتفاع الحد الأدنى للأجور للعاملين بالدولة ليقترب من 622 جنيهًا شهريًا، بعد أن كان 214 جنيهًا في 2013.

عام 2018 انتقلت نورا للعمل بوحدة إضافية متخصصة، ما جعل ذلك ينعكس على راتبها، حيث زاد إلى 4000 جنيه مصري: “كان أقصى رقم وقتها وكنا بنعمل شغل نار”، إلا أن هذا الانطباع لم يَدُم مع مرتبها الذي استمر في الانخفاض بداية من 3500 حتى وصل إلى 1500 جنيه شهريًا، قبل عام 2020.

عام 2019 ارتفع الحد الأدنى للأجور ليصل إلى 2000 جنيه شهريًا، لكن صحفية البوابة نيوز عادت إلى نقطة الصفر فالحد الأدنى للأجور أعلى من راتبها، يكفي فقط مواصلات من محل سكنها إلى الجريدة ووجبة غذائية تعينها في العمل اليومي: “هصرف أقل حاجة 50 جنيه أكل و28 جنيه مواصلات”، تكلفة نورا* الشهرية خلال 5 أيام عمل ذهابًا وإيابًا تبلغ 890 جنيهًا.

براتب 1200 جنيه.. نورا والحضانة

واجهت نورا* عام 2020 أعباء اقتصادية إضافية مع الراتب، بعد رفض إدارة الجريدة مد إجازة الوضع أكثر من 6 أشهر وأجبرتها على العودة إلى للعمل: “اتجمعت أنا وأكتر من أم وكنا عايزين نعمل حضانة ونجيب دادة على حسابنا.. رغم إن إنشاء حضانة مسؤولية المكان لكن الاقتراح اترفض أنا مش هقدر أشتغل ولا أدفع حضانة من المرتب”.

ظهر حل من الأمهات المتضررات بمثابة طوق نجاة للجريدة وعبئًا إضافيًا لنورا، هو تقليص الراتب إلى النصف والعمل من المنزل: “لاقيت رئيس القسم عامل قرار ومضاه بالفعل وكاتب اسمي عليه”، وصل راتبها بعد التخفيض إلى 1200 جنيه مقابل العمل من المنزل.

صدر قرار من رئاسة مجلس الوزراء، في مارس عام 2020، بتطبيق بعض التدابير الاحترازية المتخذة بوحدات الجهاز الإداري للدولة وشركات القطاع الخاص وشركات قطاع الأعمال، هو ما زاد الصحفية قهرًا على راتبها الذي تقلص دون حاجة.

أوضحت: “خلال شهر تقريبًا دخلت كورونا وكل الناس بقيت في البيت واشتغلوا بمرتباتهم كاملة، وقتها فضلت أطالب بزيادة الراتب لكن يقولولي 6 شهور والمرتبات ترجع، وجالي إحباط من الـ 1200جنيه وأنا اللي كنت مسؤولة عن قسم وبديره”.

لكن نورا* حاولت “كان في مؤتمر للصحفيين مع عبدالرحيم علي وافقت وطالبت وقتها بزيادة بسيطة تصل إلى 500 جنيه، لكن كان الرد أن هذه الميزانية المتاحة ولا توجد زيادة”، في 15 مارس 2021 ارتفع الحد الأدنى للأجور ليصل إلى 2400 جنيه مصري.

وأوضحت الصحفية النقابية، أنه بمجرد فوز خالد البلشي نقيبًا للصحفيين ارتفعت المرتبات إلى 2000 جنيه، لكن القرار جاء متأخرًا بالنسبة إليها: “أنا مش هعرف أصرف على الشغل، أخدت إجازة دون مرتب وبجددها كل سنة وبدفع تأمينات 600 جنيه شهريًا”.

غياب العدالة في الأجور

يرى محمد الغريب، صحفي نقابي منذ عام 2013، أن العدالة لا تنطبق على أجور الصحفيين: “تختلف مشكلة الراتب من صحفي لآخر، حسب الرضا عن الصحفي ودي من المسلمات في الجرائد”، تنقل الغريب بعدد من المواقع الإلكترونية إلا أنه يرى أن الأجور ما زالت تشكل تحديًا في أغلب المؤسسات الصحفية المختلفة.

يتنبأ الغريب بأن المؤسسات الصحفية لن تطبق الحد الأدنى للأجور: “ولو الدولة أقسمت بالكتب السماوية تطبيقه في القطاع الخاص، رواتب الصحفيين مش محصلة اللي كنت بقبضه قبل 25 يناير 2011، حتى الآن في زملاء بإحدى الجرائد يتقاضون من 1500 إلى 2200 جنيه”.

وأضاف الصحفي، الذي يعمل بموقع “نيوز رووم” حاليًا: “الفكرة إننا عيشنا التضخم والظروف الاقتصادية، لما تشتغلي بـ 2 و3 أو 4 حتى تصرفيهم مواصلات ولا معيشة وخدمات مساعدة للعمل نفسه ستكون محصلتها لا شيء”.

وفي نفس السياق، خاطبت نقابة الصحفيين المصريين الجرائد والمؤسسات الصحفية المختلفة، لتطبيق الحد الأدنى للأجور 3500 جنيهًا، أوضح ذلك نقيب الصحفيين، خالد البلشي، في لقائه الشهري مع المحررين المكلفين/ات بتغطية شؤون الملف والنقابة، في فبراير عام 2024.

بعد عامين من توليه المنصب، صرح البلشي خلال جلسة ترشحه لمنصب نقيب الصحفيين للمرة الثانية، في فبراير 2025: “كان هناك خطأ كبيرًا داخل النقابة بخصوص الحد الأدنى للأجور، حيث تم تحديده عند 200 جنيه فقط، لكن تم تصحيح هذا الخطأ والاتفاق على حد أدنى جديد يوازي ما هو معمول به في الدولة، ليصبح جزءًا من العقود المبرمة مع المؤسسات الصحفية”.

اتفاق غير معلن الأجر مقابل النقابة

بدأت رباب_اسم مستعار_، رحلتها في صحيفة الفجر منذ 9 سنوات، بتقاضي راتبًا شهريًا بلغ 400 جنيه، حصلت رباب على ترقية وزادت درجتها الوظيفية إلا أنها لم تحظَ بزيادة في الراتب، الذي وصل إلى 1780 جنيهًا قبل الزيادة.

وقالت: “على مدار تسع سنين شغل دي زيادة المرتب، ويعتبر ده مميزني ومديني أكتر من زمايلي، في زمايل ليا متعين من سنين ومرتبهم لا يتعدى ألف جنيه”.

ألقت الجريدة عبء دفع التأمينات على الصحفيين، ما جعل رباب تقتطع من راتبها الشهري مبلغ 220 جنيهًا للتأمين، رغم ذلك تلاحظ الصحفية أن هناك فروقًا في مبالغ التأمينات “في ناس بتدفع 520 جنيه وفي ناس بتدفع 220 جنيه زيي علشان عقدهم أقل من عقد الزملاء”.

وأوضحت الصحفية أن هناك اتفاقًا غير معلن في الصحف الورقية، ينص على السماح للصحفيين بتكوين أرشيف ورقي ويمنحهم الانضمام إلى عضوية نقابة الصحفيين مقابل دفع أجر زهيد أو عدم دفعه من الأساس، “الصحفي بيتعامل أنه مش محتاج فلوس من الجرنال، الألف جنيه اللي بياخدهم مقابل مادي لدفع الإنترنت”.

وأفادت أن الجريدة تقدم تسهيلات مثل عدم الحضور اليومي، لكن لا يحصل على هذا الامتياز صحفيو الإصدار الورقي “ملتزمين بشيفت وبيقبضوا 600 جنيه، وفي ناس مبتقبض خالص من الموقع”.

وأفاد مشاركون باستطلاع رأي صدر في إطار استعدادات نقابة الصحفيين لعقد المؤتمر العام السادس للصحفيين فى الفترة من 14 إلى 16 ديسمبر 2024: “ يحصل نحو 13.1% من الصحفيين لا يحصلون على أجر، بينما يحصل 17.1% من الصحفيين يحصلون على أجر أقل من 1000 جنيه شهريًا، ويحصل 18.9% من الصحفيين يحصلون على أجر أقل من 3000 جنيه شهريًا.

 

تحدي الأجور.. رئيس اللجنة النقابية بجريدة الوفد

ومن جهته، أبانَّ رئيس اللجنة النقابية للعاملين بجريدة الوفد، محمد عادل، للمرصد المصري للصحافة والإعلام، أن أجور الصحفيين تشكل تحدٍ: “أجور الصحفيين متدنية جدًا وموصلتش للحد الأدنى وده تحدي كبير في كل الصحف والمواقع الإلكترونية بشكل عام”.

وأوضح عادل أن العاملين بجريدة الوفد، ارتفعت رواتبهم لتتساوى مع الحد الأدنى المعلن عنه في يناير 2024، لكن “نطالب بالحد الأدنى الذي من المقرر تطبيقه بداية من شهر مارس المقبل، هو 7 آلاف جنيه مصري”.

وأضاف أن  الصحفيين كانوا يتقاضون أجرًا 1500 جنيه شهريًا، إلى أن ارتفعت أجورهم العام الماضي، وبلغت 3500 جنيه بعد قفزة في المرتب وصلت إلى 2000 جنيه دفعة واحدة.

وفي هذا الصدد قرر المجلس القومي للأجور زيادة الحد الأدنى للعاملين بالقطاع الخاص إلى 7000 جنيه مقابل 6000 جنيه، على أن يتم تطبيقها اعتبارًا من 1 مارس 2025.

وأشار عادل إلى أن المؤسسات الحزبية تواجه مشكلات إدارية، تؤثر على أجور الصحفيين: “كل الصحف الحزبية مش عارفة تغطي المرتبات رغم أنها متدنية.. كل الصحف الحزبية مش الوفد بس محتاجة إعادة إصلاح وهيكلة كلها عندهم مشاكل إذا كانت اتقفلت أو اللي تم اغلاقه”.

 

وبحسب الاستبيان الذي أجرته النقابة قبل المؤتمر السادس، فإن “60% من الصحفيين يحصلون على أقل من الحد الأدنى للأجور، ومن خلال فحص 16 وظيفة معروضة في الصحافة المصرية بلغ متوسط الأجور المعروضة 5 آلاف جنيه شهريا”.

الحرية والمال.. أزمة الصحفيين

وفي نفس السياق أكد الأمين العام السابق للمجلس الأعلى للصحافة، محمد نجم، خلال المؤتمر السادس، أن مشكلة الصحافة في مصر ليست منحصرة في ملف الأجور، وإنما المشهد الصحفي المصري مأزوم كله، فالمنتج الصحفي بحد ذاته ضعيف، وهو ما انعكس بدوره على باقي مكونات المنظومة، وكذلك على مبيعات الصحف التي تراجعت بصورة جلية؛ فلا يوجد صحيفة أسبوعية توزع أكثر من ألف نسخة. مشددًا على أهمية الصحافة للمجتمع والدولة، مؤكدًا أن زيادة الأجر يكون عبر بوابة النقابة.

أما عضو مجلس النقابة، محمد خراجة، بدأ حديثه بالتأكيد على أهمية الصحافة والعمل الصحفي، وعلى رسالية ونخبوية العمل الصحفي، وبخصوص الأجور، فقد أعرب عن استياءه الشديد بشأن التفاوت الكبير بين أجور الصحفيين والأجور في قطاعات أخرى بالدولة؛ مشيرًا إلى زيادة مرتبات العاملين بالبنوك بنسبة 20% خلال العام الماضي، وقطاع البترول الذي حصل على الزيادة نفسها، كما أشار إلى ضرورة أن يتم توزيع عوائد النقابة من الإعلانات على أعضاء الجمعية العمومية.

لكنه عاد وأشار إلى الرابط بين زيادة الأجور ومنسوب الحرية؛ إذ يقود توافر الحرية إلى كتابة منتج صحفي جيد وجاذب، ما يزيد الطلب على المنتج الصحفي ويضاعف المبيعات والأرباح والإعلانات، وهو ما ينعكس بدوره على أجور الصحفيين. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى