ساهر جاد.. أحد الفرسان المدافعين عن مهنة الصحافة
بطل حكاية اليوم رحل عن عالمنا بجسده يوم 31 مايو 2022، إلا أنه بقي بروحه وسيرته العطرة، حيث كان فارسا في الدفاع عن مهنة البحث عن المتاعب ونقابة الصحفيين، و حاضرا وبقوة في كل قضايا الوطن.. فتعالوا بنا نتعرف على السيرة الذاتية للكاتب الصحفي والمناضل النقابي ساهر جاد.
نشأته
وُلد ساهر جاد يوم 14 ديسمبر 1960 فى محافظة القاهرة، وحصل على بكالوريوس تجارة من جامعة عين شمس، كما حصل على دبلومة الدراسات العليا من معهد الشئون الأفريقية بجامعة القاهرة (كلية الدراسات الأفريقية العليا حاليا).
خلال فترة دراسته الجامعية كان ساهر يشارك فى المظاهرات الطلابية، ويعمل فى مجال الصحافة، وكانت البداية فى مؤسسة “أخبار اليوم”، إلا أنه مُنع بعد فترة من دخول مقر الجريدة بعد مقال كتبه عن موسى صبري رئيس تحرير الجريدة وقتها، وبعدها انتقل إلى جريدة “الأهالي”.
المؤسسات التي عمل بها
ابتعد ساهر جاد عن مهنة الصحافة بعد زواجه وسافر إلى السعودية وعمل محاسبا، وبعد بضعة سنوات عاد إلى مصر، ليبدأ مرحلة جديدة فى حياته، حيث انضم إلى فريق عمل جريدة “الجيل”، وعن طريقها انتسب إلى عضوية نقابة الصحفيين المصريين، كما عمل فى جريدة “صوت الأمة”، وترأس تحرير جريدة “الغد” الصادرة عن حزب الغد أيمن نور ، وتولى رئاسة التحرير التنفيذي “للبديل” خلفا لخالد البلشي.وكان يراسل عددا من الصحف العربية فى السنوات الماضية.
مشواره النضالي
كان بطلنا من تيار الاستقلال داخل نقابة الصحفيين، وكان من ضمن المسئولين عن لجنة الأداء النقابي، ورفع العديد من القضايا من أجل حرية النشر ، وهو من مؤسسي وأعمدة حركتي “صحفيون من أجل التغيير”، و”كفاية “، و الثانية هى حركة تأسست عام 2004 للمطالبة بإنهاء حكم مبارك ورفض توريث الحكم لنجله جمال القيادي البارز في الحزب الوطني الديمقراطي وقتها.
كان ساهر جاد من أبرز المدافعين عن القضية الفلسطينية، ومن المعارضين لاتفاقية كامب ديفيد، وشارك فى القوافل والمساعدات الانسانية التي كانت تنطلق من مصر إلى فلسطين، وكان عضو فى لجان إعاشة للمعتقلين السياسين فى مصر .
دفع ساهر جاد ضريبة مواقفه السياسية، ففى عام 2005، ألقت قوات الأمن القبض عليه بسبب تعديه على ضباط أثناء مظاهرة مناوئة لترشيح الرئيس محمد حسني مبارك لمدة ولاية جديدة، وتظاهر العشرات من أعضاء كفاية وحركة “صحفيون من أجل التغيير” أمام محكمة عابدين في وسط القاهرة مرددين هتافات تطالب بإطلاق سراح جاد، وبدورها أفرجت نيابة القاهرة، عن ساهر جاد، بعد احتجازه يومين بتهمة ضرب بعض أفراد الشرطة خلال مظاهرة، بكفالة 200 جنيه دفعتها حركة كفاية.
وفى يوم 26 أبريل 2006، أُلقي القبض عليه للمرة الثانية، خلال وقفة للتضامن مع استقلال القضاة والقضاء فوق نقابة الصحفيين، واستمر أسابيع عدة، خرج بعدها ساهر كما هو مواصلا عمله من أجل الحريات والحقوق.
الدينامو
يقول الكاتب الصحفي كارم يحيى ، فى مقال نشرته جريدة “المشهد” فى عددها الأسبوعي الصادر بتاريخ 15 يونيو 2022، :” عرفت ساهر عام 2005 فى سياق عمل عام، ولدت صداقتنا وتوطدت من خلال دوائر نضالات ثلاث: التضامن مع حركة استقلال القضاء، وتأسيس وأنشطة الحركة المصرية من أجل التغيير “كفاية”، و كذا “حركة صحفيون من أجل التغيير” وخطابها وأدائها المتميز فى مسار العمل النقابي من صفوف الجمعية العمومية والصحفيين خارجها”.
وتابع يحيى: “جمعتنا أحداث بلا حصر فى الشارع ونقابة الصحفيين، وحيثما أتيح أمام هذه الدوائر الثلاثة وغيرها التنفس والحضور، وكان ساهر بمثابة الدينامو الذى لا يهدأ فى العالمين الواقعي والافتراضي دفاعا لمسارات الدوائر الثلاثة ومن أجل تغيير أحوال مصر والمصريين”.
وأشار إلى أن ساهر تحمل مسئولية العمل الإعلامي لحركة “كفاية” إلى حد كبير، وتولى مسؤولية رئاسة تحرير موقعها الإلكتروني، ونجح فى جعله ساحة حوار حر ديمقراطي وموضوعي بين مكوناتها المتنوعة ومع مجتمع يفور بالرغبة فى التغيير، كما كان مدركًا أهمية الحفاظ على استقلالية “صحفيون من أجل التغيير” عن “كفاية” وغيرها، وهذا لاعتبارات عديدة منها أن العديد من مؤسسة وأعضاء الحركة من الصحفيين لم يكونوا في كفاية”.
معلم الأجيال
ويعتبر ساهر أحد فرسان صحيفة “المشهد” الأوائل الذين شكلوا فريقها التحريري بعد أيام قليلة من إنشائها، وترك بصمة عميقة في نفوس الشباب الذين شكلوا غالبية فريقها التحريري، فكان معلما للمهنة وللأخلاق الإنسانية في وقت واحد. وعن هذا الدور ، يقول الصحفي محمد عادل نابليون فى تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعي: “حد فاكر والدته أو المدرس بتاعه زمان لما كان بيمسك إيدك بالقلم الرصاص علشان يعلمك إزاي تكتب، دا نفس اللي كان بيعمله معانا الأستاذ العظيم المغفور له ساهر جاد في بداياتنا في الصحافة في 2011 في جورنال المشهد علشان يعلمنا صحافة”.
وأضاف: “الله يرحمه كان مقدر تماماً إننا كنا لسه شباب خريجين جايين من الجامعة كل معرفتنا عن الخبر أو القصة الصحفية بتتلخص في كلام نظري، وبالتالي لم يألو أي جهد لديه في أنه يعلمنا ويتأكد من وصول المعلومة إلينا… أستاذنا وعمنا ساهر كان دايما يعزز عند تلامذته ثقتهم بأنفسهم وأهمية موقفهم ورأيهم حتى لو أقلية، وكان مدافع صلب عن حقوقهم وفي طليعة الناس أصحاب المواقف المناصرة لكل حق و المنددة بكل اعتداء على هذا الحق… مهما كنت صغير في السن لا يناديك إلا بـ”يا أستاذ” ويقابلك كل مرة بفيض من المشاعر اللي بيخليك تحس إنك أحد أهم كُتّاب المهنة… أثرك الطيب وعلمك النافع باقي في قلوبنا ياعمي ساهر، وربنا يعيننا على الفراغ اللي هيسببه غيابك”.
دوره فى الدفاع عن الصحفيين
كان ساهر مخلصا لكل مبادئه ومقاتلا من أجل مصالح مهنته ونقابته وحريصا دوما على مد الجسور مع الجميع بلا انقطاع ولا قطيعة، وقد اشتهر ساهر بدفاعه الصلب عن حقوق الصحفيين وحريتهم، وعن هذا الدور يقول الصحفي أحمد عبد العزيز فى تدوينه له: “لن انسى اعتصام ساهر جاد من أجلي عندما تم القبض على، وكاد أن يقبض عليه هو أيضا يومها، فضلا عن تضامنه معي ومع أسرتي طوال فترة حبسي.. لم يتأخر يوما عن دعم أي زميل تعرض لأي مكروه.. ولم يترك فاعلية من أجل وطنه وحريته ونقابته فضلا عن قضيته الأولى، القدس، وفلسطين إلا وشارك فيها… فقد كان صاحب مبادئ لم بحيد عنها وظل يدافع عن وطنه وحريته ونقابته ومهنته بكل ما يملك من قوة وعزيمة وإصرار”.
وعن الراحل تقول الكاتبة الصحفية إكرام يوسف، فى مقال لها بعنوان ” الساهر على أداء الواجب بلا ضجيج”، والمنشور فى عدد المشهد الصادر يوم 15 يونيو 2022، :” عرفت ساهر لأول مرة منذ سنوات عديدة، دائم التواجد والنشاط فى كل فعالية وطنية، أو نقابية تخص الصحفيين، توقعت فى البداية أنه يخطط للترشح فى انتخابات مجلس النقابة، وأنه يسعى لتكوين شعبية بين صفوف الجمعية العمومية، ويوما إثر يوم، وفعالية إثر أخرى؛ تأكدت أنه إنسان حقيقي بلا تكلف، يؤمن أن لديه واجبا يستحق أن يبذل أقصى ما يستطيع من جهد ﻷدائه فيؤديه بهدوء وبلا ضجيج”.
صاحب واجب
وأضافت:” ساهر شخص صاحب واجب، كل ما يشغله أن يؤدي ما يعتقد أنه واجبه النقابي أو الوطني بإخلاص، وتفان، وهو ما لا يجعلك تشعر بأي غربة، إن يظل ساهر طوال الوقت ساهرا على الإعداد لفعالية نقابية، أو جمع توقيعات الصحفيين فى كل مناسبة يكون مطلوبا فيها توحيد إرادتهم لتحقيق هدف لصالح الوطن أو لمصلحة المهنة وأهلها.. وهو ما ظل يؤديه بدأب وإخلاص حتى آخر لحظات حياته على هذه الأرض”.
وتابعت:” ولا غرابة بالطبع ألا ينقطع عن السؤال عن زميل فى محنة وعرض تقديم أي مساعدة، فلا أعتقد أنني كنت الوحيدة من أهالي المعتقلين الذين واظب ساهر على السؤال عليهم، وكثيرا ما طلب بإلحاح ألا اتردد في تكليفه بأي خدمة يستطيع تقديمها، وكثيرا ما عرض – رغم حالته الصحية- أن يأتي لمصاحبتي أيام الزيارة، ساعات الانتظار أمام السجون، بهدف التهوين من مشقتها النفسية،، وفى كل مرة كنت أرفض عرضه مشفقة عليه من تعب ساعات الانتظار شاكرة ومؤكدة له أنني لن أكون وحدي فى المشوار”.
واختتمت إكرام يوسف مقالها قائلة: “كان آخر لقاء معه يوم تأبين الزميلة شيرين أبو عقلة، وكان التعب باديا عليه وضعف حالته الصحية واضحا، ولكني لن انسى لمعة عينيه وابتسامته عندما ارتفع الهتاف لفلسطين والتحية لشيرين.. التفت إلى متهللا وهو يقول: ”معقول ؟.. النقابة رجعت تاني؟”، هتف ساهر لآخر مرة “فلسطين عربية”، ثم عكف على جمع توقيعات بشأن مطالب الصحفيين من الحوار الوطني، وبعدها، تركنا بهدوء مثلما عاش وسطنا يؤدي بإخلاص ما يؤمن أنه واجب بلا صخب أو ضجيج ولا استعراض..”.