بروفايل

سهير عثمان.. تلميذة محمود علم الدين التي جعلت المدرّج بيتها وحوّلت الحلم إلى مسيرة معرفة

منذ أن كانت في الصف الرابع الابتدائي، تشكل في داخل الطفلة سهير عثمان حلم مختلف؛ حلمٌ بأن تصبح يومًا ما طالبة في كلية الإعلام. لم يكن ذلك مجرد ميل عابر، بل يقين صغير نما معها حتى صار جزءًا من هويتها، ليمهد لها الطريق لاحقًا نحو أن تصبح واحدة من أبرز أساتذة الصحافة في جامعة القاهرة.

ولم يكن شغفها بالصحافة وليد سنوات الجامعة، بل بدأ مبكرًا عندما وجدت في صفحات الحوادث عالمًا غامضًا يشدّ انتباهها. كانت تتعامل مع أخبار الجريمة بفضول غير معتاد لطفلة في عمرها، وتتابع تفاصيلها بعناية، وكأنها تتتبع خيطًا سيقودها يومًا ما إلى مستقبلها. ذلك الفضول الأول هو الذي ثبّت حلمها بأن الالتحاق بكلية الإعلام ليس مجرد رغبة، بل مصير.

وعندما حصلت في الثانوية العامة على مجموع 101%، حاول كثيرون إقناعها بتغيير وجهتها إلى كليات أخرى أكثر شيوعًا، كالألسن أو الاقتصاد والعلوم السياسية، إلا أنها تمسكت بطريق واحد شعرت أنه يشبهها: الإعلام.

وحين جاء يومها الأول داخل كلية الإعلام بجامعة القاهرة، تشكل في داخلها قرار لا رجعة فيه: أن يكون هذا المكان بيتها الثاني. لم تكتفِ بالدراسة التقليدية، بل سعت مع زملائها في السنة الأخيرة إلى مشروع تخرج غير مألوف آنذاك، وهو إصدار مجلة متخصصة في القضايا والحوادث، وكأنها تعيد وصل ما انقطع بين حلم الطفولة وواقع الجامعة.

ورغم أن التعيين لم يتحقق فور تخرجها عام 2001، فإنها التحقت به في العام التالي، لتبدأ مرحلة مهنية موازية للعمل الأكاديمي. عملت في موقع “محيط” التابع للشبكة العربية للمعلومات حتى عام 2009، وهناك اكتسبت خبرة صحفية مباشرة من قلب الممارسة اليومية.

وبين عامي 2005 و2013، خاضت واحدة من التجارب التي شكّلت جانبًا مهمًا من مسيرتها؛ إذ عملت مع جمعيات مهتمة بقضايا المرأة وحقوق الإنسان، وسافرت إلى محافظات متعددة لتدريب الصحفيين على تناول قضايا العنف ضد النساء بوعي ومسؤولية. وتوازى ذلك مع تعاونها مع المجلس القومي للمرأة في برامج تدريبية، ما رسّخ قناعتها بأن الصحفي ليس مجرد ناقل للخبر، بل عنصر فاعل في المجتمع. وفي عام 2010 حصلت على درجة الدكتوراه، لتجمع بعدها بين الشغف الأكاديمي والخبرة العملية.

وعلى مستوى العلاقات الإنسانية، ظل الدكتور محمود علم الدين حاضرًا في مسيرتها بوصفه الأب الثاني الذي احتضن موهبتها منذ اليوم الأول لها في كلية الإعلام. كان يرى فيها ما يتجاوز الطالب العادي، ويعاملها كابنته الثانية، ويقف معها في أصعب منعطفات حياتها، خاصة عند وفاة والدها. ظل يشجعها حتى أيامه الأخيرة، وكان لرحيله أثر عميق في نفسها، لكنها بقيت ممتنة لكل ما فتحه لها من أبواب، وللدعم والثقة اللذين شكّلا جزءًا من رحلتها.

ومع السنوات، اختارت سهير أن تعطي الجامعة النصيب الأكبر من وقتها. بالنسبة لها، التدريس ليس وظيفة بل رسالة. ورغم انخراطها في برامج تدريبية داخل مصر وخارجها—في مركز أخبار اليوم للدراسات الصحفية، ووزارة الإعلام العُمانية، ومنظمة العمل الدولية، والمجلس القومي للمرأة، ومركز الإذاعة والتلفزيون بماسبيرو—ظل المدرّج هو المكان الأقرب إلى قلبها، حيث تشعر أنها في أفضل حالاتها.

وتنظر سهير إلى الطلاب بوصفهم جوهر العملية الأكاديمية؛ تتعامل معهم بروح إنسانية قبل أن تكون أكاديمية، وتشعر بأنها مسؤولة عن توجيههم، وتتحيز لوعيهم ولفضول المعرفة داخلهم. تغضب حين تراهم بعيدين عن إدراك ما يجري حولهم، وتحاول أن تمنحهم أدوات التفكير النقدي التي تجعلهم قادرين على قراءة العالم بدل الاكتفاء بتلقيه.

وفي رؤيتها، يتجاوز دور الأستاذ الشرح التقليدي إلى بناء جيل يعرف قيمة المعرفة، ويعي كيف يفكر وكيف يسائل، لا كيف يكرر.

وتختتم رسالتها للأجيال الجديدة بتأكيد قناعة راسخة لديها: أن المعرفة هي مفتاح كل شيء. ترى أن الكثير من الشباب يعيشون داخل “فقاعة” تحدّ من قدرتهم على الفهم الحقيقي، وتدعوهم إلى الانفتاح على العالم، والاعتراف بأن من سبقوهم يمتلكون خبرة لا غنى عنها. وتؤمن بأن الصحفي لا يُبنى بالتشبث بالرأي، بل بالحوار، والانفتاح، والاستعداد المستمر للتعلم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى