بروفايل

شيرين العقاد.. صحفية تطارد الحقيقة بدأت من المدونات ووصلت إلى العمل النقابي

بين هواء البحر في العصافرة وأصوات نشرات الأخبار في مساءات البيت، وُلدت ملامح شيرين العقاد الصحفية؛ خليط من فضول اجتماعي وشغف بالمعرفة وميراث طويل من كفاح أم علّمها أن المستحيل يُهزم بالصبر.. ومن هذا الخليط خرجت وانطلقت رحلتها في الصحافة والعمل النقابي.

تشكّلت شخصية شيرين على مر السنوات من خلال قضاء الأمسيات الترفيهية بوسط المدينة، لتعتاد التعامل مع الجاليات الأجنبية التي كانت تعج بها مدينة الإسكندرية في الثمانينيات، فابتاعت ملابسها من محال اليونانيين ومازحت الإيطاليين وعرفت ثقافة الأرمن، تلك الخبرات المتراكمة أسهمت في تشكيل وعي الطفلة التي نشأت وهي تشاهد الأجانب يشجعون نادي الاتحاد السكندري ويتابعون نتيجة مبارياته في حالة من البهجة، وهو مشهد راسخ في مخيلتها حتى الآن وأسهم في تكوين هويتها المنفتحة على مختلف الثقافات.

كبرت شيرين في أسرة مصرية بسيطة لكنها كانت تمتلك شغفًا لا ينقطع بمتابعة الأخبار، فكانت نشرة التاسعة على القناة الأولى المصرية بمثابة الموعد اليومي الذي تجتمع حوله الأسرة كنافذة ثابتة يطلون منها على ما يدور خارج حدود حياتهم الصغيرة.

عملت الأم معلمة طوال حياتها، وكانت لها قصة ملهمة شهدت عليها شيرين منذ طفولتها، فبعد أن تخرجت الأم من مدرسة المعلّمات فوجئت بحرمانها من العلاوة لعدم حصولها على درجة البكالوريوس، لكنها لم تستسلم وقررت استكمال دراستها الجامعية رغم الظروف، وأمضت أربع سنوات كاملة تجمع بين الدراسة والعمل ودورها كزوجة وأم لثلاثة أطفال، وقد رأت شيرين في مسيرة والدتها نموذجًا للكفاح والصبر والمثابرة أثّر فيها بعمق وشكّل شخصيتها وأحلامها.

ومن بين المؤثرات المبكرة في وعيها تلك الأعمال التلفزيونية التي أظهرت صورة الصحفي الباحث عن الحقيقة والرافض للفساد، وقد ظل دور الفنان عبد العزيز مخيون في مسلسل أنا وأنت وبابا في المشمش حاضرًا في ذاكرتها، بما يحمله من تجسيد لمعنى الصحافة كواجب أخلاقي قبل أن تكون مهنة.

جاءت المرحلة الجامعية لتفتح أمام شيرين بابًا جديدًا في فهم المجتمع من خلال دراسة علم الاجتماع، فتعلمت تحليل الظواهر والسلوك والعلاقات والأنظمة الاجتماعية، ومع هذا الانفتاح الفكري بدأت رحلتها في الكتابة عبر المدونات الإلكترونية المنتشرة آنذاك.

وكانت اللحظة الفارقة في حياتها عام 2007 حين التقت بالصحفي علي إبراهيم في فعالية للمدونين من المحافظات المختلفة، وقد شجّعها على الكتابة وأخبرها بأن مستقبلًا باهرًا ينتظرها، لتبدأ رحلتها المهنية في جريدة العربي الناصري بدعم كبير من والديها اللذين لم يعترضا يومًا على دخولها المهنة المرهقة، وكانت تقرأ لهما كل ما تكتبه قبل نشره، فيمنحانها الثناء الذي يملأ قلبها بالطمأنينة، فيما كان والدها يبتاع الجريدة التي تنشر موضوعاتها كل صباح قبل أن تستيقظ.

ومن المواقف التي صنعت لديها دفعة معنوية كبيرة اختيار الصحفي الكبير عبد الله السناوي لأحد موضوعاتها ليكون ضمن مانشيتات جريدة العربي الناصري حول خلاف بين البابا شنودة واللواء عادل لبيب محافظ الإسكندرية، لتزداد محبّتها للكتابة والتحقيقات الصحفية التي تبنّت فيها قضايا المظلومين وكشف الفساد في مؤسسات مختلفة.

واجهت شيرين عبر رحلتها المهنية العديد من التحديات، أبرزها ضعف المقابل المادي في بعض الإصدارات الصحفية، ثم تحدي إثبات الذات بين زملاء أقدم منها، إضافة إلى السعي نحو التعيين الرسمي للحصول على عضوية النقابة، وقد أمضت ثماني سنوات تتنقل بين صحف حزبية وقومية ومستقلة منها العربي الناصري والمصري اليوم والأهرام المسائي والموجز ثم الكرامة حتى حصلت على عضوية نقابة الصحفيين عام 2013.

خلال تغطياتها الميدانية مرت بمواقف لا تُنسى، منها ما حدث في عزبة فرعون بريف المنتزه عندما انتشرت شائعة عن طرد الأهالي من مساكنهم، فهدد السكان بقطع الطريق وحرق الإطارات، ونقلت شيرين صرخاتهم وجمعت مستنداتهم القانونية ونشرت التحقيق في الصفحة الثالثة بـ”المصري اليوم” لتتحول مشاعر الرهبة داخلها إلى سعادة غامرة.

وفي تجربة أخرى ارتدت شيرين بقايا أقمشة الأكفان داخل أحد المساجد الصغيرة بمحرم بك بعد اعتراض بعض النساء على ارتدائها البنطال أثناء درس للشيخ ياسر برهامي، فاختارت الامتثال حتى لا تُمنع من الصلاة، وهو موقف بقي محفورًا في ذاكرتها.

كما عاشت تجربة مميزة بجريدة “الموجز” عندما كُلفت بإجراء حوار مع اللواء طارق مهدي محافظ الإسكندرية الأسبق، إلا أن الأخير كان مشغولًا، وعندما شاهد إصرارها اصطحبها معه في كل الأماكن التى زارها في هذا اليوم، حتى انتهى بها المطاف بإجراء الحوار معه في وقت متأخر من الليل بإحدى قاعات الأفراح التى كان يحضرها المحافظ الذي أمر أحد موظفي المحافظة أن يوصلها للمنزل بسبب الحظر الأمني في ذلك الوقت.

ولم تكن تبحث عن قصة عابرة، بل كانت تطارد الحقيقة، كما حدث في عزبة البكاتوشي حيث يعيش النباشون، إذ اصطحبت مصورًا وتوغلا داخل العزبة حتى وصلا إلى مخازن النباشين، وما إن انتبه أحد الرجال لوجودهما حتى لاحقهما، فاحتمت شيرين بزاوية مسجد صغير قبل أن يقتحم المكان شاب يحمل سلاحًا أبيض متوعدًا، لتدرك في لحظة أنها أمام خطر حقيقي، لكن لطف الله أنقذها وخرجت بروح أكثر وعيًا بأن الحقيقة ثمنها الشجاعة.

ومع مرور السنوات قررت قبل ثلاثة أعوام خوض انتخابات عضوية مجلس نقابة الصحفيين الفرعية بالإسكندرية سعيًا إلى تقديم خدمات مختلفة وتحريك حالة التفاعل بين الزملاء وربطهم بنقابتهم عبر أفكار جديدة، وكانت النصيحة الأولى التي تلقتها هي قراءة قانون النقابة ولائحتها الداخلية لفهم طبيعة العمل النقابي.

أسهم العمل النقابي في إثراء تجربتها المهنية، إذ اكتسبت مهارات التفاوض والحديث باسم جموع الصحفيين، ووُضعت أمام قدر كبير من المسؤولية، كما أصبحت أقرب إلى مشاكل الزملاء اليومية ما كوّن لديها خبرة تساعدها على مواصلة العمل بثقة وإصرار.

وضعت شيرين هدفًا واضحًا منذ البداية وهو تقديم خدمات جاذبة ولائقة بالصحفيين، فحصلت على عرض خاص من إحدى شركات المحمول، وأعدّت كتيبًا مبسطًا لبيانات مراكز الأشعة والمستشفيات والمعامل المتعاقدة مع مشروع العلاج، ووفرت تخفيضات على الكتب والأدوات المدرسية من كبرى المكتبات، وأدخلت لأول مرة نظام المسابقات الثقافية السنوية حول المهنة وتاريخها، ونظمت حفلًا لتوزيع الجوائز يجمع الصحفيين ويعزز التواصل بينهم، كما عملت على تسهيل الخدمات عبر التعاون مع هيئة البريد لتخصيص مكتب لاستخراج كراسات شروط الإسكان، والحصول على تخفيضات في عروض الصوت والضوء والسيرك الإيطالي، وتنظيم لقاءات ترفيهية ومشاهدة مباريات وتوزيع جوائز على الصحفيين وأسرهم، وأقامت أول دورة للذكاء الاصطناعي بالنقابة وندوة في ذكرى سيد درويش، وأجرت استبيانات لمعرفة احتياجات الزملاء الطبية ومراجعة جودة الخدمات الصحية.

وفي ملف النادي البحري بالإسكندرية شاركت في لقاء مع المحافظ السابق اللواء محمد الشريف بحضور النقيب خالد البلشي لبحث حلول للأزمة، كما نظمت احتفالية لروّاد المهنة حضرها أكثر من 60 صحفيًا من مختلف الأجيال لتعزيز التواصل المهني، وحرصت على نشر فيديوهات توضيحية عن مشروع التكافل وطرق الاشتراك واحتساب مدد الخدمة.

ولا تزال طموحاتها ممتدة لخدمة الصحفيين في جميع أنحاء الجمهورية من أسوان إلى مرسى مطروح، سواء عبر تعزيز الخدمات أو تحسين موارد النقابة العامة أو التفاوض مع المؤسسات المتعثرة لحماية حقوق العاملين بها أو عبر ملفات الحريات والسعي لإخراج قانون حرية تداول المعلومات إلى النور.

وفي نهاية مسيرتها المهنية توجه رسالة للصحفيين والصحفيات تدعوهم فيها إلى حماية مساحتهم الأخلاقية مهما تبدلت الظروف، فالرؤساء قد يتغيرون والمؤسسات قد تتبدل والمناخ السياسي قد يتقلب، لكن ضمير الصحفي ينبغي أن يبقى ثابتًا، وليكن الإنسان حاضرًا في المهنة فالتعاطف لا يتعارض مع المهنية، ومع الحفاظ على الحياد يبقى الصحفي شاهدًا على الحقيقة لا طرفًا في الصراع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى