بروفايل

شيرين عبد العظيم.. صنعت خبرتها “تحت النار” وإصابات الميدان قادتها لتصبح مدربة دولية للصحفيين

في مسيرة صاغتها الجرأة وصقلتها المغامرة، خرجت شيرين عبد العظيم من أسوار مدرسة الراهبات إلى عالم الصحافة بكل ما يحمله من مخاطر واختبارات؛ بين الحوارات الصعبة، والرحلات المحفوفة بالخطر، وتحولها إلى مدربة دولية، تشكلت شخصية استثنائية صنعت نفسها بقوة الشغف والإصرار.

سنواتها الطويلة داخل أسوار مدرسة راهبات القلب المقدس صنعت منها شخصية صلبة، جريئة، محافظة، ومعتمدة على ذاتها. ورغم كل ما عاشته من مواجهة وخطر، حلمت أن تصبح مهندسة ديكور أو مصممة أزياء، لكن مجموعها في الثانوية العامة قادها إلى قسم اللغة الفرنسية في كلية الآداب. ومع دخولها الجامعة بدأت أولى خطوات التحول الحقيقي في مسيرتها.

في عامها الجامعي الأخير، جاءتها صديقة بخبر غيّر حياتها: مؤسسة الأهرام تستعد لإصدار جريدة فرنسية، وتبحث عن مترجمين. تقدمت “شيرين”، وقُبلت في الدفعة الأولى، ثم ألحقتها جريدة الأهرام بكلية الإعلام جامعة القاهرة لتحويل دفعة المقبولين إلى صحفيين ناطقين بالفرنسية، لتبدأ رحلتها في عالم الصحافة تحت إشراف الكاتب الصحفي محمد سلماوي، مؤسس جريدة الأهرام إبدو، وبعض الصحفيين الفرنسيين. ومن هذا الانطلاق الأول، بدأت تتشكل تجربتها المهنية على أرض الواقع.

على مدار عام كامل عملت “شيرين” بتشجيع كبير من أسرتها الذين تفهّموا طبيعة عملها وسفرها، فشجعوها على أن تكمل الطريق. فأجرت العديد من الحوارات الصحفية المميزة، أولها كان حوارًا مع الكابتن محمود الجوهري، حتى انتهت الأعداد التجريبية للجريدة وصدر العدد الأول في سبتمبر 1996. هنا اكتشفت أن الصحافة ليست دراسة، بل حياة كاملة. وبعد تلك الانطلاقة، جاءت واحدة من أكثر تجاربها جرأة.

مطلع عام 2000، سافرت “شيرين” إلى لبنان لإجراء حوار مع حسن نصر الله. انتظرتها سيارة استبدلوها بعد دقائق بأخرى مصفحة، وخاضت تجربة النزول إلى ممرات تحت الأرض، وخضعت لتفتيش دقيق حتى وصلت إلى مقر حسن نصر الله. إلا أنها في النهاية لم تلقَه بسبب ظرف طارئ، لكنها التقت بأمين القاسم، المسؤول الحالي في حزب الله. ولم تكن هذه التجربة الوحيدة التي وضعتها في قلب الأحداث.

وفي تونس، أجرت حوارًا مع وزير الداخلية السعودي على هامش مؤتمر وزراء الداخلية العرب. كان عنوان الحوار مانشيت الأهرام اليومي، وتسبب في أزمة دبلوماسية بين اليمن والسعودية، مما أدى إلى سحب نسخ الجريدة من السعودية، وتكبّدت المؤسسة خسارة كبرى، وكادت تفقد عملها لولا امتلاكها للتسجيل الكامل للحوار. ومن هنا أخذ منحنى التغطيات الخطرة في حياتها يتحول إلى جزء ثابت من مسيرتها.

التجارب الصعبة التي مرت بها “شيرين” لا تعد ولا تحصى، فكونها مسؤولة عن قسم الحوادث وضعها في وجه الخطر مرات عدة. لكن أخطر لحظاتها كانت في أحداث جزيرة أولاد حنفي بالصعيد. كانت مع أعضاء النيابة داخل مدرعة، مطمئنة إلى أن أحدًا لن يجرؤ على إطلاق النار في وجودهم. وما إن خرجت من المدرعة حتى فوجئت بوابل من الرصاص، فزحفت أسفل المدرعة، وتخيلت لثوانٍ أن أهلها سيستلمون جثمانها من الصعيد، وهي التي أخبرتهم أنها ذاهبة إلى الإسكندرية. خرجت حية، متخذةً قرارًا لا رجعة فيه: لن أخفي وجهتي عن أهلي مرة أخرى. ولم تتوقف مواجهاتها عند هذا الحد.

وجاءت تجربة أخرى من الخوف الممزوج بالعناد، حين شاركت في حملة وزارة الداخلية ضد تجار المخدرات بالصعيد، واضطرت لركوب هليكوبتر لأول مرة. تماسكت أمام زملائها الرجال، وكانت المرأة الوحيدة بينهم. وبعد انتهاء المهمة احتفظت بزهرة خشخاش كتذكار، وقدمتها لوالدها فضحك قائلًا: “ما شاء الله ونعم الشغل، بنتي راجعة ومعاها زهرة خشخاش”. كما تعلمت مبكرًا أن الصحافة ليست مغامرة فقط بل مسؤولية لها قواعدها.

أما أول درس في “التصريح الصحفي” فجاء مبكرًا، حين أرادت إعداد تحقيق عن السكة الحديد وسافرت بلا تصريح، فتم القبض عليها في المحطة والتحفظ عليها حتى تدخل نقيب الصحفيين الراحل إبراهيم نافع للإفراج عنها. لكن التجربة التي تركت ندبة داخلية لم تكن ميدانية بقدر ما كانت إنسانية.

التجربة الأعمق أثرًا لـ”شيرين” كانت في حكم الإعدام الذي غطته للمرة الأولى. دخلت السجن لتجد الرجل ينهار في ملابس الإعدام الحمراء، يُلقّن بالشهادتين، ويحمله العساكر إلى غرفة الإعدام بعدما خانته ساقاه. خرجت تحمل في قلبها ثقل المشهد، وظلت أسبوعًا تدعو له بالرحمة في صلاتها. ومع مرور السنوات، قادتها خبرتها الميدانية إلى مسار جديد في الدعم والإنقاذ.

ومع أحداث يناير و30 يونيو أصيبت مرتين، وأنقذها الهلال الأحمر المصري، فقررت رد الجميل؛ أصبحت متطوعة ثم مدربة إسعافات أولية للصحفيين. ولم يكن هذا التحول الإنساني الأخير في مسيرتها.

في عام 2015 اختار الاتحاد الدولي للصحفيين “شيرين” لتكون مدربة دولية في السلامة المهنية والنفسية، ثم اختيرت لاحقًا مدربة لاتحاد الصحفيين النرويجيين وجامعة أوسلو عام 2024. وبالتوازي مع مسيرتها المهنية، خاضت معترك العمل العام.

ترشحت لانتخابات الجمعية العمومية بالأهرام منذ 6 سنوات، ففازت بأعلى الأصوات، وكانت سابقة بدخول الانتخابات والفوز فيها؛ فتعلمت من تلك التجربة خدمة العامة. أما تجربة خوض انتخابات مجلس الشيوخ، فتروي عنها: “أنا عضوة بالهيئة العليا بحزب المصريين الأحرار منذ عام 2015، وكنت أمينة لجنة المرأة بالقاهرة، ثم رشحني المكتب السياسي للحزب لخوض انتخابات مجلس الشيوخ في العام الحالي. وخضت جولات واسعة في شوارع القاهرة، ورغم عدم الفوز، خرجت بتجربة ثرية في الخدمة العامة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى