شيماء عادل.. صحفية صنعت لنفسها تاريخًا في تغطية الثورات والنزاعات

بطلة الأسبوع الحالي، صحفية مصرية اختارت العمل فى نوع صعب من التحقيقات.. سافرت إلى غزة وسوريا وليبيا للبحث عن قصص مؤثّرة بين المخاطر، و تعرضت لأخطار جمّة، معظمها لا تُدرّس في الكتب، ولا يمكن للدورات التدريبية تغطية كافة جوانبها، ورغم هذا تمكنت من التعامل مع كافة المواقف الصعبة التى تعرضت لها بمهنية عالية، و صنعت لنفسها تاريخًا في تغطية الثورات والنزاعات والمواجهات.. فتعالوا بنا نتعرف على السيرة الذاتية للكاتبة الصحفية بجريدة الوطن شيماء عادل.

وُلدت شيماء عادل في محافظة القاهرة يوم 10 يونيو 1986، وحصلت على ليسانس الآداب قسم إعلام وعلوم الإتصال من جامعة عين شمس، سنة 2008، وحصلت على دبلومة تشريعات إعلامية من جامعة القاهرة سنة 2010.

بدأت شيماء مشوارها فى مهنة البحث عن المتاعب عام 2005، ( أولى سنواتها الجامعية) كمتدربة في جريدة “المصري اليوم” بخطاب تكليف من الكلية، ووقتها اختارت قسم التصوير الصحفي، وبعد انتهاء فترة التدريب تركت الجريدة، وعادت لها مرة أخرى سنة 2007، وبسبب كثرة عدد المتدربين فى “المصري اليوم” فى هذا التوقيت طلبوا منها الرحيل، إلا أنها ظلت متمسكة بالمكان وكانت تواظب على كتابة أخبار النشرة الجوية.

بداية مشوار تغطية الحروب والنزاعات
فى عام 2008 كانت شيماء فى عامها الأخير بكلية الآداب جامعة عين شمس، وحدثها أحد الزملاء المدونين عن عزمه الخروج مع قافلة إنسانية تابعة لإتحاد الأطباء العرب متجهة لغزة المحاصرة آنذاك، حينها قفزت إلى ذهنها فكرة أن تذهب مع القافلة للتغطية الصحفية باعتبارها فرصة مناسبة لإثبات ذاتها فى مهنة البحث عن المتاعب، لكن عندما عرضت الأمر على رؤسائها في الجريدة، قوبل طلبها بالرفض، وببعض السخرية لصغر سنها وحداثة عملها فى مهنة الصحافة.

لم تستسلم شيماء عادل، وقررت السفر إلى غزة بدون تكليف من الجريدة، بصحبة اثنين من أصدقائها المسافرين لغرض إنساني مع القافلة، وفى قطاع غزة قامت بعملها الصحفي، وأرسلت الكثير من الأخبار، لكن معظمها لم يجد طريقه للنشر، وعندما استفسرت عن السبب أخبرها رئيس القسم آنذاك محمد سيد صالح (رئيس تحرير المصري اليوم الحالي) أن تتجه إلى القصص الإنسانية، وبالفعل أرسلت بعضًا من القصص الإنسانية والمعايشات التى قامت بها فى القطاع، ونالت هذه القصص إعجاب فريق العمل وتم نشرها.

أُعجب الكاتب الصحفي محمد سيد صالح (رئيس قسمها آنذاك)، بصياغتها الصحفية، وسردها لقصص غزة، وبدأ يحفزها على مواصلة العمل في قسم الأخبار وأن تكون لها لقطتها الصحفية التي تميزها عن زملائها من أبناء المهنة، وبسبب كفاءتها أطلق عليها صالح لقب “الجوكر”، لقدرتها على إنجاز الكثير من المهام الموكلة إليها سواء كانت تحقيقات أو السفر إلى المحافظات وعمل معايشات مع المواطنين.

قبل تخرجها في الجامعة، خضعت شيماء عادل لاختبارات تعيين فى جريدة “المصري اليوم”، و اجتازت جميع الاختبارات التحريرية والشفوية بكفاءة عالية، وجرى تعيينها فور تخرجها من كلية الآداب وحصولها على بيان النجاح، وتقدمت بأوراق قيدها إلى نقابة الصحفيين وعمرها 21 عامًا، وكانت أصغر صحفية تحصل على عضوية النقابة.

ثورة يناير
عقب اندلاع ثورة 25 يناير 2011 ، عملت شيماء في التغطيات الميدانية، وكانت تقيم مع زملائها فى مقر الجريدة خلال أحداث الثورة بسبب حظر التجوال وقرب مقر الجريدة من ميدان التحرير، وقد أعدت جريدة “المصري اليوم”، فيلمًا وثائقيات بعنوان “الثورة خبر”، استعرض الفيلم الصراع الذي مر به ستة من شباب الصحفيين بالجريدة، -بينهم شيماء عادل-، بين واجبهم المهني في تقديم تغطية محايدة، وانحيازهم الشخصي لثورة تاريخية طالما حلموا بها.

ورصد الفيلم مخاطر العمل الصحفي أثناء الثورة، وكيف استطاع فريق الصحفيين الاستمرار في التغطية، وفي تحديث بوابة (المصري اليوم) الإلكترونية بالأخبار والتقارير المصورة بالفيديو ، رغم قطع الإنترنت عن (مصر) في الأيام الأولى للثورة. وقد شارك الفيلم فى مهرجان برلين السينمائي الدولي. لمشاهدة الفيلم اضغط على الرابط التالي: https://www.youtube.com/watch?v=9YIW6kFYER0

تغطية الثورة الليبية
مع بدء الثورة الليبية في 17 فبراير 2011، طلبت شيماء عادل من رئيس تحرير “المصري اليوم” الذهاب للتغطية من الحدود المصرية الليبية، بعدما علمت باتجاه قافلة مساعدات طبية للحدود التي كانت مغلقة آنذاك، وبعد حصولها على الموافقة، ذهب للحدود ونشرت قصص المصريين العائدين من ليبيا بجريدة “المصري اليوم”، ثم نجحت في الدخول للأراضي الليبية.

بعدها سافرت شيماء 3 مرات إلى ليبيا، وحققت الكثير من الانفرادات للجريدة التى تعمل بها، منها تصوير المعتقلات والسجون التى بناها القذافي تحت الأرض، ودخول قصر العزيزية الرئاسية بعد سقوطه فى يد الثوار، كما انفردت بنشر ألبوم صور خاص بالقذافي مع الرئيسين الراحلين أنور السادات وجمال عبدالناصر، وكانت أخر مهمة لها فى ليبيا هى تغطية وقائع القبض على الرئيس الليبي السابق معمر القذافي. وانفردت جريدة المصري اليوم بنشر صورة القذافي بعد واقعة القبض عليه وقتله في الأحداث الليبية، كما أجرت لقاءات حصرية مع رئيس حكومة طرابلس وضلع من أضلاع فجر ليبيا 2015.

تغطية الثورة السورية
بعد ليبيا سافرت سوريا 3 مرات لتغطية الأحداث هناك؛ فى المرة الأولى كانت في نهاية عام 2011، لتغطية مرور عام الثورة السورية، ووقتها لم تسمح لها السلطات السورية بالدخول من المطار، وتم ترحيلها من حلب في اليوم نفسه إلى مصر بعد ساعات من الاحتجاز.
أما المرة الثانية فكانت في مارس 2012، ودخلت وقتها سوريا عبر الحدود التركية بشكل غير قانوني هي وزميلتها سارة نور الدين، بعد أن أبلغها الزملاء فى وكالات الأنباء الدولية أنه لا سبيل لدخول سوريا في ظل حالة التعتيم الإعلامية المفروضة هناك، إلا عن طريق تركيا وحدودها.

وبعد 3 أيام من وصولهما، توصل إليهم الأمن السوري، وجرى قصف المركز الإعلامي المتواجدين فيه، ووقتها هربت إلى الحدود التركية عبر طرق داخل مزارع زيتون مخصصة لتهريب المصابين والأسلحة، وخلال رحلة الهروب أصيبت بكسر في الساق نتيجة وقوعها فى حفرة، وعادت إلى مصر، بعدما نجت من الموت بأعجوبة.

تجربة الوطن
بعد عودتها من سوريا، خضعت شيماء عادل، لعلاج قدمها المصابة بمستشفى الهلال، وخلال هذه الفترة تلقت اتصالًا هاتفيا من صديقها أسامة خالد يسألها عن رأيها فى الانضمام إلى جريدة “الوطن”، ورغم أن القرار كان صعباً بترك جريدة بحجم “المصرى اليوم” والانضمام إلى جريدة لا يعلم أحد مصيرها، إلا أن الرد جاء بالموافقة، وكان اللقاء مع الأستاذ مجدى الجلاد الذى استقبلها فى مكتبه طالباً منها الانضمام للجريدة على أن يكون هو رئيسها المباشر فى العمل، وتكون فى المقابل مراسلاً حربياً يهتم بتغطية ما يدور فى العالم من حروب وثورات ونزاعات مسلحة.

وتولت شيماء مسؤولة وحدة الانتشار السريع في جريدة الوطن، وبعد فترة قصيرة اعتذرت عن رئاسة الوحدة، وعملت في قسم التحقيقات وانتجت تحقيقات استقصائية متنوعة. وفي أغسطس 2012، عادت شيماء مرة أخرى إلى سوريا بمفردها، في مهمة صحفية لاستعراض ما يدور داخل حلب الجريحة.

أنفاق غزة
وبعد مذبحة رفح الأولى التى وقعت عام 2012 سافرت شيماء إلى قطاع غزة، وأجرت لقاءً مع إسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطينى فى قطاع غزة ووزير داخليته فتحى حماد بعد توجيه إشارة الاتهام إليهما فى ذبح الجنود المصريين فى سيناء فترة حكم الإخوان، وانفردت بنشر عقود المنطقة الحرة بين مصر وغزة ونقلتها عنا جميع وسائل الإعلام المصرية، كما أنتجت تحقيقًا صحفيًا متكاملًا عن حركة الأنفاق المقننة من الجانب الفلسطينى.

رحلة السودان وتجربة الاعتقال
عقب انطلاق المظاهرات بالسودان فى يونيو 2012، ذهبت شيماء إلى الخرطوم للتغطية الصحفية ودخلت بشكل رسمي وبصفتها الصحفية، وبعد أربعة أيام من وصولها وعملها هناك، جلست في مركز للإنترنت لإرسال عملها في تغطية مظاهرة شهدتها مدينة الخرطوم والتى عرفت بـ”جمعة لحس الكوع”، فتفاجئت باقتحام قوات الأمن السودانية المركز، بحثًا عن المتظاهرين، وألقي القبض عليها مع جميع الفتيات المتواجدات، وكان يوجد بالمركز صحفي سوداني يساعدها منذ وصولها، أنكرت شيماء معرفتها به ليتمكن من إبلاغ مؤسسها الصحفية بالقبض عليها.

كانت شيماء تتوقع أن يتمّ ترحيلها للمطار، لكن بعد ساعات من الانتظار في مكتب الأمن، ورفض طلبها الخاص بالتواصل مع السفارة المصرية، تم إرسالها إلى معتقل سياسي، استحدث للسيدات وسط المعتقلين الجنائيين. وبعد خضوعها للتفتيش، تم حبسها مع مجموعة من الناشطات السياسيات من ضمنهم وزيرة صحة سابقة، ووجهت لها تهم التجسس وقلب نظام الحكم وتصدير الثورة المصرية للسودان.

وظلت بطلتنا داخل المعتقل لمدة 14 يومًا محتجزة في مكان غير آدمي، لا تعرف شيء عن العالم الخارجي، وكانوا لا يسمحون لها هى وباقي الناشطات بالخروج أو الذهاب للمرحاض إلا في أوقات الصلاة، حتى أن إحدى المعتقلات المريضة بالسكر كانت تقضي حاجتها في إناء للطبخ. وكانوا يأخذهن كل يومين معصوبي العينين لإجراء تحقيق ثم يعيدهن مرة أخرى للمعتقل.

وفى اليوم الأخير تم ترحيلها فى طائرة خاصة، ومعاملتها معاملة خاصة كالدخول من صالة كبار الزوار والإقامة في فندق الهيلتون وسط حراسة الرئاسة السودانية، وعادت إلى أرض الوطن بصحبة الرئيس المعزول محمد مرسى على متن طائرته الرئاسية.

واكتشفت فيما بعد أن عودتها كانت صفقة بين الحكومتين السودانية والمصرية، حيث تم الإفراج عنها مقابل الإفراج عن مجموعة من السودانيين ألقي القبض عليهم خلال فترة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك بسبب تهريب أسلحة والتنقيب عن الذهب.

حكاية كتاب “الكيزان”
ورغم الاعتقال، لم تنسى شيماء عادل، دورها الصحفي وحرصت خلال فترة الاحتجاز على الحصول على شهادات ومعلومات من السياسيات المعتقلات معها، وكانت تدرب عقلها على حفظها نظرًا لعدم امتلاكها وسيلة أخرى لحفظ وتدوين المعلومات.
وتحدثت بطلتنا عن تجربة اعتقالها فى السوادن فى كتاب أسمته “الكيزان”، وهي مصطلح يعني باللهجة السودانية جماعة الإخوان، حيث يروجون لانفسهم بأنهم كيزان يصب منها الخير.

يتكون ” الكيزان” من جزأين ؛ الأول يحكي تجربتها في تغطية الاحتجاجات التي اندلعت في السودان أواخر يونيو 2012 ضد سياسة الرئيس عمر البشير وضد سياسة التقشف، وكيف امضت 14 يوما، وتعرفها على 4 ناشطات في المعتقل وقصصهن التي تمتزج بالسياسة والأحوال المعيشية.

وحاولت تسليط الضوء على المشاكل والاحتجاجات التي تعرض لها السودان وقتها، بسبب التعتيم الإعلامي من قبل نظام البشير، وروت كيف تم الافراج عنها ومعاملتها داخل السجن، وتحدثت عن الجزء الثاني من الكتاب والتي تولت والدتها كتابته عمن تضامنوا مع قضيتها واعتقالها في السودان وكان على رأسهم الزميل الراحل الحسيني أبو ضيف.

وبالإضافة إلى “الكيزان”، هناك مشروع كتاب لدي شيماء عادل، لتوثيق الثورة الليبية، لكنه مشروع مؤجل لم تبدأ فيه بعد.

أبرز الجوائز
خلال مسيرتها المهنية الحافلة بالإنجازات، حصلت شيماء على العديد من الجوائز الصحفية، منها على جائزة التفوق الصحفي لنقابة الصحفيين مرتين، إحداهن عام 2018، في التغطية الإخبارية المحلية، عن ملف “واحات مصر.. كنز ينتظر الاكتشاف”، وفي أبريل 2021 حصلت جائزة نوال عمر الصحفية، وذلك عن العمل المشترك مع زميلتها رضوى هاشم، عن سلسلة التحقيقات حول التداعيات المادية والاجتماعية لفيروس كورونا على العديد من فئات المجتمع. كما ترشحت إلى جوائز دبي للصحافة العربية مرتين، ولم يحالفها التوفيق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى