بروفايلسلايدر رئيسي

عادل صبري… صاحب مسيرة مشرفة في صحافة التحقيقات والكشف عن الفساد

عادل صبري… صاحب مسيرة مشرفة في صحافة التحقيقات والكشف عن الفساد

 

في زمنٍ كانت فيه مكتبة الفصل نافذة على العالم، وورق الجريدة في الإذاعة المدرسية أكثر من مجرد خبر، وُلد عشق عادل صبري للصحافة. كان الطريق مليئًا بالقراءة، والمثابرة، والإيمان بأن الكلمة تستطيع أن تغير المصائر.. وفي رحلته تحول من طفل يشتري “سمير” و”الشياطين الخمسة” بمصروفه، إلى صحفي يفضح الفساد بالأدلة والمستندات ويقود حملاتٍ تكشف ما لا يراه الناس،ليسطر عادل صبري مسيرة مهنية امتدت لعقود، تشهد على التزامه المهني، وشغفه بالمعرفة، ودفاعه عن حرية الكلمة.

 

رفض أن يكون موظف بالمفهوم الروتيني في غرفة أخبار، بل صحفيًا يبحث في الوثائق، ويحاور الوقائع، ويكتب للناس، من “الوفد” إلى “مصر العربية”، ومن حملات كشف الفساد إلى تحليل تعويم الجنيه، ومن جائزة أحمد بهاء الدين إلى العمل كمستشار تحرير، ظل صبري يكتب كما يعيش بشجاعة، وإخلاص لقيمة الحقيقة.

 

 

سيرة مهنية وشخصية

 

ينتمي الكاتب الصحفي عادل صبري إلى الجيل الذي تربى على قيم القراءة والمعرفة في ظل ما تبقى من نظام التعليم المجاني في مصر في أواخر فتراته الجيدة. منذ الطفولة، برز اهتمامه بالثقافة، حيث كانت هناك مكتبة داخل الفصل وأخرى عامة داخل المدرسة، وكان أمين اللجنة الثقافية منذ الصف الثالث الابتدائي، وشارك في الإذاعة المدرسية بقراءة الصحف يوميًا، ما عزز لديه قيمة الثقافة كممارسة يومية متجددة، ومهّد لانتقاله بشغف من المرحلة الإعدادية إلى الثانوية، حيث انخرط في صحف الحائط والأنشطة المدرسية.

 

كان المسؤول عن الإذاعة المدرسية حينها طالبًا في المرحلة الثانوية كان يطمح لأن يكون مهندسًا، وفيما كان عادل صبري أيضًا يرغب في دخول كلية الهندسة، لكنه غيّر وجهته في الصف الأول الثانوي بعدما شعر أن مستقبله الحقيقي في الصحافة، فاختار القسم الأدبي، والتحق بكلية الإعلام عام 1981 وتخرج منها عام 1985، في واحدة من أجمل فترات حياته، حسب وصفه.

 

تميزت كلية الإعلام في ذلك الوقت بجمع أساتذتها بين الجانبين الأكاديمي والمهني، وكانوا حريصين على دفع الطلاب للاحتكاك المباشر بالمهنة، من خلال التدريب في المؤسسات القومية، رغم محدودية عددها بعد توقف العديد من الصحف الحزبية عقب اغتيال الرئيس أنور السادات. كانت الجامعة حينها نافذة حقيقية على قضايا المهنة ونقابة الصحفيين، حيث شارك عادل صبري مبكرًا في انتخابات النقابة عام 1982، ضمن جيل كان جزءًا من محاولات استرداد استقلال الصحافة بعد رحيل السادات.

 

محطات مهنية فارقة:

 

رشحته الدكتورة ليلى عبد المجيد للعمل في جريدة القبس الكويتية خلال العطلة الصيفية، ثم للتدريب في مؤسسات قومية أخرى، ما مكنه من الانتظام في العمل في وقت مبكر وبأجر جيد، وهو ما منحه إحساسًا بالنضج والمسؤولية، بعيدًا عن هدف التعيين أو النمط الوظيفي التقليدي. انطلق مع زملائه نحو الصحافة بشكل مهني، ورفضوا فرصًا للعمل كأعضاء هيئة تدريس بالجامعات، واختاروا المؤسسات الصحفية مثل “الأخبار” والتلفزيون، لأنها كانت تحمل شغفهم الحقيقي بالمهنة.

 

التحق بجريدة “الوفد” فور صدورها كجريدة أسبوعية، وبعد فترة تجنيده، عاد للعمل فيها مع انطلاق إصدارها اليومي. شارك في تغطيات مكثفة، حتى أنهم كانوا أحيانًا ينامون داخل الجريدة لشدة الإرهاق، حيث سادت بينهم رغبة في تقديم تجارب جديدة في حرية الكتابة والتناول، رغم الإغراءات العديدة التي عرضتها عليهم صحف قومية. وجدوا في “الوفد” حرية أوسع، كونها صحيفة وطنية تحتوي على كافة التيارات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ولم تكن مجرد جريدة حزبية، كما كانت من أكثر الصحف انتشارًا آنذاك، حيث وصلت مبيعاتها الأسبوعية إلى مليون نسخة، واليومية إلى نصف مليون نسخة، ما صنع نجومًا من جيلهم الصحفي خلال الثمانينيات والتسعينيات.

 

رفض عادل الخروج من عباءة “الوفد” لفترة طويلة، قبل أن يعمل بشكل مستقل في مجلة “الوسط”، ويصبح مراسلًا لجريدة “الجزيرة” السعودية و”الوطن” السعودية، حيث كتب دراسات وتقارير اقتصادية موسمية لجريدة الأهرام. كما أسس “الوفد الدلتا”، أول جريدة إقليمية منتظمة الصدور من عام 1987 حتى 2003، بشكل شهري، وأحيانًا أسبوعي خلال الانتخابات. كان مسؤولًا عنها كرئيس تحرير تنفيذي، وحرص من خلالها على صناعة جيل جديد من الكُتاب والمصورين ورسامي الكاريكاتير من طلاب الثانوية والجامعة في المحافظات.

نجاحات مهنية:

شارك لاحقًا في تأسيس بوابة الوفد الإلكترونية مع الزميل الراحل عادل قاضي، والتي بدأت بشكل بسيط لكنها حققت قفزات كبيرة في نسب المشاهدة، خاصة مع أحداث ثورة 25 يناير، حيث وصلت إلى ملايين المتابعين يوميًا. ثم عمل مستشارًا بجريدة “الصين اليوم”، قبل أن يؤسس موقع “مصر العربية” كموقع مستقل ومؤسسة إعلامية حاول بناءها بنفسه، لكن الضغوط الأمنية حالت دون تطويرها إلى مؤسسة كاملة، وتوقف المشروع لاحقًا.

 

منذ صغره، كانت الأسرة داعمة لشغفه بالقراءة، إذ كان ينفق مصروفه الخاص على مجلات مثل “سمير” و”ميكي” و”الشياطين الخمسة”، فضلًا عن إصدارات علمية من دول الخليج اهتمت بالطباعة الجيدة والمحتوى المميز. نشأ في منزل يحتوي على مكتبة، وكان والداه يشجعانه على الاستقلالية في الاختيار دون فرض توجه معين، حتى عندما قرر التحول من الهندسة إلى الصحافة، لم يواجه اعتراضًا سوى من عمه، بينما دعم والداه قراره بالكامل.

 

يعتز عادل صبري بأول تكريم حصل عليه في الثانوية العامة، حين فاز بجائزة أفضل مجلة حائط وأفضل بحث علمي صحفي، ولا يزال يحتفظ بالقلم الذي حصل عليه كجائزة. كما حصل على شهادات استثمار وتكريمات من المدرسة، وتوج هذا المسار بجائزة من نقابة الصحفيين عام 2001 عن أفضل مقال، في أول دورة لجائزة الصحفي الكبير أحمد بهاء الدين، عن حملة موسعة كشف فيها عن الفساد في الصندوق الاجتماعي، استمرت لمدة عام كامل، ولفتت انتباه أسماء إعلامية بارزة مثل الأستاذ محمود السعدني والإعلامي حمدي قنديل الذي كان يذكرها باستمرار في برنامجه “قلم رصاص”. كان لهذه الحملة أثر واضح داخل المؤسسات الصحفية، وأدت إلى إقالة رئيس مجلس إدارة الصندوق وتحجيم نشاطه.

 

أسس عادل صبري مكتبًا لجريدة الوفد في مطار القاهرة، وغطى قطاعات حيوية مثل السياحة والبترول والكهرباء، كما عمل مراسلًا في رئاسة الجمهورية، ثم تغطى الشؤون البرلمانية، مع ميل واضح منه لتناول القضايا الاقتصادية باعتبارها الأكثر التصاقًا بحياة الناس. عمل لفترة قصيرة كمراسل لوكالة رويترز، التي كانت تبحث عن محرري بنوك وتحليل مالي، فدرس في الأكاديمية العربية للعلوم المصرفية، واهتم بتحليل الفساد الاقتصادي والحوكمة وموضوعات الشفافية، كما أولى اهتمامًا خاصًا بلجان البرلمان الاقتصادية، والموازنة، وتعويم الجنيه، ورفع الأسعار، وبيع شركات قطاع الأعمال.

 

تميّزت تقاريره بتقديم دلائل ميدانية ومالية على قضايا فساد واسعة، وكان من أوائل من كتبوا عن مرتبات بعض المسؤولين التي تخطت 500 ألف جنيه شهريًا في التسعينيات، بل وصلت في حالات إلى مليون وربع جنيه، رغم استعانتهم بالرشاوى للحصول على مزيد من المنافع. يرى أن الفساد لم يكن مرتبطًا بالفقر، بل بسوء الإدارة، وانعدام الشفافية، واستمرار ثقافة “أهل الثقة” على حساب “أهل الخبرة”، وكان للصحافة دور واضح في فضح هذه التجاوزات، حتى إن لم تؤدِ إلى محاكمة فورية، فإنها غالبًا كانت تؤدي إلى الإقالة أو الإبعاد من المنصب.

 

خبرته في هذا المجال أكسبته ثقة المصادر والأعداء معًا، حيث كان حريصًا دائمًا على حماية مصادره ومقابلتهم في أماكن آمنة، ويعتبر هذا من أهم الملفات التي يعتز بها في حياته المهنية.

قدوة صحفية:

تأثر عادل صبري بعدد من الشخصيات الصحفية البارزة، مثل مصطفى أمين في سلاسة السرد وقدرته على الحكي، ومحمد حسنين هيكل في دقة التوثيق والبحث، رغم اختلافه معه في بعض الآراء، كما تأثر بالصحفي مصطفى شردي، الذي عرف بإخلاصه للمهنة وجرأته في انتقاد السلطة والدفاع عن الحريات، وكان “الوفد” حينها منبرًا حقيقيًا لكافة التيارات الفكرية.

 

يعمل حاليًا كمستشار تحرير لمجلة “الصين اليوم”، ويهتم بمراقبة العلاقات المصرية الصينية، لكنه يحذر من الاعتماد الكلي على الصين، واصفًا نظامها بالاستبدادي الفاشي، الذي وإن قدّم نفسه بابتسامة، إلا أنه لا يختلف عن أي نظام استعماري في طبيعته.

 

رسالته للصحفيين:

 

يؤمن عادل صبري أن الصحفي الحقيقي هو بمثابة قاضٍ، لا يصدر الأحكام بنفسه، بل يجمع الأدلة والمستندات من جميع الأطراف، ويتبع المنهج التحقيقي بدقة، ليصل القارئ بنفسه إلى الحكم. على الصحفي أن يؤدي دور المحقق، والنيابة، والرأي العام، مع الجمع بين الحياد والنزاهة، لأن الكتابة الصحفية الجادة لا تستقيم بدون قراءة عميقة، وشغف حقيقي، وتطوير مستمر في الأداء المهني.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى