عبير سعدي.. صحفية تبحث عن شغف آخر

اكتشفت شغفها بالصحافة فى وقت مبكر من حياتها، وكان والديها يولون اهتمامًا كبيًرا بالجرائد، ويحرصون على شرائها وقراءتها، أما هى فكانت تعتقد أن هذه الجرائد منافس لها على محبتهم، لذا عندما سألتها مدرسة الفصل “نفسك تطلعى ايه لما تكبري؟!” فردت بتلقائية: “نفسي أطلع جورنال”، رغبًة منها فى الحصول على اهتمام والديها طوال الوقت.

من هنا كانت البداية
بدأت مسيرتها المهنية فى سن الخامسة عشر من عمرها، حيث أخفت سنها الحقيقي لتشارك فى اللجنة الإعلامية لدورة الألعاب الإفريقية الخامسة التى نظمتها مصر فى ذلك الوقت، وادعت أنها طالبة بكلية الآداب قسم لغة انجليزية، ووقتها سمعت عن وجود فرصة تدريب بمجلة روزاليوسف لشباب الصحفيين، فتقدمت لها.. هكذا بدأت الكاتبة الصحفية عبير سعدي مسيرتها فى مهنة البحث عن المتاعب.

عندما أنهت سعدي، مرحلة الثانوية العامة التحقت بكلية الإعلام، وتخرجت في قسم صحافة، ومن روزاليوسف انتقلت إلى مؤسسة الأهرام العريقة، حيث عملت في مجلة الشباب مع الكاتب الصحفى عبد الوهاب مطاوع لمدة ٦سنوات.

وقبيل تخرجها كان لديها رصيد صحفي كبير، حيث سافرت إلى ليبيا وتونس، وأجرت حوارا مع الكاتب الصحفي الراحل مصطفى أمين، بعد ذلك جاءتها فرصة التعيين فى مؤسسة أخبار اليوم، وعملت فى القسم الخارجي يوم 1 مارس 1998، وظلت بهذه المؤسسة 23 عامًا، وتقلدت منصب نائب رئيس تحرير جريدة الأخبار.

تجربتها مع الصحافة الدولية
كفاءتها المهنية أهلتها للعمل فى صحيفة التايمز البريطانية فى لندن خلال فترة حرب العراق 2003، وكانت فترة مهمة فى حياتها، إذ كانت مراسلة حربية فى قسم الشئون الدولية، وفى نفس العام عملت فى صحيفة برمنجهام بوست هيرالد فى أمريكا، وهناك عرفت أهمية الجرائد المحلية.

كما عملت كصحفية حرة فريلانسر فى عدد من الصحف المصرية والعربية والأجنبية، وقامت بتغطية الحروب في العراق وباكستان ولبنان والسودان، وكانت مدير تحرير مجلة المجلة حتى ديسمبر 2010، وسافرت إلى كوريا الجنوبية واستقرت فيها عدة شهور، وألفت خلال هذه الفترة كتابًا عن هذا البلد، بعدها سافرت إلى كوريا الشمالية.

عملت عبير سعدي، في مجال الصحافة العلمية، وحصلت على جائزة أفضل صحفية علمية على مستوى أفريقيا عام 2007، كما حصلت على جائزة نقابة الصحفيين وعدة جوائز أخرى على نطاق عربي وعالمي، وبعد ذلك أصبحت محكمة فى الجوائز، وحاليا هى واحدة فى لجنة مكونة من 5 أشخاص تحكم مسابقة الشجاعة الصحفية منذ عام 2018 بشكل سنوى ﻷفضل الصحفيين على مستوى العالم، كما تحكم فى مسابقات أخرى للاتحاد الأوروبي لصحافة الهجرة.

تجربتها النقابية
تمتلك عبير سعدي تجربة نقابية فريدة من نوعها، حيث تعتبر من النساء القلائل اللاتي وصلن إلى عضوية مجلس نقابة الصحفيين، وكانت بداية العمل النقابي لسعدي في انتخابات عام 2005، ورغم إخفاقها فى هذه الدورة، إلا أنه حرصت على شكر من صوت لها، وفى دورة 2007 خاضت التجربة مرة ثانية ونجحت في الحصول على أصوات عالية من الجمعية العمومية، وبعد أربع سنوات ترشحت وفازت بعضوية النقابة للمرة الثانية، وتم اختيارها كوكيل ثان للنقابة، وبعد انقضاء هذه الدورة ترشحت مرة أخري وحصدت أعلى الأصوات وتم اختيارها وكيلا للنقابة ورئيسًا للجنة التسويات.

أحبت عبير سعدي النضال من أجل زملائها، وكان مثلها الأعلى فى ذلك هو الكاتب الصحفي رجائي الميرغني، إذ كانت تحبه وتحترمه وترى أنه نقابي كبير وإنسان متواضع يحترم الصغير والكبير، كما بذلت خلال فترة تواجدها فى مجلس نقابة الصحفيين جهودًا كبيرة، حيث اهتمت بمجال التدريب، ونظمت برنامجا للتواصل بين الأجيال ينقل عبره الصحفيون الكبار خبراتهم لشباب المهنة، كما نسقت مع مؤسسات دولية لعقد دورات تدريبية، وأقنعت وزارة التعاون الدولي بدعم النقابة بمعامل تدريب وأجهزة كمبيوتر،وكانت تفتح باب التدريب للصحفيين غير النقابيين وكان هذا مصدر هجوم كبير عليها من بعض الزملاء، كما حاولت إصلاح قانون النقابة من الداخل، ولكن لم يكن هناك نية للإصلاح.

دخلت عبير سعدي مجلس نقابة الصحفيين بمحبة الناس وخرجت منه أيضًا بمحبة الناس، حيث أعلنت تجميد عضويتها فى مجلس النقابة فى فبراير 2014 اعتراضًا على أوضاع الصحفيين فى هذا الوقت، حيث فقد البعض حياته ووظيفته وحريته، وبعد تجميد عضويتها ظلت تعمل فى مصر وبعدها بدأت تبحث عن شغف جديد، فقررت استكمال الماجستير والدكتوراه، وقدمت في جامعة وستمنستر في بريطانيا.

استكمال الدراسة بالخارج
سافرت سعدي، إلى بريطانيا فى أواخر 2014 ، للحصول على درجة الماجستير فى مجال الإعلام والتنوع، وتناول موضوع رسالتها تنظيم “داعش”، وكانت هذه الرسالة مرجعا للكثير من المراجع العالمية وصدر جزء منها فى كتاب أكاديمي، وعملت نظرية جبل الثلج لتفسير أيدلوجية الجماعات الجهادية.

ظلت فى بريطانيا لمدة عام ونصف وبعدها انتقلت إلى ألمانيا للحصول على درجة الدكتوراه من جامعة دورتموند، وكان موضوع رسالة الدكتوراة عن الصحفيين فى مناطق تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق وسوريا وليبيا.

وفى عام يناير 2020 انتقلت إلى برلين، والتقت بشخص ألماني الجنسية، أحبته وتزوجته، وكان داعما بكل شكل ممكن. وخلال فترة الكورونا قامت بالتدريس في جامعات مختلفة حول العالم، كجامعة أوسلو، ودورتموند وجامعات فى شرق أفريقيا وأوغندا وتونس، وجامعة اندونيسيا، وساعدت فى إنشاء نقابات عالمية وإقليمية، وساهمت في إنشاء محطتين إذاعتين فى الفلبين، وبجانب عملها الأكاديمي ظلت عبير سعدى تكتب فى مجلات عالمية في دول مختلفة.

فى سبتمبر 2015 انتخبت عبير سعدي فى مجلس إدارة الاتحاد الدولي للصحفيات، وكانت الصحفية المصرية فى تاريخ هذه المؤسسة بعد الاستاذة ليلي دوس، وفى عام 2017، اُنتخبت نائبًا لرئيس الاتحاد الدولي للصحفيات، وظلت فى هذا المنصب 5 سنوات، إلى أن انتهت فترتها فى ديسمبر 2020.

ويعتبر كتاب “ماذا لو” عن أمن وسلامة الصحفيين والصحفيات، آخر مؤلفات عبير سعدي، حيث أطلقت النسخة الإنجليزية منه بدعم من اليونسكو فى الفلبين والنرويج عام 2017، وخلال عام ٢٠٢٠ أُطلق الكتاب بنسخته العربية بعد أن حرره الصحفي الأستاذ عماد ناصف، وفي أواخر العام الماضي نشرت النسخة التركية منه، ومن المقرر إطلاق نسخة أخرى فى أفغانستان.

لم تعتزل عبير سعدي العمل الصحفي، فالصحافة بالنسبة لها كالجنسية لا يمكن أن تسقط عنها، ورغم رحيلها عن وطنها فى أواخر ٢٠١٤، بحثا عن أماكن أخرى و حياة أخرى و أرواح أخرى، وشغف آخر، تظل مصر بالنسبة لها الحب الأول، وتتمنى أن ترى الصحفي/ة المصري/ة فى أحسن حال.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى