عمرو نبيل.. مؤسس شعبة المصورين الصحفيين فى مصر

بدأ شغفه بالتصوير، منذ نعومة أظافره، فكان ينبهر عندما يشاهد الصور فى الجرائد التى يحضرها والده كل صباح، و تستهويه منها ما له علاقة بالحروب والمجاعات، بدأ حلمه بأن يصبح مصورًا صحفيًا فى إحدى الوكالات الإعلامية يتشكل وهو في سن الثامنة، ولتحقيق هذا الحلم امتلك كاميرا صغيرة التقط بها صورًا لكل ما تقع عليه عينه من مناظر طبيعية سواء فى الشارع أو حديقة الحيوان.

و فى مرحلة الشباب كان يتابع بشغف نشرات الأخبار، ليشاهد صور فاروق إبراهيم المصور الخاص للرئيس محمد أنور السادات، وهو يتحرك حاملًا معه أكثر من كاميرا، وينبطح أرضًا لالتقاط صورة للعلم المصري بشكل معين أو إظهار زاوية أخرى للرئيس الراحل، وكان في غاية الحرص على إحضار الصحف في اليوم التالي ومتابعة صوره والتعلم منها.

من هنا بدأت حكاية المصور الصحفي العالمي عمرو نبيل، مؤسس شعبة المصورين الصحفيين، الذي سحر أعين الناس بصوره الجميلة التى تغني عن آلاف الكلمات.

وُلد عمرو نبيل فى محافظة الجيزة سنة 1968، والتحق بكلية الفنون الجميلة، وتخرج فيها سنة 1990، وخلال فترة الدراسة، درس التصوير الفوتوغرافي عامة، وأصبح مشهورًا داخل الكلية بصوره، لدرجة أن أساتذة الكلية كانوا يستعينون به لتصوير اللوحات الفنية الخاصة بهم.

مارس نبيل كل أنواع التصوير، بداية من تصوير الدعاية والإعلان إلى الصحافة وتصوير المنتجات والأفراح وأغلفة المجلات، و أتيحت له أول فرصة للعمل كمصور صحفي عام 1987، بجريدة الوفد، إذ تولى مسئولية تغطية ترميم جامع محمد علي، وكان رئيس قسم التصوير في الوفد وقتها عبد الوهاب السهيتي، الذي أبدى إعجابه بعمله وطلب مقابلته، وكان السهيتي من الشخصيات التي أعطت عمرو نبيل دفعة في حياته.

أول حدث كبير يغطيه
وبعد تخرجه سنة 1990، عمل في صحيفة عكاظ السعودية، بالتزامن مع غزو العراق للكويت، وكان أول حدث كبير يصوره هو القمة العربية التي عقدت في 10 أغسطس 1990 في أعقاب ذلك الغزو.يتعامل عمرو نبيل مع كل حدث يصوره على أنه أهم موضوع فى حياته المهنية، فجميع تكليفات العمل بالنسبة له مهمة ويستعد لها بشكل جد كأنها أول تكليف له فى حياته، ويرى عمرو نبيل أن استهتار أي إنسان بالعمل بعد أن يذيع صيته ويشتهر هو بداية الانهيار والسقوط من القمة.

في عام 1995 عمل نبيل في وكالة الأنباء الفرنسية، ووكالة “أسوشيتد برس” و أتيحت له الفرصة لتغطية حرب إريتريا وإثيوبيا من الجبهة الإريترية.

إصابة عينه

وفى 7 ديسمبر عام 2005 أصيب فى عينه اليمني بمَقْذُوف ناري أثناء تغطيته جولة الإعادة فى انتخابات مجلس الشعب فى الزقازيق، أثناء تدخل الشرطة وقتها لمنع الناخبين من الإدلاء بأصواتهم، وأجرى عمليات كثيرة، للأسف باءت بالفشل ولكن شكل العين أفضل الآن عما كان بعد الحادث.

شعبة المصورين
بعد إصابته كانت غرفته بمستشفى العيون الدولي تشهد زحامًا شديدًا من كثرة الزيارات التى كانت تفوق زيارات الفنان عبد الرحمن أبو زهرة الذى كان يعالج في نفس المستشفى، وبسبب الاهتمام الكبير الذي لمسه من زملائه المصورين خلال فترة إصابته، بدأت تتولد لديه فكرة إنشاء كيان يجمع المصورين المصريين يحميهم ويدافع عنهم، ومن هنا نشأت فكرة تأسيس شعبة المصورين فى نقابة الصحفيين.

بعد خروجه من المستشفى مر عمرو نبيل بتجربة نفسية شديدة استمرت عام كامل، بسبب صعوبة التصوير بعينه اليسرى، وبعد أن تعافى تواصل مع المصور حسام دياب الذى كان يحلم أيضًا بإنشاء جمعية خاصة بالمصورين، واقترح عليه إحياء مشروع شعبة المصورين الصحفيين، وبالفعل نجح حسام وعمرو وظهرت الشعبة للنور.

حرص عمرو نبيل كمؤسس، على أن يبقى فى هذا الكيان الجديد (شعبة المصورين) دون النظر لمسألة من يتولى رئاسة الكيان، فكان حسام دياب أول رئيس لشعبة المصورين، أما نبيل فكان الرجل الثاني، إلى شرف برئاسة الشعبة عام 2017، واستمر بها حتى نهاية 2019، إذ انتدب للعمل لمكتب السعودية، ورى أنه من غير اللائق أن يدير شعبة المصورين وهو فى بلد آخر، لذا قرر الإستقالة من منصبه وتولى رئاسة الشعبة مجدي إبراهيم

ويرى نبيل أن كل نجاح لشعبة المصورين هو نجاح له شخصيا سواء كان فى موقع القيادة أم لا، وأن كل فشل وإخفاق لهذه الشعبة يؤلمه جدًا، كما يرى أن الشعبة تحت قيادة مجدي إبراهيم تسير بشكل جيد وتقوم بدورها على أكمل وجه.

زلزال 1992
فى حياة بطل قصتنا محطات لا تنسى، ولعل أبرزها تلك الصورة التي التقطها في أحداث زلزال أكتوبر 1992، ففى يوم الزلزال كان عمرو نبيل داخل مقر صحيفة عكاظ، ومع حدوث الزلزال خرج مسرعًا ووجد أبواب المدرسة الموجودة بالقرب من مقر الجريدة قد فتحت، وخرج منها عشرات الأطفال وهم في حالة خوف وبكاء، وعلى الفور حمل كاميرته والتقط العديد من الصور، بينها صورة لتلميذة منهارة تماما وعروقها منتفضة وتحتضن شقيقتها الصغيرة، هذه الصورة كان لها صدى كبير وتداولتها الوكالات الأجنبية، ونشرت صفحة أولى على معظم صحف العالم، لأنها تحمل ملامح الإنسانية والفزع عند الطفولة وقت الزلزال.

ارتبطت هذه الصورة بواقعة أخرى كان لها أثر طيب فى نفس عمرو نبيل، فعندما كان يقوم بتكبير الصورة فى أحد المعامل بالمهندسين، وجد العامل يقول له إنّ هناك من يريد لقاءك في الطابق العلوي، وحين صعد فوجئ بالأستاذ فاروق إبراهيم وهو ممسك بصورته، واندهش ولم يصدق عينيه وأذنه حينما قال له: “الصورة دي من أقوى الصور التي رأيتها عن الزلزال، هيكون ليك مستقبل كبير”، ومنذ تلك اللحظة نشأت بينهما صداقة قوية وتواصل حتى آخر أسبوع قبل وفاة فاروق إبراهيم عام 2011.

جنازة الملك فهد
بالإضافة إلى هذه الصورة، هناك العديد من الصور التى تمثل نقلة كبيرة فى حياة عمرو نبيل المهنية، منها مجموعة الصور التى التقطها لجنازة الملك فهد بن عبد العزيز عام 2005، ففى هذا اليوم حرص على شراء سلم من الرياض للصعود عليه والتقاط صور للرؤساء الذين يشاركون فى الجنازة، فى البداية سخر منه زملائه، و اندهشوا من حمله للسلم فى جولته، ولكن بعد أن وصل قادة الدول للمشاركة فى الجنازة، فرضت قوات الأمن كردونا أمنيا حول الرؤساء، ولم يتمكن المصورين من التصوير، أما عمرو نبيل فكان المصور الوحيد وقتها الذى تمكن من التقاط صور للرؤساء وسط التشديدات الأمنية التى كانت موجودة.

من الصور التى لا ينساها عمرو نبيل أيضًا، لحظة احتفال المصريين يوم 3 يوليو 2013، فى ميدان التحرير بالإطاحة، ووقتها كانت الألعاب النارية تغطى الميدان، وفشل معظم المصورين فى تصويرها، فقام نبيل بعمل تكنيك فني معين جعله يظلل الجزء الذى به إضاءة شديدة، ونجح فى التقاط صورة أيقونية حققت انتشارًا كبيرًا ، ونشرت كصفحة أولى فى الصحف العالمية الكبرى.

حكاية الصورة التي أغضبت مبارك
في صباح يوم ٥ مارس عام ١٩٩٧، وأثناء مقابلة هامة بين الرئيس الراحل حسني مبارك ورئيس الوزراء الإسرائيلي(حينها ) بنيامين نتنياهو، دخل عمرو نبيل لتصوير اللقاء بقصر الاتحادية، وأثناء تركيزه خلال الـ ٣٠ ثانية الممنوحة لمصوري الوكالات العالمية لتغطية اللقاء، إذا بالرئيس مبارك يميل فجأة ويضحك واضعا يده على ركبة نتنياهو، وقد نشرت صحف العالم العربية والاجنبية الصورة في صدر صفحاتها.

وفي مصر نشرتها صحيفة الوفد في الصفحة الأولى بتعليق مستفز حيث قالت :(مشاعر الود والمحبة والوئام بين الرئيس مبارك ونتنياهو)، وتفاجئ نبيل في صباح اليوم التالي باتصال على الوكالة الإخبارية التى يعمل بها، من المرحوم حماد نايل مدير الإعلام بالرئاسة يخبره فيه بمنعه وكل وكالات الأنباء من دخول قصر الاتحادية بسبب غضب الرئيس من هذه الصورة.

تلقف الخبر وكالات الأنباء ونشر في العالم خبر منع الإعلام العالمي بسبب صورة عمرو نبيل، وكان بطلنا يتوقع أن يتم القبض عليه أو التنكيل به فى أي لحظة، حتى جاءت مقابلة بعد شهر من هذه الصورة وسمح لمصوري الوكالات مرة أخرى بالتصوير، ودخل عمرو القصر الرئاسي، وتم اقتياده إلى مكتب اللواء الراحل محمود حلمي مدير أمن الرئاسة في ذلك الوقت، وقد نهره بسبب إظهار رئيس الدولة بهذا الشكل وطلب منه عدم تكرار الأمر مرة ثانية.

أبرز الجوائز
قبل إصابته بعشرة أيام، التقط عمرو نبيل مجموعة صور بإحدى جولات الانتخابات البرلمانية، فبعد أن منعت قوات الأمن أهالي مركز تلا من دخول المدرسة التى كانت مخصصة كمركز اقتراع، لجأ الأهالي إلى حيلة أول مرة تُشاهد فى تاريخ الانتخابات، إذ جاء الأهالي سلالم خشبية وربطوها فى بعضها و وضعوها على السور ليصلوا إلى الدور الثاني للمدرسة، ونجح الأهالي فى الدخول بهذا الشكل ومنهم نساء كبيرات السن، هذه الصور أحدث صدى كبير عالميا، وكانت يرغب فى المشاركة بها فى مسابقات عالمية، ولكن إصابته حالت دون تحقيق هذه الرغبة، ونظرا لجمال هذه الصور وتفردها اشترك أحد أصدقاء نبيل بها فى مسابقة نقابة الصحفيين، وحصل على المركز الأول سنة 2005.

بالإضافة إلى هذه المسابقة، اشترك فى العام الماضى فى مسابقة شعبة المصورين، وفاز بالمركز الأول عن صورة المصلي الوحيد أمام الكعبة بسبب جائحة كورونا وهذه الصورة طافت العالم وحازت على اعجاب ملايين المسلمين، وحصلت على شهادات تقدير وجوائز كثيرة، وعدها بعض المتخصصين بأنها أحد أيقونات التصوير الصحفي التى لها علاقة بجائحة كورونا.

وإلى جانب الجوائز المحلية، حصل عمرو نبيل على على تكريمات على الصعيد الدولي، وقد اختارته الصين ليكون عضوا بلجنة تحكيم أكبر مسابقة تصوير فى العالم، كما تم تكريمه فى هولندا، وخلال السنوات الماضية حصل نبيل على درجة الماجستير، ومن المقرر أن ينال الدكتوراه فى العام الحالي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى