بروفايل

عواطف عبدالرحمن.. أستاذة الصحافة و”النضال السياسي”

الدكتورة عواطف عبدالرحمن واحدة من الأسماء اللامعة في الإعلام والصحافة العربية، والتي صنعت مسيرة استثنائية امتدت لأكثر من ستة عقود، جمعت فيها بين الصرامة الأكاديمية والإبداع الصحفي، ودفء شخصية متأثرة ببيئتها الصعيدية، ما منحها مزيجًا فريدا من الشدة واللين، وأحدث أثرا مستداما في الإعلام وأجيال من الطلاب والقراء. وإلى جانب ذلك كانت صوتا واعيا للقضايا الوطنية والعدالة الاجتماعية؛ ولهذا يظل اسمها علامة مضيئة في الإعلام العربي، يجمع بين المهنية، الحكمة، والشغف بالمعرفة.

ولدت الدكتورة عواطف بقرية الزرابي التابعة لمركز أبو تيج بمحافظة أسيوط، حيث نشأت في منزل جدتها الضريرة “صفصافة” التي تولت تربيتها بعد انشغال أبويها، إلا أن السنوات الأولى في حياتها شكلت وعيها الاجتماعي، وخلقت في نفسها شعور دائم بالمسؤولية تجاه الآخرين، فلاحظت الفروق الطبقية في قريتها، حيث كانت ترتدي حذاءً نظيفا بينما كانت رفيقاتها حفاة، الأمر الذي جعلها تعيد التفكير في مفاهيم العدالة والمساواة.

بعد انفصال أبويها، انتقلت إلى قاهرة المعز مع والدتها “بهية” في حدث شكل نقطة تحول كبرى في حياتها، فلم يكن الانفصال أسريا فقط بل مثّل تغيرا كاملا من مجتمع القرية الصغيرة إلى مجتمع المدينة، لتمضي السنوات وتلتحق بإحدى المدارس الأهلية في القاهرة، ثم تلتحق بعدها بكلية الآداب قسم صحافة بجامعة القاهرة، ليتشكل وعيها السياسي في بداية حياتها الجامعية التي بدأت خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.

شكلت سنوات الدراسة الجامعية مشاعرها الوطنية وأثرت في توجهاتها الفكرية والسياسية حتى تخرجت عام 1960، ليصبح اسم الدكتورة عواطف عبدالرحمن من الأسماء الرائدة في مجال الإعلام، لا سيما في الصحافة والدراسات الإعلامية، فعملت في جريدة الأهرام قبل أن تتحول إلى التدريس الجامعي في كلية الإعلام.

وبينما كانت تعمل في الصحافة، كان لها دور بارز في دعم القضايا القومية والوطنية، مثل دعم استقلال الجزائر وتأييد القضية الفلسطينية، فشاركت بكل قوتها لنشر الوعي الجماهيري والنضال ضد القوى الاستعمارية، لكنها خاضت تجربة حبس في منتصف الستينيات بسبب نشاطها السياسي ورفضها التدخلات السياسية في الشأن الأكاديمي وفرض الوصاية الأمنية على رؤساء الجامعات وعمداء الكلية – الأمر الذي شاركته لاحقًا في كتابها “أوراق في سجن النساء – وقررت بعده ترك العمل الصحفي والانتقال إلى الجامعة لتأسيس قاعدة علمية راسخة في مجال الإعلام.

وفي الجامعة، عُرفت أنها أستاذة صارمة، لكنها في ذات الوقت كانت تشارك طلابها همومهم وتطلعاتهم المستقبلية، فرأت في التعليم وسيلة لتشكيل عقول المستقبل، وتحقيق التغيير الاجتماعي والسياسي من خلال نشر الوعي الثقافي بين الطلبة باعتبارهم هم “المستقبل”.

عدد كبير من الكتب وصلت إلى 40 كتاب ومؤلف وضعت فيهم الدكتورة عواطف عبد الرحمن خلاصة خبرتها على مدار ما يزيد عن 60 عقدًا، فقدمت كتب عن الصحافة العربية والدولية، والدراسات المستقبلية وقضايا المرأة والبيئة، حتى قررت خوض انتخابات مجلس الشعب فى عام 1984 عن حزب التجمع، بدائرة جنوب أسيوط التى تضم البدارى، الغنايم، أبوتيج، صدفا، ففتحت لها التجربة بابًا لمعرفة الصعيد بشكل أعمق.

اهتمت “عواطف” بقضايا المرأة خاصة بعد انفصالها وحصول زوجها على حضانة ابنهما – بحسب قانون الحضانة القديم – الأمر الذي شكل لها غصة كبيرة في قلبها، فتعمقت في قانون الأحوال الشخصية، وشاركت في عدة مؤتمرات دولية وعربية، إلا أنها – كعادتها – لم تكفِ بذلك، فحصلت عام 2008 على جائزة الجامعة العربية عن أعمالها عن المرأة.

رحلة ملهمة من النضال الأكاديمي والسياسي، نجحت فيها الدكتورة عواطف عبدالرحمن في تخليد اسمها كأحد أبرز الصحفيين والإعلاميين في العالم العربي، استطاعت في رحلتها أن تجمع بين الإبداع والالتزام، فأحدثت تأثيرا عميقا في الإعلام والدراسات الاجتماعية، وقدمت أبحاثا علمية متميزة لم تقتصر على المجتمع المصري فقط، بل امتدت لتؤثر في القراء والباحثين على مستوى العالم كله.

فازت الدكتورة عواطف عبدالرحمن بجوائز كبرى مثل جائزة مانديلا للتحرر الوطني في جنوب إفريقيا عام 1995، وجائزة سلطان العويس في العلوم الاجتماعية 1996، وجائزة التقديرية لكلية الإعلام بجامعة القاهرة 1997، وجائزة الدولة للتفوق العلمي في مصر 1999، وجائزة الجامعة العربية عن مجمل أعمالها في عام 2008، وجائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية عام 2014، فلم تكن مجرد أستاذة جامعية أو كاتبة مرموقة، بل كانت منارة مضيئة أضاءت دروب المستقبل، معلنة أن النجاح الحقيقي هو الذي يأتي من العمل الجاد والمخلص من أجل مصلحة الوطن والإنسانية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى