بروفايل

فاطمة الزهراء السيد.. أكثر من ثلاثة عقود في البحث الإعلامي وبناء أجيال من الصحفيين

في رحاب كلية الإعلام بجامعة القاهرة، عاشت الدكتورة فاطمة الزهراء السيد، مسيرة حافلة بالإنجازات الأكاديمية والبحثية على مدار ما يزيد عن 33 عاما، قدمت خلالها نموذجا للتفاني في سبيل العلم، بعد أن ترسخ لديها يقين بأن الإخلاص والمثابرة يمثلان مفتاحي النجاح والتوازن.
وخلال هذه المسيرة، استطاعت الدكتورة فاطمة الزهراء أن تجمع بين عمق البحث العلمي والتفاني الأسري، في تجربة أكدت أن النجاح الحقيقي يقوم على الاستمرارية في البحث، والثقة بالنفس، والالتزام بقيمة الأسرة والتعلم.
وكانت البيئة الأسرية حجر الأساس الذي تشكلت عليه شخصية الدكتورة فاطمة الزهراء الأكاديمية والإنسانية؛ فالأم، بوصفها مديرة مدرسة، وضعت الرسالة والعمل الدؤوب في مقدمة أولوياتها، ونالت تكريما وتقديرا واسعين نتيجة جهودها مع الأجيال الناشئة وإدارتها المتميزة للمدرسة. أما الأب، فقد عمل مفتش إنتاج بمصنع 360 الحربي، وتميز بالدقة والحرص على تفاصيل البيت والحياة، وهو ما انعكس بوضوح على تكوين ابنته ومسيرتها.
في هذا الإطار الأسري الداعم، تبلور شغف الدكتورة فاطمة الزهراء بالصحافة والإعلام، غير أن هذا الشغف اتخذ مسارا أكاديميا لا ميدانيا، إذ رأت في التدريس الجامعي المجال الأمثل لنقل المعرفة وصناعة الأثر، وأسهم في توجيهها نحو هذا الطريق عدد من الأساتذة الملهمين، وفي مقدمتهم الدكتورة عواطف عبد الرحمن، التي آمنت بقدراتها الأكاديمية وشجعتها على المضي قدما.
ومع التحاقها بكلية الإعلام بجامعة القاهرة والتي كانت آنذاك مجرد طابق داخل كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ولا يتجاوز عدد طلابها مئة طالب، عاشت حالة من السعادة والرضا فقد وجدت نفسها في بيئة علمية احتضنت شغفها المبكر بالإعلام.. كما مثل أساتذتها مصدرا ثريا للمعرفة، أسهم في تعميق فهمها للفنون الصحفية وأساليب الكتابة الإعلامية.
وشكلت المرحلة الجامعية تجربة تأسيسية غرست فيها مفاهيم العمل الإعلامي الرصين، وهي مرحلة ارتبطت لديها بمشاعر الفخر والامتنان لكلية الإعلام، ولا سيما لأساتذتها: الدكتور مفيد شهاب، الدكتور حسن حنفي، الدكتور عبد المحسن طه بدر، الدكتور مختار التهامي، الدكتور محمد السيد محمد، الدكتور أسامة سراي، الدكتور طه المجدوب، والدكتور خليل صابات، الذين يمثلون قامات علمية راسخة في ذاكرتها الأكاديمية.
وقد انعكس هذا التكوين العلمي في تفوقها الأكاديمي اللافت، إذ تخرجت الأولى على قسم الصحافة بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف عام 1992. وجاء هذا التفوق مقرونا بتتويج معنوي مهم، تمثل في فوزها بجائزة مصطفى وعلي أمين، المخصصة لتكريم القيادات الصحفية والشباب المتميزين، وهو ما أتاح لها لقاء مصطفى أمين، رئيس تحرير جريدة أخبار اليوم آنذاك، في تجربة ظلت حاضرة في ذاكرتها.
وكان هذا النجاح المبكر دافعا مباشرا لانطلاقها في مسيرة البحث العلمي، التي استمرت دون انقطاع بعد حصولها على درجة الماجستير، حيث وجدت في البحث العلمي مجالا لتحقيق ذاتها الفكرية. واستمر هذا الارتباط بالبحث حتى بعد نيلها درجة الأستاذية عام 2021، إذ واصلت العمل البحثي والتحقق العلمي، انطلاقا من إيمان راسخ بدور الكلمة المكتوبة، مع إدراكها أن الكتابة تمثل جزءا من منظومة فكرية أوسع للبحث عن الحقيقة.
ولم يكن توجهها نحو العمل الأكاديمي قرارا عابرا، بل جاء نتيجة تأثيرات عميقة، في مقدمتها والدتها التي مثلت نموذجا للالتزام بالرسالة التعليمية، إلى جانب قامات أكاديمية تركت بصمات واضحة على مسيرتها، من بينهم الدكتورة عواطف عبد الرحمن، التي مثلت نموذجا للعطاء الفكري، والدكتورة ليلى عبد المجيد، التي تعد واحدة من أبرز العقول الأكاديمية في مجال الإعلام، وأسهمت إدارتها في حصول جيل كامل على فرص علمية ومهنية متميزة.
كما كان للدكتور محمود علم الدين دور محوري في مسيرتها العلمية، بوصفه المشرف على رسالتي الماجستير والدكتوراه، حيث انعكس دعمه العلمي والإنساني على تطور شخصيتها الأكاديمية وصقل أسلوبها البحثي.
وشهدت بداياتها في التدريس الجامعي مشاعر من القلق والمسؤولية، خاصة مع التعامل مع أعداد كبيرة من الطلبة داخل قاعات المحاضرات، إلا أن هذه المشاعر سرعان ما تحولت إلى ثقة متزايدة، مدفوعة بإحساسها بالمسؤولية تجاه نقل المعرفة، وإدراكها لجوهر الدور الذي تضطلع به كأستاذة جامعية.
وعلى امتداد مسيرتها، واجهت الدكتورة فاطمة الزهراء تحديات متعددة، لا سيما في ما يتعلق بالموازنة بين الحياة الأسرية والطموح المهني، فقد تزوجت في سن مبكرة وأنجبت طفلين وهي في الرابعة والعشرين من عمرها، وهو ما تطلب منها جهدا مضاعفا لتنظيم وقتها وتحقيق التوازن بين أدوارها المختلفة.
وتبقى بعض اللحظات الإنسانية حاضرة بقوة في مسيرتها، من بينها حرص زوجها على حضور مناقشة رسالة الدكتوراه رغم ظروف السفر، إلى جانب الدعم المتواصل الذي تلقته من مشرفها العلمي خلال سنوات الدراسة والإعداد الأكاديمي، وهي مواقف أكدت أن النجاح الأكاديمي غالبا ما يكون ثمرة منظومة دعم إنساني متكاملة.
ومن خلال خبرتها الطويلة، تقدم الدكتورة فاطمة الزهراء نموذجا فكريا يقوم على الإيمان بأن الجهد هو السبيل الوحيد لتحقيق النتائج، وأن التعلم المستمر يمثل ركيزة أساسية للنجاح والتوازن في الحياة، مع التأكيد على الدور المحوري للأسرة في توفير الاستقرار العاطفي اللازم لأي إنجاز مهني.
وتنتهي هذه المسيرة بتأكيد ثابت على أن الثقة، والعلم، والفهم، والخبرة تمثل أدوات أساسية للصعود، وأن القدرة على الصمود في مواجهة التحديات هي العامل الحاسم في صقل الشخصية وتحقيق الإنجاز.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى