في اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة.. صحفيون يجددون الأمل في النفوس (تقرير)
“من رحم المعاناة يُولد الأمل”، ليست مجرد مقولة.. لكنها وصف ينطبق على أشخاص تحدوا الصعاب، استطاعوا بإيمان وإرادة قوية أن يمضوا في طريقهم نحو عالم الصحافة بمزيد من العزيمة والإصرار، عرفوا قيمة “الكلمة” وحققوا ما كان يسخر منه البعض ويحاولون التقليل منه، ليصبح اليوم واقعًا يعيشونه، فخورين بما أنجزوه، لم تمنعهم ظروفهم الخاصة عن تطوير أنفسهم بكل الوسائل والسبل الممكنة.
وفي اليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة، نركز في هذا التقرير على تجربة 2 من الصحفيين، أثبتوا أن الإعاقة هي إعاقة الروح والعقل وليس الجسد، وأن المعافرة قد تكون هي الضمانة الحقيقية نحو التغيير للأفضل، مهما ساءت الظروف.
أحمد أبو هميلة، صحفي في المصري اليوم، يحكي قصته، خلال حديثه مع المرصد المصري للصحافة والإعلام، ويقول: نشأت في إحدى القري التابعة لمركز العياط بالجيزة، بين 7 أشقاء، تعرضت لفقدان البصر تدريجيًا، وأنا في الصف الثالث الإعدادي، فكانت الصدمة أخف، تلقيت تعليمي في مدارس حكومية، وأفادتني تجربة الدمج كثيرًا، وبمساعدة عدد من زملائي تمكنت من الإلمام بالمنهج، إلى جانب حرصي على تسجيل المواد الدراسية على شرائط كاسيت ومعاودة الاستماع إليها، واجهتني صعوبات عديدة في بداية الأمر، لكنني حاولت التأقلم مع الوضع القائم، اكتشفت أن فقدان البصر كان نعمة وفضل من ربنا وليس ابتلاء، يكفي أنني استطعت التركيز في مذاكرتي وسط مناخ هادئ نوعًا ما، مما أهّلني للحصول على مجموع 97% في الثانوية العامة، والالتحاق بكلية الإعلام جامعة القاهرة، رغم معارضة أسرتي للأمر.
خلال دراسته الجامعية، تمركز نشاط “أحمد” في تلك الفترة حول مجلة “صوت الجامعة”، وفيها تدرب على كتابة الموضوعات الصحفية، بما في ذلك الحوارات والتحقيقات، شيئًا فشيء بدأ ينخرط في الشأن العام ويخالط زملاء مثقفين من مجتمعات مختلفة، فكانت هذه الفترة من حياته ثرية سواء على المستوى الشخصي أو العلمي.
وعن قصة انضمامه للمصري اليوم، يقول: تخرجت من الجامعة عام 2006، ومن حسن حظي أن الدكتور أحمد محمود مدرس مادة الإخراج بالجامعة، كان في نفس الوقت يعمل كمدير فني للمصري اليوم، لفتُّ انتباهه أثناء امتحانات الشفوي لمادته، وفاجئني بسؤال: هتعمل إيه يا أحمد بعد التخرج؟ ، بدون تفكير طبعًا قلت له أتمنى اشتغل، فقالي: طيب ابقى عدي عليا في الجرنال لما تكون في القاهرة، وبالفعل في أول فرصة ذهبت إليه في مكتبه وهو من قدمني إلى الأستاذ مجدي الجلاد، الذي اقتنع بي هو وعدد من الزملاء وقتها، وتم تكليفي بأول مهمة صحفية وكان موضوع عن ذكري حريق القاهرة، نُشر في 25 يناير 2007 في صفحة “من فات قديمه”، أتذكر أن هذا الأمر كلفني مشقة في البحث والاطلاع في مصادر تاريخية، واستلزم ذلك ذهابي إلى إحدى المكتبات العامة والبحث في الكتب التي تناولت الموضوع، ثم التحقت بالعمل في قسم التحقيقات، تحت رئاسة الأستاذ ياسر الزيات، فكان هو أول شخص تعلمت الصحافة على يديه، كان مقتنعًا بي، يرفع من معنوياتي بين الزملاء، في أحد المرات قال: “بكره تشوفوا أحمد.. أتحادكم بيه”، من التحقيقات التي أتذكرها تحقيق عن ارتفاع الأسعار؛ تطلب ذلك أن أقوم بأخذ آراء الناس في الشارع، مما استلزم وجود مرافق معي فكان الأمر شاقًا وممتعًا في نفس الوقت خاصة أنني لم أكن أمتلك أي أدوات مساعدة، لكن لدي حلم أسعى لتحقيقه بمزيد من العزيمة والإرادة، عملت في الجريدة بنظام القطعة بعد تخرجي حتى تعييني عام 2011.
لم تمنعه إعاقته البصرية عن استكمال مشواره الذي اختاره بكامل إرادته، ورغم التحديات التي واجهها لم يتخلَ عن حلمه، فحاز على احترام وتقدير الجميع له، بما في ذلك المصادر التي يتعامل معها، كما لو كان صحفيًا كبيرًا وليس مبتدئًا في المهنة، ومن الشخصيات التي حاورها على صفحات المصري اليوم، ولا ينسي حسن استقبالهم وتعاملهم الراقي معه، عبد العزيز حجازي رئيس الوزراء الأسبق، ومحمد العرابي وزير الخارجية الأسبق، وجابر عصفور وزير الثقافة الأسبق، والفنان محمد صبحي.
التحق بالعمل في إدارة العلاقات العامة والإعلام بمحافظة الجيزة، إلى جانب عمله الصحفي في الجريدة، لمدة عام، حتى جاءته فرصة التعيين في المحافظة، براتب ثابت، لكنه ضحى بالوظيفة الحكومية ـ المضمونة ـ واختار الصحافة، في هذه الأثناء كانت صحيفة المصري اليوم قد أتاحت عدة اختبارات لمتدربيها، وكان هو واحدًا منهم، ليعين فيها بعد 5 سنوات من المعافرة، يقول عن حبه للصحافة: “مرض ابتُلينا به لا نستطيع أن نُشفي منه”.
يسعى “أحمد” طوال الوقت إلى تطوير مهاراته باستمرار، ففي فترة من حياته تعلم الكتابة على الكيبورد، واستلزم منه الأمر 3 أشهر، وعرف كيفية التعامل مع جهاز الكمبيوتر، فكان ذلك هو نقطة التحول الأولي في مشواره المهني، وفتح أمامه الباب للاعتماد على نفسه في القراءة دون مساعدة من أحد، بعد اكتشافه لبرنامج يحول كتب بصيغة PDF إلى Word ، يستطيع البرنامج الناطق التعرف عليها بسهولة، مما ساعده على تكوين مكتبة شاملة تحتوى على ما يقرب من 7 آلاف كتاب في شتى المجالات.
وقبل عامين كانت أولى تجاربه في استخدام الهاتف المحمول، بعد قبوله في المنحة التدريبية التي نظمتها مؤسسة BBC لذوى الإعاقة في الوطن العربي، من بين 10 صحفيين على مستوى الشرق الأوسط، حيث خضع لمدة 3 أسابيع إلى التدريب في مكتب BBC بلندن، فكان ذلك هو نقطة انطلاقته في التعامل مع التكنولوجيا والهواتف الحديثة، وشجعه ذلك على تعلم تحرير الصوت والفيديو.
استغل أحمد فترة جلوسه في المنزل، على خلفية الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة في الحد من انتشار فيروس كورونا (كوفيد ـ19) منذ مارس الماضي، في تطوير مهاراته، والمشاركة في عدد من التدريبات الأون لاين، التي وفرت عليه مشقة الانتقال، ففترة كورونا كما يصفها منحة وميزة قوية جدًا للأشخاص ذوى الإعاقة، استطاع أن يستفيد منها إما بالقراءة أو التعلم المستمر.
وخلال حديثه مع المرصد، يشاركنا أحمد حلمه في عمل مشروع إعلامي يستهدف ذوي الإعاقة في مصر، يتناول قضاياهم ومشكلاتهم، ويكون همزة الوصل بينهم وبين المسؤولين وأجهزة الدولة المختلفة، لتلبية احتياجاتهم، بعيدًا عن الاستعراضات الكلامية بلا أي فائدة، مشيرًا إلى أنه سيتم الإعلان عن الأمر خلال الفترة القادمة بعد انتهاء أزمة كورونا.
وعن اهتماماته في الحياة، يقول: أنا شخص أعيش حياتي بشكل طبيعي، لم ألتفت لإعاقتي، أتعامل بالإمكانيات الموجودة عندي، كأنني لم أفقد شيئًا، أهوى العزف على البيانو، والرسم، أدوام على ممارسة الرياضة يوميا، أتابع المباريات الرياضية، فأنا أهلاوي صميم، ولا زلت أحلم بالسفر إلى الخارج للدراسة.
يوجه أحمد نصيحة للصحفيين الناشئين: طور من أدواتك، اكتسب مهارات جديدة، تعلم أن تتخطي الصعوبات في حياتك، وحاول أن تفرح دائمًا بإنجازاتك.
ولذوى الاحتياجات الخاصة: لا تحصر نفسك في قالب أو صورة معينة رسمها المجتمع، المجال التي تستطيع أن تتميز فيه اقتحمه، آمن بقدراتك.
مروة رشدي، صحفية في مصراوي، تحكي عن قصتها: في 30 نوفمبر 2013 تعرضت لحادث سير أثناء عبوري للطريق، أفقدني القدرة على الحركة، وأنا في سن الـ 23، وقتها كنت أدرس في القسم الانجليزي بكلية الإعلام جامعة القاهرة، في السنة الرابعة، وكنت على وشك التخرج، بعد الحادثة، أصررت على إتمامي لامتحانات الفصل الدراسي الثاني من خلال لجنة خاصة تم عقدها في المستشفى التأهيلي التي كنت أخضع فيها للعلاج، ولم تمنعني الآلام التي كنت أشعر بها من متابعة مشروع التخرج مع زملائي، وبالفعل تخرجت بتقدير جيد جدًا عام 2014.
لا تنكر “مروة” أن الأمر لم يكن صعبًا عليها خاصة في البدايات، لكنها كانت راضية بقضاء الله، تحاول أن تتقبل الوضع منذ أن سمعت الطبيب يخبرها أنها لن تستطيع أن تتحرك على قدميها بع ذلك، لكنها تدريجيا أصبحت تتعامل مع الوضع على أنه شئ طبيعي، وارد أن يتعرض له أي شخص.
منذ صغرها كانت تحلم بدخول مجال الإعلام، لم تمنعها الحادثة عن تحقيق ما كانت تصبو إليه، بعد تخرجها طرقت “مروة” الأبواب، من أجل إيجاد فرصة للعمل في المجال الذي اختارته، تتذكر أنها تقدمت في بادئ الأمر لإحدى الإذاعات الخاصة لكنها صُدمت خلال المقابلة الشخصية بتعامل غير لائق من جانبهم، وصل إلى حد الاستهزاء بها ومحاولة التقليل من حلمها، حيث نصحها أحدهم بالعمل في مجال الكول سنتر.
لم تلتفت الفتاة الطموحة للأمر، وأصرت على إعادة المحاولة في أماكن كثيرة، لكنها كانت تتلقي الرفض تلو الآخر ، إلى أن خطرت ببالها فكرة التواصل مع زوجة الكاتب الصحفي مجدي الجلاد، على الفيسبوك، تطلب منها المساعدة في إيجاد فرصة للعمل في موقع مصراوي الذي يشرف على إدارته، تتذكر “مروة” أنها ذهبت للمقابلة الشخصية وتم قبولها بعدها، لتلتحق بالعمل في قسم المالتيميديا الذي كان مضى على إنشاءه شهرين فقط، كان ذلك في نهاية عام 2016.
وعن أول موضوع شاركت بالعمل فيه، تقول: كان فيديو بعنوان:” ضابط ونص مليون بنت”، وحقق نسبة مشاهدات عالية، وأخذت عنه مكافأة 350 جنيه.
تسعى “مروة” إلى تطوير نفسها بشكل مستمر، من خلال متابعة الورش التدريبية التي تعقد “أونلاين”، والاستفادة من المحتوى المقدم، وتطبيقه في عملها، مؤخرًا تعلمت صحافة الموبايل MOJO واستطاعت أن تنتج بنفسها قصة مصورة عن فن الديكوباج، فكرة وإعداد وتصوير.
لا زالت مروة تحلم بالعمل مذيعة في برنامج تليفزيوني، تقوم فكرته على تناول “تريندات السوشيال ميديا”، ومحاولة مناقشتها بشكل حيادي. وعن نصيحتها للصحفيين قالت: عافروا.. عافروا.. عافروا.