في اليوم العالمي للمرأة الريفية.. صحفيات قرى الصعيد يروين تحدياتهن في بلاط صاحبة الجلالة (تقرير)
يحتفل العالم اليوم الخميس 15 أكتوبر، باليوم العالمي للمرأة الريفية، لما تقدمه من مشاركات مجتمعية كبيرة سواء بعملها في الريف أو تنقلها من قرية لأخرى أو بين المدن لكسب الرزق، وسط حزمة من العادات والتقاليد التي تحيط بها، وأخرى لنظرة المجتمع لها خلال تأدية أعمالها خاصة إذا ما كان ذلك العمل مختلفًا عن التقليدي.
وفي هذا اليوم لم ننس صحفيات القرى أيضًا، خاصة في صعيد مصر، واللاتي يقدمن تغطيات صحفية بأشكال متعددة، من أجل الحصول على المعلومة ونشرها للجميع، في ظل سلسلة من التحديات والأوضاع الصعبة التي يواجهنها، وتبدأ بمشكلات تنقلهن من قراهن مترامية الأطراف إلى المدن والمراكز الأخرى، وتنتهي بإمكانيات مادية متوسطة خاصة لصحفيي الأقاليم “المراسلون”.
“المرصد المصري للصحافة والإعلام” رصد آراء صحفيات يعملن بمحافظات الصعيد، وغالبيتهن لسن من عواصم تلك المحافظات، بل من قرى أو مراكز، للتعرف على أبرز التحديات التي تواجههن، وكيفية التغلب عليها.
ابتعاد القرى يعطل مسيرة العمل
في البداية تتحدث أسماء رشوان، صحفية بموقع “مستقبل وطن نيوز”، وتقيم بقرية البهنسا التابعة لمركز بنى مزار شمال غرب محافظة المنيا قائلة: “أثناء الدراسة كان اهتمامي بالأبحاث والمكتبات، وفي آخر عام كان مطلوب منا إجراء حوارات وبالفعل نفذت شغل كويس وتخرجت بتقدير عام جيد مرتفع، ولكن بعد التخرج بسبب ابتعاد قريتي، جلست في البيت وفكرت في أن أكمل دراستي (دراسات عليا)، وبالفعل حصلت على التمهيدي ماجستير، ولكنني خلال تلك الفترة عملت كذلك في بعض المواقع الإقليمية، فوالدي بطبيعته لا يحب شغل الصحافة لكن دائمًا ما يشجعنى على العمل الأكاديمي والبحث العلمي، خاصة شغل الصحافة الإقليمية”.
عمل بدون مقابل
تستكمل أسماء حديثها: “العمل في الصحف الإقليمية كان بداية الطريق ولكن نادر جدًا ما يكون هناك مقابل مادي به، ولو وجد المقابل يكون ضعيف للغاية، لذلك عدت مرة أخرى وسجلت للحصول على درجة الماجستير وخلال هذه الفترة أكملت عملي في الصحافة في بعض المواقع الإقليمية، وحصلت في نفس الوقت على درجة الماجستير بتقدير امتياز، والآن أُسجل الدكتوراه في نفس تخصص الماجستير (الإعلام الأفريقي)، إلى أن أكرمني الله بموقع محترم ويمتاز بالمهنية الشديدة وموقع مستقبل وطن نيوز، إذ يمثل لي تجربة جديدة ومختلفة، وشعرت معهم أني أول مرة أعمل بالصحافة”.
تنفيذ عدة تقارير في يوم واحد للتغلب على طول المسافات
أضافت الصحفية المنياوية أن العامل الجغرافي يلعب دورًا كبيرًا في تنفيذ العمل الصحفي، خاصة أنها من قرية بعيدة، مؤكدة أن الصحفي “الشاطر” هو الذي يقدر على أن يحول الصعوبات لتحديات ويتخطاها، ويسخر كل الإمكانيات المتاحة لصالحه، مشيرة إلى أنها تحاول التغلب على تلك المشكلة من خلال عمل أكثر من موضوع فى يومٍ واحد، ثم تفرغ الشغل وترسله تباعًا.
وعن أبرز الصعوبات كذلك أشارت إلى أن التنقل بين المراكز وخاصة قراها يعد أمرًا صعبًا؛ خاصة أن العمل والقائمين عليه أحيانًا لا يتفهمون ذلك، قائلة: “مرة توهت في الطريق واضطريت أمشي في طرق وأماكن غريبة وبعيدة على حسب الشغل المطلوب، لكن بحاول أتعامل لما يطلب مني تقرير بسرعة حتى أنفذه.. بحب أروح المكان وأنفذ شغلي المطلوب، لازم نتحدى الصعوبات حتى يستمر العمل”.
“من وجهة نظري الصحفي يعني مصادر، بحاول يكون عندى مصادر كويسة في كل مكان زي ما بنقول بالعامية في كل خرابة عفريت”.. هكذا تستطرد الصحفية بمستقبل وطن نيوز، حديثها، وتضيف: الصحافة زي الإدمان أو السحر حتى لو الواحد بعد عنها أو مل فترة هيلاقى نفسه يحن للشغل ويرجع تانى.. الصعوبات التانية الشغل أحيانًا بيكون مرهق ماديًا وجسديًا طول الوقت.. ودماغك شغالة بتحاول تتابع على مدار 24 ساعة.. فالصحافة الاستفادة الوحيدة منها من وجهة نظري لنا في الأقاليم هو إنك تحس بسعادة لما تلاقي نفسك فعلًا بتحقق الهدف المنشود بالإعلام والإخبار وتكوين مصادر قوية، وتسليط الضوء على النماذج التي تستحق الإشادة فى المجتمع، ولكن اللي يشتغل المهنة دى ميستناش منها مقابل مادي.. بحس الصحافة زي العلم مهما تجرعت منه تحس إنك متعرفش حاجة وتطمع في المزيد”.
أشارت “رشوان” إلى أنها قبل وأثناء بدءها في الدراسات العليا، عملت مساعدة مخرج أفلام تسجيلية وروائية قصيرة، بالمركز القومي للسينما بالقاهرة، وصورت في المنيا عن بعض المناطق الأثرية، والأماكن المميزة، واستغلت قريتها ذات السيط العالمي “البهنسا” كونها منطقة أثرية، والمخرج أعجب جدًا بتلك القرية، وفعلًا قرر أن ينفذ أكثر من فيلم عن المكان، ولكنها لم تستمر في العمل معه، وعادت للبحث العلمي مرة أخرى ، ومنها للعمل بموقع “كفاءة نيوز” الذي اهتم بالملف البرلماني فترة 2015 ، ولم يحصلوا على مكافآت مادية كان متفق عليها، وكذلك عملت بمواقع “زووم”، و”المنيا نيوز”، و”بوابة الشورى”، و”المشهد”، وجريدة “الإعلاميين اليوم”، إلا أن معظم عملها مع تلك المواقع كان دون مقابل، إلا أنها لم تترك العمل لعشقها للصحافة.
البحث عن دورات تدريبية حديثة
تجربة أسماء بعد طول عناء والعمل بدون مقابل في سلسلة من الصحف الإقليمية وغير الإقليمية قاطعة عشرات الكيلومترات من قريتها التي تبعد عن مدينة المنيا ساعة ونصف تقريبًا، وعن مدينة ملوي جنوب المحافظة أكثر من ساعتين ونصف الساعة، بدأت في التحسن النسبي مؤخرًا، بعد تجربة عمل قاربت السبع سنوات، إذ تقول إن الوضع المادي حاليًا أفضل من أوقات كثيرة مضت، ولكن يبقى الدعم من نوع آخر، يكون من خلال دورات تدريبية لرفع كفاءتها كصحفية أو تعلمها ما هو جديد، وتُثقل من مهاراتها لمواكبة ما هو جديد في رصد المعلومات.
وتمنت الصحفية أن يتم دعمها وصحفيي الأقاليم من خلال تعامل المصادر بشكلٍ طبيعي دون التفرقة بين صحفي نقابي وغير نقابي، فأكثر المعاناة في التعامل خلال السنوات الأخيرة، تكون مع معظم المصادر كونهم يتعاملوا مع صحفيين نقابيين فقط.
توثيق الفيديو بالمناطق المترامية.. تعب مستمر
بالانتقال إلى محافظة أسيوط، وبالتحديد في مركز ديروط نجد نموذجًا آخر، وهي إيمان سمير، الصحفية بموقع “القاهرة 24″، والتي سردت أبرز تحديات عملها في محافظتها والتي تشمل عدد كبير من المراكز ومئات القرى المترامية الأطراف، قائلة: “اعتدت أن يكون عملي موثق بالفيديو، ولذلك تستغرق بعض التقارير التي أنفذها أكثر من 8 ساعات، يضيع غالبيتها في المواصلات والتنقل من منطقة لأخرى، ومن مدينة لأخرى”.
تضيف الصحفية: “أعمل في مجال الصحافة منذ عام 2014، وعملت في أكثر من جورنال لأشهرٍ قليلة خلال دراستي بالجامعة، وفي عام ٢٠١٥ انضممت لفريق مؤسسة “ولاد البلد” وعملت فيها حتى استقلت منها في يونيو عام 2019 ، وحينها لم يكن سهلًا أن أجد عمل في جورنال محترم وبمقابل جيد، فبدأت بإرسال سيرتي الذاتية لأكثر من جريدة، داخل مصر أو خارجها، ولكن الفرص التي جائتني خارج مصر لم تكن مناسبة، بينما الأخرى داخل مصر، تكون بمحافظة القاهرة، ولم يوافق عليها والدي”.
وتابعت: “والدي رجل صعيدي وعنده ممنوع سفر البنت وإنها تبات بعيد عن بيت أبوها.. أي فرصة في القاهرة كانت مرفوضة بالنسبة لي وده كان سبب إني أقعد فترة بعد “ولاد البلد” مشتغلش صحافة”، هكذا عانت إيمان مؤخرًا، ولكن في شهر رمضان الماضي التحقت بموقع القاهرة 24 بعد أن رشحتها زميلة لهم”.
نظرة المجتمع لازالت سلبية لصحفيات الصعيد
روت كذلك إيمان أن نظرة المجتمع للبنت أحيانًا تضايقها، خاصة إن كانت صحفية، وذكرت مثالًا حدث معها قائلة: “كان مطلوب مني تكليف أصور لايف لأول صلاة جمعة.. وزملائي الشباب مواجهوش أي مشكلة.. ولكن البعض رفض إني أصور داخل المسجد على الرغم إني كنت لابسة عبايه وطرحة طويلة.. فاضطريت أصور ف “ديرو” ومعي والدي لكي يوافق المصلين، ولكن كل ذلك وسط انتقاد البعض، قائلين: “بنت تصور في الجامع؟ ودي بتعمل ايه هنا؟.. ولكني عملت نفسي مش سامعة عشان أخلص شغلي”، موضحة أن الأمر يتكرر كذلك في تغطية جنازات الشهداء، مختتمة حديثها بأن نظرة الصعيد للبنت لا زالت تعاني كثيرًا، وفي حاجة للإصلاح.
معاناة الصحافة المحلية
وقالت الصحفية، شيماء دراز، من محافظة سوهاج، إنها عملت كصحفية تحقيقات، بعدد من الصحف والمواقع الإخبارية الإلكترونية، وتابعت: “تعاني الصحافة المحلية والصحفي المحلي خاصة بالصعيد من التهميش. والإعلام لدينا مركزي، فيقع على الصحفي المحلي عبء العمل من تصوير ومونتاج وكتابة، وتغطية كل مصادر المحافظة بكافة أنواعها، وفضلًا عن ذلك تعاني الصحفية المرأة، من تمييز كونها أنثى في مجتمع ذكوري محلي، فتعاني من أضعاف ما يعانيه الصحفي الذكر، بالإضافة إلى صعوبة تواجدها لتغطية الأحداث التي تقع في وقت متأخر من الليل، وإذا تواجدت فعليها أن تتحمل النظرات والكلمات التي توجه إليها من المجتمع الذي لا يقدر طبيعة عملها وقيمته.
وأضافت: “أتذكر موقف حدث أثناء إعدادي لتقرير ميداني، بإحدى قرى محافظة سوهاج، عندما استوقفتني سيدة تجاوزت الـ 60 من عمرها، وقالت لي (يا بنتي شكلك بنت ناس ايه اللي راميكي على البهدلة دي واللف في الشوارع)، وأتذكر منعي من تغطية أحداث خصومة دار السلام الثأرية، لأنني امرأة.. وعلى عكس ذلك، سُمح لي مرة أهل امرأة قتلها زوجها وبناتها الثلاثة بالتغطية لأنني امرأة وسأراعي الأمر خلال الكتابة، ولم يسمحوا للزملاء الصحفيين الرجال بالتغطية”. مؤكدة أن الصحفية يقع عليها عبء كبير لإثبات نفسها كصحفية متميزة، دون أن يحصرها الجميع سواء المجتمع أو المؤسسة الصحفية نفسها، في نطاق محدود.