التقارير الإعلاميةسلايدر رئيسي

فَكٌر تاني..  في مصادرة حرية الصحافة

 

أصدر المجلس الأعلى للإعلام قراره برفض ترخيص موقع “فكر تاني” الصحفي، والمملوك لشركة فري ثانك ميديا””

وقد جاء ذلك القرار مسببًا -بحسب حيثيات القرار- بعدم توافر ثلاثة شروط: أولها عدم وضوح السياسة الإعلانية طبقًا لأهداف الموقع، وثانيهما عدم وضوح مصادر تمويل الموقع، والأخير عدم وضوح خطة تأمين الأجهزة والمعدات المُستخدمة في تقديم الخدمة من خلال الموقع.

 

ومن زاوية ثانية، فقد أعلنت لجنة الحريات بنقابة الصحفيين تضامنها مع الموقع ضد قرار رفض الترخيص، مؤكدةً أن ذلك القرار يعد بمثابة مصادرة لحرية الرأي والنشر والتعبير، كما أكدت اللجنة أنها ترى أن قرار الرفض هو امتداد لسياسات الحجب ومنع الأصوات المختلفة، والتضييق على الحريات، خاصةً أنه استند لعبارات مطاطة وأسباب غير واضحة.

 

إذًا هناك مساحة ضبابية في النصوص القانونية أو اللائحية، تسمح للجهات الإدارية أن تستخدم تلك النصوص في مصادرة الحقوق والحريات الصحفية، أو التضييق عليها، وليس تنظيمها بحسب الأصل العام في كيفية تنظيم الحقوق، وذلك القول هو ما تؤكده قراءة نص المادة 69 من القانون رقم 180 لسنة 2018 بتنظيم الصحافة والإعلام، والتي تنص على أن:

يهدف المجلس الأعلى إلى ضمان وحماية حرية الصحافة والإعلام في إطار المنافسة الحرة، وعلى الأخص ما يأتي:

 

1- حماية حق المواطن في التمتع بإعلام وصحافة حرة ونزيهة، وعلى قدر رفيع من المهنية وفق معايير الجودة الدولية، وبما يتوافق مع الهوية الثقافية المصرية.

فهل لذلك النص أي مدلول يتفق مع قرار اللجنة برفض الترخيص، أم أن للأمر حدود أخرى وتداعيات مختلفة، لا تتوافق مع ما جاء  بنص المادة الثانية من القانون من أن الدولة تكفل حرية الرأي والتعبير، وذلك ما تؤكده أحكام المحكمة الدستورية العليا، ومن ذلك ما جاء بنص الحكم رقم 42 لسنة 16 قضائية دستورية من قول المحكمة: وحيث إن الدستور حرص على أن يفرض على السلطتين التشريعية والتنفيذية من القيود ما ارتآه كفيلًا بصون الحقوق والحريات العامة على اختلافها، كي لا تقتحم إحداهما المنطقة التي يحميها الحق أو الحرية، أو تتداخل معها، بما يحول دون ممارستها بطريقة فعالة. ولقد كان تطوير هذه الحقوق والحريات وإنمائها من خلال الجهود المتواصلة الساعية لإرساء مفاهيمها الدولية بين الأمم المتحضرة، مطلبًا أساسيًا توكيدًا لقيمتها الاجتماعية، وتقديرًا لدورها في مجال إشباع المصالح الحيوية المرتبطة بها، ولردع كل محاولة للعدوان عليها. 

وفي هذا الإطار تزايد الاهتمام بالشؤون العامة في مجالاتها المختلفة، وغدا عرض الآراء المتصلة بأوضاعها، وانتقاد أعمال القائمين عليها مشمولًا بالحماية الدستورية، تغليبًا لحقيقة أن الشؤون العامة، وقواعد تنظيمها وطريقة إدارتها، ووسائل النهوض بها، وثيقة الصلة بالمصالح المباشرة للجماعة، وهي تؤثر بالضرورة في تقدمها، وقد تنتكس بأهدافها القومية، متراجعة بطموحاتها إلى الوراء.

كما أكدت في أكثر من موضع على أن القوانين التي تنظم أمراً من أمور الحقوق والحريات لا ينبغي لها أن تتجاوز حدود ذلك التنظيم بأن تضيق من مجال ممارسته، أو تنال منه، أو تعطل العمل به.

فهل راعى ذلك القرار تلك الحدود الدستورية، أو حافظ على كيان حرية الرأي والتعبير، والتي نظريًا تؤكد نصوص القانون أن هذا الجهاز قد تم إنشاؤه من أجل حماية ممارسة حرية الرأي والنشر والتعبير، أم أن الأمر له معايير وحسابات أخرى، وذلك ما يؤكده حيثيات القرار، والتي جاءت بألفاظ وعبارات مطاطة، لا تصلح لأن تكون مسببات لقرار له حيثيته عند أصحابه، فهل هناك معنى لكلمة ” عدم الوضوح” التي وردت بقرار الرفض، أم أن الأمر يخرج عن مكنات اللجنة مصدرة القرار، وله كواليس غير مرئية، وهذا ما أكده بيان لجنة الحريات بنقابة الصحفيين والذي تؤكد فيه على أنه يجب على اللجنة الاستناد لمعايير موضوعية وقواعد عامة مجردة تطبق على جميع الحالات المماثلة دون استهداف مجموعات بعينها، والتصريح لمجموعات أخرى، بما يتيح تقديم محتوى صحفي حرًا بعيدًا  عن وجود صوت واحد ومانشيتات موحدة.

وإذ أنه لا يجب أن يكون ممارسة العمل الصحفي متفقًا بشكل أو بآخر مع ما ترتأيه السلطات من سياسات، بل أنه على العكس، إذ أن حقيقة العمل الصحفي إنما يكون من خلال نقده للسياسات الخاطئة، وتبصيره للمواطنين، بما يجب أن يكون عليه الأمر أو الحال، كما أن الممارسة الحقيقية للعمل الصحفي لا يجب أو يصح أن تكون سببًا لاستبعاد القائمين على ذلك العمل الجاد، أو استبعادهم، أو التضييق عليهم، أو التنكيل بهم، إذ لا صحوة لأمة دونما وجود صحافة حقيقة تنويرية، تكون بمثابة المرآة التي يرى النظام الحكام ذاته من خلالها، ويصحح سلبياته، ويبتعد عن أية سياسات خاطئة، لا تتوافق مع حقيقة عمل السلطة.

وذلك ما يتفق مع المحظورات التي أتى النص عليها في المادة الرابعة من القانون بقولها: يحظر على المؤسسة الصحفية والوسيلة الإعلامية والموقع الإلكتروني نشر أو بث أي مادة أو إعلان يتعارض محتواه مع أحكام الدستور، أو تدعو إلى مخالفة القانون، أو تخالف الالتزامات الواردة في ميثاق الشرف المهني، أو يخالف النظام العام أو الآداب العامة، أو يحض على التمييز أو العنف أو العنصرية أو الكراهية.

وللمجلس الأعلى، للاعتبارات التي يقتضيها الأمن القومي، أن يمنع مطبوعات أو صحفًا أو مواد إعلامية أو إعلانية صدرت أو جرى بثها من الخارج من الدخول إلى مصر أو التداول أو العرض.

وعلى المجلس أن يمنع تداول المطبوعات أو المواد الإباحية، أو التي تتعرض للأديان والمذاهب الدينية تعرضًا من شأنه تكدير السلم العام، أو التي تحض على التمييز أو العنف أو العنصرية أو الكراهية.

 وأرى أنه إذا تم تفعيل ذلك النص بشكل جيد فسوف يكون لدينا رقابة حقيقية أو غادرة حقيقية، ولكن ذلك لا يستقيم مع ما حدث في حالة رفض إصدار ترخيص موقع فكر تاني، وذلك لكون ذلك المواقع من الصفحات الجادة المعنية بالشأن العام،العام، والتي تقدم مادة تستحق المتابعة.

فهل كان ذلك القرار هو معاقبة على جديتها ؟ أم أنه صدر بغض النظر عن الاعتبارات القانونية أو اللائحية التي تجيز رفض الترخيص، الأمر في حاجة إلى وقفة لتصحيح تلك الأخطاء، ومراجعة السياسات الإدارية المتخذة حيال ممارسة العمل الصحفي وحريات النشر، بداية من لحظة الترخيص، مرورًا بحماية الصحفيين من التنكيل بهم، وحماية المؤسسة الصحفية من التغول السلطوي فيه أنشطتها، ما إلى ذلك من أمور تهدر قيمة حرية الصحافة والإعلام.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى