بروفايل

مارسيل نظمي.. صحفية استثنائية في طرح الموضوعات الإبداعية

 

✨ بطلة هذا الأسبوع، مارسيل نظمي، صحفية استثنائية، شديدة الدقة في تحليل المعلومات، وتفسير المضامين، ليست من أتباع الترند، بل هي من تصنعه، بهدوئها الشديد وذكائها المهني، تقتنص أفكار موضوعاتها، وتعتبر صاحبة زاوية مختلفة، تعمل من خلالها على الطرح والسرد والتفنيد.

 

✨ أكثر ما يميز شخصيتها، الهدوء والتركيز والصمت، ليستتر خلفهم معمل أفكار لا ينضب عن الابتكار الممزوج بالمعايير المهنية والخبرات الإبداعية التي تظهر في موضوعاتها الشيقة، لتتناولها من زوايا غير اعتيادية.

 

✨ أحدثت ضجيجًا في عام 2014، بعد أن قررت جامعة “كوبنهاجن” تدريس فيلمًا تسلجليًا شاركت في إعداده بعنوان “هجرة الجذور” لطلابها.

 

✨ تخرجت مارسيل نظمي، من كلية الآداب قسم الفلسفة عام 2006، وتكمل مسيرتها الآن كباحثة ماجستير في الفلسفة، ولديَها خطة للتخصص في الفلسفة النسوية المعاصرة، وتعمل حاليًا صحفية مستقلة، ومسؤولة إعلامية، وكاتبة في القضايا الجندرية، بمؤسسة المرصد المصري للصحافة والإعلام.

 

 

📌مشاهد في حب الصحافة:

 

✨ هناك 4 مشاهد أو أسباب كانت هي بوابة حب مارسيل وارتباطها بالصحافة منذ الطفولة.

 

✨ المشهد الأول: متابعة والدتها -رحمها الله- لبرنامج إذاعي بعنوان: “من الحياة”، كان البرنامج يتناول قصصًا حدثت بالفعل بشكل درامي، ويناقش بعد الحلقة تفاصيل الواقعة، وكيف كان يمكن تجنب ما آلت إليه الأحداث؛ تقول مارسيل: “كنت أتابع البرنامج بشغف كبير كل أسبوع، وانتظر مقدمته التي أتذكر تأثيرها جيدًا، كان البرنامج يثير خيالي بصوت وأسلوب الممثلين/ات الإذاعيين/ات، وبالموسيقى والمؤثرات الصوتية المرافقة للأداء، من وقع أقدام، وشخللة المفاتيح، وصافرة قطار، وغيرها من تفاصيل جعلتني أتعلق بفكرة الحكايات التي وجدتها في الصحافة فيما بعد”.

 

✨ المشهد “السبب” الثاني يتعلق بمكتبة المدرسة، والتي جمعتها بمارسيل علاقة قوية، تقول في وصفها لها: “كانت جميلة وهادئة، وكانت المشرفة تشدد علينا بتعليمات قبل الدخول، تشير إلى قدسية المكان، وضرورة الحفاظ على كل ركن فيه، وإرجاع كل كرسي أو كتاب إلى مكانه احترامًا لمن يأتي بعدنا”.

 

✨ المشهد الثالث في حياتها، الجرائد اليومية بصحبة والدها -رحمه الله- ومشاركته لها أثناء بحثه عن حلول مسابقات الكلمات المتقاطعة التي كانت طقسًا أساسيًا حاضرًا في طفولتها، كان يخبرها وأخوتها بضرورة إعادة الجريدة إلى شكلها الأصلي بعد قراءة كل موضوع، والتعامل معها كما يليق بما تحويه من موضوعات ذات قيمة.

 

✨ كما كانت لمدارس الأحد بكنيسة مارجرجس هليوبوليس دورًا في تشكيل نشأة مارسيل، من خلال تنظيمها مسابقات تتضمن البحث عن قصة لأحد القديسين/ات، وإعادة تلخيصها أو كتابة أبرز الدروس المستفادة منها، فتحرص على إتمام هذه المسابقة، وعيش تفاصيلها من بحث عن حكايات جديدة، وقراءتها بعناية، ثم تلخيصها بأسلوبها الخاص، وكتابة ما تعلمته.

 

📌خطوات مهنية:

 

✨ تعتبر بداية مارسيل، مع مؤسسة وطني الأسبوعية، والتي تدين بالفضل لها، فهي كانت أكبر من مجرد مؤسسة صحفية، بتقديمها تدريبات منهجية باسم مرحلة “التكوين” تقدمها للطلاب/ات والصحفيين/ات الجدد، تتناول فيها موضوعات عن الفلسفة والفن والسياسة، وتربط التدريبات هذه الفروع بالصحافة والثقافة العامة، من خلال قراءات مستنيرة، وطرح تساؤلات كل مرة لفتح آفاق جديدة في فهم موضوع أو قضية ما.

وبعد مرحلة التدريب، عملت مع نفس الجريدة بأكثر من قسم، منها التحقيقات، والرياضة، والثقافة.

 

✨ تقول مارسيل عن بداياتها في بلاط صاحبة الجلالة: “استقبلني الأستاذ نور قلدس، رئيس قسم الرياضة وقتها، والذي كان يمدني بالكتب، ولا يدخر أي معلومة أو مناقشة تساعدني في المضي قدمًا بعالم الصحافة؛ وفيها أيضًا تعلمت من رئيس التحرير الأستاذ يوسف سيدهم، فهو مدرسة كبيرة، وشخص يمكننا أن نطلق عليه “موسوعي”.

 

✨ تاليًا، كانت محطتها مع جريدة المال، وهي جريدة متخصصة بالبورصة وعالم الأعمال، لكنها تضم في صفحتها الأخيرة قسم للثقافة والفن. تتذكر موضوعات قدمتها وحوارات مع فنانين ونجوم تُنشر في الصفحة الأخيرة بشكل كامل، وفي هذه المرحلة أحبت ما قدمته، وكانت أسرتها ووالدتها بالتحديد تشجعها بجمع كل عدد تكتب فيه ابنتها، وتقرأ الموضوعات بعناية شديدة، لتقدم لها النصائح والملاحظات حولها.

 

✨ ثم جاءت محطة جريدة وموقع البديل، برئاسة الأستاذ خالد البلشي النقيب الحالي للصحفيين، وتعتبرها مارسيل خطوة مهمة جدًا، فقد تعلمت من البلشي الكثير على المستويين الإنساني والمهني قائلة: “لا أنسى عبارته الشهيرة “الإنسان أهم من الخبر”، كان يرددها دائمًا أثناء تغطيتنا لأحداث ثورة 25 يناير، أو ما تلاها من وقائع عنف شهدها الشارع المصري، كان يُلجم حماسنا أو رغبتنا في تغطية أكبر قدر ممكن من الوقائع، وكنت أتذكرها كلما شاهدت اشتباكات أو عنف أحاول أن أحافظ على نفسي بعيدًا عن دوائر الخطر”.

 

✨ على المستوى المهني تقول مارسيل: “البلشي هو من أوكل لي تغطية الملف القبطي والأقليات الدينية في مصر، في وقت كانت فيه اﻷحداث متلاحقة وعاجلة، فكانت ثقته سببًا لتشجيعي ودعمي في المجال بشكل عام والملف بالأخص”.

 

✨ بعد ترك البلشي رئاسة تحرير البديل، تولت مارسيل لفترة قليلة منصب نائب مدير تحرير، بدعم من الأستاذ عصام فضل، لكنها كانت مرحلة مؤثرة لأنها تعلمت فيها متابعة جميع الملفات، لتقترح على الصحفيين/ات موضوعات وأفكار وتناقشها على طاولة التحرير رغم صغر سنها آنذاك.

 

✨ بعد ذلك انتقلت مارسيل للعمل في جريدة البوابة نيوز، برئاسة تحرير الدكتور عبد الرحيم علي، وكانت مسؤولة على مدار عامين عن ملف الأحوال الشخصية للمسيحيين، وكتبت فيه بشكل دوري، تقول: “كنت أقابل الناس وأستمع إلى حكاياتهم مع أزمة الأحوال الشخصية، وكانت تأتي مكالمات من متضررين من القانون يحاولون التواصل معي على أمل إيجاد أي حل بنشر مشاكلهم، فكان ذلك يضع على عاتقي مسؤولية مضاعفة تجاه الناس ومشاكلهم”، هذا بخلاف تغطية أخبار منظمات المجتمع المدني والمرأة.

 

✨ انتقلت مارسيل بقطارها المهني إلى محطة جديدة، وهي العمل بجريدة وموقع الدستور برئاسة تحرير الدكتور محمد الباز، الذي تعلمت من حرفيته وقدرته على خلق أفكار إبداعية، وكان الدستور عام 2016 يضم كتيبة من الصحفيين/ات والكُتاب المبدعين/ات منهم أستاذ أشرف عبد الشافي، صاحب مدرسة مميزة في الكتابة الأدبية المبدعة، والبحث عن الأفكار المختلفة- على حد قولها.

 

✨ وتدرجت في المناصب من محررة إلى رئيسة قسم المرأة، ثم مدققة لغوية “ديسك”.

 

بالتوازي كتبت في عدد من المواقع العربية، ومنها جريدة الحياة اللندنية، وموقع رصيف22، وموقع درج اللبناني، عن ملفات المرأة والجندر والشأن القبطي.

 

📌نجاحات مهنية وتكريمات:

 

✨ أثناء عملها في “البديل” تدربت على صناعة الفيديو والأفلام القصيرة، وأعدت فيلمًا قصيرًا بعنوان: “هجرة الجذور”، عام 2014، وتم الاستعانة به لتدريسه لطلاب/ات الدراسات العليا وقسمي الإعلام واللغة العربية في جامعة كوبنهاجن، ضمن مقرر “الإعلام الديني في مصر والطائفية في العالم العربي”، حيث تصف مارسيل مشاعرها قائلة: “لا أنكر مدى فخري بهذا الأمر، فقد شعرت وقتها أن الصحافة يمكنها أن تكون عابرة للبلاد والثقافات، وأن ما نقدمه مسموع”.

 

✨ كما تعلمت “صحافة الموبايل”، وأعدت فيلمًا قصيرًا بعنوان: “حكايات على ورق التوت”، عن معاناة ٣ فتيات من مصر في الشارع والعمل، وشاركت به في مهرجان سينما الموبايل في نسخته الأولى عام 2015، من مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية (أكت)، وحصل على شهادة تكريم بالمركز الثالث.

 

✨ في 2017، أصدرت مجموعة قصصية بعنوان “عايزة اتطلق” بمشاركة الناقدة الفنية دعاء حلمي، تناولت فيها حكايات نساء مع إشكالية الأحوال الشخصية، في صورة قصص قصيرة، وتم شراء الكتاب من قبل شركة صادق الصباح للإنتاج الفني والدرامي لتحويله إلى عمل درامي.

 

✨كل هذه الخطوات وغيرها ساعدتها على استكمال رحلة التدريب في مجالات عدة سواء ذات صلة بالصحافة أو بعيدة عنها، مثل حصولها على منحة ورشة كتابة “من الأدب إلى الشاشة” المدعومة من السفارة الأمريكية بالقاهرة، وورشة على كتابة السيناريو الاحترافي مع السيناريست هشام هلال، وحصولها مؤخرًا على زمالة صحافة الحوار في نسخته الثانية، المدعومة من مركز الحوار العالمي بين الأديان “كايسيد”، وورشة شديدة الخصوصية والتفرد بعنوان “طعم الكلام”، والتي تربط بين الكتابة وأنثروبولوجيا الطعام للأديبة رانيا هلال.

 

📌مواقف لا تنسى:

 

✨ طالما تجود علينا الصحافة بالكثير من المواقف المهنية والإنسانية لا تنسى، وهناك مواقف تعتبرها مارسيل بمثابة تكريمات لا تقل أهمية عن أي جائزة صحفية، ومنها أن دكتورة جامعية من الأردن أخبرتها بتقديم مقالاتها لطلابها/ طالباتها كنموذج على التعايش السلمي بين الأديان، كما قُدمت تجربتها في الدستور بقسم المرأة في التدريبات الخاصة بمراعاة اللغة الجندرية كنموذج على الصحافة المراعية للنوع الاجتماعي، هذا بخلاف النقاشات التي تدور حول الكثير من كتابتها على موقع رصيف22، مثل تحقيق: “الخير للرجال و”البواقي” للنساء.. التمييز يصل إلى موائد رمضان”، أو تقرير: “كنائس في المنازل.. التاريخ الطائفي يلاحق حق المسيحيين المصريين في مصر”، وتقرير بعنوان: “الأصفر لليهود والأسود للمسيحيين.. أزياء فرضها “خلفاء” على غير المسلمين/ات في مصر”.

 

✨ كانت مع نشر هذه الموضوعات وغيرها تتلقى رسائل من أشخاص لا تربطهم بها أي صلة من مصر أو من البلاد العربية، تقول: “طالما كانت الرسائل غاية في العذوبة، مثل أن يقول أحدهم/ن المقالة غيرت أفكاري، أو كلماتك أثرت فيَ”.

 

📌موضوعات تركت أثرًا:

 

✨ تقول مارسيل: “هناك موضوعات تترك تأثيرًا كبيرًا، وتغير الصحفي/ة خلال مسيرته/ا، ولعل أبرزها تلك التي قمت بتغطيتها عام 2013، خلال أحداث حرق الكنائس في مصر بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة، فلن أنسى مثلًا شكل كنائس المنيا، ورائحة الدخان، وصوت أصحاب المحال والسكان المُنهزم، كما لم أنسَ أحداث كنيسة العذراء بالوراق عام 2013، بعدما هاجم مسلحون مدعوين بحفل زفاف بالكنيسة، وصوت البكاء ومشاهد النعوش، كنت وقتها أبكي مع الناس ثم أسرع لإنجاز التقرير الصحفي المطلوب”.

 

✨ تتذكر أيضًا تقارير وتحقيقات صنعتها بعد سفرها لأكثر من محافظة ومكان في مصر تضرر بعد هذه الأحداث، مثل تقرير مصور عن أول حفل زفاف بكنيسة الأنبا موسى في المنيا بعد أن تعرضت لحريق في أغسطس 2013، وكيف امتزجت دموع المعازيم بالزغاريد، واستقبال العروسين على ركام الكنيسة ورائحة الدخان”.

 

✨ تضيف مارسيل: “هناك حوارات وفيتشرات صنعتها كانت بمثابة فاتحة خير على أصحابها، أو كانت بداية لتسليط الضوء على حكايتهم، مثل حواري مع الدكتورة شيماء عبد الواحد أبو زيد، بعنوان: “أول مصرية تعمل بمركز “سيرن” للأبحاث النووية: رفضونى فى “أنشاص” بحجة أننى أنثى”، تناولت فيه الصعوبات التي تواجه النساء في مصر العاملات بهذا المجال الشاق الذي كان حكرًا على الرجال، إلى أن جاءت شيماء وأجريت معها أول حوار إعلامي، سلطت فيه الضوء على حكايتها، ثم انتبهت لها الصحف والقنوات بعد ذلك، كما كتبت عن أول ذواقة مصري، قصة بعنوان: “عمرو حلمى.. أول ناقد طعام: أروِّج لـ«مطبخنا الوطنى» عن طريق «نادى الذوّاقة»، أو بائعة على عربة تين شوكي، وشاب مصاب بإعاقة حركية يكتب بلسانه في التاريخ والعلوم، وصانعة حُلي من الورق وإعادة تدوير خامات في البيئة، وغيرها الكثير من الحكايات التي كان أبطالها أشخاص عاديون لكنهم مبدعون وأصحاب/صاحبات حكاية لا بد وأن تُحكى”.

 

📌تحديات وطموحات:

 

✨ تصف مارسيل الوضع المهني للصحافة الآن، قائلة: “المهنة في الوقت الحالي تغيرت كثيرًا عما كانت عليه، سواء على مستوى انخفاض سقف الحريات والموضوعات المتاح الكتابة عنها، أو على مستوى التطور المتلاحق الذي تشهده صناعة الإعلام، ومع ذلك فالصحافة مهنة لا تتوقف، يمكن أن تمر بكبوة لكن سرعان ما تفيق عنها، لكن بالنسبة لي التدريب والتعلم هما أهم ما يمكن للصحفي/ة فعله.. التدريب على كل فرع من فروع المعرفة، فالجميع صغار أمام المعلومة الجديدة”.

 

✨ أخيرًا.. تطمح مارسيل في الفترة المقبلة الانتهاء من مشروع زمالة الصحافة للحوار، وهو مادة مرئية تبرز التنوع الديني في مصر، كما تحلم أيضًا بالاستمرار في الدراسة الأكاديمية، والتوسع في التدريب على قضايا النوع الاجتماعي والصحافة النسوية، وأن تنتهي من كتابة كتاب يرصد شكل المجتمع المصري من خلال الأزياء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى