مايكل فارس.. صحفي مبدع في إعلام الحوار
انجذب إلى علم النفس والفلسفة والتاريخ، وكان نهمًا في قراءة الكثير منها مثل فلسفة الأخلاق لديفيد هيوم، وسبينوزا، وعشرات من كتب التاريخ والأديان مثل قصة الحضارة لـ ول ديورانت، ونيتشه، وفراس السواح، خاصة فيما يتعلق بالجدال حول الثوابت الدينية والتاريخية. مثل كتاب حين كنا عربًا للكاتب الأسباني إميليو غونثالث. ومن هذا المخزون الفكري وجد الصحفي مايكل فارس ضالته في بلاط صاحبة الجلالة التي تقدم مساحة رحبة للجمع بين الفكر والإبداع.
صحفي اليوم في سطور:
مايكل فارس خريج آداب إعلام شعبة صحافة جامعة سوهاج 2006، وحاصل على ماجستير “الإعلام الرقمي والأمن المعلوماتي” من كلية الإعلام جامعة القاهرة 2023، وأيضا دبلوم “مفاوضات دولية” بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة 2013، وزمالة “صحافة الحوار بين أتباع الديانات والثقافات، من المركز العالمي للحوار “كايسيد”، وخريج شبكة المسؤولية الاجتماعية الدينية، التابعة لمؤسسة أديان 2023.
كما درس خلال السنوات الماضية سواء في ماجستير الإعلام الرقمي أو كورسات متخصصة، أدوات وتقنيات تحليل الصور ومقاطع الفيديو لكشف الزائف والمفبرك والكاذب منها، والملفات التفاعلية، والسرد القصصي الرقمي.
اهتمامات مبكرة:
كانت اهتمام مايكل خلال دراسة الصحافة في الكلية القراءة في علم النفس، وكان يستعير من أحد أقربائه كتب المناهج الدراسية في آداب علم نفس، وبعد التخرج حرص على قراءة عشرات الكتب لـ سيجموند فرويد وفيكتور إيمل فرانكل، الأمر الذي دفعه للالتحاق بدبلومة في البرمجة اللغوية العصبية، ووجد شغفًا في قراءة الفلسفة، خاصة فيما يتعلق بالجدال حول الثوابت الدينية والتاريخية، يذكر منها كتاب “العرب لم يغزو الأندلس”، الذي يضع نظريات مغايرة تماما عن ما تربى عليه المسيحيين والمسلمين على حد سواء في المشرق، ويفتح ثغرات تاريخية حول انتشار الإسلام ليس في الأندلس بل المشرق أيضا معتمدا على علم المسكوكات والمخطوطات والآثار، وأحد الكتب التي تركت أثرًا في طريقة تفكيره “دين الفطرة” لـ”جان جاك روسو”، خاصة فيما يتعلق بأزمة الضمير والشعور الفطري السابق للتفكير، وكذلك علم الاجتماع وطريقة التعاطي الفرد مع بيئته وكيفية تأثيرها على تفكيره وسلوكه.
يقول لـ”المرصد”: “حين قرر تأليف كتاب “إعلام الكراهية.. آليات تغطية نزاعات الهوية”، والذى يعد تأصيلًا عمليًا وعلميًا لتغطية نزاعات الهُوِيَّة الدينية والعرقية والإثنية، لتفهم وإدراك الأخطاء التي يقع بها الصحفيون والإعلاميون خلال تغطية الأزمات عمومًا والنزعات المبنية على الهُوِيَّة على الأخص، كان من ضمن أهدافي وضع علوم الفلسفة والاجتماع والمنطق، وعلم النفس خاصة التحيزات المعرفية، كمدخلات جديدة لفهم العمل الإعلامي والصحفي، وأن تعمل معًا كدراسات بينية لسد الثغرات في الدراسات الإعلامية، لتشكيل خريطة إدراكية تمكن الإعلامي والصحفي من فهم طبيعة العمل بما فيها دراسة نفسه وكيف يفكر في الآخر ، وأبرز المغالطات المنطقية التي نقع بها خلال عملنا الصحفي”.
فيما اتخذ السنوات الماضية مسارًا جديدًا في التدريبات الصحفية، حيث عمل مدربًا في مجال مواجهة خطابات الكراهية والمسؤولية الدينية الاجتماعية، وقدم تدريبات للعشرات من الصحفيين والإعلاميين والحقوقيين/ات في العراق ولبنان واليمن والسودان، حول آلية مواجه خطابات الكراهية في الإعلام.
بداية حب الصحافة
كغيره من مواليد الثمانينات كان مايكل عاشقًا لكرتون سلاحف النينجا، وطالما أحب شخصية مايكل أنجلو والصحفية أيبريل، لم يكن يعرف الفروق في التخصصات الإعلامية، ولكن جذبه طبيعة عملها ووجودها الدائم بالأحداث.
في مرحلة الابتدائي والإعدادي، كان والداه مهتمان جدًا بدراسته هو وأخيه، وكان واجب “الخط” في الإجازات، شبه إجباري، فأحضرا للطفلين مئات من كراسات الخط العربي النسخ والرقعة لتعلمه كواجب يومي، وتعلما سويًا تشكيل الخط العربي بفنونه، حتى وصلا في مرحلة الابتدائي إلى مستوى جيد جدا من إتقان الخط الكوفي، هذا جنبًا إلى جنب قراءة روايات مصر للجيب القديمة، و سلسلة الرجل المستحيل، الأمر الذي رسخ فكرة القراءة في ذهن مايكل، وجعله الأول على دفعته في المدرسة بالمراحل الابتدائية والإعدادية.
أما في مرحلة الثانوية العامة، كان يتوجه في حصة الألعاب للمكتبة لقرأة الكتب، واطلع على كتابات مصطفى محمود، واينشتاين ونظريته في النسبية، وروايات المستحيل والعنكبوت.
ثم سافر الكويت لزيارة والده في الصف الثالث الثانوي، ولكسر حالة الملل من البقاء في المنزل لساعات طويلة، طلب من والده أن يعمل في النقاشة لمدة شهر، حتى اختلف مع مواطن كويتي لاعتقاده أن المصريين يدفعون أبنائهم للامتهان بوظائف في سن مبكر، وأصر مايكل وقتها على تعريف الرجل بقيمة مصر، وأنه أراد خوض تجربة العمل برغبته دون أن يكن مجبورًا، ومن هذا الموقف شعر مايكل بضرورة العمل في مهنة يستطيع من خلالها تقديم صورة جيدة عن بلده، فكان اختياره للصحافة.
وفي مرحلة الكلية كان معلمًا في مدارس الأحد، فرأى فيها نفسه كإعلامي صغير، يمكن أن ينقل رسالة للأطفال بشكل مبسط عن أبجديات الإيمان بما في ذلك الإعداد والتحضير للدروس.
لينطلق مايكل في مهنة الصحافة منذ عام 2003 أثناء الدراسة في جامعة سوهاج، من خلال مجلات الجامعة والجرائد الإقليمية بالمحافظة، وكان أول حوار صحفي في تلك الفترة مع اللواء عادل لبيب محافظ قنا آنذاك.
وبعد التخرج، كنت عاشقًا لجريدة الوفد والعديد من كُتابها، يقول: “كان ذلك بسبب ابن خالتي “إفرايم”، الذي كان يحب هذه الجريدة ويشتريها بشكل منتظم، فبدأت متابعتها وأحببت كتابها”.
التنقل بين المؤسسات الصحفية:
عمل مايكل بجريدة “اليوم السابع” المصرية، وقبلها صحفي بالدستور وصوت الأمة، والمصداقية وحقوق الإنسان، وعدد من المواقع الإلكترونية، مثل موقع أخبار ميتر ، كمقيم للأخبار الصحفية، من حيث الاحترافية والمصداقية وحقوق الإنسان، وموقع الأقباط متحدون، وقدم بها في عام 2011 برنامج أون لاين تحت عنوان “وطن بالمهجر”، والذى يتناول قضايا المصريين بالخارج، وأيضًا جريدة جورنال مصر، وموقع كايرو دار وانفراد، ودوت مصر، وعدد من المواقع الإقليمية مثل رصيف 22 والمتوسط الليبي، والساعة 24، وكذلك عمل بالعديد من القنوات الفضائية سابقًا، مثل غرفة الأخبار News room بقناة ON live، ورئيس تحرير برنامج “كتابي الأزرق” على قناة LTC، ومدير تحرير برنامج “العائلة المقدسة”، على قناة الفراعين عام مايو 2010.
وخلال رحلته الصحفية كانت أسرة مايكل تقدم الداعم والسند، خاصة في ظل الكبوات والأزمات المالية التي كانت تطل بين الحين والآخر في حياته، يتذكر: “بحث معي والدي حين تخرجت من الجامعة عام 2006 عن فرص بالجرائد، ولم يترك شخصًا عرفه إلا وتواصل معه، وكان هو ووالدتي ظهرًا وسندًا طوال حياتي حتى الآن، ولم يبخلا بأي دعم خاصة المالي في السنوات العجاف التي طالت”.
موضوعات وتقارير فارقة:
عمل مايكل خلال سنوات عدة في الملفات الخارجية، خاصة في علاقة مصر بالمحيط العربي والإقليمي والدولي وقد أجرى خلالها حوارًا مع جورج سوريال، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقائد حملته الانتخابية عام 2016، وكذلك السياسة الداخلية والبرلمان، وسنوات طويلة وهي الأغلب في تغطية الملف الكنسي.
كما قام بتغطية أحداث متنوعة على مدار سنوات، الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2016 والرئاسية المصرية والبرلمانية، والانتخابات البابوية عام 2012 للكنيسة الأرثوذكسية عقب وفاة البابا شنودة الثالث، وكذلك الانتخابات البطريركية للكنيسة الكاثوليكية، ونظيرتهما الإنجيلية، وملفات سياسية متنوعة خاصة أزمة مقاطعة الرباعي العربي لقطر.
تحديات مهنية:
بعض الموضوعات قرر مايكل نشرها لإيمانه بحق الجمهور في المعرفة، وكان لها ثمنًا كبيرًا من الخسارات، ويشرح ذلك قائلًا: “العمل الصحفي والإعلامي عمومًا يتعامل البعض فيه بمبدأ “الشللية”، الانتماء لجهة ما لتكون داعمة لشخص، وكنت قد قررت منذ تخرجي من الكلية الحفاظ على استقلاليتي الكاملة في اتخاذ القرارات، وألا أكون تابعًا لأحد شخصًا أو جهة، الأمر الذى وضع تحديات أدفع ثمنها إلى الآن، وقد وضعت في اختبار عملي في ذلك عام 2012 عندما قررت نشر تقرير لجنة الطعون بالانتخابات البابوية بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وكانت تضم رهبانًا وأساقفة وآراخنة، بسبب مخالفات إيمانية ومالية وإدارية، ومن بينهم مصادري الخاصة، فكان السؤال هل أنشر التقرير وأحذف منه أسماء مصادري للحفاظ على علاقتي بهم، أم أنشر ه كاملًا، فقررت النشر الكامل بما فيه فك الرموز لأسماء مصادري، ونتيجة لذلك حصلت قطيعة كبرى بيني وبينهم لسنوات، وتكرر ذلك مع الكنيسة الكاثوليكية، فعلمت من مصادري أنه تم الاتفاق في اجتماع مغلق على اختيار اسم بالتذكية سيخوض انتخابات هامة، وأن باقي المرشحين سيخوضون معه السباق الانتخابي شكلًا، فقررت نشر وإعلان اسم الفائز قبيل انعقاد الانتخابات من الأساس، ونتيجة لذلك حدثت قطيعة أيضًا مع قياداتها لفترة طويلة”.
أما التحدي الأكبر يراه مايكل في طريقة تفكيره الرافضة للاندماج مع بيئة عمل غير صحية، ومواقفه الصدامية أحيانًا لرفضه التام للتعامل معه بشكل غير لائق، الأمر الذي انعكس على مسيرته المهنية فكانت تمر سنوات يتم استثنائه من الزيادة في المرتبات أو التصعيد المهني، أو حتى الإيقاف عن العمل، ورغم هذا، يتوقف عن التقدم للأمام، ففي ظل تلك الصعوبات قام بدراسة دبلومة وماجستير وتأليف كتاب حمل اسمه، وزمالة صحفية متخصصة في الحوار بين أتباع الأديان.
طموحات مستقبلية:
كما كانت رحلة مايكل مختلفة فطموحه أيضًا كذلك، فهو يحلم بأن يصل لمستوى وعمق تفكير الكاتب والمفكر والفيلسوف نعوم تشوميسكي، وأن يكون قادرَا على إصدار العشرات من الكتب التي تحمل أفكاره بنهج يضع محاور علم النفس والمنطق والفلسفة والتاريخ في طياتها.