بروفايلسلايدر رئيسي

محمد الأسواني: صانع صحافة فنية بلا نميمة

محمد الأسواني: صانع صحافة فنية بلا نميمة

 

من بين شوارع أسوان ودفء تفاصيلها الصغيرة، بدأت حكاية محمد الأسواني مع الصحافة. وُلد شغفه بالكلمة المطبوعة منذ الطفولة، حين كانت الجرائد والمجلات إحدى أهم وسائله للمتعة والتعرّف على العالم. كان يحتفظ بالأعداد، يقارن بين الإصدارات، ويدوّن ملاحظاته الصغيرة على التغطيات المختلفة، قبل أن يجد ضالته في تجربة “جريدة الدستور” في ذروتها، والتي كانت بوصلته نحو عالم الصحافة المستقلّة ذات النفس المختلف.

البدايات:

تخرّج محمد من كلية الإعلام، جامعة القاهرة، قسم الصحافة، عام 2012، وبدأ مسيرته المهنية مباشرة بعد التخرج، ليعمل محررًا في عدد من المؤسسات الصحفية المصرية والعربية. حالياً، يشغل موقع محرر في قسم الفن والترفيه بمجلة “هي”، إلى جانب عمله ككاتب صحفي حر في منصات بارزة مثل “مدى مصر”، “العربي الجديد”، و”خط 30”.

بدايته المهنية الحقيقية كانت مع مشروع تخرجه، حيث نال هو وزملاؤه المركز الأول عن مجلة فنية ركزت على الفنون المهمشة إعلاميًا. شكل هذا المشروع دافعًا حقيقيًا له للاستمرار في الصحافة الفنية، ذلك المجال الذي لطالما استهواه.

محطات مهنية:

عمل محمد في عدد من الصحف اليومية والأسبوعية، منها جريدة “الفجر” الأسبوعي (2012)، “التحرير” اليومي (2013)، ثم “البوابة” و”الوطن” خلال عامي 2014 و2015. وبعدها اتجه إلى الصحافة التحليلية والكتابة المتعمقة عبر عدد من المنصات مثل “المقال”، “رصيف 22″، و”في الفن”، وغيرها.

الدعم الأسري وإبداع مهني:

على الرغم من أن أسرته لم تكن على دراية كبيرة بتفاصيل العمل الصحفي، فإنها دعّمته وتركته يختار طريقه، بل وسمحت له بالانتقال من أسوان إلى القاهرة من أجل تحقيق حلمه. وفي العاصمة، كان دعم أصدقائه في الكلية عاملاً حاسمًا في تأقلمه مع الحياة الجديدة وبداية مشواره المهني.

ورغم عدم حصوله على تكريمات أو جوائز رسمية، إلا أن محمد يُعد من أبرز الصحفيين المتخصصين في تغطية قضايا الفن في المنطقة العربية، خاصة صناعة الموسيقى، السينما، والمسلسلات. كتب تحقيقات وتحليلات معمّقة لاقت صدى كبيراً، خصوصاً تلك التي تطرقت إلى قيود نقابة الموسيقيين، وأخرى عن الرقابة على المصنفات الفنية، أو عن سياسة الاحتكار في صناعة الدراما والسينما في مصر.

يتحدث للمرصد عن أكثر الموضوعات التي أثّرت فيه شخصياً كانت تلك التي تناولت قضايا تمس الحريات الفنية، حيث وجد فيها مساحة للتذكير بأهمية الصحافة ودورها في الدفاع عن الفن كحق أساسي. من أبرز هذه الأعمال تحقيقه “من الرقابة إلى النقابة.. رحلة الإنتاج الموسيقي والحفلات في مصر”، وتحليلاته حول مسيرة فنانين مثل عمرو دياب وشيرين عبد الوهاب في “مدى مصر”. كما قدّم دراسات معمقة عن صناعة الموسيقى في زمن كورونا، من خلال مقالات مثل “تيك توك وصناعة الموسيقى”، و”الأغنية الشعبية المنسية في زمن كورونا”.

شخصيات نموذج وتحديات:

تحديات عديدة واجهها محمد طوال مسيرته، أبرزها الأزمات البنيوية في الصحافة المصرية، من ضعف الاستقرار في المؤسسات إلى غياب الحريات، إلى جانب النظرة النمطية للصحافة الفنية على أنها مجرد “ترفيه” أو “نميمة”.

يقول: “في ظل تصاعد هيمنة التريند والسطحية، كان واجبي أن أثبت وجودي كصحفي فني جاد يسعى لتقديم محتوى تحليلي ومختلف خارج هذا الإطار”.

من أكثر الشخصيات تأثيراً في حياته المهنية كان الكاتب والروائي أحمد ناجي، الذي شكّل مفترق طرق مهم في رؤيته للفن والصحافة، خاصة من خلال مقالين نشرا في “أخبار الأدب”: “يحيا الفن الزائل”، و”حراس البهجة”. كانت هذه المقالات دافعاً له ليتعرف على ناجي أثناء مشروع تخرجه، ثم يعمل معه لاحقاً في “رصيف 22″، حيث تعلّم منه الكثير حول الصحافة الفنية التحليلية

طموحات مستقبلية:

في الوقت الحالي، يركز محمد الأسواني اهتمامه الكامل على ملف صناعة الموسيقى، خصوصاً تحوّلاتها الرقمية في الشرق الأوسط والعالم. ومن أبرز إنجازاته في هذا السياق إطلاقه لبودكاست صوتي بعنوان “طربانة” عام 2022، قدّم فيه حلقات خاصة تناولت تحوّلات الصناعة الموسيقية وتأثير التكنولوجيا عليها.

يأمل محمد في السنوات المقبلة أن يحقق توازناً بين تقديم صحافة فنية جادة وتحليلية يمكنها الصمود زمنياً، وبين مواكبة الوسائط الرقمية الحديثة مثل “يوتيوب” و”تيك توك”، وهو يبحث الآن عن الصيغة المناسبة التي تمكّنه من نقل اهتمامه الصحفي إلى المحتوى المرئي والمسموع.

أما عن رسالته للجيل الجديد من الصحفيين والصحفيات، فهي أن الصحافة مساحة مفتوحة للمغامرة والاكتشاف، ويمكن للفرد اليوم أن يصنع مشروعه الصحفي المستقل دون الاعتماد الكامل على المؤسسات. ينصحهم بالتركيز على ما يثير فضولهم ويحفّزهم، وأن يقدّموا محتواهم الخاص بأسلوبهم، مع الحفاظ على الثقة في المهنة وأخلاقياتها، والأهم، احترام الجمهور أيّاً كانت نسبته، لأن التأثير الحقيقي لا يُقاس بعدد، بل بعمق الأثر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى