بروفايل

“محمد عبد اللطيف” رائد فن الكاريكاتير.. يجسد أصعب القضايا بحس فكاهي

 

“محمد عبد اللطيف” رائد فن الكريكاتير.. يجسد أصعب القضايا بحس فكاهي

بطل هذا الأسبوع أحد رواد فن الكاريكاتير في مصر، لديه تاريخ مهني حافل بالإنجازات، تنطلق رسوماته من فكرة “القضية”، بفلسفة مفادها لا صحفي بلا قضية ودافع حقيقي يحركه، يتبع مدرسة السهل الممتنع في جميع أعماله التي تتسم بالمواقف الواضحة، والفكرة الذكية، مع لمحة فكاهة يصعب التغافل عنها، هو رسام الكاريكاتير الكبير محمد عبد اللطيف.

 

 

من الهندسة الزراعية إلى الصحافة

 

رسام الكاريكاتير محمد عبد اللطيف من مواليد المنصورة، عام 1957، وتخرج من كلية الزراعة، وعمل مهندسًا بالإصلاح الزراعي حتى ترقي لمنصب – قبل أن يقدم استقالته مغامرًا باستقراره المهني من أجل الصحافة.

في بداية عمله الصحفي تنقل بين عدد أقسام التحقيقات، والحوادث، والأخبار، قبل أن يستقر على العمل بفن الكاريكاتير ويشغل منصب رئيس قسم سابقًا في جريدة اليوم السابع.

 

ويحكي عبد اللطيف للمرصد عن بداية حبه للصحافة، يقول: “كانت الجامعة مكانًا مشجعًا على إطلاق المواهب من شعر وكتابة وتمثيل، وكانت صحافة الحائط وسيلتي للكتابة والتعبير، وكنت وقتها مهتم بالعمل العام والسياسة ومن أبرز أصدقائي المقربين الكاتب الصحفي عبد الحليم قنديل”.

ويتابع: “بعد تخرجي وعملي بالهندسة الزراعية، ظل حب الصحافة باقيًا معي حتى راسلت العديد من الجرائد والمجلات ومن بينها المعارضة المتاحة وقتها مثل جريدة العربي الناصري، وجريدة الجيل، والموقف العربي، أما رسم الكاريكاتير فكان حبيس أدراجي ولم أطلع عليه إلا الأصدقاء المقربين الذين نصحوني بالاستمرار في هذا الفن قبل الصحافة”.

ورغم نصائح الأصدقاء، ظل عبد اللطيف منجذبًا أكثر للكتابة الصحفية، وتاليًا الرسم، إلى أن بدأت أعماله تلقى الاستحسان، ويطلب منه رسومات بشكل منتظم، فكانت البداية مع جريدة الجيل التابعة لحزب الجيل، ليرسم فيها أسبوعيًا يقول: “صدقت حدسي في حب الكاريكاتير، ثم قررت استكمال الطريق”.

تعاون عبد اللطيف خلال مسيرته المهنية مع جرائد الكرامة، والعربي الناصري، إلى أن خاض تجربة جديدة مع جريدة البديل برئاسة تحرير مؤسسها دكتور محمد السيد سعيد، ليكون ضمن فريق من المبدعين والصحفيين في أول تجربة لجريدة يسارية تصدر بشكل يومي؛ يصف هذه الفترة: “كانت تجربة غاية في النجاح والتأثير الاجتماعي والسياسي، وكان دكتور محمد السيد دائم الإشادة بأعمالي، ما شجعني على تكريس طاقتي للإبداع والرسم مع الجريدة”، إلى أن أطلقت موقعها الإلكتروني مستهدفة بالانتشار بين جيل جديد من الشباب”.

لحق عبد اللطيف بهذه المؤسسة في نجاحاتها من خلال تقديم سلسلة رسومات لمناقشة قضايا في مصر، أثارت وقتها ضجة كبيرة بخلقه لشخصيات كاريكاتورية جديدة منها الأسطى تحسين الصنايعي المحترف في تحويل السلبي لشيء إيجابي.

يحكي بشيء من التفصيل عن هذه المرحلة: “استمر عملي مع مؤسسة البديل عامين فقط، لكن فجرت عندي إبداعات جعلتني في مصاف المعروفين والمشاهير لرسامين الكاريكاتير في مصر وخارج مصر.. وهي فترة لن أنساها”.

أما الجريدة التي استقر بها العدد الأكبر من السنوات كانت جريدة اليوم السابع، وعمل بها من عام 2009 إلى 2019، وترأس فيها قسم الكاريكاتير بمجموعة من الشباب يذكر منهم أحمد خلف، وأحمد قاعود، وعبد الله، وتولى مسؤولية إصدار صفحة أسبوعية، وفتح المجال للشباب المهتمين برسم الكاريكاتير، وتبني أعمالهم.

الرسم من الصغر:

بدأ اهتمام عبد اللطيف بالرسم في سن مبكرة بدعم من والدته ووالده، يرسم ويلون طوال النهار، يقول: “كانت أول رسوماتي الحقيقية إلى أيقونة جيلي الرئيس جمال عبد الناصر، ونالت استحسان كل من أعرفه”.

الكاريكاتير والقضية:

يرى محمد عبد اللطيف أن الكاريكاتير فن شاق، وصاحبه لا يختاره لكن “نداهته” هي من تختار أصحابها، لأنه فن يحتاج موقف اجتماعي وسياسي واضح وقاطع، بجانب اطلاع و ثقافة كبيرة ومتابعات وقدرة على التلخيص، يشرح ذلك: “حتى مع كتابة تعليق على الكاريكاتير فيما يعرف بـ “البلونة” لا بد وأن تتسم بالتفسير العميق للفكرة في أقل عدد ممكن من الكلمات”.

ويؤمن أيضًا أن الكاريكاتير يحتاج إلى عين ساخرة، وتفكير نقدي لكل القضايا المحيطة، يقول: “أن يعيش الإنسان حاملًا كل هذه التناقضات من اطلاع ونقد وسخرية فهو أمر شديد الصعوبة”.

مواقف لا تنسى:

مر عبد اللطيف بالعديد من المواقف المؤثرة، يذكر منها دعم أسرته حتى في الوقت الذي غامر فيه باستقراره الوظيفي والتضحية بمنصبه الحكومي كوكيل عام في وزراة الزراعة ليتبع حلمه والعمل بالكاريكاتير، يقول: “زوجتي أيضًا لها دور كبير في دعمي، فكانت تدفعني لاتباع ما أحبه أي ما تكون العقبات”.

ومع الوقت أصبح عمله كرسام كاريكاتير جزءًا من كافة الأحداث والتغيرات السياسية في مصر، ومنها ثورتي الخامس والعشرين من يناير و30 يونيو، يقول: “أحرص دائمًا على أن يكون الكاريكاتير بطلًا للعمل، ومعبرًا عن موقفي السياسي والفكري، ففي ثورة يونيو كنت منحازًا بشكل واضح للدولة في حربها ضد التطرف والإرهاب، وبعد الثورة أيضًا لا زلت أرسم ضد الإجراءات القمعية والتضييقات على الحريات السياسية والاجتماعية، وحبس الصحفيين، وكلها قضايا أعتبرها جزءًا من انحيازي لهوية مصر التي تحترم الحريات وتعطي مساحة لها حتى في أشد الأزمات”.

ورغم مروره بتجربة السجن بسبب مشاركته في أحداث ثورة 25 يناير، لكنه خرج أقوى وأكثر حماسًا للعمل باحترافية تجمع بين الموقف والنكتة.

المهنة في خطر:

يرى رسام الكاريكاتير محمد عبد اللطيف أنه بسبب المناخ العام من تضييق شديد على مجال الصحافة لم يعد الكاريكاتير يفرز وجوهًا جديدة، يقول: “مع ذلك فمن يحب هذا الفن أقول له لا بد وأن تكون لديك قضية تدافع عنها، ولديك حس الطرافة وخفة الظل مثل المصريين”.

ويختتم عبد اللطيف حديثه قائلًا: “رغم الأحداث الجسام التي يمر بها هذا الفن، لكن قدرتي على العطاء والعمل هما أعظم تكريم”، بينما لم يهتم بفكرة الجوائز الصحفية، لكنه يعتبر انتشار أعماله في مصر والدول العربية والأوربية أيضًا الجائزة الحقيقة له، يقول: “لم ولن أتقدم لنيل أي جائزة صحفية، فكلما أخبرني أحد الأصدقاء بانتشار أعمالي في بلد ما أعتبرها جائزة، وكلما سمعت كلمة إطراء طيبة من أحد المتابعين أعتبرها وسامًا على صدري لا أرغب في شيء دونه”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى