التقارير الإعلامية

مناقشة قانون الإجراءات.. وحريات الرأي والنشر التعبير

عاود مجلس النواب منذ بداية الأسبوع الماضي مناقشة مشروع قانون الإجراءات الجنائية، وذلك بعد أن أودعت لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية ولجنة حقوق الإنسان تقريرها حول هذا القانون

 

 وبعد ما ساد المجتمع المصري حالة من الاحتجاج حول نصوص هذا القانون، لما به من مواد تميل نحو مصادرة الحقوق والحريات في العديد من مواده، وقد صدر في ذلك العديد من الدراسات والأوراق البحثية من جهات العمل الحقوقي والنقابات، والتي كان أهمها في شأن حرية الرأي والتعبير، ما أوردته نقابة الصحفيين في مذكرة اعتراضها على نصوص القانون، بعد أن عقدت جلسات نقاشية ومؤتمرًا مخصصًا لهذا القانون.

 

ولكن بمطالعة ما جاء بتقرير اللجان الثلاثة المشترك، والمصاحب للمشروع الذي تتم مناقشته حاليًا في أروقة مجلس النواب نجد أنه قد أقر معظم مواد القانون كما جاءت في المشروع، مع وجود بعض التعديلات الطفيفة بشكل عام، أما الجديد فيما يتعلق بحرية الرأي وممارستها، فقد أوصت اللجنة المشتركة على حذف المادة 267 من مشروع القانون، وهي تلك المادة التي كانت قبل حذفها تمنع نشر أخبار أو معلومات أو مناقشات عن وقائع الجلسات، كما كانت تحظر تناول أي بيانات أو معلومات تتعلق بالقضاة أو أعضاء النيابة أو الشهود أو المتهمين عند نظر المحكمة لأي من الجرائم المنصوص عليها بقانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015.

 

وقد يظن البعض أن ذلك الحذف جاء استجابة لمطالب نقابة الصحفيين، وفقًا لما أوردته بمذكرتها التي قدمتها إلى مجلس النواب، ولكن في حقيقة الأمر فإنه بمطالعة نصوص قانون الإرهاب رقم 94 لسنة 2015 وما طرأ عليه من تعديلات، فإننا نجد أن نص المادة 36 من ذلك القانون تقوم بما كانت ستقوم به المادة 267 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية، والموصى بحذفها، وذلك إذ أن مادة قانون مكافحة الإرهاب تنص على: “يحظر تصوير أو تسجيل أو بث أو عرض أية وقائع من جلسات المحاكمة في الجرائم الإرهابية إلا بإذن من رئيس المحكمة المختصة، ويُعاقب بغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه كل من خالف هذا الحظر. وهو الأمر الذي يعني من أن وجود مادة قانون الإجراءات الجنائية لا يمكن اعتباره إلا تأكيدًا لنص قانون مكافحة الإرهاب”.

 

وهذا الأمر يؤكد على أن الحكومة صاحبة مشروع قانون الإجراءات الجنائية، لم تستجب للمطالبات المجتمعية أو لما أبدي على مشروع قانون الإجراءات الجنائية من أوجه اعتراض، أو من مثالب تعوق الحقوق أو الحريات، وهو ما يعني أن به الكثير من التعارضات الدستورية.

لكن المدهش والمثير في أمر المشروع بعد إقراره من اللجنة الثلاثية هو ما ورد في متن تقرير اللجنة من أن مشروع القانون المعروض جاء متوافقًا مع الدستور، حيث أنه راعى الإبقاء على جميع الضمانات الدستورية الواردة بنصوص القانون القائم، مع إضافة جميع الضمانات الدستورية التي استحدثها دستور سنة 2014، وكذا الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان والتي أطلقها السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، ومراعيًا مخرجات الحوار الوطني فيما يتعلق بالحبس الاحتياطي والعدالة الجنائية.

كما أورد التقرير أيضًا أن مشروع القانون المعروض انتهج نهجًا جديًا تمثل في تلافي المشكلات العملية التي ظهرت أثناء تطبيق القانون الحالي وتم معالجتها، كما أنه يعد نقلة نوعية وموضوعية نحو تحقيق عدالة ناجزة حقيقية، تؤسس لدولة ديمقراطية حديثة قائمة على سيادة القانون، فهو بمثابة ثورة تشريعية وإجرائية في مجال العدالة الجنائية، يسعى نحو تحقيق آمال ومتطلبات المصريين، مسايرًا للتطور التقني الذي شهده العالم، محققًا التوازن بين الصالح العام وحماية الحقوق والحريات.

وعلى الرغم من جودة الصياغة التي وردت بمقدمة اللجنة الثلاثية حال تدشينها لمشروع القانون، والذي تتم مناقشته وإقراره حاليًا في مجلس النواب، إلا أن تلك المقدمة الحماسية ذات الإطراء اللغوي، لا يمكن ربطها فعليًا بنصوص مشروع القانون في معظم نصوصه، التي مازالت تركن إلى مبتغى السلطة صاحبة المشروع، مهملة بذلك أي وجهات نظر مغايرة ظهرت خلال الشهرين الماضيين.

أما إذا ما عاودنا القول عن النص الموصى بالغائه، والنص الموجود بقانون مكافحة الإرهاب، فإن وجود أي منهما في المنظومة التشريعية المصرية يشكل حدًا، على أقل الاعتبارات، من ممارسة حرية الرأي والنشر والتعبير، فكيف تتحقق الرقابة الشعبية على ما يدور في أروقة المحاكم، أو حتى مجرد إعلام الرأي العام عن وقائع جلسات محاكم الإرهاب، وذلك على أقل تقدير لما يتصف به ذلك القانون من طبيعة استثنائية.

ولا أجد أفضل من قول الفيلسوف جون ستيوارت ميل، بحسبه من أوائل من نادوا بحرية التعبير عن أي رأي مهما كان هذا الرأي في نظر البعض حيث قال: «إذا كان كل البشر يمتلكون رأيًا واحدًا وكان هناك شخص واحد فقط يملك رأيًا مخالفًا فإن إسكات هذا الشخص الوحيد لا يختلف عن قيام هذا الشخص الوحيد بإسكات كل بني البشر إذا توفرت له القوة» وكان الحد الوحيد الذي وضعه ميل لحدود  التعبير عبارة عن ما أطلق عليه «إلحاق الضرر» بشخص آخر ولا تزال هناك لحد هذا اليوم جدل عن ماهية الضرر فقد يختلف ما يعتبره الإنسان ضررًا الحق به من مجتمع إلى آخر. وكان جون ستيوارت ميل من الداعين للنظرية الفلسفية التي تنص على أن العواقب الجيدة لأكبر عدد من الناس هي الفيصل في تحديد اعتبار عمل أو فكرة معينة أخلاقية أم لا، وكانت هذه الأفكار مناقضة للمدرسة الفلسفية التي تعتبر العمل اللاأخلاقي سيئًا حتى ولو عمت فائدة من القيام به، واستندت هذه المدرسة لتصنيف الأعمال إلى مقبولة أو  مسيئة؛ ولتوضيح هذا الاختلاف فإن جون ستيوارت ميل يعتبر الكذب على سبيل المثال مقبولًا إذا كان فيه فائدة لأكبر عدد من الأشخاص في مجموعة معينة على عكس المدرسة المعاكسة التي تعتبر الكذب تصرفًا سيئًا حتى ولو كانت عواقبه جيدة.

 

وقد لا يكون لأي رأي مهما كانت قوته قيمة فعالة إذا لم تستطع إيصاله عن طريق التداول من خلال وسائل التواصل المختلفة، كما أنه ستكون قيمة الرأي محدودة إذا ما كانت وسائل الإعلام تحت سيطرة مجموعة من الرجال الأغنياء أو الشركات أو الجماعات.

 

 كما ستكون محدودة أيضًا إذا لم تتمكن من الوصول إلى معلومات كافية أو إلى قدر وافر من التعليم يمكنك من تفسير هذه المعلومات أو صياغة آرائك في صورة مفهومة، و بمعنى آخر فإن حقيقة حرية التعبير تعتمد على القوة بقدر ما تعتمد على القانون فلكي يكون لك حرية رأي مؤثرة، يجب أن تتمتع بالقدرة كما يجب أن  يكون لك الحق، ولا تكمن الصعوبة الحقيقية فقط في الحرية النظرية  للإدلاء بالرأي، ولكن في تحديد احتياجاتك الحقيقية لتكون قادرًا على تلقي وتوصيل معلومات وأفكار، والأكثر صعوبة هو تحقيق ذلك.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى