منى صموئيل.. اسم بارز في عالم الصحافة الميدانية والتغطيات الجريئة
منى صموئيل، صحفية مبدعة، بدأ حبها للصحافة منذ طفولتها، حينما كانت تقول بثقة طفولية: “أنا هطلع صحفية”. نشأت على حب المغامرة والكتابة، متأثرة برموز الصحافة في الأفلام، مثل شخصية “سوسن” في فيلم بطل من ورق. كانت تقضي وقتها في مكتبة المدرسة، تقرأ الكتب وتعيش بين الروايات، مما ساهم في تكوين شغفها العميق بمهنة الكتابة وسُلطة الصحافة.
الخطوة الأولى نحو الحلم
رغم أن طموحها تحول لفترة إلى الهندسة المعمارية، إلا أن الحلم الأصلي انتصر في النهاية. التحقت بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، وتخرجت عام 2016، وبدأت مسيرتها المهنية مبكرًا كطالبة في السنة الثانية، حيث تدربت في جرائد مثل الوفد والدستور. لكنها وجدت وجهتها الحقيقية عندما طرقت أبواب جريدة الفجر عام 2013، وهناك انطلقت مسيرتها المهنية الحقيقية، واعتبرت هذه الجريدة بيتها الثاني.
بداية مشرقة ومسيرة متنوعة
عملت منى في الفجر بمختلف الأقسام، من التحقيقات والتقارير إلى الأخبار والنقابات المهنية والطبية، وحققت نجاحات كبيرة جعلتها واحدة من أبرز الصحفيات الميدانيات. تميزت بتغطياتها الميدانية وتقاريرها.
وعن طبيعة عملها الذي اشتهرت به في جريدة الفجر، تقول: “كنت دائمًا أحرص على تقديم تقارير ميدانية مميزة، أنزل إلى الشارع مع المصور وبمايك جريدة “الفجر”، نصمم على ألا نعود إلى الجريدة إلا ومعنا مادة صحفية استثنائية لا يشبهها شيء سبقنا إليه أحد. كان يُقال لي دائمًا: “أنتِ من أفضل من يحمل المايك وينزل الشارع”.
وتضيف: “تقاريري الميدانية كانت تنتشر بسرعة جنونية على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث كان كل تقرير يلقى تفاعلًا كبيرًا ويتبعه تقرير آخر يحقق نجاحًا أكبر. هذا الجهد الذي كرمني عليه الأستاذ عادل حمودة بحصولي على جائزة “أفضل تقرير ميداني” لعام 2015، وهي جائزة أعتز بها جدًا حتى اليوم، لأنها تمثل شهادة تقدير لعملي وشغفي بالصحافة الميدانية”.
لاحقًا، انتقلت إلى البوابة نيوز، حيث كانت جزءًا من الفريق التأسيسي للجريدة، ونشرت أول موضوعاتها الورقية الأسبوعية هناك، في ليلة عيد الميلاد عام 2014، قامت بتغطية استثنائية لمعايشة مع سكان المقابر وسط موجة برد قاتلة، لتثبت شجاعتها وشغفها بالصحافة الحقيقية التي تنطلق من بين الناس لتلتقط القصص الغائبة عن الأنظار.
عملت منى بالإضافة -لما سبق- في مؤسسات إعلامية مختلفة مثل الهلال اليوم، جريدة العاصمة، وعدة منصات سوشيال ميديا وشركات إعلانات كـ”كوبي رايتر”. كما قدمت برنامجًا على السوشيال ميديا بعنوان مين يصدق، حيث جمعت بين الإعداد والتقديم، لتكتشف شغفًا جديدًا بالتقديم الإعلامي.
رغم نجاحها في الصحافة، كانت دائمًا تحمل حلمًا بأن تصبح مذيعة، حلمًا لم تتخلَّ عنه رغم انشغالاتها، وتخطو نحوه حاليًا بخطوات واثقة.
وعن هذا الحلم تقول: “الحقيقة أن عائلتي، وبالأخص أمي وأبي، دائمًا ما كانوا يشعرون بسعادة غامرة كلما حققت إنجازًا أو خطوت خطوة نحو تحقيق أحلامي التي رسمتها منذ الطفولة. دعمهم الدائم كان القوة التي تدفعني للاستمرار. أمي بشكل خاص كانت تحلم أن تراني مذيعة على شاشة التلفزيون، وأنا مؤخراً أدركت أنني تأخرت كثيرًا في تحقيق هذا الحلم. رغم عشقي الكبير للصحافة الذي لم يخفت يومًا، بدأت الآن العمل بجد لتحقيق حلمي في أن أصبح مذيعة، ليس فقط من أجل نفسي ولكن لتحقيق أمنية أمي أيضًا”.
تحقيقات وملفات فارقة
خلال أزمة كورونا، كانت منى أول صحفية تدخل معامل شركة “إيفا فارما” وتعد تقارير عن تصنيع أول علاج مصري للفيروس، كما أجرت حوارات حصرية، منها لقاء مع د. أمير أليشع، المشرف على إنتاج عقاري “ريمدسيفير” و”فافيبيرافير”، وأيضًا حوار مع الباحث المصري الوحيد المشارك في إنتاج لقاح كورونا بجامعة أكسفورد. بالإضافة لذلك، أجرت مقابلات مع ممثل منظمة الصحة العالمية د. جون جبور، ومع أول حالة مصابة بفيروس كورونا في مصر.
كما سلطت الضوء على معاناة الطلاب المصريين في ووهان، وقدمت تقارير مميزة بعنوان مثل “الباسبور المصري أنقذنا من الموت”.
أما الجانب الاستقصائي في عملها، فكان مليئًا بالتحديات والإنجازات. كشفت عن وقائع فساد داخل مستشفيات تابعة لوزارة الصحة، ما أدى لإغلاق بعضها بقرار من الوزارة، مثلما حدث في تحقيق بعنوان “وفاة بجرعة تخدير زائدة وتشخيص خاطئ”، الذي أدى إلى إغلاق مستشفى في 6 أكتوبر. تقول: “لم تكن هذه المهام سهلة، ففي إحدى المرات تعرضت لمطاردة من أفراد أمن أثناء توثيقي لوقائع داخل المستشفى، لكنني تمكنت من إيصال الفيديو للجريدة، وهو ما تسبب في إغلاق المستشفى بالشمع الأحمر”.
أما تحقيقها الآخر، بعنوان “مقبرة الأطفال.. بيزنس حضانات الموت”، كشف عن مآسي الحضانات غير المرخصة التي تهدد حياة الأطفال حديثي الولادة، وأدى إلى إغلاق إحداها أيضًا. وبسببه أيضًا تلقت تهديدات من أصحاب المصالح، تقول: “لكنها لم تثنيني عن مواصلة طريقي”.
وعلى مدار عملها، أجريت العديد من الحوارات مع قيادات وزارة الصحة ومديري المستشفيات، مثل د. محمد صلاح، رئيس هيئة المستشفيات والمعاهد التعليمية، ود. مصطفى شحاتة، مدير مستشفى العباسية للصحة النفسية، وغيرهم. كما قدمت برنامج “الفجر كلينك”، الذي كان يُعرض خلال شهر رمضان لتقديم نصائح طبية بالتعاون مع أطباء متخصصين، وكان يتجدد كل عام.
أما على صعيد نقابة المحامين، فقد غطت قضايا هامة مثل قضية “تيران وصنافير”. “كنت أول صحفية تنفرد بنشر مذكرة الدفاع ليلة جلسة المحكمة، وأول من أجرى ندوة مع الأستاذ خالد علي في مقر الجريدة عقب أول حكم قضائي بمصرية الجزيرتين. كما كنت في قلب الأحداث خلال الوقفات الاحتجاجية في نقابات الأطباء والصيادلة والمحامين، بالإضافة إلى تغطية أزمات نقابة الصيادلة، بما في ذلك حبس نقيبها آنذاك” -بحسب قولها.
كل هذه التجارب، على الرغم من صعوبتها، شكلت شخصية منى الصحفية وأكسبتها خبرة جعلتها تتمسك بحلمها وتتطلع دائمًا للأفضل، معتبرة أن أكبر إنجاز هو نجاحها في تقديم المساعدة للآخرين من خلال عملها، سواء عبر كشف الحقائق أو تسليط الضوء على القضايا الإنسانية.
تحديات تواجهها بشجاعة
طوال حياتها المهنية، لم تسلم منى من التحديات، أبرزها تعنت وزارة الصحة تجاه تغطياتها الصحفية بسبب انتقاداتها الجريئة. ورغم محاولة الوزارة منعها من العمل على الملف، إلا أنها استمرت بدعم من جريدتها ونقابة الصحفيين.
أما التحدي الأكبر، فكان مواجهة ثقافة “الواسطة” التي حرمتها من بعض الفرص التي استحقتها بجدارة، لكنها لم تجعلها تتوقف عن الإيمان بنفسها والسعي لتحقيق حلمها.
تطمح منى في أن تستمر لإتمام رسالتها الصحفية، وأن تحقق حلمها بأن تصبح مذيعة في كبرى القنوات المصرية والعالمية. تعمل حاليًا على تطوير نفسها وتقديم محتوى مبتكر عبر السوشيال ميديا، إلى جانب مشروعاتها في البودكاست والتحقيقات الاستقصائية.
“افعل ما تؤمن به، استمع لنصائح من سبقوك، ولا تجعل النجاح سباقًا مع الآخرين. كل منا له طريقه وحكايته، ونجاحه الخاص الذي يستحق الاحتفاء”، بهذه الكلمات تختتم منى حديثها مع المرصد، لتؤكد أن الصحافة مهنة الحلم الذي لا يتوقف والسعي الدائم نحو الأفضل.