من القانون إلى الصحافة.. إنجي سامي وصوت النساء في الإعلام

وسط أروقة الصحافة، حيث تتقاطع القضايا الإنسانية مع مسؤولية الكلمة، شقت إنجي سامي طريقها بثبات، ليس فقط كصحفية بارعة، بل كصوت يعكس نبض المجتمع، وخاصة النساء. منذ خطواتها الأولى في المهنة، لم يكن طريقها مفروشًا بالورود، بل واجهت التحديات والأحكام المسبقة، لكنها اختارت أن تجعل من كل عقبة خطوة نحو تحقيق ذاتها وإحداث أثر حقيقي.
البداية والتكوين المهني
إنجي سامي، 35 عامًا، تخرجت عام 2011 في كلية الحقوق بجامعة القاهرة، لكنها لم تتجه للمحاماة، بل اختارت الصحافة كمسار مهني وشغف حقيقي، مستكملةً رحلتها الأكاديمية بدراسة دبلومة الإعلام الرقمي بالجامعة الأمريكية بالقاهرة. تعمل حاليًا كصحفية، وتشرف على صفحة الرأي، إضافة إلى كونها مدير تحرير الموقع الإلكتروني لجريدة “وطني”.
بدايتها لم تكن وليدة المصادفة، بل رغبة متأصلة تأثرت بوالدتها، التي كانت نموذجًا يُحتذى به. رغم ذلك، لم تكن الأمور سهلة؛ فقد واجهت رفضًا واستبعادًا أحيانًا، لكنها استطاعت أن تثبت كفاءتها تدريجيًا. بدأ مشوارها من خلال مركز التكوين الصحفي بجريدة “وطني”، حيث تتلمذت على يد كبار الصحفيين مثل يوسف سيدهم، سليمان شفيق، سامح سامي، وعبد المسيح فلي.
عملت في البداية ضمن صفحة الشباب، ثم أصبحت مشرفة عليها، ما أتاح لها فرصة لرصد قضايا الشباب والتفاعل مع أحداث ثورة يناير 2011. لاحقًا، توسعت خبراتها عبر أقسام مختلفة مثل التحقيقات، الثقافة، الأدب، والمرأة والأسرة، إلى أن تولت مسؤولية صفحة الرأي وإدارة تحرير الموقع الإلكتروني. وإلى جانب “وطني”، خاضت تجارب مهنية متعددة في مواقع إخبارية مختلفة، كما عملت كمُعدة برامج تلفزيونية وإذاعية، وجربت نفسها كمذيعة راديو.
دعم العائلة والتحديات المهنية
كانت العائلة دائمًا الركيزة الأساسية في حياتها. نشأت في بيئة تتسم بالحوار الثقافي والسياسي، وكان لوالديها دور محوري في تشكيل وعيها وتوجهاتها. كذلك، كان زوجها داعمًا لها منذ البداية، ما ساعدها على مواجهة تحديات المهنة الصعبة.
أحد أكبر التحديات التي واجهتها كانت خلال دراستها الجامعية، إذ بدأت العمل كصحفية محترفة، وفي الوقت نفسه تزوجت وأنجبت طفلين. اضطرت إلى التوفيق بين عملها الصحفي والدراسة ومسؤولياتها الأسرية، وسط بيئة لا ترحم النساء اللواتي يحاولن تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية. كان الضغط هائلًا، لكنها تجاوزته بالتنظيم الصارم، إلى جانب دعم عائلتها وزوجها.
الجوائز والاعتراف المهني
لم تمر إنجازاتها دون تقدير، فقد حصلت على الجائزة الأولى في مهرجان أفلام المرأة للموبايل، عن فيلم قصير أعدته باستخدام هاتفها المحمول حول قضية العنف الزوجي. كانت هذه لحظة فارقة في مسيرتها، أكدت لها أن القصص الإنسانية الحقيقية تمتلك قوة التغيير، حتى لو قُدمت بأدوات بسيطة.
العمل النسوي ومبادرة “مؤنث سالم”
منذ بداياتها، كانت إنجي منحازة لقضايا المرأة، ليس فقط من خلال الصحافة، بل عبر العمل المجتمعي. جاءت نقطة التحول مع تأسيس مبادرة “مؤنث سالم” من رحم انتخابات نقابة الصحفيين الأخيرة، حيث وجدت فيها ضالتها. تعمل المبادرة على تقديم الدعم المهني، النفسي، والقانوني للصحفيات، وحمايتهن من العنف الرقمي والجسدي والنفسي، كما تسعى إلى خلق بيئة عمل آمنة وعادلة لهن.
طموحاتها المستقبلية
إنجي لا ترى الصحافة مجرد مهنة، بل مسؤولية، وتؤمن بأن التغيير الحقيقي يبدأ بالكلمة والفعل. تطمح إلى تأسيس مؤسسة لدعم الفتيات والنساء في المناطق الفقيرة والمهمشة، تقدم تدريبات عملية ومبادرات تنموية تساعدهن على تطوير مهاراتهن وتوعيتهن بحقوقهن، بعيدًا عن فكرة المساعدات المالية التقليدية. سيكون للفنون والثقافة دور محوري في هذه المؤسسة، لخلق مساحات آمنة تمنح النساء فرصة التعبير عن أنفسهن وتعزيز وجودهن في المجتمع.
في عالم لا يزال يفرض تحديات على المرأة، تواصل إنجي سامي مسيرتها، واضعةً أمامها هدفًا واضحًا: أن تكون الكلمة وسيلة للتغيير، لا مجرد أداة للنقل.