مُنعت من الإعلام فصنعت مسيرتها فيه.. رحلة الدكتورة عزيزة عبده بين الحلم والقيود والرسالة

من حلم مبكر بالعمل في الصحافة والإعلام، إلى دراسة الحقوق، ثم الالتحاق بأولى دفعات قسم الإعلام بجامعة سوهاج؛ ومن طالبة تتصدر قوائم الأوائل إلى أستاذة للإعلام السياسي تخطت الجامعة شغفا وتأثيرا. هكذا تشكلت مسيرة الدكتورة عزيزة عبده سلطان، التي جمعت بين التجربة الصحفية والممارسة الأكاديمية ومحاولة المشاركة السياسية.. وظل القاسم المشترك في مسيرتها هو إيمانها العميق بدور المعرفة، وواجب الدفاع عن الحق، واحترام خيارات الأجيال الجديدة مهما خالفت ما حلمت به لنفسها.
ولدت الدكتورة عزيزة بحي العباسية لأب يعمل مديرا لإحدى النقابات العمالية، وهو ما جعلها تنشأ في بيئة مشبعة بقيم العدالة الاجتماعية وأثر بعمق في تشكيل وعيها منذ طفولتها، فحلمت أن تصبح إعلامية أو صحفية لكي تكون صوتا للناس ونبضا للشارع تنقل القضايا بصدق وتدافع عن الحقيقة وتسلط الضوء على ما يهم المجتمع بعيدًا عن التزييف.
وقف والد “عزيزة” حائلًا بينها وبين حلمها، فرفض أن تلتحق بكلية الإعلام، فقررت دراسة الحقوق بجامعة عين شمس مطلع الثمانينيات، إلا أنها لم تنس حلمها، فبمجرد علمها بوجود قسم للإعلام بكلية الآداب جامعة سوهاج، ألحت على والدها أياما طوال حتى انصاع لرغبتها في النهاية، وعلى مدار 4 سنوات تصدر اسمها قائمة الأوائل، حتى عُينت كمعيدة في الجامعة.
التحقت “عزيزة” خلال دراستها في منتصف الثمانينيات بجريدة صوت سوهاج، فكانت موضوعاتها الصحفية لاذعة وصوتها مسموعا حتى أنها تسببت في إقالة رئيس مجلس مدينة سوهاج بسبب نشرها تحقيقا صحفيا عن التجاوزات والمخالفات بالمدينة.. هنا؛ شعرت “عزيزة” بأنها صوتا للشارع.
وخلال تلك الفترة – فترة الدراسة – تدربت “عزيزة” في صحف كبرى منها “أخبار اليوم”، “الأهرام”، و”الجمهورية”، إلا أن والدها رفض بشكل قاطع أن تعمل في القاهرة، فأكملت مسيرتها بالتدريس في جامعة سوهاج، الأمر الذي تصفه بأنه “غير مرضي لها”، خاصة بعدما عرضت عليها الدكتورة فوزية فهيم، المشرفة على رسالة الماجستير، أن تقدم برنامجًا بالتلفزيون، إلا أن والدها أصر على الرفض، فلم تجد أمامها سوى التدريس للطلبة.
تقول: رغم أنني لم أحقق حلمي، إلا أنني أشعر بالفخر لتخريج ما يزيد عن 2000 صحفي وإعلامي.
ومن المواقف المؤثرة التي عاشتها الدكتورة عزيزة وتعلمت منها درسا مهما، عندما اختار نجلها مصطفى الالتحاق بكلية الإعلام فقط ليرضي رغبتها في أن تراه يسير الطريق الذي حلمت به لنفسها يوما ما. لكن رغم من اجتهاده وتفوقه في الدراسة، لاحظت أن عيناه لا تلمع شغفا بهذا المسار لكنها لم تستطع فهم السبب، إلى أن جاءت المفاجأة بعد تخرجه من الجامعة حينما أخبرها بأنه يريد الالتحاق بكلية الحقوق، مؤكدًا لها أن حلمه الحقيقي كان دائمًا أن يصبح محاميًا يدافع عن المظلومين.. هنا؛ أدركت أن الحب لا يعني فرض الطريق، بل احترام اختيارات الأبناء ودعم شغفهم الحقيقي في الحياة.
تستعيد”عزيزة” ذكرياتها بعد أن التحقت ابنتها الوسطى “رشا” بكلية الإعلام لتسير على نفس خطاها، فكانت من أوائل الدفعة على مدار 4 سنوات دراسة، إلا أنها فوجئت بالتلاعب في نتائج ابنتها لإبعادها عن التعيين في الجامعة، تؤكد: أمضيت عقودًا في الدفاع عن المظلومين، إلا أنني لم أستطع الدفاع عن ابنتي بسبب وفاة زوجي في نفس الفترة.
وفي العام 2020، أخذت الدكتورة عزيزة قرارا بخوض تجربة العمل السياسي للمرة الأولى، فرشحت نفسها في انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب بمحافظة سوهاج، ورغم عدم فوزها، إلا أنها حصدت أصواتًا تخطت 26 ألفا.. وتروي: شاهدت بعيني لجان منظمة لإفساد كل سبل الدعاية الانتخابية لي، إلا أنني حصدت أصواتا ليست بقليلة.
وعن عدم خوضها انتخابات مجلس الشيوخ أو النواب هذا العام، وصفت الانتخابات بـ”المولد”، وتضم مرشحين يستخدمون المال السياسي، رغم أن دورهم هو نقطة تواصل بين الشعب والمسؤولين، إلا أنهم يستخدمون المجلس تحقيقا لرغباتهم الشخصية فقط دون الالتفات لصوت الشعب.
ورغم مسيرتها التي امتدت لما يربو عن 4 عقود، إلا أنها تسعى لتحقيق حلمها بتقديم دراسة أجرتها عن الإصلاح المجتمعي للقيادة السياسية، وضعت فيها السلبيات التي تحول دون تقدم المجتمع وألقت الضوء على الخلل المجتمعي ووضعت سُبل حلها والتعامل معها في أوراق بحثية عملت عليها لأعوام طويلة.
ترى الدكتورة عزيزة أن المنظومة الإعلامية “منهارة”، والصحافة “تحتاج صحافة” وينقصها أشياء كثيرة مثل برامج المرأة والطفل ودعم الأخلاقيات، وتتمنى أن يتم التركيز على البرامج الموجهة للأسرة المصرية لبناء وتشجيع الشباب، وتنصح شباب الصحفيين بحب المهنة ورسالتها ونقل الحقائق وعدم التركيز على الفضائح والهدم والـ”الفرقعة الإعلامية”.



