نزيهة سعيد.. صحفية دفعت ثمن كلمة حق

أرادوا كسرها فخيب الله ظنهم، وازددت قوة فوق قوة.. أيقنت أنها فى زمن لا يرحم.. من يسكت فيه لن يسلم.. فصرخت فى وجه الظلم.. وقاتلت من يدعو للصمت.. وحاربت من يطلب أن تستسلم للموت.. وتزينت وبعدت عما يشين وتنزهت عن الرذائل، فكانت بحق نزيهة سعيد.

بطلتنا هذا الأسبوع هى الصحفية البحرينية نزيهة سعيد الحائزة على جائزة يوهان فيليب لحرية الصحافة والتعبير ٢٠١٤، وجائزة هيكل للصحافة العربية ٢٠٢١، التى تعرضت للتعذيب والتنكيل بسبب عملها الصحفي، حتى اضطرتها الظروف إلى ترك وطنها الغالي على قلبها، والعيش فى الغربة بعيدًا عن الأهل والأحباب.

البداية
وُلدت نزيهة في المحرق سنة ١٩٨١، وحصلت على بكالوريوس علم نفس (احتياجات خاصة)، وبدأت أولى خطواتها فى مهنة البحث عن المتاعب منذ ٢٢ عامًا، فعندما انهت الثانوية، وتحديدًا في الإجازة الصيفية التي تفصل بين الشهادة الثانوية والدراسة الجامعية، انضمت للعمل صيفا في صحيفة الأيام المحلية البحرينية لتتعلم عمل الصحافة، ولكن سريعا ما تم ارسالها لتغطية الفعاليات وإجراء المقابلات على أرض الواقع، وبعد انتهاء العطلة عُرض عليها العمل في الصحيفة بنظام جزئي حتى تتمكن من استكمال دراستها وفي نفس الوقت تكمل عملها.

وتعلمت نزيهة كثيرًا على يد صحفيين عريقين، إلا أن النقلة النوعية والعالمية في حياتها كانت بعد عدة سنوات عندما انضمت كمراسلة لإذاعة مونت كارلو الدولية والتي بقيت فيها لمدة ١٢ عامًا. وبالإضافة إلى مونت كارلو، عملت نزيهة مع مؤسسات إعلامية عريقة فرنسية، بريطانية، عربية، منها محطة فرانس ٢٤، دوتشي فيلله، بي بي سي، آي تي أن وغيرها، وتعمل الآن مع بعض المؤسسات الألمانية والعربية.

اشتهرت نزيهة سعيد فى عملها الصحفي بالدفاع عن حقوق المرأة، وقد بدأ هذا النضال منذ وقت مبكر في حياتها، كونها نشأت في عائلة تدافع عن حقوق المرأة، فخالاتها وأمها من الناشطات في هذا المجال قبل أن تولد.

أما دفاعها عن حرية الصحافة فجاء كردة فعل طبيعية بعد الاعتقال والتعذيب الذي تعرضت له في البحرين في العام ٢٠١١، وعن هذه التجربة تقول نزيهة سعيد للمرصد المصري للصحافة والإعلام،: “شهدت البحرين ابتداءً من مارس ٢٠١١ “حفلة زار” عوقب فيها كل معارض بشكل جنوني ودون سند قانوني وبشكل وحشي، راحت ضحيته عدد من الأرواح، ولم يكن اعتقالي إلا فصل صغير في حفلة الزار هذه، فيعاقب الصحافي إذا قال ما لا تقوله الدولة، أو ينقل وجهة نظر غير وجهة نظرها، أو يسمي المتظاهرين، متظاهرين بدلا من مخربين وإرهابيين كما تطلق عليهم الدولة”.

وتضيف :”لا استطيع أن أقول أن حفلة الزار هذه توقفت، إلا إنها أصبحت مقننة اليوم وتحدث أمام المجتمع الإقليمي والدولي، فلا صحافة حقيقية في البحرين اليوم، ولا يمكن لصحافي مستقل أن يعمل هناك، دون أن يصيبه الأذى.. فليس من السهل أن تكون مدافعا عن حقوق الإنسان في بلداننا، فلا القوانين ولا الأنظمة ولا المجتمع يتقبل أن يتم احترام حقوق الإنسان بالكامل، فهناك دائما انتقاص في جهة ما، كأن ننتقص من حقوق المرأة بحجة الدين، ومن حقوق الأقليات بحجة العادات والتقاليد، ومن حقوق العمال بحجة الربحية وهكذا”.

ماذا حدث لنزيهة
في يوم 22 مايو 2011 لبّت نزيهة سعيد، استدعاء وجهه لها مركز شرطة الرفاع، ومكثت 12 ساعة، أغمضوا فيها عينيها، حيث تم تصميد عينينها، وأُدخلت على محققات من الشرطة النسائية. بدأ التحقيق حول ما إذا كانت موجودة في دوار اللؤلؤة الذي كان مقرا للاحتجاجات الشعبية في البحرين العام 2011، وبحكم طبيعة عملها كصحفية أجابت بالإيجاب مشيرة إلى أن عملها يستوجب ذلك من أجل تغطية الأحداث، في الحال بدأت الصفعات القوية تنهال على وجهها من دون رحمة. بعدها مسكت إحدى المحققات بأنبوب بلاستيكي وبدأت في ضربها في مختلف مناطق جسمها بشدة وعنف، إلى أن سقطت على الأرض من شدة الألم وبعدها قامت المحققات برفسها والسخرية منها وشتمها بألفاظ نابية.

وتقول نزيهة: ” التعذيب الذي تعرضت له داخل مركز الشرطة كان الهدف منه التخويف وكسر الحالة المعنوية أكثر من أي شيء آخر، العشرات ممن تعرضوا للتعذيب، خرجوا من السجن وامتنعوا عن العمل الذي كانوا يقومون به، بسبب الخوف أو طلبا للأمان، وهو شيء مفهوم جدا، بالإضافة لمئات أخرى لم تكسرها هذه التجربة، وقررت أنا أن أكون واحدة منهم/ن”.

على إثر هذه الحادثة خضعت نزيهة إلى مجموعة من الفحوصات الطبية وحصلت على إثرها على شهادات تثبت تعرضها للتعذيب، وتمسك نزيهة بتتبع المعتدين عليها قانونيا، انطلقت رحلتها مع القضاء البحريني التي امتدت لما يقارب الأربع سنوات،لتنتهي الرحلة بعد الاستئناف إلى تبرئة المتعدين عليها من كل التهم”، بحجة أنه لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية وذلك لعدم كفاية الأدلة.

عدالة مفقودة
وعن رد فعلها عندما أغلق القضاء، قضيتها عام 2015، تقول نزيهة : “بصراحة كنت اتطلع للعدالة بكل جوارحي، وكنت أود أن تكون هذه القضية، والتي تعتبر أول قضية تم رفعها ضد معذبين/ات أن تحقق العدالة لتكون أملا ومثالا للآخرين، ولكنني تيقنت أن الدولة بكل أنظمتها المتشابكة لا تود لهذه العدالة أن تقع اليوم، ولكنها حتما ستأتي يوما ما”.

وﻷن كلمة الحق، عزيزة وغالية الثمن، يخشى الكثيرون أن يدفعوا ثمنها ويستحون منها إن لمعت في تفكيرهم، فقد دفعت بطلتنا ثمن شجاعتها ومطالبتها بحقها، وعن هذا تقول:”لم أغادر وطني مباشرة، بقيت واكملت عملي لخمس سنوات، حتى ٢٠١٦، إلا أن السلطات كانت في كل مرة تضيق الخناق، إلا أن وصل الحال لسحب رخصتي الصحافية ومنعي من مزاولة المهنة التي أعمل فيها لسنوات طويلة، بل وتعريضي لمحاكمة لعملي كصحافية دون ترخيص”.

وعن الغربة تقول نزيهة سعيد: “الغربة هي من أسوأ الأشياء التي من الممكن أن تحدث للإنسان، وإن كان في بلد فيه المزيد من الحريات والفرص، إلا إن القلب يبقى حيث العائلة والاحبة والاهتمام”.

جدير بالذكر أن قضية تعذيب نزيهة جذبت اهتماما دوليا، حيث كانت هذه التجربة سبباً في لفت الانتباه إلى زملائها المسجونين والمساهمة في لفت الأنظار إليهم، وقد كللت مؤسسة يوهان فيليب بالم لحرية التعبير والصحافة، الجهود التى بذلتها نزيهة لتعزيز حرية الصحافة فى وطنها الأم، بمنحها جائزتها عام 2014، وتم تكريمها في مدينة شتوتغارت الألمانية.

وفى سبتمبر 2021، فازت نزيهة سعيد بجائزة محمد حسنين هيكل للصحافة العربية والتي تنظمها مؤسسة محمد حسنين هيكل للصحافة العربية في مصر، نظير تفردها فى تغطية قضايا المرأة في بلدان الخليج العربي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى