أُختير يوم السادس عشر من شهر مارس من كل عام لكي يكون يومًا للمرأة المصرية، وتعود ذكراه إلى عام 1919 حين تظاهرت في هذا اليوم أكثر من 300 امرأة بقيادة السيدة هدى شعراوي للتنديد بالاحتلال البريطاني والاستعمار، وفي هذا اليوم سقطت أول شهيدة مصرية؛ وهي حميدة خليل، كما سقطت مجموعة من الشهيدات المصريات الأخريات هن: نعيمة عبد الحميد، فاطمة محمود، نعمات محمد، حميدة سليمان، يمنى صبيح. ليحمل هذا اليوم ذكرى ثورة المرأة المصرية ضد الاستعمار ونضالها من أجل الاستقلال.
وفي 16 مارس عام 1923، دعت هدى شعراوي لتأسيس أول اتحاد نسائي في مصر، وكان على رأس مطالبه رفع مستوى المرأة لتحقيق المساواة السياسية والاجتماعية للرجل من ناحية القوانين وضرورة حصول المصريات على حق التعليم العام الثانوي والجامعي، وإصلاح القوانين فيما يتعلق بالزواج. وفي مارس من عام 1956، حصلت المرأة المصرية على حق الانتخاب والترشيح بموجب دستور 1956، وهو أحد المطالب التي ناضلت المرأة المصرية من أجلها لسنوات طويلة، وكانت الصحفية “درية شفيق” أحد قيادات هذا النضال، حيث تزعمت في فبراير 1951 مظاهرة ضمت 1500 سيدة، واقتحمت بهن البرلمان للمطالبة بحقوق المرأة، واعتصمت في مارس من عام 1954 للمطالبة بمشاركة المرأة فى الجمعية التأسيسية للدستور، وطالبت ببيان رسمي يعترف بحق المرأة فى المشاركة فى مناقشة الدستور الجديد فى الجمعية التأسيسية.
وقد استمرت المرأة المصرية في نضالها وكفاحها في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأثناء هذا النضال تكافح المرأة المصرية كافة أنواع التمييز والعنف القائم على أساس النوع الاجتماعي، حيث يعد العنف ضد المرأة من أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارًا، ولكن لا يزال معظمه غير مبلغ عنه بسبب انعدام العقاب، والصمت والإحساس بالفضيحة ووصمة العار المحيطة، بالإضافة إلى المخاوف بشأن سلامة وأمن الناجيات، وتتعرض واحدة ﻣﻦ كل 3 ﻧﺴﺎء وﻓﺘﻴﺎت ﻟﻠﻌﻨﻒ الجسدي أو اﻟﺠﻨﺴﻲ خلال ﺣﻴﺎﺗﻬﻦ.
يأتي يوم المرأة المصرية خلال هذا العام بالتوازي مع انتخابات التجديد النصفي لمجلس نقابة الصحفيين، المقرر عقدها في 19 مارس 2021، في ظل استمرار تعرض الصحفيات المصريات للعنف بجميع أشكاله داخل أماكن العمل وخارجها أثناء ممارسة مهامهن الميدانية؛ بداية من العنف اللفظي والتحرش الجنسي، أو الاستغلال الجنسي، وتمتد إلى العنف الجسدي في بعض الأحيان، حيث تشير دراسة (1) أجرتها الشبكة العربية لدعم الإعلام “الصوت الحر” إلى أن أغلب الصحفيات المصريات تعرضن للتحرش الجسدي أو اللفظي، وتشير دراسة (2) أخرى إلى أن المصريات العاملات في مجال الإعلام أكثر عرضة للعنف من نظرائهن الرجال بنسبة 50.4%، في حين أن 58% منهن عرضة للعنف اللفظي و64% منهن عرضة للعنف الجسدي.
كما أشارت نتائج الاستبيان (3) الذي أجرته مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون لعامي 2013-2014 إلى تعرض 48% من الصحفيات لشكل من أشكال التحرش الجنسي في عملهن، حيث تعرض 64 % منهن للتحرش اللفظي، و24% تعرضن للتحرش الجسدي.
وتوضح هذه البيانات تفشي هذا النوع من الانتهاكات بحق الصحفيات داخل أماكن عملهن، وتشير إلى أن بيئة العمل الصحفي في مصر غير آمنة للسيدات، ولا سيما وأن المؤسسات الصحفية ونقابة الصحفيين تفتقد وجود آليات لمناهضة التحرش والعنف الجنسي والتمييز ضد النساء، علاوة على ضعف تمثيل السيدات في مجلس إدارة النقابة ومجالس إدارات المؤسسات الصحفية، بالإضافة إلى عدم وجود نصوص واضحة تجرم الاعتداء الجنسي وتضع آليات لحماية النساء الصحفيات وتوفير بيئة أمنة وعادلة لهنّ في قوانين تنظيم الصحافة والإعلام المعمول بها في مصر.
يستلزم كل ذلك الآن، أكثر من أي وقت مضى، وضع مدونات سلوك تضم آليات وقواعد فعالة وفق المعايير المتعارف عليها عالميًا في تعريف التحرش وسبل الوقاية الواجب اتباعها داخل أماكن العمل والمؤسسات الصحفية، وأيضا فيما يخص سبل المحاسبة لردع ومعاقبة المتحرشين، وعلى المؤسسات الصحفية أن تلتزم بتطبيقها بين موظفيها والعاملين بها، والمسؤولين عنها.
وفي هذه المناسبة؛ يؤكد المرصد المصري للصحافة والإعلام، على أن وجود المرأة في مهنة الصحافة والإعلام متمتعة بكافة حقوقها القانونية والاقتصادية على قدم المساواة مع الرجال أمرًا أساسيًا وحتميًا في سبيل إنهاء العنف ضد النساء، وتوفير بيئة عمل آمنة وعادلة. ويدعو جميع الصحفيات المصريات إلى التكاتف وتكثيف الجهود ضد أعمال العنف والتحرش، لتحويل الرواية من إلقاء اللوم على الناجيات إلى ضمان مساءلة الجناة وتوفير تدابير وقائية حقيقية تحمي السيدات وتمكنهم من التحدث بحرية دون ضغوط، والسعي بكافة الطرق القانونية لتحقيق العدالة، وفي سبيل ذلك توصي مؤسسة المرصد المصري للصحافة والإعلام بالآتي:
– ضرورة إقرار نقابة الصحفيين سياسة لمناهضة الاعتداء والتحرش الجنسي داخل المؤسسات الصحفية، والممارس ضد الصحفيات سواء من عضوات النقابة أو العاملات في الصحافة من غير النقابيات، على أن تشمل آليات واضحة للتحقيق وفرض العقوبات، بما يضمن حماية الشاكيات والحفاظ على سرية بياناتهن، وإخفاء هوياتهن. ويستلزم تطبيق هذه السياسة تعديل قوانين تنظيم الصحافة والإعلام في مصر لإلزام المؤسسات الصحفية بها.
– ضرورة تفعيل لجنة المرأة داخل نقابة الصحفيين، لاستقبال الشكاوى المبنية على العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتولي التحقيق فيها، ورفع التوصيات بالعقوبات إلى مجلس النقابة لتطبيقها فيما يخول له القانون من سلطة.
هوامش:
(1) (2) https://bit.ly/3kRtaio
(3)https://bit.ly/38KZro0