تمييز في الأجور وغياب السياسة المالية الموّحدة.. إضراب العاملين في BBC القاهرة
نظّم الصحفيون العاملون في BBC مكتب القاهرة، يزيد عددهم عن 70 شخصًا، ويصل البعض بالعدد إلى مئة شخص هم معظم العاملين في المكتب الإقليمي، حيث لم يشارك البعض، يتوزعون بين صحفيين وإعلاميين وإداريين، إضرابًا تحذيريًا عن العمل لمدة يوم واحد، في 14 يونيو 2023؛ اعتراضًا على ما عدّوه معاملة تمييزية ضدهم؛ حيث “تقل رواتبهم بحوالي ست أضعاف عن متوسط رواتب نظرائهم في مكاتب الهيئة في الدول الأخرى”، مشيرين إلى أن إدارة الهيئة تتعامل معهم كـ”عمالة رخيصة”، مستغلة الأوضاع الصعبة التي تعيشها الصِّحافة في مصر. وكان على رأس مطالب المضربين “اعتماد مبدأ المساواة في الأجور مع العاملين في المكاتب الأخرى”، وبغيرهم من غير المصريين، وصرف رواتبهم بالدولار بدلًا من الجنيه.
وقد تم إنهاء الإضراب مع تعهد الإدارة الأم في لندن بحل الأزمة. وإن كانت الهيئة البريطانية تشعر بخيبة أمل من جرّاءِ إقدام عاملين بمكتب القاهرة على تنظيم الإضراب، حسَب واشنطن بوست.
من الجدير بالذكر أن إدارة الهيئة البريطانية قد أشارت في مَعْرِض ردها، إلى أنها لا تتبع سياسة أجور موحدة، إنما يتحدد هيكل الأجور حَسَبَ مكان المكتب؛ وهو ما يعني أن هناك معاملة تمييزية فعلًا، وقد لفت أكثر من تقرير إلى المعاملة التمييزية في هيئة الإذاعة البريطانية، خاصة فيمَا يتعلق بالتمييز على أساس النوع، ونذكر في هذا الإطار استقالة مديرة مكتب “بي بي سي” في بكين، كاري جريسي من منصبها، في أوائل عام 2018، بسبب تفاوت الأجور مع زملائها الذكور، ونذكر كذلك أنه في إطار تسوية مالية مع الحكومة، في يوليو 2017، أن أجور كبار المذيعين تزيد خمسة أمثال عما تتقاضاه أعلى المذيعات أجرا.
بالطبع ليس التمييز راجعًا للنوع الاجتماعي فقط، إنما يعود أيضًا إلى سياسية الهيئة البريطانية، التي تستهدف توفير 31 مليون دولار، ضمن خِطَّة تخفيضات أوسع بقيمة 600 مليون دولار، وفي هذا الإطار فقد استغنت الهيئة عن نحو 400 موظف في الخدمة العالمية في الشبكة ضمن برنامَج خفض تكاليف، وذلك في نهاية العام الماضي.
دارت شكاوى العاملين بمكتب هيئة الإذاعة البريطانية بالقاهرة حول النقاط الآتية:
- أن رواتبهم لا تتجاوز 20% من متوسط رواتب نظرائهم في مكاتب أخرى بالمنطقة، مثل تركيا ولبنان. فالصحفي في بي بي سي القاهرة يتقاضى 250 دولارًا شهريًا بالجنيه المصري حَسَبَ سعره في السوق السوداء المصرية، وهو أقل معدل أجور يتقاضاه الصحافيون مقارنة بذويهم في بقية مكاتب المؤسسة في الدول العربية الأخرى.
- أن إدارة الهيئة “تحاسب جميع العاملين بمكتب القاهرة بالدولار، عدا المصريين العاملين بالمكتب؛ فالمحامي يتقاضى راتبه بالدولار، ومراسلي مكاتب «بي بي سي» في الدول الأخرى الذين يعملون من مكتب القاهرة يتقاضون رواتبهم بالدولار، ومكافآت الصحفيين الذين يعملون من الخارج مع المراسلين الأجانب تحتسب بالدولار، وقد كان العاملون في مكتب “بي بي سي” في القاهرة يتقاضون رواتبهم بالدولار قبل أكثر من عشر سنوات، إلى أن تم تغيير صيغة العقود للعاملين بتقاضي الرواتب بالجنيه المصري.
- تثبيت الرواتب بالعملة المحلية من دون النظر إلى تغيرات سعر الصرف: فالرواتب تصلهم من الهيئة بالدولار، لكن يتم تحويل قيمتها إلى الجنيه في مكتب القاهرة، بسعر صرف الدولار سنة 2020، متجاهلين انخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار خلال السنوات الثلاث الماضية، بينما يتم استخدام الفرق في سعر صرف العملة في تعويض الخسائر في مكاتب أخرى، حسبما أوضح عضو مجلس نقابة الصحفيين المصريين محمد الجارحي.
- أن الإدارة قبل يوم واحد من الإضراب أبلغتهم أنها في طريقها لزيادة رواتبهم بنسبة 27%، وهي زيادة تتجاهل مسألة أن رواتبهم فقدت نصف قيمتها، كونهم يتقاضون رواتبهم بالجنيه في وقت تراجعت قيمة الجنيه بصورة كبيرة مقابل الدولار. كما أن هذه الزيادة، تَبَعًا لـِنقيب الصحفيين، إذا استبعدنا منها الزيادة السنوية ونسبتها 10%، وجدنا أنها الزيادة المقترحة من الإدارة قدرها 17% وهي نسبة أقل بكثير من مطالب الصحفيين المضربين. ونشير هنا إلى أن اقتراح زيادة رواتب العاملين بنسبة 27% هي أعلى زيادة اقترحتها الهيئة، وكانت إحدى مقترحات الهيئة في وقت سابق هو زيادة أجور العاملين بمكتب القاهرة بنسبة 5% فقط، وَفْقاً لـِلواشنطن بوست.
- “الإدارة تتعمد تصدير رسائل غير مباشرة للعاملين بالمكتب تتعلق بانهيار الصِّحافة في مصر، وندرة فرص العمل في مجال الإعلام؛ حيث يشتكي أحد موظفي المكتب قائلًا، “ممنوع أن نتحدث كأحد أفراد المؤسسة في المؤتمرات العامة، ممنوع أن نتقدم لمنحة أو جائزة من دون موافقة مكتوبة من المؤسسة، ممنوع أن نتحدث عن مظالمنا في الإعلام، ممنوع أن نطالب بتعويض إذا تم تسريحنا فجأة، ممنوع أن نطالب بزيادة رواتبنا، نحن ممتلكون من “براند” بي بي سي وتحت سطوته الجائرة“.
ما قبل الإضراب:
وفقًا لنقيب الصحفيين خالد البلشي، فإن الإضراب جاء بعد شهور من مفاوضات، كانت النِّقابة طرفا فيها، بين الصحفيين وإدارة مكتب BBC القاهرة، لكنها لم تسفر عن شيء. وقد أفاد أحد صحفيي بي بي سي المصريين أن العاملين في المكتب يطالبون الإدارة، منذ مارس 2020، بإعادة النظر في طريقة احتساب الأجور، وأنهم دخلوا معها في مفاوضات مكثفة منذ فبراير الماضي.
وعن تاريخ الأزمة، يرى أحد صحفيو المكتب، أن الأزمة تعود إلى عام 2016، تزامنًا مع خِطَّة الإصلاح الاقتصادي التي انتهجتها الحكومة المصرية، وأدت إلى تخفيض سعر الجنيه أمام الدولار، من 8 جنيهات للدولار، إلى 16 جنيه للدولار، عندها بدأت مطالبات العاملين بالمكتب، إما رفع الأجور لمواجهة تراجع قيمة العملة المحلية، وإما تقاضي أجورهم بالدولار.
وقد كانت الردود الرسمية التي تصلهم تخبرهم أن وضع العملة في مصر ليس بالسوء الذي يدعو إلى صرف رواتبهم بالدولار، وأفادت أن صرف الرواتب بالدولار للعاملين في مكتب القاهرة مشروط بأن “يصل التضخم في مصر إلى 40%، وأن يكون جزء من مصروفات العاملين اليومية بالدولار”، ولما طالبوا بمساواتهم بالعاملين في مكتب بيروت، رد رئيس بي بي سي عربي وقتها سام فرح “إذا بتوصل اﻷوضاع زي بيروت وقتها بندفع بالدولار“.
بل وبحسب أحد العاملين بمكتب القاهرة فقد أخبرهم “فرح” بشكل واضح خلال زيارته لمكتب القاهرة، في 2016، “من لا يرتاح للعمل معنا فليتفضل الباب مفتوح“. هذا وقد ازدادت الأزمة تفاقمًا بمرور الوقت مع استمرار تراجع سعر العملة المحلية مقابل الدولار، وكذلك بسبب عدم حصول العاملين بالمكتب على أية زيادات منذ 2020، وَفْقًا لـصحفيين في مكتب “بي بي سي” بالقاهرة.
موقف النِّقابة:
أعلنت نِقابة الصحفيين، على لسان خالد البلشي نقيب الصحفيين، الذي حرص على المشاركة في الإضراب بصحبة عضو مجلس النِّقابة محمد الجارحي، تضامنًا مع صحفيي بي بي سي القاهرة، أن النِّقابة تدعم مطالب صحفيي BBC، وتطالب الإدارة بالتوقف عن المعاملة التمييزية ضدهم، ومساواتهم بالعاملين بمكاتب أخرى مثل تركيا أو لبنان. وقد فوض الصحفيين المضربين نقيب الصحفيين المصريين خالد البلشي متابعة مجريات الأزمة وسبل حلحلتها خلال الفترة المقبلة.
وخلال الزيارة، نظم نقيب الصحفيين ثلاث لقاءات، الأول مع أشرف مدبولي، مدير مكتب بي بي سي في القاهرة، والثاني كان مع من الصحفيين والإداريين، واللقاء الثالث والأخير، مع ممثل عن إدارة بي بي سي في لندن، ومسئول الشئون المصرية في الإدارة المركزية، ومسئول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، المدير الإداري لمكتب القاهرة. كل هذه اللقاءات بخصوص سير الأزمة وسبل معالجتها.