كان مثالًا للنقابي وليس ‏النقابنجي.. رجائي الميرغني أبرز أبطال العمومية التاريخية الرافضة لـ”قانون اغتيال الصحافة”

“تجلّى الأداء النقابي لرجائي الميرغني في معركة قانون اغتيال الصحافة”؛ إذ شارك بحُسن إدارته ‏وتنظيمه الجيد للأمور، ومن يقرأ أدبيات هذه المعركة سيرى بعينيه بصمات الميرغني في كل ما كتب، كان مثالًا للنقابي وليس ‏النقابنجي، الذي يطنطن بلا أي فعل حقيقي”، هذا ما كتبه يحيى قلاش نقيب الصحفيين الأسبق عن الكاتب الصحفي الراحل رجائي الميرغني، الذي كان أحد أبرز أبطال عمومية الصحفيين التاريخية، التي ظلّت مُنعقد عامًا كاملًا في 1995، رفضًا لـ”قانون اغتيال الصحافة”، الذي حاولت الحكومة في ذلك التوقيت فرضه على الصحفيين، بمزيد من التقييد على حرية الرأي والنشر والتعبير.

ظلّ اسمه يتردد وسط أسطر من ذهب، سنوات بعد رحيله، تذكّر الصحفيون فيها نضالات الكاتب الراحل رجائي الميرغني في بلاط صاحبة الجلالة؛ فكان نقابيًا من طرازٍ رفيع، أحب الصحافة والنقابة وأخلص لهما.

ذكرى عمومية الصحفيين التاريخية ورحيل رجائي

تحل اليوم السبت العاشر من يونيو، الذكرى الـ28 لعمومية الصحفيين التاريخية، والتي اعتبرها الصحفيون عيدًا لحرية الصحافة، كما تحل أيضًا الذكرى الثالثة لوفاة الكاتب الصحفي الكبير رجائي الميرغني، الذي وافته المنية يوم 3 يونيو عام 2020، بعد نضال طويل، وتاريخ ناصع البياض في العمل النقابي، دام سنوات كثيرة.

شارك “الميرغني” في لجنة صحفية قانونية، ضمت الأساتذة أحمد نبيل الهلالي، والمستشار سعيد الجمل، والدكتور نور فرحات، وحسين عبدالرازق، ومجدي مهنا؛ بهدف إعداد مشروع قانون بديل في مواجهة هذا القانون.

ارتبط “الميرغني” بالعمل النقابي منذ عام 1980، وشارك في مختلف معارك الدفاع عن حرية الصحافة واستقلال النقابة؛ حيث انتُخب عضوًا في مجلس نقابة الصحفيين لدورتين متتاليتين لمدة 8 سنوات، بدءًا من عام 1995، وحتى عام 2003، كما شغل منصب وكيل أول مجلس النقابة خلال الدورة من عام 1999 حتى 2000، واُختير وكيلًا أول للنقابة ورئيسًا للجنة القيد.

من هو رجائي الميرغني؟

الكاتب الصحفي الراحل رجائي الميرغني، من مواليد المنيا 25\9\1948، والذي انتمى لأسرة وطنية، لها دور بارز في تاريخ مصر؛ حيث كان والده الشيخ محمد الميرغني واحدًا من قادة ثورة 1919 بمحافظة المنيا، واُختير عضوًا في اللجنة الوطنية التي أدارت شؤون بندر المنيا أثناء أحداث الثورة، وخاض الميرغني الكبير انتخابات مجلس النواب، وتصدّر الدعوة إلى الأفكار الاشتراكية ضد الفقر والجهل والمرض بالمحافظة، وكان شديد الإيمان بالوحدة الوطنية؛ فكان يُلقى خطبه في الكنائس والمساجد على السواء، كما حصل على شهادة العالمية من الأزهر الشريف في 3 فبراير 1938، وعمل محاميًا شرعيًا بعد الحصول عليها.

تخرّج رجائي الميرغني من قسم الصحافة بجامعة القاهرة عام 1970، بتقدير جيد جدًا مع مرتبة الشرف وأسهم في الحركة الوطنية للطلاب منذ تفجيرها في فبراير 1968.

 

رجائي الميرغني و”المزرعة الصينية”

امتلك الكاتب الصحفي الراحل رجائي الميرغني، تاريخ نقابي طويل، ليس على مستوى النضال من أجل حرية الصحافة واستقلالية النقابة والدفاع عن المهنة فقط، بل يمتد إلى الدفاع عن أرض الوطن، من خلال مشاركته في حرب أكتوبر عام 1973، والقتال ضمن قوات اللواء 16 مشاة في معركة “المزرعة الصينية” بالدفرسوار، والتي تكبّد فيها العدو خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، وأُصيب على إثرها بشظية مدفعية.

أعماله المهنية والصحفية

عمل “الميرغني” محررًا بقسم الأخبار بوكالة أنباء الشرق الأوسط عام 1970، وتنقّل بين مختلف إدارات التحرير، وتخصّص في الشؤون الفلسطينية والعربية، وعمل نائبًا لرئيس التحرير بوكالة أنباء الشرق الأوسط، اعتبارًا من 2007، والمسؤول عن شبكة المراسلين للوكالة داخل مصر وخارجها حتى 2013.

وقاد مع زملائه بالوكالة، حملة رفض إلحاق الوكالة بوزارة الإعلام عام 1984، والتي انتهت بإعلان الحكومة تخلّيها عن هذا المُخطط.

أعماله الفنية والأدبية

كان للكاتب الراحل لمسات فنية مختلفة في رسم الجرافيك، الذي كان يُتقنه بدقة شديدة، وله عشرات الرُباعيات الساخرة والرومانسية والوطنية، فضلًا عن أن له العديد من المؤلفات والكُتب والروايات.

حفظ “الميرغني” تجربته الثرية بمشاركته في حرب أكتوبر 1973، في عمل روائي طويل، تناول بطولات الإنسان المصري في هذه الحرب وتحقيقه النصر، وقد نُشرت فصول منها في الصحف والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعي في مناسبات ذكرى أكتوبر خلال السنوات السابقة.

زوجته خيرية شعلان: “وحشتنا يارجائي”

نظرة واحدة، استطاعت أن تخطف قلب الكاتبة الصحفية خيرية شعلان، وذلك خلال أحد اجتماعات التحرير في وكالة أنباء الشرق الأوسط، حينما رأته يتحدّت بمهنية وحب لعمله، ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم، خطف رجائي قلب خيرية شعلان، وظلّت صاحبة الجلالة شاهدة على قصة حُبهم حتى بعد رحيله.

على الرغم من رفضها الزواج لسنوات طويلة، إلا أن لقاء خيرية شعلان بالكاتب رجائي كان نقطة التحوّل في حياتها؛ حيث تكلل حب الميرغني وشعلان عام 1985، وأنجبا الإعلامية سوسنة والمهندس حاتم، والذي ترك فيهم لمساته الفنية والإنسانية الرفيعة.

ظلّت شعلان طوال 3 سنوات على رحيل زوجها، تكتب تدوينة يومية بعنوان “صباح الخير يارجائي”، وأخرى تحمل عنوان “وحشتنا يارجائي”، تتذكّر فيها رباعياته وأعماله الفنية، وتُذكّر الصحفيين بعِطر ما كان يكتبه.

مشاركاته الفعّالة

  • أعد كتاب “الصحفيون في مواجهة القانون 1993″، الذي صدر عن مؤسسة دار الهلال، ونشر عام 2005، كتاب ”نقابة الصحفيين” ضمن سلسلة النقابات المهنية التي يُشرف عليها مركز الدراسات الاستراتيجية بمؤسسة الأهرام.
  • شارك في المؤتمر التأسيسي للمُنظمة العربية لحرية الصحافة الذي عُقد في لندن عام 2000.
  • شارك فى مراجعة ومناقشة العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه في الجامعات المختلفة وكلية الإعلام بجامعة القاهرة.
  • أعد خطة مُفصّلة عام 2012 لإنشاء هيئة وطنية للتنظيم الذاتي للصحافة ووسائل الإعلام المصرية، بالتنسيق بين نقابة الصحفيين ومكتب اليونسكو بالقاهرة.
  • أسهم فى أعمال اللجنة المُكلّفة بإعداد مشروع قانون إلغاء العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر، التي أشرف عليها الدكتور أسامة الغزالي حرب، ورأسها المستشار عوض المر رئيس المحكمة الدستورية الأسبق.
  • أسهم ضمن لجنة صحفية في صياغة وإعداد مشروع قانون الصحافة 96.
  • تولى مسؤولية الحفاظ على تراث النقابة من الدوريات، التي يرجع بعضها لزمن الثورة العرابية، وكذلك الكتب القديمة والتاريخية التي ضمّتها مكتبة النقابة.
  • أسهم في تطوير إجراءات القيد بنقابة الصحفيين، واعتماد معايير موضوعية للعضوية، والتي كانت تعتمد على أساليب غير مناسبة.

تكريم رجائي

نال الكاتب الصحفي الراحل رجائي الميرغني العديد من الأوسمة والدروع وشهادات التقدير، من مؤسسات وهيئات مدنية وصحفية؛ لدوره البارز في أنشطة المجتمع المدني المُتصلة بقضايا حرية التعبير والصحافة وتطوير الإعلام، وتكريمًا لمشواره النقابي والصحفي المُتميز، وانحيازه لحرية الصحافة، والدفاع عن حق التعبير والنشر.

  • حصل على درع جامعة الأهرام الكندية عام 2013 عن دوره في الدعم الأكاديمي لطُلاب كلية الإعلام بالجامعة.
  • حصل على درع الشهيدة ميادة أشرف لـ”حرية الصحافة” عام 2014 من الاتحاد العربي للصحافة الإلكترونية.
  • كرّمته الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية ضمن 34 شخصية عامة أسهمت في تعزيز جهود التحول الديمقراطي خلال العقد الأول من الألفية الثالثة عام 2010.
  • اُختير أمينًا عامًا مُساعدًا للجنة الدائمة للحريات باتحاد الصحفيين العرب عام 2001، وحصل على ميدالية الاتحاد في يوبيله الذهبي تقديرًا لجهوده.

قالوا عنه..

أسماه البعض “ضمير الصحافة المصرية”، وأطلق عليه آخرون “رائد الصحافة والفكر والوطنية”، ونشر عنه كِبار الكُتاب الصحفيين، والقيادات النقابية والمهنية في مصر وخارجها؛ حيث سطّروا تاريخه في كل ذكرى لوفاته، وتذكّروا حكاياته ومواقفه الإنسانية النبيلة.

وتمتلئ مواقع التواصل الاجتماعي، ومئات المقالات، بكتابات رجائي كل يوم، بين أبيات شعر ورباعيات، أو مقالات، أو أجزاءٍ من كُتبه، من تلامذته، أو أساتذته، أو زملائه في الوكالة أو النقابة؛ وسيظل الكاتب الصحفي الراحل في ذاكرة صاحبة الجلالة وأبنائها.

زر الذهاب إلى الأعلى