مصطفى رحومة.. صحفي يُغير الواقع

  1. بطل الأسبوع الحالي هو ُمصطفى رحومة، صحفي يعمل في صمت، ومع ذلك يثير ضجة مع كل تقرير أو تحقيق يُنفذه.

لم تكن بدايات “رحومة” بمعزل عن أحلامه؛ فهو ابن قرية تحتضن الجبل في مركز القوصية بمحافظة أسيوط، مواليد عقد الثمانينات من القرن الماضي، لم يُشغله في صِغره سوى القراءة، القراءة وفقط هي المتعة، كانت القرية تفتقر إلى المقوّمات الثقافية البسيطة، ولم يكن من منفذ للقراءة والثقافة سوى مكتبة المدرسة، حتى أنه كان يحرص على الترشح في انتخابات “أمانة الفصل”، ليتولّى أمين اللجنة الثقافية منذ المرحلة الابتدائية والإعدادية، حتى يكون مسؤولًا عن المكتبة التي كانت غنية بكتب مشروع “القراءة للجميع”، وهو ما وسّع مداركه منذ الصِغر.

والده كان بوابته لحب “الصحافة”؛ حيث كان قارئًا نهمًا للصحف، ثم جاء دور أساتذته في المدرسة في تنمية موهبة حبه للغة العربية والكتابة، خاصة وأنه كان من الطلاب المتفوقين دراسيًا.

في المرحلة الثانوية خطّت أنامل مصطفى أول مسرحية في المسرح المدرسي، كما دوّن أول مجموعة قصصية، وحينما أوشك حلمه بالالتحاق بكلية الإعلام يضيع بسبب بضع درجات في الثانوية العامة، وجد فرصته في كلية الآداب بجامعة المنيا، ليلتحق بقسم الإعلام، ويتخصص في شُعبة الصحافة، والتي تخرّج منها في 2006.

كانت محطته الأولى في عالم الصحافة من جريدة حزبية، تمرّي فيها على كافة أنواع الكتابة الصحفية، وكانت بوابته للالتحاق بنقابة الصحفيين، ثم انتقل إلى جريدة “24 ساعة” اليومية الخاصة، التي كانت أول صحيفة مصرية يومية توزّع مجانًا، وتخصّص وقتها في ملف التعليم، وحقّق وقتها عددًا من الانفرادات الصحفية، وكان لقلمه دورٌ في كشف الفساد والعشوائية التي تُدار بها الوزارة، حتى أنه وقت تولّي الدكتور أحمد زكي بدر وزارة التربية والتعليم، منعه من دخول الوزارة هو وصديقه وقتها هشام شوقي بجريدة “المصري اليوم”، في أزمة تدخّل فيها نقيب الصحفيين في ذلك الوقت الكاتب الكبير الراحل مكرم محمد أحمد، وأجبر الوزير على القدوم لنقابة الصحفيين، والاعتذار عما حدث، قبل أن تندلع ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011.

تنقّل مصطفى بين الصحف المصرية والقنوات الفضائية، وعمل فترة مراسلًا لعِدة صحف عربية، قبل أن تكون بوابته الكُبرى في العمل الصحفي من خلال جريدة “الوطن” المصرية الخاصة؛ حيث كان أحد مؤسسي القطاع السياسي بالصحيفة وقت انطلاقها في 2012م، وتخصّص في تغطية “الملف القبطي”، في وقت فارق، كانت تموج فيه مصر بمتغيرات جمّة على الأصعدة كافة، أبرزها صعود جماعة الإخوان إلى الحكم، ما أثار النعرات الطائفية، وانتشار العنف الطائفي بصورة كادت تكون ممنهجة في هذا الوقت، إضافة إلى خلو الكرسي البابوي بوفاة البابا شنودة الثالث، البطريرك الـ117 للكنيسة القبطية الأرثوذكسية.

واصل مصطفى انفراداته الصحفية في ذلك الوقت، بمواكبة الانتخابات البابوية، ومنها أوراق الطعون على إثنين ممن كانا يُعرفان بـ”رجال الحرس الحديدي” في ذلك الوقت، الأنبا بيشوي مطران دمياط الراحل، والأنبا يوأنس أسقف أسيوط الحالي، واللذان تم استبعادهما بعد ذلك من استكمال الانتخابات البابوية، إلى جانب آخرين.

كما كشف عن المضايقات التي لاقاها الاقباط خلال الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 2012، واللقاءات السرية التي جمعت شخصيات كنسية مع قيادات داخل الإخوان ورئاسة الجمهورية وقتها محمد مرسي، لاستمالة الأقباط والكنيسة، وذلك بعد أن نشر مصطفى حوار مع الأنبا مرقس مطران شبرا الخيمة.

عشرات الملفات المسكوت عنها تطرّق إليها مصطفى؛ ففي تحقيق “أديرة النصب على الأقباط” عام 2015م، كشف تفاصيل ما يُعرف بـ”أديرة الوهم” للنصب على الأقباط، سواءً باستقطابهم بدافع الرهبنة، أو اللعب على النزعة الدينية، والاستيلاء على أموالهم، وذلك تحت ستار التبرّع لتأسيس أديرة جديدة، قبيل تفجير أزمة دير وادي الريان، التي استمرّت عقِب ذلك لعدة سنواتٍ، مع حدوث تمرّد على الكنيسة،
كما كشف بالمستندات جمع راهب لـ33 مليون جنيهٍ لبناء دير يحمل اسم “الأنبا كاراس” دون علم الكنيسة، وكان سبقًا لحدوث تمرّد على الكنيسة والخروج عن طاعتها في 2018، ووقوع أزمة مقتل رئيس دير أبو مقار بوادي النطرون الأنبا إبيفانيوس على يد راهب بالدير، ممن ذهبوا لتأسيس مثل تلك الأديرة.

ونال عن ملف “معارك الكنيسة ضد الكتب والكتاب باسم الدين”، جائزة نقابة الصحفيين في فرع الصحافة الثقافية في 2016م، وملف “أموال الرب في سراديب الكهنة” تحدّث فيه عن أموال الكنيسة من أين؟ وإلى أين؟.

وفي 2017، كتب ملف “الفن المسيحي.. إبداع تحت الوصايا”، الذي حصل منه على شهادة تقدير ضمن جوائز نقابة الصحفيين في فرع الصحافة الفنية.

أما تحقيق “الزي الكهنوتي” من البابا إلى الراهب.. ثياب الكنيسة تنتظر “التقنين”، فقد أثار ضجّة كبيرة فور كتابته، وكان من نتائجه أن طالبت الكنيسة رسميًا بسن تشريع لوقف عمليات النصب على الأقباط بالملابس الكنسية.

وفي 2018، كان أول من أشار إلى المتهمين في مقتل رئيس دير أبو مقار لغز خلال موضوع حمل عنوان: “مقتل الأنبا إبيفانيوس.. 3 سيناريوهات وراء جريمة دير أبو مقار”، وانفرد بتفاصيل الكتاب الذي أصدره دير أبو مقار في ذكرى أربعين مقتله، واشتمل على الحوار الوحيد الذي تكلّم فيه الأسقف المغدور به، كما اشتمل الملف على شهادات رجال الكنيسة ورهبان أبو مقار عن الأسقف القتيل، وحياته، وما يحدث خلف أسوار الدير الأثري، و”آخر ما كتبه رئيس الدير على حاسبه الآلي الشخصي قبل مقتله بساعات”.

وبعد عام على مقتله الذي غيّر كثيرًا داخل المجتمع الكنسي، جاء ملف “الأنبا إبيفانيوس.. دماء على أبواب الإصلاح”، الذي نُشر في 2019م.

وفي 2022م، حصل مصطفى على الجائزة السنوية لمؤسسة مصطفى وعلي أمين للصحافة، في التحقيق الصحفي، عن ملف “إعادة اكتشاف التراث القبطي”، الذي تم نشره على عدة حلقات في 2021م، وتناول قضية التراث القبطي بوصفها أحد أعمدة الهوية المصرية، وجزء من تاريخها الملئ بالأسرار والحكايات، ويُعد “خبيئة ثمينة”، فرغم ما تم تناوله عنه لا يعدو كونه جزءًا صغيرًا من كنوز مصر التي لا تنضب، وتحتاج إلى من ينقّب فيها، ليُدوّن في كتبه عن “التاريخ والثقافة والأدب والفن والفلسفة”، وهو ما تطرّق له الملف الصحفي الذي دُعم بصور ومستندات نُشرت لأول مرة.

أجرى مصطفى عشرات الحوارات مع رجال الكنيسة من الطوائف المسيحية المختلفة، وكان على رأسهم البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، كما قام بكافة التغطيات للأعمال الإرهابية التي طالت الأقباط والوطن، خلال الفترة التي تلت 2013م؛ فكان ملفه الصادر في يناير 2014م بعنوان: “ميلاد الآلم والخوف”، راصدًا أوجاع الأقباط فى عيدهم.

وداخل بلاط صاحبة الجلالة، انتقل مصطفى في 2020م، ليترأّس إدارة غرفة الأخبار التي تم استحداثها في إطار “تلفزيون الوطن”، وأسّس الغرفة الخاصة بالنشرات الأخبارية لجريدة الوطن، قبل أن يؤسس في 2022م، وحدة للملف القبطي داخل الجريدة.

وتدرّج في المناصب الإعلامية؛ إ​ذ يشغل حاليًا بجانب عمله الصحفي، منصب رئيس تحرير في غرف أخبار قطاع أخبار الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، الذي يضم قنوات “إكسترا نيوز، إكسترا لايف، القاهرة الأخبارية”.

وحرص مصطفى على صقْلِ مهاراته خلال تلك المسيرة، وحصل على العديد من الدورات التدريبية من عِدة مؤسسات مصرية ودولية، أبرزها “رويترز، النادي الإعلامي بالمعهد الدنماركي، وغيرهم”.

ويرى مصطفى أن عمله في الملف القبطي على مدار السنوات التي تجاوزت عقد من الزمن، أكسبته حساسية عالية في التناول المتوازن، ما بين غواية الصحافة، وأساسيات الأمن القومي، والسعي بجانب تعزيز المعرفة من وراء عمله الصحفي، إلى ترسيخ أُسس المواطنة، وعدم التمييز داخل المجتمع، والمساهمة في صناعة الوعي الجمعي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى