كلية الإعلام جامعة القاهرة.. أول كلية إعلام في الشرق الأوسط
كان الدكتور طه حسين أستاذًا في كلية الآداب جامعة فؤاد الأول “جامعة القاهرة حاليًا”، وحين طلب منه نجيب الهلالي باشا وزير المعارف آنذاك، أن ينقص آماد الدراسة في كلية الآداب، انتهز طه حسين الفرصة وقدّم تقريرًا يرفض فيه الاقتراح، ولكن يُقدِم رؤية تطويرية لكليات الجامعة، وبالأخص كلية الآداب.
ومن مقترحات التطوير كان تثقيف فريق من الشباب في فروع من العلم على وجه يُمكّنهم بعد الظفر بالدرجات الجامعية، من أن ينهضوا ببعض التبعات في أنحاءٍ مُختلِفة من الحياة، نهوض الرجُل المستنِيرالمُهذب، الذي يحسن فهم الأمور وتقديرها.
وأنحاء الحياة هذه التي يُهيَّأ لها هذا الفريق من الشباب كثيرة مُختلِفة؛ فمنها ما يكون في دواوين الحكومة ومصالحها، ومنها ما يكون في الصحف على اختلاف أغراضها ومذاهبها، ومنها ما يكون في الأعمال الحُرّة المختلفة.
ويؤكد طه حسين في تقريره، أن الشاب الصحفي يحتاج إلى الخلُق المتين، والثقافة العميقة الراقية، وهذا كله يأتي بالدراسة والعلم، ويستكمل تقريره بأن الكلية قد فكّرت في أن تُنشئ لهم مدرسة عملية للتحرير والترجمة والصحافة، يختلفون إليها متى بلغوا السنة الثالثة في كلية الآداب، ويدرسون فيها سنتين، حتى يحصلوا على إجازتها مع الليسانس، ويكونوا أهلًا للنهوض بالتحرير والترجمة وأعمال الصحافة.
ولهذه المدرسة ثلاث أقسام وهي: التمرين على التحرير العربي، والتمرين على الترجمة من وإلى العربية والإنجليزية والفرنسية، والقسم الثالث التمرين على أعمال الصحافة من تحرير وإدارة واستخبار وتوزيع.
كل هذه الاقتراحات دوّنها الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي، في كتابه “مستقبل الثقافة في مصر”، والذي يُعد واحدًا من أهم الكتب التي تضع خططًا تطويرية وتفصيلية للنهوض بالتعليم والثقافة في مصر، ومن هذا الكتاب تأسس أول معهد لدراسة التحرير والترجمة والصحافة على يد الدكتور محمود عزمي، وكان يمنح درجة الدبلوم المعادلة للماجستير في عام 1939، حتى جاءت ثورة يوليو، وتحوّل المعهد إلى قسم في كلية الآداب يمنح درجات الليسانس والماجستير والدكتوراه، وتولّى رئاسته الدكتور عبداللطيف حمزة.
وفي 19 ديسمبر 1969، وافق مجلس جامعة القاهرة على تحويل القسم التابع لكلية الآداب إلى معهد مُستقل للإعلام، تولّى عمادته وقتها الدكتور إبراهيم إمام، وضم أقسام الصحافة، والإذاعة والتليفزيون، والعلاقات العامة والإعلان، وبدأت فيه الدراسة فعليًا في مارس 1971 لطلاب الدراسات العليا، وفي أكتوبر من نفس العام لطلاب البكالوريوس.
ولم تتخرّج أيّة دفعة من المعهد، خاصة وأنه تحوّل أثناء دراسة دفعته الأولى من الطلاب إلى كلية عام 1974، وخرّجت أولى دفعاتها عام 1975، لتكون أول دفعة من خريجي كلية الإعلام في مصر والعالم العربي والشرق الأوسط.
وقد تتابع على عمادة الكلية عددٌ من رواد الدراسات الإعلامية في مصر، هم الأساتذة: سمير حسن، ومختار التهامي، وجيهان رشتي، وفاروق أبو زيد، وعلي عجوة، وماجي الحلواني، وليلي عبدالمجيد، وسامي عبدالعزيز، وحسن عماد مكاوي، وجيهان يسري، كما تولى الإشراف على العمادة لبعض الفترات أساتذة من خارج الكلية، مثل: الأساتذة حسن شريف، وعبدالملك عودة، وحسن حمدي، وحلمي نمر.
وهكذا توالت دفعات الخريجين، وزادات شراكات الكلية مع المجتمع، مُتمثّلة في وزارات الإعلام، والثقافة، والصحة والسكان، والخارجية، ونقابة الصحفيين، والمجلس الأعلى للصحافة سابقًا، والهيئة العامة للاستعلامات، واتحاد الإذاعة والتليفزيون، والمؤسسات الصحفية القومية والحزبية والخاصة، وأكاديمية الشرطة، وإدارة الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة، وجهاز شؤون البيئة، وغيرها.
كما شاركت الكلية في تدريب العديد من الصحفيين والإعلاميين بالتعاون مع المؤسسات الصحفية، وقدّمت يد العون للعديد من مؤسسات الدولة، كبيت خبرة أمدتها بالاستشارات العلمية والفنية، وبحوث الرأي العام والجمهور، بالإضافة إلى تنظيم حملات التسويق الاجتماعي.
وفي عام 1995 انتقلت الكلية إلى مقرها الجديد في مبناها الحالي، بعد أن ظلّت ضيفة على كلية الاقتصاد والعلوم السياسية لسنوات، وبدأت مسيرة التطوير والتحديث، وأسست داخل هذا المبني مطبعة، ومعامل للتدريب، واستديوهات متطورة مُجهّزة بأحدث المعدات والأجهزة، بهدف تطوير مهارات الطلاب، وتدريبهم على أحدث المُستجدات في سوق العمل.
ويتمثّل التدريب في إصدار قسم الصحافة لجريدة صوت الجامعة الأسبوعية، ومجلة الجامعة الشهرية، وكذلك راديو “إعلام أون لاين” من قسم الإذاعة والتليفزيون، الذي ينطلق من استديوهات الكلية، في إطار منظومة التدريب بالقسم، الذي يضُم أيضًا إنتاج أفلام وثائقية، وبرامج حوارية، ونشرات إخبارية، تُذاع على القناة الرسمية للكلية على موقع “يوتيوب”، وذلك بعد معالجتها باستخدام معمل “الفاينال كات” المتطوّر بالكلية.
أما في قسم العلاقات العامة، فيتم تدريب الطلاب في إطار وكالة الكلية للعلاقات العامة والإعلان، وباستخدام معامل الكمبيوتر الخاصة بالقسم، بالإضافة إلى مهارات تنظيم الأحداث الخاصة، وتنظيم حملات التوعية، وغيرها.
كل ذلك بجانب الدراسات العليا بالكلية، من ماجستير ودكتوراه، وكذلك البرامج الدراسية المتنوعة التي تخدم عددًا كبيرًا في مجالات مختلفة.
ومؤخرًا حصلت كلية الإعلام جامعة القاهرة على الاعتماد الدولي من مؤسسة AQAS الألمانية، لتُصبح أول كلية تم اعتماد برامجها دوليًا، وقد أشادت الهيئة الألمانية بالكلية ونظم الجودة التي تتبعها.
ولا ينسى طلاب وخريجي الكلية من الصحفيين والإعلاميين حاليًا، أسماء أبرز الأساتذة الذين قدّموا إسهاماتٍ علمية وعملية، كانت نقطة انطلاق لإنتاج صحفي وإعلامي متميز، ومنهم الأستاذة: الدكتورة عواطف عبدالرحمن، الأستاذة الدكتورة راجية قنديل، والأستاذ الدكتور عاطف عدلي العبد، والأستاذ الدكتور الراحل محمود علم الدين، والأستاذة الدكتورة ليلى عبدالمجيد، والأستاذ الدكتور شريف درويش اللبان، وغيرهم الكثير من الأساتذة الذين تظلّ أسمائهم علامات بارزة في مجال دراسة الصحافة والإعلام في مصر والشرق الأوسط.