عبدالله أبو ضيف.. صحفي لا يكف عن الحلم

جال في خاطر الصحفي عبد الله أبو ضيف، تفاصيل صعوبات مهنية واجهها كشريط سينمائي عابر أمامه أثناء أكثر لحظاته سعادة باستلام جائزة محمد حسنين هيكل، رائد الصحافة المصرية في القرن العشرين، والتي ارتبط الحصول عليها بأسماء نابهة ومؤثرة، كان هو مع الزميل أحمد رجب أخرهم بعد اقتناص الجائزة عن أعمالهما المبدعة.

توقع “أبو ضيف” أن يحصل على الجائزة في سنوات سابقة، وربما جاءت حين لم ينتظرها كمكافأة تخبره بصواب الطريق، وتقول له: “استمر”.

يحكي الصحفي المتخصص في ملفات الصحة والبيئة والمناخ، كواليس فوزه بالجائزة وطموحاته القادمة لـ”المرصد”.

ويقول: “حلمي بالجائزة كان بناء على اختياري صحافة مهنية تستطيع أن تغير الواقع، وتقدم معلومات إلى الناس، كنت أعرف أني في يوم سأحصل عليها، لكن لم أتوقعها هذا العام”.

يضيف: “قدمت في المسابقة وهي تعتبر من أصعب المسابقات الصحفية، تتطلب ملء نموذج به قرابة 20 تقرير صحفي يعتبرهم الصحفي الأهم في مسيرته المهنية، بخلاف أحدث أعمال العام، مع خطاب ترشح من الجريدة، فهي تهتم أن يكون الصحفي لديه مشروع شخصي في كتاباته ويعمل وفق رؤية محددة”.

▪️محطات فارقة

يتذكر أبو ضيف بدايات عمله على الملف الصحي الذي قدم خلاله موضوعات أهلته لجائزة هيكل: “أنا من الأقصر من بلد جميلة وصغيرة اسمها أرمنت، لكن غياب الصحة فيها كارثة اجتماعية، كنت أسمع عن قصص مثل موت سيدة لعدم توافر العلاج، أو إحضار قسوس وشيوخ لعلاج لدغات العقارب التي تحدث بكثرة ولم يتاح للمصابين بها أي دواء فيلجأون إلى رجال الدين”.

مثل هذه القصص صنعت لدى أبو ضيف دافعاً لتبني قضايا أهل مدينته، منذ عام تخرجه 2015 بدأ العمل على التحقيقات، مع جيل عرف العمل الميداني منذ اللحظات الأولى لثورة يناير 2011 وما تبعها من أحداث، وجد فيها الصحفي الذي كان لا يزال طالباً فرصته الذهبية لتغطية الاشتباكات، والتجرأ بالتواجد في قلب الأحداث الساخنة.

ما قبل الدراسة، يتذكر أبو ضيف حبه للقراءة، ودهشته لفكرة وجود أشخاص قادرين على تغيير الكون بجرة قلم، متأملاً الاحتفاء الكبير المحلي والعالمي للكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل، مذ كان شاباً قادماً من الصعيد، ورحلته ليصبح اسمه فيما بعد ملء السمع والبصر.

يحكي عن هذه المرحلة: “لم يكن معتادا أن يختار الطالب دراسة الصحافة.. في بلدنا الجميع يحلم بالالتحاق بكليات الجيش أو الشرطة، كانت أسرتي معارضة لفكرة دراسة الصحافة والعمل بها، لكنهم مع الوقت بدأوا يقتنعوا وافتخروا بي”.

تنقل أبو ضيف بين عدد من الجرائد والمواقع الصحفية، منها أكاديمية أخبار اليوم، وجريدة الصباح، ثم القاهرة 24، والمصري اليوم، ومنها العمل في مواقع مستقلة عربية ودولية مثل الاتحاد الإماراتية، ورصيف 22، بخلاف عمله في عدد من القنوات التلفزيونية، يقول: “اكتسبت خبرة كبيرة من العمل في أماكن متنوعة”.

ومع ذلك يأسف أبو ضيف لحال الصحافة المصرية، ويقول إنها “لا تؤمن بالصحفي، هي تؤمن بكونه “فواعلي” وليس بشر من لحم ودم يحتاج إلى تدريب وتصديق، وما يساعد على زيادة الأزمة وجود قانون للالتحاق بالنقابة غير مهني وغير أخلاقي يسمح للمؤسسات بإجبار الصحفي على ممارسة نوع من الشغل لا علاقة له بالصحافة”.

ويذكر تحد واجهه حين اشترطت عليه إحدى الصحف نمط معين من الشغل يعتمد على ملاحقة الترند ولا يليق بطموحه كصحفي، لكنه رفض ذلك بشكل قاطع رغم ظروفه المادية التي لم تكن في أفضل حال وقتها “أؤمن أن الصحفي عليه امتلاك رفاهية الرفض، ﻷن دورنا نمارس صحافة حقيقية”.

مشكلة أخرى تعرض لها حين تم حذفه من الجروب الرسمي لوزارة الصحة بسبب قصة صحفية عن تعرض طبيبات للوفاة، وتعرض طبيبة لإزالة رحمها بعد إجهاض جنينها بسبب إجبار وزارة الصحة لهن على التدريب في القاهرة واستقدامهن من المنيا دون النظر لظروفهن، وتوفير تنقل آمن لهن.

يستكمل حديثه: “كنت الصحفي الوحيد الذي غطى هذه الواقعة، ودافعت عن الفتيات بكشف الحقيقة كما هي، ما أثار حفيظة الوزارة وحذفتني من الجروب الخاص بها”.

ويفخر الصحفي الحاصل على جائزة هيكل، بموضوعاته المؤثرة، ويذكر منها تحقيق صحفي تتبع فيه خط الإصابات في مصر بكورونا، وكشف أن منطقة حلوان الأكثر فساداً بسبب مستشفى حلوان التي تتلقى رشاوى ولا تظهر نتائج حقيقية للمرضى، ورصد ذلك بالتصوير بعد تقمص دور مريض وحجز دوره للكشف، وكانت نتيجة التحقيق إغلاق المستشفى”.

▪️البيئة والمناخ

العمل على ملف البيئة والمناخ في مصر من التحديات الكبرى التي يواجهها الصحفيون، كونه من الموضوعات الحديثة عالمياً، ومن ناحية أخرى لقلة المصادر والمراجع العربية.

وعن هذا يتحدث أبو ضيف: “البيئة والتغير المناخي من الموضوعات العلمية الخطيرة، ولا يزال العموم غير مدركين لمدى تأثيره على صحة وجودة الحياة على الإنسان في العالم العربي”.

قرر اللحاق بالعمل على هذا الملف من خلال 6 حوارات أنجزها مع وزراء وقيادات البيئة من 6 دول في العالم العربي، ونشرها في جريدة المصري اليوم، مؤكدا أنه أكسب موضوعاته طابعاً إنسانياً وليس علمياً بشكل تام.

ويحكي عن هذا الملف: “قدمت العديد من الموضوعات وأبرزت فيها تأثير التغير المناخي على نوم الإنسان وأكله وصحته بشكل عام، وتناول أحد التقارير دور الحيوانات في مساعدة الإنسان لمواجهة التغير المناخي، وذكرت الخنزير في مصر الذي يتعرض لأبشع أنواع الوصم، في حين أن القاهرة بالكامل منظومة النظافة فيها قائمة في الأساس على الخنزير”.

▪️أحلام مهنة البحث عن المتاعب

يرى أبو ضيف أن الصحفي يجب ألا يكف عن الحلم، ولكن حلمه الخاص هو عودة المهنة إلى سابق عهدها، “ممكن أذكر عشرات أو مئات الصحفيين المصريين العاملين في صحف دولية وعربية كبرى، وللأسف الصحافة في مصر لا تعطهم القدر الكافي من التقدير”.

ويستكمل: “كنا بنشوف برنامج من صالة التحرير، يتحدث مع الصحفيين عن تحقيقاتهم وعملهم، ونحن لدينا صحافة قوية ورائدة، فقط علينا الاعتراف بأهميتها، مع قانون يضمن الانضمام للنقابة بشروط غير تعجيزية وتحد من طموح الصحفي وشغفه”.

وأخيراً.. يعد أبو ضيف الجوائز حافز لاستكمال المسيرة، وليست هدف في ذاتها : “في عبارة أحبها تقول فلان حصل على نوبل ومضى، وهكذا أنا وكل من حصل على جائزة، مضينا اليوم التالي في طريقنا وأكملنا شيفت الجريدة بعد احتفال مع الأصدقاء، فالصحفي قيمته في موضوعاته المؤثرة وليست الجوائز”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى