ملخص الدعم القانوني للصحفيين خلال شهر نوفمبر 2017
*مقدمة:
قام “المرصد المصري للصحافة والإعلام” على مدار عام كامل بتقديم الدعم القانوني للصحفيين من خلال برنامج المساعدة القانونية في “المرصد”، والذي تمثل في تقديم الدفاع القانوني المباشر في عدد من القضايا والمتابعة الدورية لإجراءات التقاضي في دعاوى أخرى، وفي بعض الأحيان عن طريق التواصل مع الصحفيين ذاتهم وفريق الدفاع الخاص بهم وذلك بغرض التوثيق المباشر لوقائع الجلسات، وهو أشبه بشبكة تواصل قانونية تضم معظم محامي الإعلاميين والصحفيين التي تلاحقهم الاتهامات من حين لآخر بالإضافة إلى التغطية الإعلامية لها، جاء ذلك عبر142 دعوى قضائية والتي بلغت عدد جلساتها 342 جلسة محاكمة، توزعت على 8 محافظات من محافظات الجمهورية المختلفة.
هذا التقرير هو تحليل لخلاصة جميع التحركات القانونية وأشكال الدعم الإعلامي التي قام بها “المرصد” العام الماضي2017، والذي يتعلق بقضايا الحريات الإعلامية بعد عمليات الفحص والمراجعة والتدقيق من قِبل وحدة البحث واستبعاد القضايا التي لا ترتبط وقائعها بعمل صحفي حسب المعايير والقواعد المُتبعة لدى “المرصد”، لذلك فإن هذا التقرير يُعد أرشيفيًا تفصيليًا ودقيقًا لأنشطة “المرصد” خلال الفترة الزمنية المُحَدَّدة، مما يفتح المجال أمام كافة الباحثين القانونيين والمحامين والحقوقيين والمُهتمين بالصحافة والإعلام، وبالشأن العام لدراسة وتحليل تلك الإجراءات والسياقات القانونية.
المعايير التي استندنا إليها كـ”مرصد” في الحكم على قضية معينة إن كانت تنتمي إلى قضايا حرية الإعلام والصحافة أم لا، هى أن يكون سبب القضية له علاقة بكتابة أو صور منشورة أو كلام مُذاع لهذا الصحفي أو الإعلامي من خلال كيان أو مؤسسة صحفية أو إعلامية سواء كانت جريدة أو قناة أو موقع إلكتروني، أو أن يكون سبب القضية مُرتبط بعمل هذا الصحفي أو الإعلامي في تغطية أحداث معينة مع وجود تصريح من المؤسسة الصحفية التابع لها أو وجود اعتراف رسمي من هذه المؤسسة بعمل هذا الصحفي لديها أو أنه كان في مهمة صحفية تابع لها.
قُسمت هذا الورقة إلى قسمين:ـ
القسم الأول: عبارة عن عرض لإحصاءات حول قضايا الصحفيين من حيث التوزيع الجغرافي لهذه القضايا بين عدد من المحافظات ومن حيث نوعية الاتهامات المُوجهة للصحفيين في القضايا المختلفة.
ـ أما القسم الثانى: فيتناول بالتفصيل الاتهامات التي وُجهت للصحفيين طوال عام2017 وعرضًا للمواد القانونية التي تستند إليها هذه الاتهامات متضمنًا تحليلًا نقديًا لهذه المواد ومدى تطابقها مع الوقائع التي تم اتهام الصحفيين على أساسها في القضايا المختلفة.
*القسم الأول: إحصاءات حول القضايا
ـ أولًا: إحصاء التوزيع الجغرافي للقضايا:
تصدرت محافظتي القاهرة والجيزة معظم الحالات خلال هذا العام، وذلك يعود للمركزية الشديدة التي تتمتع بها كلًا من القاهرة والجيزة كمحافظتين كبيرتين، حيث شمل عدد الصحفيين الذين مُثلوا للتحقيق والمحاكمة أمام الجهات المختصة لـ 127 صحفيًا وهناك بعض الصحفيين الذين تم محاكمتهم في أكثرمن قضية.
جاء إجمالي عدد القضايا بمحافظة القاهرة بـ 70 قضية، ثم تليها محافظة الجيزة بواقع 56 قضية، كما تم نظر 9 دعاوى قضائية أمام القضاء الإداري كانت أبرزها قضايا إغلاق صحف خاصة.
أما عن المحافظات الأخرى، نظرت محكمة الجنايات باﻷسكندرية قضيتين، وقضية واحدة بمحافظة دمياط.
وعلى الجانب الآخر شهدت الإسماعيلية قضية واحدة، وكذلك القليوبية وكفرالشيخ والغربية.
ـ ثانيًا: إحصاء طبيعة القضايا وأحكامها:
وعلى نهج الاتهامات التي تُلاحق الصحفيين ، كانت أبرز التهم خلال العام الماضي، السب والقذف حيث بلغ عدد القضايا التي وُجهت فيها تلك التهمة لصحفيين 92 قضية، وتليها في الترتيب الاتهام بنشر أخبار كاذبة وكانت بواقع 19 قضية، وفي ذات السياق جاء انتحال صفة صحفي كتهمة لصيقة بحق كثير من الصحفيين بواقع 5 قضايا.
وقد قضت هيئة المحكمة بالتغريم في 45 قضية، بالإضافة للقضايا التي وُجهت فيها تهمة الانضمام لجماعة أُسست على خلاف أحكام الدستور والقانون والتظاهر بدون ترخيص وارتكاب أعمال عنف والتى حظت على 13 قضية، فضلًا عن دعوتين لإغلاق صحف وأخرى كانت قضية لمنع إذاعة أحد البرامج.
في واقعة غير مسبوقة من نوعها، لاحقت ممثلي وسائل الإعلام عدة اتهامات جديدة هذا العام على خلفية الموضوعات المتعلقة بالشأن القضائي، وضعتهم تحت طائلة القانون بعدة تهم كانت أبرزها تهمة خدش رونق القضاة وهي تهمة لم ينص عليها القانون المصري من قبل، وقد رصدت أيضًا نحو 8 قضايا من هذا النوع خلال العام الماضي، بالإضافة إلى قضية إهانة رئيس الجمهورية وكذلك قضية إهانة مجلس النواب باعتباره أحد السلطات بالدولة.
ولم يسلم الصحفيون من الملاحقات القضائية التي تنتهي بصدور أحكام قضائية بحقهم كضريبة لمهنة الصحافة في مصر، والتي تنوعت ما بين الحبس والغرامة والبراءة حيث بلغت عدد أحكام أول درجة 113حكم والتي تم الطعن على 6 أحكام منها ليكون إجمالي الأحكام النهائية التي صدرت بشأنها عقوبات أمام منصات القضاء بواقع 18 حكمًا بالحبس وكذلك 45 حكمًا بالغرامة وكانت باقي الأحكام تترواح ما بين براءة وعدم قبول وعدم اختصاص، ليكون إجمالي الوقف عن العمل 3 أحكام.
كان لجهات التحقيق نصيب من مُلاحقة الصحفيين خلال عام 2017 ، حيث مثُل 28 صحفيًا أمام مختلف النيابات والدوائر بالمحاكم، منهم 6 صحفيين في دوامات قرارات تجديد الحبس، و22 آخرين أُخلي سبيلهم، 11منهم بكفالة مالية، والـ 11 آخرين بضمان شخصي.
*القسم الثانى: الأصل القانوني لكل تهمة
استمرت مُلاحقة الصحفيين قضائيًا على خلفية ممارستهم للعمل الصحفي خلال العام الماضي، وكانت أبرز الاتهامات خلال النصف الأول من هذا العام: “انتحال صفة صحفي – نشر أخبار كاذبة – السب والقذف – إهانة السلطة القضائية – خدش رونق القضاء – التصوير بدون ترخيص- والاتهام الأشهر كان الانضمام لجماعة أُسست على خلاف أحكام الدستور والقانون” إضافة إلى أحكام بالعقوبات مع وقف التنفيذ التي أصبحت تُمثل سيفًا وتهديدًا للصحفيين طوال مدة وقف التنفيذ، وسنتناول فيما يلي بالتفصيل التكييف القانوني لكل تهمة :
ـ أولًا: الاتهام بانتحال صفة صحفي:
يُعتبر انتحال صفة صحفي من أبرز التهم التي تُواجه الصحفيين مُؤخرًا، وهي تهمة تُوجه في المطلق دون أدلة كافية، حيث إنه لا يوجد تعريف في القانون يُحدد صراحةً ما المقصود بانتحال صفة صحفي، بالإضافة لكونها وظيفة يكون اكتسابها عن طريق نقابة الصحفيين التي تضع بدورها شروط على قيد الصحفيين تحت قائمتها تجعل الشخص غير العضو مُضطرًا للعمل فترة في الصحافة بدون أن يكون معه ما يثبت أنه صحفي مما يجعله دائمًا عرضة للمساءلة القانونية، نصت المادة 7 من قانون نقابة الصحفيين وتحديدًا قانون رقم 76 لسنة 1970 أنه: “على طالب القيد في جدول الصحفيين المشتغلين، أن يكون قد أمضى مدة التمرين بغير انقطاع وكان له نشاطًا صحفيًا ظاهرًا خلالها ، يُرفق بطلب القيد شهادة مُفصلة عن نشاطه في الصحيفة أو وكالة الأنباء التي أمضى فيها مدة التمرين”.
ومن ناحية قانون العقوبات وهو المنوط به تحديد العقوبة التي تُطبق في حال ارتكاب جريمة، تم ذكر انتحال الصفة بشكل عام دون تحديد لوظيفة الصحفي بعينها، وذلك على نحو ما ذكر في نص المادة 155 من قانون العقوبات: “على كل من تداخل في وظيفة من الوظائف العمومية من غير أن تكون له صفة رسمية من الحكومة أو إذن منها بذلك أو أجرى عملًا من مقتضيات إحدى هذه الوظائف يُعاقب بالحبس”.
وبمراجعة نصوص قانون العقوبات المنوط به تجريم الأفعال، نجد أن التركيز كان على الوظائف العامة والنيابية والعسكرية، بالإضافة إلى أنه إذا قام شخص بانتحال صفة فيجب أن يكون هدفه الإضرار بالغير أو الحصول على منفعة لنفسه، وبالتالي حتى نتمكن من إطلاق هذا الاتهام يتوجب أن يكون هناك إضرارًا بالغير أو حصول على منفعة.
وقد عرف الفقهاء القانونيين الصفة بأنها “هي المركز الذى يمنح صاحبه سلطات، أو مزايا معينة يستطيع أن يباشرها أو يتمتع بها”، والصحفي يُمنح تلك الصفة ويستمدها من الجريدة، أو المؤسسة الصحفية التي أُلحق بها حتى وإن كان على سبيل التدريب.
وقد أشار القانون أن دائمًا ما يكون انتحال صفة غير حقيقة يكون المقصد منه الاحتيال والنصب، وما يحدث للصحفي غير المُقيد في النقابة أنه تُوجه له تهمة ليس لها أساس من الواقع لأنه لم ينصب ولم يحتال لكنه قام فقط بعمله كصحفي.
إذا عدنا لتفسير محكمة النقض1 في إثبات اتهام انتحال الصفة سنجد أنه يجب أن يتحقق في وضع الافتراء والذي يعني خلق الشيء، ويتبين لنا بذلك أنه لكي يُثبت الاتهام يجب خلق شيء أوالافتراء بشيء غير موجود، وذلك عكس للواقع حيث إنه يكون الشخص بالفعل صحفي ولكن لم يُقيد في النقابة للشروط التي سبق توضيحها وطبقًا للقانون الخاص بنقابة الصحفيين .
ولكن في التطبيق الواقعي يتم الاتهام ويُستدعى الصحفي للتحقيق ، ويكون مُهددًا بالحبس دون ذنب وبالنهاية تنتهي القضية بالبراءة أو التغريم أو إخلاء السبيل.
والأصل هو حق الفرد في الحرية، فالنظم العقابية جميعها تتقيد بغايتها النهائية، التي تكفل لكل متهم حد أدنى من الحقوق التي لا يجوز التنازل عنها أو الإخلال بها، فلا يكون الفصل في الاتهام الجنائي إلا إنصافًا ويندرج تحت هذه الحقوق افتراض البراءة ، باعتباره أصلًا ثابتًا، ومؤداه ألا تُعتبر واقعة تقوم بها الجريمة ثابتة بغير دليل فلا يفترضها المُشرع، لذلك وجب على من يُطبق القانون أن يتخذ ذلك بالحسبان حتى لا يُعاقب شخص برئ لتعنت قوانين خاصة أو لوائح داخلية لمؤسسات.
ـ ثانيًا: الاتهام بنشر أخبار كاذبة:
1– المواد المنظمة لها:
تنص المادة 188 من قانون العقوبات: “بأن يُعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من نشر بسوء قصد بإحدى الطرق المتقدم ذكرها أخبارًا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو أوراقًا مصطنعة أو مزورة أو منسوبة كذبًا إلى الغير، إذا كان من شان ذلك تكدير السلم العام، أو إثارة الفزع بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة”.
وتطبيقًا لما سبق يتضح أن النصوص التي ذكرت عقوبة نشر أخبار كاذبة شملت جميع الأوقات، وقت الحرب أو في الأوقات العادية.
وقد فسرت المادة 80 ج، و80 د بأنهما يُعاقبان كل من يذيع عمدًا في الخارج أخبار، أو بيانات، أو إشاعات كاذبة، أو مغرضة حول الأوضاع الداخلية للبلاد خلال فترة الحرب، إذا كان من شأن ذلك إضعاف الثقة المالية بالدولة، أو هيبتها واعتبارها، وقد شُرع هذا العقاب لما قد ينشئ عن ذلك الفعل من نتائج سيئة تُصيب سمعة الدولة في المحيط الخارجي
مشكلة هاتين المادتين عدم مسايرة التطورات التكنولوجية التي حدثت في العالم وفي مصر، بحيث إن الحد الفاصل بين الداخل والخارج لم يعد واضحًا كما كان من قبل، فهل مثلًا يُعتبر نشر أخبار على شبكة الإنترنت من خلال موقع لجريدة مقرها داخل مصر أو لمجموعة صحفيين يعملون داخل مصرنشرًا للأخبار في الخارج؟! ، وبالتالي تحتاج هاتان المادتان إعادة نظر بحيث تأخذان في اعتبارهما ما حدث من تطور هائل في وسائل الاتصالات.
2– شروط تطبيق هذه المواد:
وبمقتضي الواقع الذي يتعايش معه الصحفيون فإنه بتطبيق المادتين 102 مكرر والمادة 188 يجد الصحفي نفسه مُعاقب بالحبس والغرامة في حالة نشر أخبار كاذبة، ولكن متى تتحقق تلك الجريمة لكي نطبق عليها نصوص قانون العقوبات، مع العلم أنه أصبح كل خبر من وجهة نظر جهات التحقيق خبر متعلق بالمصلحة العامة ويضرها، مثال لذلك التحقيق مع صحفيين لمجرد نشرهم خبر عن أحد القضايا العامة والحكم عليهم، بالرغم من أن مناط التأثيم هو أن يكون من شأن هذا النشر تكدير السلم العام، أو إثارة الفزع بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة، أو ازدراء مؤسسات الدولة أو القائمين عليها، لأنه من المفترض قانونًا لإصباغ الفعل صفة الجريمة ولتصنيفه أنه فعل إجرامى يتوجب أن يقوم على أركان، والتي تُسمى بأركان الجريمة، وهي العلم بعدم صحة الخبر، والتعمد بالإضرار بالمصلحة العامة وتكدير السلم العام، وتحقق النتيجة وهي التسبب في الإضرار والإساءة إلى الدولة.
قانون الصحافة رقم 96 لسنة 1996 نص في المادة 41 2: “لا يجوز الحبس الاحتياطي في الجرائم التي تقع بواسطة الصحف”وهو ما يترتب عليه عدم الحبس في جرائم الصحف إلا أن الدستور الحالي قد استثنى بعض الجرائم وذلك وفقًا للمادة 67 3 الفقرة الثانية والتي تنص على: “لا توقع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي تُرتكب بسبب علانية المنتج الفني أو الأدبي أو الفكري، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن في أعراض الأفراد، فيحدد القانون عقوباتها”
3– ما المقصود بالخبر الكاذب الذي يندرج تحت مظلة العقاب؟؟؟
المراد بمصطلح الخبر”هو مجموعة من المعلومات التي استطاع الصحفي الحصول عليها ليقوم بنشرها في صيغة نصية تسمى خبرًا”، ولينطبق عليه لفظ كاذب يجب أولًا توافر سوء النية لدى ناقل الخبر، وأن يتوافر لديه العلم بأنه خبر غير صحيح، وهو افتراء ولكنه قام بنشره، وذلك للإضرار بالمصلحة العامة، وهنا نكون بصدد جريمة فعلية، وبحصر القضايا والتحقيقات التي وُجهت فيها تلك التهمة للصحفيين نجد أنه في الأغلب تم توجيه تهمة نشر أخبار كاذبة تضر الصالح العام دون التحقق من المصادر التي استند إليها الصحفي والتي في الأغلب تكون صحيحة، وقد يكون الخبر به خلط مفاهيم فتكون النتيجة هي التحقيق والحبس.
4– كيف يتم تحديد المصلحة العامة وما يتعلق بها ؟
المصلحة العامة في الفقه القانوني هي مصلحة الجميع، سواء الأجيال الحاضرة أم المقبلة في المجتمع، و مادام كل من القانون والدولة مُرتبطين بفكرة المجتمع ذاتها؛ فإن غاية كل من القانون والدولة هي الغاية التي يتوخاها المجتمع والمُتمثلة في المصلحة العامة، وللمصلحة العامة مضمون يحتوي على عناصر جوهرية؛ تتجسد في العدالة والاستقرار الاجتماعي والتطور، وإذا كان الخبر لا يمس الاستقرار الاجتماعي وقد نُشر بحسن النية فلا عقاب عليه.
وقد قضت محكمة النقض: “إن القانون أوجب في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان الواقعة المُستوجبة للعقوبة بيانًا تتحقق به أركان الجريمة والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من المتهم ومؤدي تلك الأدلة حتى يتضح وجه استدلالها بها وسلامة مأخذها وأن يُشير الحكم إلى نص القانون الذي حكم بموجبه وهو بيان جوهري أقضته شرعية الجرائم والعقاب وإلا كان الحكم قاصرًا وباطلًا”4، لذلك يجب توافر أركان الجريمة، وهي اختلاق أخبار، وسوء النية والإضرار بالمصلحة العامة وتكدير السلم العام.
ومثالًا لذلك الحكم على رئيس تحرير “الدستور“ وصحفي بالجريدة بالحبس 3 أشهر وإلزامهم بدفع غرامة مالية قدرها 20 ألف جنيه، بتهمة نشر أخبار كاذبة عن وزارة الداخلية.
ـ ثالثًا: جريمة السب والقذف
1–تعريف القذف: هو الإسناد العلني لواقعة مُحددة تستوجب عقاب أو احتقار من تُنسب إليه، فقوام القذف هو فعل الإسناد، والقذف جريمة عمدية على الدوام.
2–أركان القذف:
الركن المادي: قوامه ثلاثة عناصر نشاط إجرامي وهو فعل الإسناد، وموضوع لهذا النشاط هو الواقعة المُحددة التي من شأنها عقاب من أُسندت إليه أو احتقاره، وصفة لهذا النشاط هو كونه علنيًا.
الركن المعنوي: القذف في جميع حالاته (سواء كان موظف عام أو شخص عادي) جريمة عمدية، ولذلك يتخذ ركنه المعنوي صورة القصد الجنائي.
3–الظروف المُشددة في عقوبة القذف: الظرف الأول يرجع إلى صفة المجني عليه كالقذف في حق الموظف العام أومن في حكمه، والظرف الثاني مُتعلق بوسيلة القذف وهي ارتكاب الجريمة بطريق النشر، أما الظرف الأخير فيتعلق بنوع وقائع القذف إذا تضمن الطعن في عرض الأفراد أو خدشًا لسمعة العائلات وسنقوم بسرد المواد القانونية المُتعلقة بذلك.
4–القذف في نصوص القوانين:
عرفه المشرع في المادة302/1 من قانون العقوبات على أنه: “يُعد قاذفًا كل من أسند لغيره بواسطة إحدى الطرق المبينة بالمادة171من هذا القانون أمورًا لو كانت صادقة لوجبت عقاب من أُسندت إليه بالعقوبات المقررة لذلك قانونًا وأوجبت احتقاره عند أهله ووطنه”.
والأصل في القذف أن يكون علنيًا أي أن يتحقق الإسناد فيه بطريقة من طرق العلانية المنصوص عليها في المادة171 والتي نصت على: ” كل من أغرى واحدًا أو أكثر بارتكاب جناية أو جنحة، بقول أو صياح، أو جهر به علنًا أو بفعل أو إيماء صُدر منه علنًا، أو بكتابة أو رسوم أو صور أو صور شمسية أو رموز، أو أية طريقة أخرى من طرق التمثيل جعلها علنية، أو بأية وسيلة أخرى من وسائل العلانية، يُعد شريكًا في فعلها ويُعاقب بالعقاب المقرر لها إذا ترتب على هذا الإغراء وقوع تلك الجناية أو الجنحة بالفعل”.
وحيث إن الطرق التي تم ذكرها تتعلق بالصحف ووسائل الإعلام، لأنها تُعتبر هي الوسائل التي يطلع عليها كافة الناس وتتابعها، ولا تتحقق العلانية قانونًا إلا بتوافر عنصرين أولهما حصول الإذاعة وثانيهما أن يكون المتهم قد انتوى وقصد الإذاعة التي حدثت.
وفي ذات السياق: من النصوص التي ذكرت القذف في قانون العقوبات المادة 303 من قانون العقوبات والتي تنص على: “يُعاقب على القذف بالحبس مدة لا تتجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن ألفين وخمس مئة جنيه ولا تزيد على سبعة آلاف وخمس مئة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، فإذا وقع القذف في حق موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أو مكلف بخدمة عامة، وكان ذلك بسبب أداء الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة، كانت العقوبة الحبس مدة لا تتجاوز سنتين وغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين5.
وتم إلغاء عقوبة الحبس بالمادة الثانية من القانون رقم 147 لسنة 2006 حيث أصبح الحبس لا يجوز في قضايا السب والقذف.
وكذلك المادة 304 من قانون العقوبات التي تنص على: “لا يحكم بهذا العقاب على من أخبر بالصدق وعدم سوء القصد الحكام القضائيون أو الإداريون (الشؤون القانونية والإدارية في المصالح العامة ) بأمر مُستوجب لعقوبة فاعله”.
ومن المقرر أن القانون في سبيل تحقيق مصلحة عامة قد استثنى من جرائم القذف:
الطعن في أعمال الموظفيين العموميين أو الأشخاص ذوي الصفة النيابية أو المكلفين بخدمة عامة متى توافرت فيه ثلاثة شروط، (الأول) أن يكون الطعن حاصلًا بسلامة نية أي لمجرد المصلحة العامة مع الاعتقاد بصحة المطاعن وقت إذاعتها، ( الثانى ) ألا يتعدى أعمال الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة، (الثالث) أن يقوم الطاعن بإثبات كل أمر أسند إلى المطعون فيه فكلما اجتمعت هذه الشروط تحقق غرض الشارع ونجا الطاعن من العقاب.
لكن في حالة أن تكون عبارات القذف موضوع الجريمة المشار إليها بمدونات الحكم المطعون فيه لا تتعلق بعمل المطعون فيه العام بل بحياته الخاصة أي بصفته فردًا فإنه لا يجوز إثباتها قانونًا، ويكون دفاع الطاعن أو (الصحفي) من أنه يتمتع بالإعفاء المنصوص عليه بالمادة 2/302 من قانون العقوبات بمقولة أنه قدم المستندات الدالة ليس من شأنه بفرض صحته نفي مسؤوليته عن الجريمة التي قارفها ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعن في دفاعه في هذا الشأن يكون على غير سند.6
ويتضح من حكم النقض السابق أن هناك إعفاء في حالة الطعن على أعمال الموظفيين العموميين أو الأشخاص ذوي الصفة النيابية أو المكلفين بخدمة عامة ويكون بثلاث شروط هي، ببساطة أن تكون صحيحة، وبنية حسنة، وألا تتعدى الأعمال الوظيفية المُكلف بها الموظف، وأنه في حالة عدم توافر تلك الشروط يُطبق العقاب.
وعلى الجانب الآخر ميز المُشرع بين القذف في حق الشخص العام، والقذف في حق أحاد الناس، فجعل قضايا القذف في حق الشخص العام من اختصاص محكمة الجنايات، في حين تختص محكمة الجنح بنظر قضايا القذف في حق أحاد الناس، كما ضاعف عقوبة قذف الشخص العام ليكون الحبس سنتين أو بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه، في حين عقوبة قذف الفرد العادي الحبس مدة لا تتجاوز سنة أو بغرامة لا تقل عن ألفين وخمس مئة جنيه ولا تزيد على سبعة آلاف وخمس مئة جنيه.
5– السب: هو خدش “شرف شخص واعتباره” عمدًا دون أن يتضمن ذلك إسناد واقعة معينة إليه.
6– أركان السب العلني: يقوم السب العلني على ركنين:
ركن مادي هو خدش”الشرف والاعتبار”بأي وجه من الوجوه دون أن يشتمل ذلك على إسناد واقعة معينة.
وركن معنوي يتخذ دائمًا صورة القصد الجنائي.
الركن المادي : يقوم هذا الركن على عنصرين، عنصر إيجابي وهي أن صفة هذا النشاط يتعين أن يكون علنيًا، وثمة عنصر سلبي في هذا الركن يميز بينه وبين الركن المادي للقذف هو ألا يتضمن نشاط المتهم إسناد واقعة مُحددة إلى المجني عليه، الركن المعنوي: السب في جميع حالاته جريمة عمدية.
7– السب في القوانين:
السب جريمة عمدية ، وقد ميز المشرع بين نوعين من السب وهما السب العلني والسب غير العلني.
فيُعتبر السب العلني:- بحسب ما حدد المشرع في المادة 306 عقوبات: “أن كل سب لا يشتمل على إسناد واقعة معينة بل يتضمن بأي وجه من الوجوه، خدشًا للشرف أو الاعتبار يُعاقب عليه في الأحوال المبينة بالمادة 171، بالحبس مدة لا تتجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين”، وقد تم إلغاء عقوبة الحبس بالقانون رقم 147 لسنة 2006 ومضاعفة عقوبة الغرامة.
8– الوقت المُحدد لتحريك دعاوى السب والقذف:
كما نصت المادة 3 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه: ” لا يجوز أن تُرفع الدعوى الجنائية إلا بناء على شكوى شفهية أو كتابية من المجني عليه أو من وكيله الخاص، إلى النيابة العامة أو إلى أحد مأموري الضبط القضائي في الجرائم المنصوص عليها في المواد 185، 274، 277، 279، 292، 293، 303، 306، 307، 308، من قانون العقوبات، وكذلك في الأحوال الأخرى التي ينص عليها القانون، ولا تُقبل الشكوى بعد ثلاثة أشهر من يوم علم المجني عليه بالجريمة وبمرتكبها ما لم ينص القانون على غير ذلك.
ويتضح مما سبق أنه لا يجوز إقامة دعوى “سب وقذف” بعد مرور ثلاثة أشهر من يوم علم المجني عليه بالجريمة ومرتكبها، فإذا قام المجني عليه بإقامة دعواه بعد المدة المُحددة يكون مصيرها عدم القبول وقد أيدت محكمة النقض ذلك بقولها: ” للمجني عليه المتضرر الذي يُدعى بحقوق مدنية حق إقامة الدعوى المباشرة قبل المتهم ولو بدون شكوى سابقة، لأن الإدعاء المباشر هو بمثابة شكوى، إنما يشترط أن يتم الإدعاء المباشر في خلال المدة التي تُقبل فيها الشكوى، والمنصوص عليها في المادة الثالثة من قانون الإجراءات الجنائية وهي ثلاثة أشهر من يوم علم المجني عليه 7بالجريمة ومرتكبها.”
وتعقيبًا على أحكام الحبس التى صدرت هذا العام ضد صحفيين في قضايا سب وقذف فهذا لا يجوز لأنه نص القانون 147 لسنة 2006 في المادة الثالثة منه: ” تُلغى عقوبة الحبس في الجرائم المنصوص عليها في المواد 185، 185، 303، 306، من قانون العقوبات، وتُرفع الحدود الدنيا والقصوى لعقوبة الغرامة المقررة لهذه الجرائم إلى مثيلها “.
وهذا ما يترتب عليه عدم قانونية الأحكام الصادرة بالحبس، حيث إنه عند إلغاء عقوبة أو استبدالها يُطبق النص الجديد لا القديم، وبذلك أصبح وفق القانون لا يُوجد عقوبة حبس على جريمتي السب والقذف، واستبدالها بالغرامة، ليأتي الحكم الخاص بصحفيين جريدة الجمهورية مخالفًا للقانون، كيف يتم محاسبة متهم على أساس قانون أو نص قانون تم إلغاؤه بالرغم من أن القانون يُطبق دائمًا على أساس القانون الأصلح للمتهم، حتى وإن صدر قانون أثناء المحاكمة وقبل الفصل في الدعوى المطروحة، فكيف وقد صدر تعديل تشريعي عام 2006 سبق ذكره قد ألغى عقوبة الحبس في جرائم السب والقذف واكتفى بالغرامة مع مضاعفتها؟
ـ رابعًا : الاتهام بإهانة السلطة القضائية وخدش الرونق العام للقضاء
تُعتبر إهانة السلطة القضائية من التهم التي لاحقت الصحفيين والإعلاميين كثيرًا خلال هذا العام وعلى خلفية تلك الاتهامات تم استدعاء كثير من الصحفيين والإعلاميين للتحقيق معهم بهذه التهمة والتي لم تكن الوحيدة المتداولة مؤخرًا بل تم استحداث تهمة جديدة لم ينص عليها القانون وهي “تهمة خدش رونق القضاء “.
– ماهي تلك التهمة وماهي أركانها؟
يجب أن يتوافرلأي جريمة قانونًا ركنان، أحدهما مادي والآخر معنوي، ولابد من وجود نص قانوني لاعتبار الفعل المادي الواقع جريمة، لذلك نص الدستور المصري الحالي في المادة 95 منه على أنه: “العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا تُوقع عقوبة إلا بحكم قضائي، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون”.
كما جاء في حكم المحكمة الإدارية العليا رقم 2891 لسنة 37 ق على أنه: “فيما يتعلق بقاعدة أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص ـ تسري هذه القاعدة على الجرائم الجنائية”.
تطبيقًا لما سبق يتوجب لتجريم الفعل وجود نص قانوني، لأن الأصل في الأفعال هي الإباحة والقاعدة الفقهية والقانونية أن أي فعل مُباح ما لم ينص القانون على تجريمه لذلك إذا انعدم النص القانوني انعدم التجريم، وقد تم استجواب صحفي بالفعل على أثر تهمة خدش رونق القضاة.
وعلى سبيل الحصر بشأن النصوص القانونية التي قد ترتبط بتهمة خدش الرونق، فإن الجرائم التي تقع بواسطة النشر قد حصرها القانون في نشر أخبار كاذبة، والسب والقذف، والإهانة والخدش الذي جاء بمعنى خدش الحياء العام، والتي نص عليه القانون في حالة نشر ما يمس المبادئ الأخلاقية والمجتمعية (حظر نشر قصص العري والفسق).
ولأن قانون العقوبات المصري هو القانون الذي من شأنه تقرير العقوبة في الجرائم الجنائية، عندما ذكر قانون العقوبات الجرائم التي تتعلق بالهيئات القضائية، كانت هي الإخلال بمقام قاضٍ أو هيبته أو سلطته في صدد دعوى، بقصد التأثير على القضاة بشأن تلك الدعوى.
المادة 186: “يُعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أخل بطريقة من الطرق المُتقدم ذكرها، بمقام قاضٍ أو هيبته أو سلطته في صدد دعوى “.
وأيضًا المادة 187 من ذات القانون: “يُعاقب بنفس العقوبات كل من نشر بإحدى الطرق المُتقدم ذكرها أمورًا من شأنها، التأثير في القضاة الذين يُناط بهم الفصل في دعوى مطروحة أمام أية جهة من جهات القضاء في البلاد، أو في رجال القضاء أو النيابة أو غيرهم من الموظفين المُكلفين بتحقيق، أو التأثير في الشهود الذين قد يُطلبون لأداء الشهادة في تلك الدعوى، أو في ذلك التحقيق أو أمورًا من شأنها منع شخص من الإفضاء بمعلومات لأولي الأمر، أو التأثير في الرأي العام لمصلحة طرف في الدعوى أو التحقيق أو ضده.
وهناك أيضًا مواد عامة تُعاقب على سب أو إهانة القضاة من خلال كونهم موظفين عموميين، وهي من سب موظفًا عامًا أو شخصًا ذا صفة نيابية عامة أو مكلفًا بخدمة عامة، بسبب أداء الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة.
وذلك في المواد التالي ذكرها ، حيث تنص المادة 185 من قانون العقوبات على :-
“يُعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه (قانون نقابة الصحفيين المقيد برقم 76 لسنة) أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من سب موظفًا عامًا أو شخصًا ذا صفة نيابية عامة أو مكلفًا بخدمة عامة بسبب أداء الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة وذلك (قانون نقابة الصحفيين المقيد برقم 76 لسنة) مع عدم الإخلال بتطبيق الفقرة الثانية من المادة 302 إذا وجد ارتباطًا بين السب وجريمة قذف ارتكبها ذات المتهم ضد نفس من وقعت عليه جريمة السب” بمعنى أنه إذا قام نفس الشخص بجريمة السب والقذف تجاه نفس المجني عليه، فإن هذا الشخص يُعاقب على جريمة السب بمفردها وعلى جريمة القذف بمفردها.
وكذلك ومما سبق فإنه لم ينص القانون على جريمة بهذا الاسم بشكل عام أو بشكل خاص للقضاة اسمها “خدش الرونق”.
كما أن السلطة التقديرية للقضاة ليست سلطة مُطلقة تُجرم أفعالًا لا ينص عليها القانون، لكن سلطتها فقط في تقدير مدة العقوبة، بين حدها الأقصى وحدها الأدنى، كذلك فإن القاعدة الفقهية تقول بإن التضييق في الاتهامات أفضل من جعلها فضفاضة تُضر بالأفراد.
وقد أكد عميد كلية حقوق القاهرة السابق الدكتورمحمود كبيش، قائلًا: “لا يوجد مصطلح يُسمى الرونق العام في القانون إلا إذا كانت مُستحدثة فهذا سيكون وضع آخر، كما وصف تهمة تكدير السلم العام بأنها تهمة فضفاضة وغير مُحددة رغم وجودها بالقانون.
وخطورة إطلاق العنان للاتهامات المُوجهة للصحفيين تُعد اختراقًا للدستور وقيدًا على حرية الصحافة لأن بذلك أصبح الصحفي مُهددًا بالحبس أو الغرامة بسبب مقال، أو التحقيق معه لعدة ساعات بسبب رأي، فضمانات الحرية الشخصية للإنسان وخاصة الصحفي تقتضي تقييد الاتهامات لحماية الأشخاص.
ـ خامسًا: الاتهام بمسؤولية رئيس التحرير في القانون المصري:
نص قانون العقوبات على مسؤولية رئيس التحرير في المادة 195 من قانون العقوبات والتي تم إلغاؤها بموجب القانون 147 لسنة 2006 وتم إقرار مادة جديدة وهي المادة 200 مكررًا (أ) والتي جعلت مسؤولية رئيس التحرير هي مسؤولية تضامنية بعد أن كان فاعلًا أصليًا، على النحو التالي :
نصت المادة 195 من قانون العقوبات المصري والتي أُلغيت على أنه: “مع عدم الإخلال بالمسؤولية الجنائية بالنسبة لمؤلف الكتابة أو واضع الرسم أو غير ذلك من طرق التمثيل يُعاقب رئيس تحرير الجريدة أو المُحررالمسؤول عن قسمها الذي حصل فيه النشر إذا لم يكن ثمة رئيس تحرير بصفته فاعلًا أصليًا للجرائم التي تُرتكب بواسطة صحيفته.
ومع ذلك يُعفى من المسؤولية الجنائية :
1- إذا أثبت أن النشر تم بدون علمه وقدَّم في بدء التحقيق كل ما لديه من المعلومات والأوراق للمساعدة على معرفة المسؤول عما نشر.
2- أو إذا أرشد في أثناء التحقيق عن مُرتكب الجريمة وقدَّم كل ما لديه من المعلومات والأوراق لإثبات مسؤولية هذا المُرتكب وأثبت فوق ذلك أنه كان مضطرًا لأنه لو لم يقم بالنشر لعرض نفسه لخسارة وظيفته في الجريدة أو لضرر جسيم آخر.
وقضت المحكمة الدستورية بجلستها المُنعقدة يوم السبت أول فبراير سنة 1997
ـ أولًا: بعدم دستورية ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة 195 من قانون العقوبات من مُعاقبة رئيس تحرير الجريدة، أو المُحرر المسؤول عن قسمها الذي حصل فيه النشر؛ إذا لم يكن ثمة رئيس تحرير بصفته فاعلًا أصليًا للجرائم التي تُرتكب بواسطة صحيفته.
ـ ثانيًا: بسقوط فقرتها الثانية
وقد استندت المحكمة الدستورية على أن العقوبة والمسؤولية تكون شخصية وفقًا للقانون والدستور
ثم يظهر القانون 147 لسنة 2006 الذي صدر بإلغاء بعض مواد القانون وإضافة بعضها، فقام بإلغاء النص السابق وهي المادة 195 لنكون على الأقل مع قانون أخف إلا أنه أتى بالمادة 200 (أ) مكرر التي أبقت مسؤولية رئيس التحرير والمؤسسة الصحفية عما يُنشر مستمرة ولكن الفارق فقط أنها جاءت بدون حبس حيث إكتفت بالغرامة.
تنص تلك المادة على :
أن يكون الشخص الاعتباري ( المؤسسة الصحفية) مسؤولًا بالتضامن مع المحكوم عليه من العاملين لديه عن الوفاء بما يُحكم به من التعويضات في الجرائم التي تُرتكب بواسطة الشخص الاعتباري من الصحف أو غيرها من طرق النشر ويكون مسؤولًا بالتضامن عن الوفاء بما يُحكم به من عقوبات مالية إذا وقعت الجريمة من رئيس التحرير أو المُحرر المسؤول.
وتكون مسؤولية رئيس التحرير أو من يقوم مقامه في الإشراف على النشر مسؤولية شخصية ويُعاقب على أي من الجرائم المُشار إليها في الفقرة السابقة بغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولاتتجاوز عشرة آلاف جنيه وذلك إذا ثبت أن النشر كان نتيجة إخلاله بواجب الإشراف.
وهذه المادة المُضافة بواقع القانون 147 لسنة 2006 تُعد تحايلًا على الحكم الصادر في الدعوى رقم 59 لسنة 18 قضائية دستورية والمحكوم فيها بجلسة أول فبراير 1997 وتم نشره في الجريدة الرسمية العدد 7 فى 13/2/1997وهو الذى قضى بعدم دستورية المادة 195 من قانون العقوبات.
(وحيث إن الدستور أعلى من قدر الحرية الشخصية، فاعتبرها من الحقوق الطبيعية الكامنة في النفس البشرية، الغائرة في أعماقها، والتي لا يمكن فصلها عنها، ومنحها بذلك الرعاية الأوفى والأشمل تأكيدًا لقيمتها، وبما لا إخلال فيه بالحق في تنظيمها، بمراعاة أن القوانين الجنائية قد تُفرض على هذه الحريةـ بطريق مباشر أو غير مباشرـ أخطر القيود وأبلغها أثرًا، ويتعين بالتالي أن يكون إنفاذ القيود التي تُفرضها القوانين على الحرية الشخصية، رهنًا بمشروعيتها الدستورية ويندرج تحت ذلك أن تكون مُحددة بصورة يقينية لا التباس فيها ).
(دستورية عليا جلسة 15 يونية 1996 القضية رقم 49 لسنة 17 قضائية دستورية)
بموجب ما سبق تُعد المادة الجديدة مُخالفة للدستور، الذي أشار إلى أن العقوبة تكون شخصية، فكيف يُعاقب شخص على جريمة ارتكبها غيره، حيث تنص المادة 95 من الدستور على أنه: “العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا تُوقع عقوبة إلا بحكم قضائي، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون.”
القاعدة الأصولية تقضي بأن المسؤولية عن الجريمة شخصية، فمن لم يساهم في ارتكاب الجريمة بصفته فاعلًا أو شريكًا يظل بمنأى عن عقوبتها.
فيجب أن تكون هناك علاقة مادية بين الجريمة والسلوك الإنساني الصادر من شخص المسؤول عنها : فلابد أن يساهم الجاني بفعله الشخصي في الجريمة، وأن تتوافر علاقة السببية بين فعل المساهمة والنتيجة الإجرامية التي يعتد بها الشارع في التجريم والعقاب.8
بالإضافة إلى أن ظاهر النص الذي يُوضح أن إخلال رئيس التحرير عن الإشراف هي مسؤولية شخصية إلا أن النص في الفقرة الثانية وضح بأنه مسؤول عن الجرائم المُرتكبة عن طريق الصحيفة (الشخص الاعتباري) التي يكون بها مما يتنافى مع مبدأ شخصية العقوبة.
أيضًا فإن رئيس التحرير يقوم بالتأشير كسلطة أعلى في الجريدة على النشر دون البحث واقعيًا حول كل موضوع منشور، فلا يستطيع كشخص البحث وراء الآلاف من المقالات والأخبار للتأكد من صحتها.
صحيح أن القانون المدني يشمل إلى جوار المسؤولية عن الفعل الشخصي المسؤولية عن عمل الغير 9، ويلتزم الشخص في هذه الحالة بتعويض الضرر الذي ينشأ من فعل هذا الغير.
ولكن هذه المسؤولية ليس لها محل في نطاق القانون الجنائي، إذ لا يعرف هذا القانون إلا المسؤولية الشخصية الخالصة، ولا يتصور أن يُتهم شخص أو أن يقضي بإدانته في جريمة ليس فاعلًا فيها أو شريكًا.
ففكرة المسؤولية عن عمل الغير هي فكرة غريبة عن القانون الجنائي لذلك لا يمكن تصورها هنا في مسؤولية رئيس التحرير عن أعماله الصحفية.
ـ خامسًا : الاتهام بالتصوير
1ـ التصوير بدون ترخيص ” الكاميرا والإجراءات“:
نص الدستور المصري على حرية التصوير كأحد وسائل التعبير عن الرأى وذلك في المادة 65 التي تنص على أن: “حرية الفكر والرأي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو بالكتابة، أو بالتصوير.
ولم يتحدث قانون العقوبات عن أي تجريم للتصوير إلا إذا كان انتهاكًا للخصوصية والحياة الخاصة وذلك طبقًا لنص المادة 309 مكرر في الفقرة الثانية: “يُعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة كل من اعتدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطن، وذلك بأن ارتكب أحد الأفعال الآتية في غير الأحوال المصرح بها قانونًا أو بغير رضاء المجني عليه -اُلتقط أو نُقل بجهاز من الأجهزة أيًّا كان نوعه-صورة شخص في مكان خاص.
فإذا صدرت الأفعال المُشار إليها في الفقرتين السابقتين أثناء اجتماع على سمع أو مرأى من الحاضرين في ذلك الاجتماع، فإن رضاء هؤلاء يكون مُفترضًا.
ولا يُوجد نص يتطلب تصريح في التصوير إلا إذا كان مُتعلقًا بالحياة الخاصة للأفراد إلا أنه في هذا العام واجه العديد من الصحفيين تهمة التصوير بدون ترخيص بالرغم من تصويرهم لأماكن عامة.
وطبقًا لنص المادة السابق فإن المسؤولية تقتصر فقط على المكان الخاص10 أما ما يلتقطه المُصور في الأماكن والطرقات العامة فإنه لا غبار عليه باعتباره مشاركة من الفرد في الحياة الاجتماعية وهذا الحكم يسرى على كل تصوير بشرط ألا ينصب على فرد معين وأن يتم في الأماكن العامة وبصورة عابرة وليس لفرد بعينه.
ولتطبيق العقوبة المنصوص عليها في النص السابق يجب توافر أركان الجريمة وهي الركن المادي ويتمثل في التقاط صورة لشخص ما في مكان خاص، والركن المعنوي وهو معرفة الجاني بأنه مكان خاص وهدفه التشهير او إلحاق ضرر بالمجني عليه.
ولأن العقوبات هي مجموعة من القواعد التي تهدف إلى؛ أولًا تحديد و تجريم التصرفات التي تُشكل جريمة و ثانيًا إلى تحديد الأشخاص الذين يتحملون المسؤولية عن ارتكاب الجرائم و ثالثًا إلى تحديد مقدار العقوبة المُترتبة على ارتكاب كل جريمة، و بذلك يكون الدور الأبرز لقانون العقوبات هو تحديد ما يدخل ضمن مُسمّى الجريمة، أي ما هو ممنوع القيام به في المجتمع و كأنه يُشكّل قائمة التصرفات المحظورة إضافة إلى القواعد التي على أساسها تترتب المسؤولية الجنائية.
وحيث إن قانون العقوبات قد خلى من أي عقوبة لجريمة التصوير سوى تجريم تصوير الأشخاص دون علمهم فنحن أمام جريمة غير متوافر لها عقوبة وفي هذا الصدد نصت المادة رقم 95 من الدستور المصري على أن: “العقوبة شخصية، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا تُوقع عقوبة إلا بحكم قضائي، ولا عقاب إلاعلى الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون”.
وبناء عليه لا يجوز توجيه اتهام لم ينص عليه القانون، فالقانون هو المصدر الأهم للتجريم، فمُثلًا لا يجوز تصوير المنشأت العسكرية أو الأفراد في الأماكن الخاصة وأما غير ذلك فإن الأصل في الأشياء هي الإباحة لا التجريم، ومن الصحفيين المُوجه لهم تلك التهم محمد حسن ، حمدى الزعيم ، حسن البشبيشي.
وبالإضافة لما سبق واجه صحفيون آخرون تهمة التصوير بدون ترخيص، ولكن طبقًا لقانون المصنفات بالرغم من أن هذا القانون المعني به المؤسسات الإعلامية وبالأخص شركات الإنتاج الإعلامي من أفلام وبرامج وغيرها وطبقًا لتلك الواقعة فيجب توضيح ما هو ذلك القانون وما علاقته بالعمل الصحفي.
2– قانون المصنفات الفنية:
قانون المصنفات هوالقانون رقم 430 لسنة 1955 والمعدل بالقانون رقم 38 لسنة 1992 وهو قانون تنظيم الرقابة على الأشرطة السينمائية ولوحات الفانوس السحري والأغاني والمسرحيات والمنولوجات والأسطوانات وأشرطة التسجيل الصوتي.
الرقابة على المصنفات تتبع وزارة الثقافة ولها ضبطية قضائية ويمكنها التدخل في المضمون ويمكنها أخذ إجراء يمنع عرض أى عمل تراه غير مناسب، لكن مباحث المصنفات الفنية يمكنها التدخل في المضمون في حالة واحدة فقط وهي إذا كان من شأن مضمون العمل المساس بالأمن القومي، وهنا يتم اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة للحفاظ على حقوق الآخرين، مثل قناة الجزيرة واتهامها بتزييف الحقائق بشكل يُهدد الأمن القومي، فضلًا عن أنها تعمل دون ترخيص وهذا صميم عمله، ويتم العرض على النيابة بعد اتخاذ الإجراءات القانونية.
3– ماهي الطبيعة التي تربط قانون المصنفات بالعمل الصحفي؟
يعتقد البعض أن ما يقدمه المراسلون الصحفيون عملًا يمكن خضوعه لقانون المصنفات حيث إن أشرطة التسجيل الصوتي تخضع لهذا القانون حسب اعتقادهم، لذلك فإنه في الفترة الأخيرة تم توجيه اتهام إلى صحفيين طبقًا لذلك القانون عند قيامهم بتسجيل تقرير في أحد شوارع وسط البلد وهما الزميلان خالد اﻷسمر، وعلاء الأعصر، الصحفيان بموقع”فكرة بوست”، بالرغم من أن القانون قد تم سنه لتنظيم الأشرطة السينمائية ولوحات الفانوس السحري والأغاني والمسرحيات والمنولوجات والأسطوانات وأشرطة التسجيل الصوتي، أي أن المقصود منه تنظيم العمل الإعلامي والذي يخضع له أغلب مكاتب الإنتاج وليس العمل الصحفي إلا أنه بالرغم من أن تسجيل التقارير الصوتية للجرائد يُعد عملًا صحفيًا إلا أنه تم إخضاعه لهذا القانون!
4– مدى تناسب القانون مع الوضع الحالي (عصر الحريات الإعلامية):
صدر قانون المصنفات في 31 أغسطس سنة 1955 وجاء ذلك عقب انتشار التليفزيون بشكل واضح في مصر بجانب السينما، وفي ظل جمهورية جديدة تتطلب بعض القوانين لتنظيمها.
إلا أنه في الوضع الحالي ومع انتشار كافة وسائل التسجيل والتي أصبح من السهل فيها قيام الأشخاص بالتسجيل، فلابد من تغيير القوانين لتناسب العصر الحالي، إلا أنه عندما تم تعديل قانون المصنفات بالقانون رقم 38 لسنة 1992 ، فإنه عدل مجرد عبارات دون تعديل صلب بعض المواد التى عفى عليها الزمن حيث نص القانون على أن يُستبدل بعبارة (وزير المعارف العمومية) عبارة (وزير الثقافة)، أينما وُردت في قانون حماية حق المؤلف الصادر بالقانون رقم 354 لسنة 1954 والقرارات المُنفذة له.
كما يُستبدل بعبارتي ( وزير الإرشاد القومي) و (وزارة الإرشاد القومي) عبارتا (وزير الثقافة) و (وزارة الثقافة) أينما وردتا في قانون تنظيم الرقابة على المصنفات رقم 430 لسنة 1955 والقرارات المُنفذة له.
وتنص المادة 2 على أنه :” لا يجوز بغير ترخيص من وزارة الثقافة، القيام بأي عمل من الأعمال الآتية، ويكون مُتعلقًا بالمصنفات السمعية والبصرية:
– أولًا: تصويرها أو تسجيلها أو نسخها أو تحويلها بقصد الاستغلال.
– ثانيًا: أداؤها أو عرضها أو إذاعتها في مكان عام.
وتُحدد شروط وأوضاع المكان العام المُشار إليه أنفًا بقرار من رئيس مجلس الوزراء.
– ثالثًا: توزيعها أو تأجيرها أو تداولها أو بيعها أو عرضها للبيع.
مما سبق يتضح بأن التعديلات التي طرأت على القانون ما هي إلا تعديلات في الصياغة وليست في المضمون، والمطلوب هو أن يتم تغييره ليتناسب مع العصر الحالي، حيث بعد انتشار التصوير بشكل واضح أصبح حتى الشخص العادي يستطيع القيام بتصوير أو تسجيل أي من المقاطع عن طريق التليفونات.
وحيث تطلب القانون أن يكون التصوير أو التسجيل بقصد الاستغلال التجاري، فمن الواضح أنه يتطلب ذلك من المؤسسة الصحفية ، حيث إن المراسل الصحفي يقوم بعمله بناء على تكليف من الصحيفة أو الجريدة أو القناة الفضائية المختصة فإذا تطلب ترخيص فهو يطلب من الصحيفة، ويكون عليها المسؤولية الجنائية وحدها دون إدانة على الصحفي المُمارس لعملًا قد يعتقد أنه قد بُني على تصريح من الجهات المختصة، وخاصة إذا كانت جريدته من الجرائد المُسجلة بالمجلس الأعلى للصحافة ومُعترف بها ووضعها القانوني سليم.
وقد عرف القانون 92 لسنة 2016 الخاص بالتنظيم المؤسسي للصحافة والإعلام: “بأن الصحيفة هي كل إصدار ورقي أو إلكتروني يتولى مسؤولية تحريره أو بثه صحفيون نقابيون ويصدر باسم موحد وبصفة دورية في مواعيد منتظمة، ويصدر عن شخص طبيعي أو اعتباري عام أو خاص”.
وترتيبًا على ذلك في ظل وجود قانون المصنفات سيتطلب من كل صحفي وجريدة إصدار ترخيص لتسجيل أي لقاء لنشره مما يزيد من إرهاق المؤسسات الإعلامية والصحفيين بإجراءات لا علاقة لهم بها حيث إنه عندما تم إقرار ذلك القانون عام 1955 كان من أجل الرقابة على الأشرطة السينمائية والتي كانت تُذاع عن طريق التليفزيون، أما الوضع الحالي فأصبحت وسائل النشر أكثر انتشارًا بكثير بالمقارنة بهذا الزمن، لذلك فلا مجال لذلك القانون.
وبناء عليه يُعتبر تطبيق قانون المصنفات على المراسلين الصحفيين التفافًا حول نص قانوني قد عفى عليه الزمن وغير مختص بمعاقبتهم.
ـ سادسًا : وقف التنفيذ عقوبة تُهدد حرية الصحفي:
جاء الحكم في القضية الخاصة بقيادات نقابة الصحفيين بالحبس سنة مع إيقاف التنفيذ لمدة ثلاث سنوات، بتفعيل وضع جديد للصحفيين وهو تقييد حريتهم وأن يظلوا تحت تهديد تنفيذ العقوبة في أي وقت لاحق.
والمقصود بوقف التنفيذ هو إيقاف العقوبة فقط، بمعنى أن الحكم يُعتبر سابقة جنائية على الجاني، ويُسجل في صحيفة سوابقه، فالهدف من إيقاف تنفيذ الحكم هو حماية الجاني وإصلاحه، وتطبيقًا للهدف الأسمى للقانون والشرع وهو حماية أفراد المجتمع وإصلاحهم.
و يُقصد بوقف التنفيذ بأنه يتم إيقاف العقوبة على المحكوم عليه لفترة محدودة وبشروط معينة حتى ترتأي المحكمة أن الجاني لن يعود إلى جرائم جديدة، ووقف تنفيذ العقوبة تنصرف آثاره إلى إجراءات تنفيذ العقوبة وعدم تطبيقها، فإن كان الحكم بعقوبة سالبة للحرية، فلا تنفذ العقوبة، وإن كان الحكم بغرامة فلا يُطالب بأدائها.
فهو يتشابه مع الذي لم يُوقع عليه عقوبة والفرق أن الأول وضع له القانون شروط معينة خلال مدة معينة فإذا التزم بهذه الشروط خلال تلك المدة لا تُنفذ العقوبة ويُعتبر الحكم كأن لم يكن، وإذا لم يلتزم نُفذت العقوبة.
ونص القانون على تعليق تنفيذ الأحكام على شرط في المادة 55 من قانون العقوبات المصري حيث نصت على :
يجوز للمحكمة عند الحكم في جناية أو جنحة بالغرامة أو بالحبس مدة لا تزيد على سنة أن تأمر في نفس الحكم بإيقاف تنفيذ العقوبة إذا رأت من أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو سنه أو الظروف التي ارتكب فيها الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى مخالفة القانون، ويجب أن تُبين في الحكم أسباب إيقاف التنفيذ.
ويجوز أن يجعل الإيقاف شاملًا لأية عقوبة تبعية كالإيقاف عن العمل ولجميع الآثار الجنائية المترتبة على الحكم.
من المادة السابقة يتضح أن شروط وقف التنفيذ هي :
1- شروط مُتعلقة بالمحكوم عليه. 2- شروط مُتعلقة بالجريمة.
3– شروط مُتعلقة بالعقوبة. 4– السلطة التقديرية للقاضي.
1– الشروط المُتعلقة بالمحكوم عليه:
حدد المُشرع هذه الشروط في م 55 عقوبات في عبارات عامة “إذا رأت من أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو سنه أو الظروف التي ارتكب الجريمة فيها ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى مخالفة القانون”.
وما ذكره المُشرع من ظروف المُتهم ما هو إلا على سبيل التمثيل وليس الحصر.
ولا يتطلب القانون أن يكون المُتهم مُجرم مُبتدئ فللقاضي أن يأمر بوقف التنفيذ بالرغم أن للمُتهم سوابق وله ألا يحكم بوقف التنفيذ حتى مع خلو صحيفة سوابقه.
2– الشروط المُتعلقة بالجريمة: لا يجوز وقف التنفيذ إلا في الجرائم الجنايات والجنح فقط.
3– الشروط المُتعلقة بالعقوبة:11
-أولًا: العقوبات الأصلية: يقتصر فقط وقف التنفيذ على عقوبة الحبس الذي لا يزيد مدته عن عام بجانب عقوبة الغرامة، وعلى ذلك أي عقوبة أخرى غير هاتين العقوبتين فلا يجوز وقف التنفيذ، مثل عقوبات الحبس الذي يزيد عن عام والسجن المُشدد والمُؤبد والإعدام، أما الغرامة فيجوز وقف تنفيذها مهما بلغ الحد الأقصى لها.
في حالة تعدد عقوبات الحبس المحكوم على المُتهم: العبرة هنا تكون بكل عقوبة على حدة فإذا كانت سنة فأقل فيجوز وقف التنفيذ.
إذا اُتهم الشخص المحكوم عليه بوقف التنفيذ أثناء فترة وقف التنفيذ بأي اتهام ولم يُحكم عليه إلا بعد انتهاء فترة وقف التنفيذ فإن الحكم بوقف التنفيذ يظل ساريًا كما هو دون أي تأثير عليه.
4– السلطة التقديرية في مبدء الوقف:
القاضي له سلطة تقديرية بمقتضى م 55 عقوبات في وقف التنفيذ للعقوبة المحكوم بها على المُتهم وإذا قرر الوقف، عليه أن يبين في الحكم أسباب الوقف، ولا رقابة للنقض على ذلك إلا للخطأ في تطبيق القانون.
أيضًا إذا توافرت الشروط وطلب المُتهم وقف التنفيذ عليه، لا يُلزم هذا الطلب القاضي في شيء ولا يُوجب عليه الرد في حالة عدم الحكم بالوقف.
في حالة تعدد المُتهمين في واقعة واحدة: للقاضي الحرية المُطلقة أن يُوقف تنفيذ العقوبة على مُتهم ولا يُوقف على باقي المُتهمين.
سلطة القاضي تقديرية أيضًا في تحديد العقوبات التي يشملها الوقف: إذا تعددت العقوبات التي حُكم بها على المُتهم فالقاضي له السلطة التقديرية في تحديد إذا كان يشمل الإيقاف كل العقوبات أم بعضها دون الآخر.
وعلى إثر ذلك فيُعتبر الحكم الذى يُصدر بالإيقاف هو في الحقيقة حكم تهديدي يتوعد المحكوم عليه بتنفيذ العقوبة المحكوم بها إذا هو عاد للإجرام ويعده بالعفو عنها إذا استقام وهكذا يبقى الحكم سيفًا مسلولًا على المحكوم عليه في المدة المُحددة له.
5 – متى يتم تطبيق وإلغاء أحكام وقف التنفيذ:
المادة 1434 من تعليمات النيابة العامة الباب الخامس عشر في تنفيذ الأحكام تنص على: الأحكام الصادرة من محاكم الجنح والمخالفات الجزئية لا تكون واجبة التنفيذ إلا بعد أن تُصبح نهائيًا بانقضاء ميعاد المعارضة وميعاد الاستئناف دون رفعهما، أو الفصل فيهما إذا رفعا، ويُستثنى من ذلك الأحكام الآتية فإنه يجب تنفيذها فورًا إذا كانت حضورية ولو مع حصول استئنافها مثل الأحكام الصادرة بالبراءة.
فيكون هذا الحكم واجب التنفيذ وإذا أراد المحكوم عليه السفر أن يحصل على إذن بذلك.
وقد نص قانون العقوبات أيضًا في المادة56:
يُصدر الأمر بإيقاف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من اليوم الذي يُصبح فيه الحكم نهائيًا.
ويجوز إلغاؤه :
1- إذا صدر ضد المحكوم عليه في خلال هذه المدة حكم بالحبس أكثر من شهر عن فعل ارتكبه قبل الأمر بالإيقاف أو بعده.
2- إذا ظهر في خلال هذه المدة أن المحكوم عليه صدر ضده قبل الإيقاف حكم كالمنصوص عليه في الفقرة السابقة ولم تكن المحكمة قد علمت به.
مادة 57 :–
يُصدر الحكم بالإلغاء من المحكمة التي أمرت بإيقاف التنفيذ بناء على طلب النيابة العمومية بعد تكليف المحكوم عليه بالحضور وإذا كانت العقوبة التي بُني عليه الإلغاء قد حكم بها إيقاف التنفيذ جاز أيضًا أن يُصدر الحكم بالإلغاء من المحكمة التي قضت بهذه العقوبة سواء من تلقاء نفسها أو بناء على طلب النيابة العمومية.
ويتضح من النصوص القانونية أنه يُلغى وقف التنفيذ وتُنفذ العقوبة وهي الحبس إذا ارتكب المحكوم عليه جريمة أخرى لاحقة، أو أنه قد صدر حكم ضده قبل الأمر بوقف التنفيذ ولم تحط المحكمة به علمًا فبعد الحكم بوقف التنفيذ قد تأمر بإلغائه فور علمه بالحكم طبقًا لنصوص قانون العقوبات وهما المادة58 و59 مما يعني أنه حكم تهديدي أي أنه في حالة توجيه أي تهمة للصحفيين الثلاثة والحكم عليهم يكون للنيابة العامة تقديم طلب لتنفيذ العقوبة وهي الحبس سنة.
*توصيات:
1- وجوب إصدار تعديل تشريعي في المواد الخاصة بالجرائم المُتعلقة بالصحف في قانون العقوبات، لتتناسب مع الوضع الحالي للصحفيين وخاصة المادة المُتعلقة بمسؤولية رئيس التحرير.
2- وجوب تعديل تشريعي بفرض تعويض إلزامي للمُتهم في حالة تجاوز العقوبات المُكررة للمدة المُحددة في القانون، كالتعويض عن سنوات الحبس الاحتياطي في حالة براءة المُتهم.
3- تشكيل لجان للإشراف واستقبال الشكاوي بنقابة الصحفيين مُختصة بمتابعة الصحفيين المحبوسيين على خلفية عملهم الصحفي.
4- وجوب تسهيل عملية القيد بنقابة الصحفيين للحد من ظاهرة (انتحال صفة صحفي) بحيث يستطيع الشخص الحصول على إجازة من نقابة الصحفيين بممارسة الصحافة بمجرد تقديمه ما يُثبت أنه مُتدرب لدى مؤسسة صحفية ما، أو تغيير القانون الذي يُشترط على الشخص أن يكون عضوًا بالنقابة كي يُثبت أنه صحفي والاكتفاء فقط بشهادة المؤسسة الصحفية التي يعمل بها هذا الصحفي.
11-الطعن رقم 1080 لسنة 24ق جلسة –12/11/ 1954 . مصر محكمة النقض.
2 2-الجريدة الرسمية نشر بالجريدة الرسمية بالعدد 38 بتاريخ 16 رجب سنة 1390 هـ الموافق 17 سبتمبر 1970م قانون نقابة الصحفيين المقيد برقم 76 لسنة 1970.مصر: المطابع الأميرية.
3-الجريدة الرسمية(2014، 8يناير). دستورجمهورية مصر العربية لعام 2014. مصر:المطابع الأميرية.
4- طعن الجنائى رقم 3257 لسنة 70 ق-(تاريخ الجلسة غير معروف) قانون نقابة الصحفيين المقيد برقم 76 لسنة 1970
5-لُزم التنويه بأن هذه المادة مُستبدلة بالقانون رقم 93 لسنة 1995 – الجريدة الرسمية (1995، 28مايو).– ثم استبدلت بالقانون رقم 95 لسنة 1996– الجريدة الرسمية،(1996، 30يونية).مصر: المطابع الأميرية .
6- نقض، جلسة 21/5/1980،السنة 31ق. مصر: محكمة لنقض. ص656.
7-(الطعن رقم 2711لسنة 59 قضائية جلسة 27/2/1991).مصر: محكمة النقض.
8 11- بن محمد العبيد،عبدالعزيز. (ط2016).المسؤولية الجنائية في الإعلانات التجارية (دراسة مقارنة).
912- توفيق شمس الدين، أشرف. المسؤولية الجنائية والركن المعنوي للجريمة في القضاء الدستوري. مصر: جامعة بنها.ص
1013- مجدي، مصطفى. التعليق على قانون العقوبات.القاهرة: نادي القضاة. ص
1114– مجدي هرجة، مصطفى. التعليق على قانون العقوبات. مرجع سابق.ص
من هنا للإطلاع علي التقرير بصيغة الـ PDF