ورقة قانونية بعنوان: التدابير الاحترازية .. حرية منقوصة
ملخص:
باتت أغلب القرارات الصادرة من محاكم الجنايات بدوائر الإرهاب -في القضايا ذات الطابع السياسي- منذ عام 2014 متبوعة بالتدابير الاحترازية؛ ففي حالة صدور قرار بإخلاء السبيل على ذمة قضية قيد التحقيقات يتبعه القضاة في الغالب بقضاء فترة معينة قيد المراقبة. تمثل هذا التدابير عبئًا وضغطًا على الصحفيين؛ حيث إنها تمس حقوقهم وحرياتهم الإنسانية في المقام الأول والصحفية في المقام الثاني، وتمنعهم من الحركة والتنقل أو السفر، وعدم القدرة على الوفاء بالتزاماتهم المهنية أو التزاماتهم العائلية.
لذا، تهدف هذه الدراسة إلى التعرف على مفهوم التدابير الاحترازية ونشأتها وخصائصها، والشروط الواجب توافرها للتطبيق، ومساوئ التطبيق العشوائي للتدابير الاحترازية لاسيما تلك التي يتعرض لها الصحفيون الحاصلون على تدابير احترازية. ثم نركز على عرض نماذج لعدد من الصحفيين لتوضيح تأثير إخلاء السبيل المكبل بالتدابير الاحترازية على الصحفي المتهم في قضية ذات طابع سياسي.
وقد توصلت الدراسة إلى أن التدابير الاحترازية يلزم لتطبيقها شرطًا الخطورة الإجرامية والجريمة السابقة. ومن ثمَّ فإن هذين الشرطين لا يتوفران في الصحفيين، ولذا تصبح التدابير الاحترازية لا أساس قانوني لتطبيقها لاسيما مع المتهم في جريمة لأول مرة، وبالأحرى مع الصحفيين المتهمين في قضايا هي قضايا رأي بالأساس، فلا تمثل الآراء خطورة على المجتمع!
وتعد التدابير الاحترازية كذلك، منافية لشروط المحاكمة العادلة والمساواة أمام القانون، ومنافية للحق في افتراض البراءة، الذي نص عليه المبدأ 36 ضمن مجموعة مبادئ الأمم المتحدة، والمادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وانتهاكًا لحقوق الإنسان في الرأي والتعبير، وانتهاكًا لحرية الصحافة والإعلام الذي نص الدستور المصري على حمايتهم.
مقدمة:
باتت أغلب القرارات الصادرة من محاكم الجنايات بدوائر الإرهاب -في القضايا ذات الطابع السياسي- منذ عام 2014 متبوعة بالتدابير الاحترازية؛ ففي حالة صدور قرار بإخلاء السبيل على ذمة قضية قيد التحقيقات يتبعه القضاة في الغالب بقضاء فترة معينة قيد المراقبة. وتُعد التدابير الاحترازية هي العقوبة المكملة والبديلة للحبس الاحتياطي في القانون المصري وفقًا لنص المادة 201 من القانون رقم 150 لسنة 1950 والمعدلة بالقانون رقم 145 لسنة 2006 من قانون الإجراءات الجنائية. وعلى النقيض تمامًا من ذلك فإن القرارات الصادرة في القضايا -ذات الطابع الجنائي- قيد التحقيق تكون في معظمها -في حالة إخلاء السبيل- إما يكون قرار إخلاء السبيل بضمان محل الإقامة أو بأي ضمان مالي.
والسمة الأساسية للتدابير الاحترازية هي الإلزام والإجبار، لذا فإن التدابير الاحترازية تمثل عبئًا وضغطًا على المتهمين؛ حيث إنها تمس حقوق وحريات الأفراد، وتمنعهم من الحركة والتنقل أو السفر، وقد تؤثر أيضَا على حصولهم على فرصة عمل، مما يؤثر سلبًا على حياة هؤلاء المتهمين، الذين هم في الأصل بُراء مما نُسب إليهم حتى تثبت إدانتهم.
وإن كانت التدابير الاحترازية تمثل عبئًا على المتهمين بصورة عامة، فإن تلك الأعباء تزيد في حالة الصحفيين والإعلاميين -ولا سيما أنهم متهمين في قضايا مرتبطة بالرأي في الأساس، ولا تتوافر فيها شروط تطبيق التدابير الاحترازية التي اتفق عليها معظم فقهاء القانون- حيث إن هذه التدابير تمنعهم من قضاء بعض أعمالهم المهنية أو التزاماتهم العائلية.
ومن ثم جاءت هذه الورقة للتعرف على مفهوم التدابير الاحترازية ونشأتها وخصائصها، والشروط الواجب توافرها للتطبيق، ومساوئ التطبيق العشوائي للتدابير الاحترازية لا سيما تلك التي يتعرض لها الصحفيون الحاصلون على تدابير احترازية. ثم نركز على عرض نماذج لعدد من الصحفيين لتوضيح تأثير إخلاء السبيل المكبل بالتدابير الاحترازية على الصحفي المتهم في قضية ذات طابع سياسي. وسنحاول تحقيق ذلك من خلال تغطية العناصر التالية:
- أولًا: مفهوم التدابير الاحترازية.
- ثانيًا: التدابير الاحترازية: النشأة والأساس القانوني.
- ثالثًا: خصائص التدابير الاحترازية.
- رابعًا: شروط تطبيق التدابير الاحترازية.
- خامسًا: آليات تطبيق التدابير الاحترازية.
- سادسًا: المساوئ العملية في التطبيق العشوائي للتدابير الاحترازية.
- سابعًا: نماذج لبعض القضايا الصحفية والإعلامية التي حصل المتهمون فيها على تدابير احترازية.
- ثامنًا: استنتاجات وتوصيات.
- أولًا: مفهوم التدابير الاحترازية:
التدابير الاحترازية: هي إجراء أو مجموعة من الإجراءات تتخذ قِبَل المجرم الذي تنطوي شخصيته على حالة خطورة إجرامية وذلك لمنع احتمال عودته إلى ارتكاب الجريمة في المستقبل بهدف الدفاع عن المجتمع[1]. وبكلمات أخرى، فإن التدابير الاحترازية هي مجموعة الإجراءات التى يقررها القانون ويوقعها القضاء لمواجهة الخطورة الإجرامية الكامنة فى شخصية مرتكب الجريمة، بهدف حماية المجتمع من هذه الخطورة. وفي الفقه الحديث هي إجراء لسد النقص في العقوبة، ويقوم بجانبها للعمل على توفير الحماية الفعالة للمجتمع ضد الإجرام[2].
- ثانيًا: التدابير الاحترازية: النشأة والأساس القانوني:
نشأت التدابير الاحترازية بفضل الفكر الوضعي والمدرسة الوضعية الإيطالية، حيث رأوا فيها حلًا لمواجهة بعض الأنواع من الجرائم بدلًا من العقوبة التي تعجز عن مواجهة بعض أنواع الجرائم مثل؛ إجرام الخطرين والمجانين والأحداث والمعتادين وكل من يتوافر فيه مانع من موانع المسؤولية بصفة خاصة[3].
وتُعد التدابير الاحترازية هي الصورة الثانية من الجزاء الجنائي، إلا أنها تتمايز عن الصورة الأولى (العقوبة) في أنها يكون مبنى توقيعها الخطورة الإجرامية وليس الفعل الإجرامي ولا الخطأ الجنائي كما هو الحال في العقوبة. وعلى الرغم من أنها لاحقة في ظهورها على ظهور العقوبة، إلا أنهما يرتبطان بغاية واحدة هي مكافحة الجريمة[4].
وقد وجدت التدابير الاحترازية في بداية تطبيقها معارضة شديدة وشكوك حول فاعليتها في تحجيم الجرائم، ولكن مع الوقت تبين أن بعض التدابير لها فاعلية ملحوظة. ولعل التشريع الإيطالي هو أول التشريعات التي تبنت فكرة التدابير الاحترازية في عام 1885، وتبعه بعد ذلك العديد من التشريعات ومنها التشريع الجنائي المصري.[5]
وقد استخدم المشرع المصري التدابير الاحترازية منذ عام 1950، ولكنه لم يستخدم تعبير “التدابير الاحترازية” بل أدرجها بين العقوبات، وخاصة التبعية والتكميلية؛ حيث نصت المادة 201 من القانون رقم 150 لسنة 1950 والمعدلة بالقانون رقم 145 لسنة 2006 من قانون الإجراءات الجنائية، على أن “يصدر الأمر بالحبس من النيابة العامة من وكيل نيابة على الأقل وذلك لمدة أقصاها أربعة أيام تالية للقبض على المتهم أو تسليمه للنيابة العامة إذا كان مقبوض عليه من قبل، ويجوز للسلطة المختصة بالحبس الاحتياطى أن تصدر بدلًا منه أمرًا بأحد التدابير الآتية[6]:
- إلزام المتهم بعدم مبارحة مسكنه أو موطنه.
- إلزام المتهم بأن يقدم نفسه لمقر الشرطة في أوقات محدودة.
- حظر ارتياد المتهم أماكن محددة.
فإذا خالف المتهم الالتزامات التى يفرضها التدبير، جاز حبسه احتياطيًا.
ويسري في شأن مدة التدبير أو مدها والحد الأقصى لها واستئنافها ذات القواعد المقررة بالنسبة إلى الحبس الاحتياطى.
ولا يجوز تنفيذ أوامر الضبط والإحضار وأوامر الحبس الصادرة من النيابة العامة بعد مضي ستة أِشهر من تاريخ صدورها ما لم تعتمدها النيابة العامة لمدة أخرى.
- ثالثًا: خصائص التدابير الاحترازية:
تتصف التدابير الاحترازية بمجموعة من الخصائص أهمها[7]:
- شرعية التدبير الاحترازي: أي أن التدبير الاحترازي يخضع لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات.
- الإجبار والقسر:أي أن التدبير الاحترازي لا يتوقف على إرادة الجاني وإنما يوقع عليه رغمًا عنه.
- يرتبط بالخطورة الإجرامية: أي أن خطورة المجرم على المجتمع شرطًا أساسيًا لتطبيق التدبير الاحترازي.
- غير محدد المدة : أي أن القاضي لا يمكنه أن يحدد سلفًا مدة التدبير الذي يوقعه على الجاني؛ حيث تزيد تلك المدة أو تقل بزوال الخطورة الإجرامية التي يسعى التدبير إلى القضاء عليها .
- لا يوقع إلا بعد ارتكاب الجريمة :فهو يواجه الخطورة الإجرامية لشخص قد ارتكب جريمة بهدف منع هذا الشخص من ارتكاب جريمة أخرى في المستقبل.
- رابعًا: شروط تطبيق التدابير الاحترازية:
يشير التعريف السابق للتدابير الاحترازية، ونص المادة 201 من قانون الإجراءات، إلى أن ثمة شرطان لتطبيق التدابير الاحترازية هما[8]:
- الشرط الأول: سبق ارتكاب جريمة: حيث ذهب غالبية علماء العقاب إلى القول بوجوب أن يكون المتهم قد ارتكب جريمة سابقة لكي يجوز توقيع التدبير الاحترازي عليه، والحجة الأساسية التي يستندون إليها في ذلك هي أن شرط الجريمة السابقة يعتبر ضمانة هامة لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم.
- الشرط الثاني: الخطورة الإجرامية: ويقصد بالخطورة الإجرامية؛ احتمال عودة المجرم إلى ارتكاب جريمة أخرى في المستقبل، ومؤدى ذلك أن هذه الخطورة هي حالة تتعلق بشخص المجرم ولا ترتبط بماديات الجريمة، وإن كانت هذه الأخيرة تساعد في الكشف عنها. وهذه (الخطورة) تفترض أن يكون هناك «احتمال» وينبغى أن ينصب هذا الاحتمال على موضوع معين هو وقوع جريمة تالية من المجرم نفسه الذى سبق أن ارتكب جريمة.
- خامسًا: آلية تطبيق التدابير الاحترازية:
في حالة صدور قرار بإخلاء سبيل متهم بتدابير احترازية فإن المشرع قد حدد آلية تطبيق ذلك التدبير الاحترازي وفقًا لنص المادة 201 من قانون الإجراءات الجنائية؛ وهي ألا يبارح المتهم مسكنه وأن يلتزم بتقديم نفسه إلى القسم أو المركز التابع لمحل سكنه. والتدابير تكون عادة في مواعيد محددة سلفًا بطيات القرار الصادر من المحكمة، وتكون في الغالب ثلاثة أيام أسبوعيًا وعدد ساعات محددة وينظر في أمر استمرار التدابير الاحترازية من عدمه أمام القاضي، إما أن يصدر قرارًا باستمرار التدابير أو تخفيفها أو إلغاءها وإخلاء السبيل بأي ضمان تراه المحكمة مناسبًا، أما إذا خالف المتهم المُخلى سبيله بتدابير قرار المحكمة، أجاز للقاضي أن يصدر قراره بإلغاء التدابير الاحترازية وإعادة المتهم إلى الحبس الاحتياطي مرة أخرى.
وعلى الجهة الشرطية مراقبة المتهم سواء بالتزامه من عدمه بالتدابير وإرسال تقرير ذلك إلى المحكمة التي تنظر في أمر تجديد التدابير الاحترازية.
وبالإضافة إلى ذلك فإن الصادر له قرار إخلاء سبيل بتدابير احترازية يتم إدراجه على قائمة الممنوعين من السفر لحين الانتهاء من نظر القضية “إما أن يتم حفظ التحقيق باعتبار الأدلة غير كافية، أو تُحال القضية للمحاكمة.
- سادسًا: المساوئ العملية في التطبيق العشوائي للتدابير الاحترازية:
لا شك أن للتدابير الاحترازية فعالية كبيرة في تقليص الجريمة، وفي تحجيم خطورة المجرم من ناحية، وفي حماية المجتمع من الإجرام الخطير من ناحية أخرى. لكن تبقى كل هذه الفوائد للتدابير الاحترازية مرهونة بكيفية تطبيقها، أو على الأحرى بمدى توافر الشروط في المتهمين الحاصلين على تدابير احترازية أم لا. فإذا تم تطبيقها وفقًا لقواعد محددة وواضحة نظمها المشرع، وتوافرت شروط الجريمة السابقة والخطورة الإجرامية في المتهم المطبق عليه التدابير، فإن هذا من شأنه أن يساعد على تهذيب المجرم ويحمي المجتمع من خطورته. أما إذا كان تطبيقها ضرب من العشوائية، وموجهًا بطريقة سياسية ما، صار الأمر أشبه بالكارثة؛ حيث يعيق الأفراد –الذين هم في الأصل متهمون حتى تثبت إدانتهم- في تأدية مهامهم وقضاء حوائجهم من ناحية ويعرضهم لضغوط نفسية من ناحية أخرى.
ويزداد الأمر سوءً حين تتعلق التدابير الاحترازية بالمتهمين من الصحفيين والإعلاميين؛ حيث يتعرض معظم المتهمين من الصحفيين والإعلاميين إلى الفصل من عملهم أثناء فترة حبسهم، وبعد خروجهم فإنهم يبحثون عن عمل جديد، وقد يعملون ليلًا نهارًا ليكونوا قادرين على مجابهة ظروف الحياة، وتلعب التدابير الاحترازية دورًا كبيرًا في إعاقتهم عن العمل، وتحجيم حركتهم، ووضعهم تحت ضغوط نفسية وعصبية كبيرة، ومن ناحية ثانية، فإن المتهمين من الصحفيين والإعلاميين لا ينطبق على الغالبية العظمى منهم الشروط التي أجمع عليها فقهاء القانون لتطبيق التدابير الاحترازية، وذلك مما يجعلنا نجزم أن معظم التدابير الاحترازية في حق العديد من الصحفيين والإعلاميين لا تستند إلى سيادة القانون، وإنما إلى توجهات سياسية بحتة، وذلك مما يتنافى مع شروط المحاكمة العادلة، ومبدأ المساواة أمام القانون وفقًا لنص المادة العاشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والتي نصت على أن “لكل إنسان -على قدم المساواة التامة مع الآخرين- الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة، نظرًا منصفًا وعلنيًا، للفصل في حقوقه والتزاماته في أية تهمة جزائية توجه إليه”.[9]
وبالإضافة إلى أن التدابير الاحترازية التي يحصل عليها المتهمون من الصحفيين والإعلاميين، لا تتوافر في معظمها الشروط التي حددها المشرع لتجوز بها تطبيق هذه التدابير، فإن تطبيقها على هذا النحو منافي أيضًا للحق في افتراض البراءة –المنصوص عليه في المبدأ 36 ضمن مجموعة مبادئ الأمم المتحدة، والمادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية-؛ ذلك أن الأصل في الإنسان البراءة، والمتهم بريء حتى تثبت إدانته بحكم بات مستوف لكافة طرق الطعن فيه، بمعنى أن كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئًا إلى أن يثبت إرتكابه لها قانونًا بمحاكمة علنية تتوفر له فيها كل الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه[10].
وكل ذلك، ولم نتحدث عن أن معظم قضايا الصحفيين والإعلاميين التي يحصلون بموجبها على التدابير الاحترازية هي قضايا رأي بالأساس، ويعد هذا انتهاكًا آخر لحق أساسي من الحقوق التي كفلها الدستور للمواطنين، ومخالفًا لحرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة والإعلام.
ومن ثمَّ فإن التطبيق العشوائي للتدابير الاحترازية له مساوئ عدة –لاسيما حين يتم تطبيقها بدون توافر شرطي الجريمة السابقة والخطورة الإجرامية- منها:
- الحد من حرية الحركة والتنقل؛ فوفقًا لما سبق ذكره فإن الشخص الصادر له إخلاء سبيل بتدابير احترازية هو شخص مقيد الحرية والتنقل ومجبر على تواجده بمنطقة سكنه طوال فترة التدابير، وملزم بعدم تنقله لمنطقة أخرى بالإضافة إلى منعه من السفر.
- الشخص الصادر له إخلاء سبيل بتدابير احترازية هو شخص مجبر وملزم على التواجد بقسم الشرطة أو المركز التابع لمحل سكنه في أيام محددة وعدد ساعات معينة وهو الأمر الذي يؤثر عليه في ممارسة حياته سواء كانت في العمل أو في الدراسة، أو مراعاة حياته الأسرية.
- إن الطابع الأساسي في التطبيق العملي للتدابير هو الإلزام والإجبار دون إرادة من تُطبق عليه تلك التدابير أو مراعاة لظروفه الأسرية أو العمرية، بالإضافة إلى ذلك؛ إحساس المتهم في القضايا ذات الطابع السياسي بالتفرقة بينه وبين المتهمين في قضايا جنائية وهو الأمر الذي يولد شعور بالقهر والظلم.
- سابعًا: نماذج لبعض القضايا الصحفية والإعلامية التي حصل المتهمون فيها على تدابير احترازية:
نعرض في هذا الجزء نماذج لبعض قضايا الصحفيين/ الإعلاميين الذين حصلوا على تدابير احترازية في قضاياهم، ومدى توافر شروط تطبيق التدابير الاحترازية (ارتكاب جريمة سابقة، والخطورة الإجرامية للمتهم) في هذه القضايا أم لا.
- القضية رقم 15060 لسنة 2016 جنح قصر النيل والمقيدة برقم 49 لسنة 2016 حصر تحقيق نيابة وسط القاهرة
بتاريخ 26 سبتمبر 2016 تم إلقاء القبض على كلًا من محمد حسن المصور الصحفي بجريدة النبأ، وحمدي الزعيم الصحفي بجريدة الحياة، وذلك بمحيط نقابة الصحفيين، على خليفة قيامهم بتصوير تقرير بمحيط النقابة، وتم اقتيادهم إلى قسم شرطة قصر النيل، وإحالتهم إلى نيابة وسط القاهرة والتحقيق معهم على ذمة القضية رقم 15060 لسنة 2016 جنح قصر النيل، والمقيدة برقم 49 لسنة 2016 حصر تحقيق نيابة وسط القاهرة.
ووجهت لهم النيابة الاتهام بالانضمام لجماعة أسُست على خلاف أحكام القانون ونشر أخبار كاذبة، والتصوير بدون الحصول على تصريح من الجهات المختصة، والترويج عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتعطيل أحكام القانون والدستور والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي، ومنع مؤسسات الدولة من القيام بدورها، والدعوة لتنظيم تظاهرة دون الحصول على ترخيص.
وقد ظل الصحفييّن قيد الحبس الاحتياطي بسجن طرة تحقيق، ويجدد حبسهم على ذمة القضية حتى تاريخ 19 مارس 2017 عندما قرر قاضي غرفة المشورة إخلاء سبيلهم بتدابير احترازية إلا أن النيابة العامة استأنفت قرار إخلاء السبيل وبتاريخ 21 مارس 2017 قررت المحكمة بقبول استئناف النيابة شكلًا وفي الموضوع بإلغاء إخلاء سبيلهم بتدابير احترازية وتجديد حبسهم 45 يومًا على ذمة التحقيقات.
واستمر تجديد حبسهم أكثر من عام ونصف حتى قررت محكمة جنايات القاهرة الدائرة 21 جنايات المنعقدة بمحكمة التجمع الخامس، بتاريخ 11 يونيو 2018، إخلاء سبيلهم بتدابير احترازية 3 أيام في الأسبوع.
واستأنفت النيابة على قرار إخلاء السبيل إلا أن الدائرة العاشرة بمحكمة جنايات القاهرة رفضت الاستئناف. وحتى تاريخه يتم تجديد التدابير الاحترازية للصحفيَّين أمام محكمة الجنايات وملتزمين بالتواجد بقسم الشرطة الكائن بمحل سكنهم لمدة ثلاثة أيام أسبوعيًا طبقًا لقرار محكمة الجنايات.
وعلى الرغم من أن القبض علي الصحفيَّين قد تم بمحيط نقابة الصحفيين وأثناء تأدية عملهم إلا أنهم ظلوا رهن الحبس الاحتياطي ما يقارب العامين وأُخلي سبيلهم بتدابير احترازية لمدة ثلاثة أيام بداعي أنهم من ذوي الخطورة طبقًا لنص المادة 201 من قانون الإجراءات.
- القضية رقم 718 لسنة 2015 حصر أمن دولة
قامت قوات الأمن بإلقاء القبض على حسن محمود رجب القباني وشهرته “حسن القباني” الصحفي المتخصص في الشأن القضائي وعضو نقابة الصحفيين، من منزله الكائن بمدينة 6 أكتوبر في يوم 22 يناير 2015.
وظل “القباني” رهن الحبس الاحتياطي بسجن طرة شديد الحراسة والمعروف باسم “سجن العقرب” ما يقارب الثلاثة أعوام على ذمة الحبس الاحتياطي، حتى قررت محكمة جنايات القاهرة، المنعقدة بمعهد أمناء الشرطة بطرة إخلاء سبيله بتدابير احترازية بتاريخ 21 نوفمبر 2017.
وبتاريخ 24 يناير 2018 تم عرضه على نيابة أمن الدولة العليا وذلك على ذمة القضية رقم 718 لسنة 2015 حصر أمن دولة ووجهت له النيابة تهم الانضمام إلى جماعة أسُست على خلاف أحكام القانون وإذاعة أخبار وبيانات وإشاعات كاذبة من شأنها تكدير الأمن والسلم العام، والاشتراك في جريمة تخابر لصالح دولة أجنبية، والإضرار بمركز مصر، والاشتراك في جريمة محاولة تغيير دستور الدولة ونظامها الجمهوري بالقوة.
ويُلاحظ من نماذج القضايا السابقة، أنها كانت لصحفييين تم القبض عليهم بسبب عملهم، وتم إخلاء سبيلهم بتدابير احترازية، دون أن تتوافر في هذه القضايا الشروط اللازمة لتطبيق التدابير الاحترازية، -والتي هي خطورة المجرم والجريمة السابقة- ومع انتفاء وجود الشروط تنتفي العقوبة، غير أن ذلك لم يحدث، وتم إخلاء سبيل هؤلاء الصحفيين بتدابير احترازية.
هنا يثور التساؤل، هل الصحفي ذو خطورة على المجتمع حتى يتم إخلاء سبيله بتدابير احترازية خشية منه على المجتمع؟
- ثامنًا: استنتاجات وتوصيات
التدابير الاحترازية هي إجراء أو مجموعة من الإجراءات تتخذ قِبَل المجرم الذي تنطوي شخصيته على حالة خطورة إجرامية، وذلك لمنع احتمال عودته إلى ارتكاب الجريمة في المستقبل وبهدف الدفاع عن المجتمع. وثمة شرطان أساسيان يجب أن يتوفرا ليجوز بهما تطبيق التدابير الاحترازية على المتهم، أولها؛ أن يكون المتهم قد ارتكب جريمة سابقة، وثانيهما؛ أن يكون المجرم ذو خطورة على المجتمع وثمة احتمالية بأن يعود لارتكاب الجريمة مرة أخرى.
ومن ثمَّ فإننا نرى أن هذين الشرطين لا يتوفران في الصحفي المتهم في قضايا هي قضايا رأي بالأساس، ومنافيًا لشروط المحاكمة العادلة والمساواة أمام القانون، ومنافيًا للحق في افتراض البراءة، الذي نص عليه المبدأ 36 ضمن مجموعة مبادئ الأمم المتحدة، والمادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وانتهاكًا لحقوق الإنسان في الرأي والتعبير، وانتهاكًا لحرية الصحافة والإعلام الذي نص الدستور المصري على حمايتهم.
وبناءً على ما سبق فإن مؤسسة “المرصد المصري للصحافة والإعلام”
- تؤكد على أن لكل فرد -على قدم المساواة التامة مع الآخرين- الحق في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة ومحايدة، نظرًا منصفًا وعلنيًا، للفصل في حقوقه والتزاماته في أي تهمة توجه إليه.
- كما تؤكد على حق كل متهم بارتكاب جريمة أن يعتبر بريئًا إلى أن يثبت عليه الجرم قانونًا، ومن ثمَّ تصبح التدابير الاحترازية لا أساس قانوني لتطبيقها لاسيما مع المتهم في جريمة لأول مرة. وبالأحرى مع الصحفيين المتهمين في قضايا هي قضايا رأي بالأساس، فلا تمثل الآراء خطرًا على المجتمع!
للإطلاع على الملف بصيغة بي دي إف اضغط هنا
المراجع
[1] أحمد عبداللاه المراغي. “شرح قانون العقوبات: القسم العام (النظرية العامة للعقوبة)”، مركز الدراسات العربية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، القاهرة، 2018، ص 31.
[2] أمل المرشدي. “التدبير الاحترازي في القانون الجنائي المصري”، موقع استشارات قانونية مجانية، متاح على الرابط التالي https://bit.ly/2QWNaFo تاريخ الزيارة 15-12-2018.
[3] أحمد عبد اللاه المراغي، مرجع سابق، ص 30.
[4] نفس المرجع السابق، ص 29.
[5] رمسيس بهنام. “علم مكافحة الإجرام”. منشأة المعارف، الإسكندرية، 1991، ص 7.
[6] قانون الإجراءات الجنائية، متاح على الرابط التالي http://laws.jp.gov.eg/home/altshryat/alqwanyn-aljnayyte تاريخ الزيارة 16-12-2016.
[7] أمل المرشدي. “التدبير الاحترازي في القانون الجنائي المصري”، موقع استشارات قانونية مجانية، متاح على الرابط التالي https://bit.ly/2QWNaFo تاريخ الزيارة 15-12-2018.
[8] أمل المرشدي، مرجع سابق. متاح على الرابط التالي https://bit.ly/2QWNaFo تاريخ الزيارة 15-12-2018.
[9] الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، متاح على الرابط التالي http://www.un.org/ar/udhrbook/pdf/UNH_AR_TXT.pdf تاريخ الزيارة 16 – 12- 2018.
[10] العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، متاح على الرابط التالي https://www.unicef.org/arabic/why/files/ccpr_arabic.pdf تاريخ الزيارة 16- 12 -2018.