التقارير الإعلامية

الإعلام قبل الثورة وبعدها.. من جدار الخوف إلى جدار الخوف

نقلًا عن موقع البورصة

“مبارك لجأ لـ”التنكيل”.. و”مرسي” انقلبت عليه الأقلام.. و”السيسي” استخدم سلاح “التكتلات»

تحولات جذرية عديدة طرأت على خريطة الإعلام المصري بدءً من عصرالرئيس المخلوع حسني مبارك مرورًا بعصر الرئيس المعزول مرسي وصولًا لعصر الرئيس السيسي، وهو ما بدا واضحًا في حجم التناقض والفروق التي ظهرت في تعامل السلطة والنظام الحاكم مع الصحف سواء الورقية أو الإليكترونية، وكذلك وسائل الإعلام المسموعة أوالمرئية، وكيفية التعاطي معها والتي اختلفت وتباينت ما بين التودد في مرحلة من المراحل والتقييد في مرحلة أخرى ومنحها الحرية المشروطة في فترات أخرى.
ولم يكن من الغريب أن يرتدي الإعلام ثوب “المطيع” في عهد مبارك ليعيش في كنف السلطة قبل أن يتغير المشهد إلى النقيض تمامًا مع الرئيس الأسبق مرسي الذي مارس الإعلام ضده هجومًا حادًا بسبب سياسة الإخوان ورغبتهم في الهيمنة والسيطرة على وسائل الإعلام، وصولًا إلى عهد الرئيس الحالي السيسي، الذى ظهرت خلاله العديد من الأبواق الإعلامية التي تدافع عن النظام باستثناء بعض الأصوات الإعلامية الشاردة.

ورغم مرور أكثر من 6 سنوات على ثورة 25 يناير التي أطاحت بمبارك، لاتزال مصر تعاني من وجود قطاع إعلامي سلطوي، وقيود على حرية التعبير، ولم تستغلّ الأنظمة التي حكمت البلاد في فترة ما بعد الثورة الفرص التي أُتيحَت لها لإصلاح وسائل الإعلام الحكومية والخاصة، حيث تعرّضت الأصوات الناقدة إلى المضايقات والتهميش من جانب جهات حكومية وغير حكومية اقتناعًا من قبل الحكام بأن السيطرة على وسائل الإعلام تصبّ في مصلحتهم.

وتستعرض “التحرير” عبر التقرير التالي مراحل التحول في العصور الثلاثة وكيفية تعامل السلطة معهم، وكذلك موقف الجماعة الصحفية ورجال الإعلام في كل مرحلة.

عصر”مبارك”.. التنكيل

ما بين سلطة الرقيب ورأس المال وأذرع النظام، وقف الإعلام المصري مُكبلًا ومقيدًا غير قادر على الحركة، الأمر الذي انعكس بدوره على ضبابية المشهد في عهد الرئيس المخلوع مبارك، نتيجة وجود الإعلام تحت سقف السلطة، مما أدى إلى ظهور العديد من الأبواق الإعلامية التي تفرغت للدفاع عن النظام.

وتعرضت الصحافة خلال حكم مبارك لعدد من الأزمات، أبرزها فرض القيود الصارمة على عدد من الصحف المستقلة والحزبية، إلى جانب أزمة قانون تشديد عقوبات جرائم النشر، واستمرار سياسة اعتقال الصحفيين، في حين لم يكن هامش الحرية مِنّةً أو منحةً منه، وإنما وسيلة لتنفيس حالة الغضب اتجاه فشل سياسات نظامه في شتى المجالات.

كما تعرضت الصحافة في عهده لأزمة من أعتى الأزمات التي شهدتها على امتداد قرنين من الزمان، فقد فوجئ جموع الصحفيين، والمثقفين، والمهتمين بقضايا الرأي، والفكر بإصدار القانون رقم93 لسنة 1995، الذي وافق عليه مجلس الشعب في جلسة مسائية، ونشر بالجريدة الرسمية صباح اليوم التالي في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الصحافة المصرية، إذ حوى القانون ست مواد، تضمن معظمها تعديلات لبعض مواد قانوني العقوبات، والإجراءات الجنائية، والقانون 76 لسنة 1970 بإنشاء نقابة الصحفيين.

وتمكن نظام مبارك من السيطرة على مقاليد الأمور في وسائل الإعلام عبر ذراعيه صفوت الشريف وأنس الفقي، ولمع اسم عدد كبير من رؤساء تحرير الصحف أمثال أسامة سرايا ومحمد علي إبراهيم وطارق حسن وممتاز القط، بخلاف مكرم محمد أحمد وغيرهم.

واتسمت علاقة الإعلام بمبارك بالتبعية، حيث كان يعتبر رؤساء التحرير مجرد موظفين، وكانوا يقدمون له قرابين الولاء والطاعة ضمانًا للحفاظ على مناصبهم لأطول فترة ممكنة.

المجلس العسكري.. تمجيد وترحيب إلا قليلًا

تحولت وسائل الإعلام سواء الورقية أو المرئية بعد عصر مبارك، إلى أبواق تردد ما يقوله النظام الانتقالي، مع استثناءات تمت الإطاحة بها في مرحلة لاحقة.

وحافظت الصحف المملوكة للدولة على ولائها لنظام مبارك حتى قبل أيام قليلة من الإطاحة به، واستمرت في خطابها السابق، مع فارق واحد هو استبدال المجلس الأعلى للقوات المسلحة بمبارك، فالصحف نفسها التي مجدت مبارك، سرعان ما بدأت تُمجد المجلس العسكري، في حين بقيت العقلية كما هي، وأصبح الجيش هو المنقذ، وأصبح كل من يتحدث ضده أو يهاجمه مُهددًا بالمحاكمات العسكرية”.

“مرسي”.. انتفاضة إعلامية ضد الجماعة

لعب الإعلام بكافة أشكاله وأنواعه دورًا محوريًا في إسقاط الرئيس الأسبق مرسي، حيث تبارت أغلب الأقلام ووسائل الإعلام في الهجوم عليه والطعن في شرعيته وتحميله مسئولية الإخفاقات الموجودة بالدولة، وهو ما بدا واضحًا خلال فترة توليه الحكم، حيث تسابقت سلسلة من القنوات الكبرى والصحف على الهجوم عليه بسبب سياسة الإخوان ورغبتهم في الهيمنة والسيطرة على وسائل الإعلام، بل إن وسائل الإعلام المملوكة للدولة من قنوات تلفزيون ومحطات إذاعة وصحف ومواقع إلكترونية، كثيرًا ما شاركت في هذه الحملات تحت مظلة الحرية، ولم يستطع مرسي أن يحد من الحملات التي استهدفته وجماعته.

ونتيجة للتضييق المتعمد الذي مارسه المعزول وجماعته، رٌفع عدد غير مسبوق من القضايا أمام المحاكم ضد الصحفيين والإعلاميين بتهمة (إهانة الرئيس)، كما تسابقت العديد من الصحف التي رفعت تارة إشارة “كارت أحمر” للمطالبة بعزل الإخوان، وتارة أخرى بالاحتجاب عن الصدور.

ودخل المشهد الإعلامي في مصر مرحلة جديدة بالغة الدلالة والخطورة بعد عزل الرئيس مرسي، فقد تحول الإعلام بشكل واضح إلى أداة صريحة في الصراع السياسي بين السلطة الجديدة وبين الإخوان المسلمين وأنصارهم، وزادت صعوبة إيجاد مكان للأصوات الناقدة في وسائل الإعلام التقليدية، وبمجرد عزل مرسي قامت العديد من الأجهزة الأمنية بإغلاق القنوات الإسلامية والمحسوبة على التيار الإسلامي في غضون ساعات من عزل مرسي، وفرضت الرقابة على المؤسسات الإعلامية، وتعرضت مكاتب إعلامية أخرى للمداهمات.

“السيسي”..لا مجال للنقد

كثيرًا ما ترحم الرئيس السيسي في أكثر من مناسبة له على إعلام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، حينما قالها صراحة، “عبد الناصر كان محظوظ بإعلامه، كان بيتكلم والإعلام معاه”، وهو التصريح الذي أعطى دلالات واسعة نحو ميول السيسي للسيطرة على الإعلام.

ودخل الإعلام فى عهد الرئيس السيسي، لاسيما المرئي، في فلك الاندماجات والتكتلات، لتبدأ خريطة الإعلام مرحلة جديدة تعتمد على الكيانات الُكبرى من أجل زيادة الربحية والاستحواذ على سوق الإعلان.

فلم تمض أشهر قليلة على إعلان شبكتي تلفزيون “النهار” وقنوات “سي بي سي” الدخول فى شراكة باندماجهما في كيان اقتصادي واحد، حتى أعلنت مجموعة “إعلام المصريين” المملوكة لرجل الأعمال أحمد أبو هشيمة المالك لشبكة قنوات “أون تي في” وعدد من المؤسسات الصحفية الأخرى الدخول أيضًا في اندماج مع شركة “دي ميديا” المالكة لقنوات “دي إم سي” وعدد من المؤسسات الإعلامية الأخرى، وهو ما أثار العديد من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول أسباب دخول تلك الفضائيات الكبرى في اندماجات وتحالفات في هذا التوقيت؟، ولمصلحة من التغير الذى يحدث في خريطة سوق الإعلام؟، وحقيقة ما إذا كانت تلك الاندماجات قد تشكلت لخدمة النظام الحالي والتعبير عن أرائه وأفكاره لتكون بمثابة منبر له في الداخل والخارج؟، ومدى الدور الذي يلعبه رجال الأعمال وملاك تلك الفضائيات في الوقت الراهن؟، وهل تتجه الدولة إلى تأميم الإعلام؟، وأين المشاهد من تلك المعادلة؟، وغيرها من التساؤلات التي تحتاج إلى إجابات.

ودخل السيسي في أزمات عديدة مع الإعلام، تارة بعد اقتحام نقابة الصحفيين وحبس نقيبها بعد قيام الأجهزة الأمنية بالقبض على الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا بداخلها دون إذن النقابة، وتارة أخرى بعد منع أكثر من إعلامي من الظهور على شاشات الفضائيات منها إيقاف الإعلامي إبراهيم عيسى، المعروف بمعارضته للأنظمة، وكذلك بسبب التضييق على الصحف ووسائل الإعلام من أجل السيطرة عليها.

وشهد عصر السيسي العديد من الوقائع التي تكشف مدى تضييقه والتنكيل بالإعلام المعارض له، منها وقف برنامج “واحد من الناس”، للإعلامي عمرو الليثي، المذاع على قناة “الحياة”، بعد بث فيديو “سائق التوكـتوك”، وكذلك منع الإعلامية رانيا بدوي من الظهور على الشاشة، وإنهاء تعاقدها مع قناة “أون تي في”، بعد حلقة واحدة فقط من ظهورها مع الإعلامي عمرو أديب، بعد انتقادها لوزيرة الاستثمار داليا خورشيد.

كما قامت السلطات الأمنية بـترحيل الإعلامية اللبنانية ليليان داوود خارج البلاد، بعد ساعات من إنهاء قناة “أون تي في” التعاقد معها، كما أوقفت قناة “أون تي في” برنامج الإعلامي يوسف الحسيني ومُنع من الظهور لمدة شهر، قبل أن يعود للبرنامج من جديد، جراء انتقاده لـتنازل مصر عن جزيرتي “تيران وصنافير” للسعودية، فيما ألمح الإعلامي محمود سعد، إلى أنه ممنوع من الظهور على الشاشة والتعليق على الأحداث التي تجري في البلاد، ليرحل عن قناة “النهار” في ديسمبر 2015، دون ظهور آخر حتى الآن، وغيرها من الوقائع.

وبحسب دراسة تحليلية أجرتها لجنة حماية الصحفيين الدولية، نشرت نتائجها صحيفة “الجارديان” البريطانية نهاية ديسمبر 2015، فإن عدد الصحفيين المحبوسين بمصر بلغ 23 شخصًا، بزيادة 12 صحفيًا عن العام الذي سبقه، وهو ما وضع مصر في المرتبة الثانية عالميًا في “حبس الصحفيين”.

ولم يختلف إعلام السيسي عن إعلام مبارك كثيرًا، حيث تحولت أغلب الأقلام والفضائيات من الاهتمام بقضايا الناس إلى تمجيد النظام السياسي، مع استثناءات قليلة لا تعرف مدى قدرتها على البقاء على خريطة المستقبل الإعلامي الذي يتشكل باستمرار.

Related Articles

Back to top button