تعمل في صمت وصبر في آن واحد، لا تمل البحث عن خيوط معلومة تصل بها في النهاية إلى صُلب الفكرة مهما كلفها الأمر من جهد وانتظار. هذا ما حققته بالفعل الصحفية سحر المليجي، مسؤولة ملف الهجرة في جريدة المصري اليوم، مع تحقيقها بعنوان: “مقامرة الرحيل.. شباب مصر بين الغرق أو جنان أوروبا” الذي أتمته على مدار خمس سنوات، ليفوز أخيرًا بجائزة الصحافة العربية عن فئة الصحافة الاستقصائية.
البدايات:
انتقل حب الصحافة إلى سحر من جدها الذي كان حريصًا على قراءة الصحف بشكل منتظم، ومعرفة ما يحدث بمصر والعالم من خلال النشرة الإخبارية اليومية على شاشة التلفزيون، فأدركت أن الصحافة حاضرة بكل بيت ومكان، ووسيلة لإخبار العالم عن أحوال البلاد والعباد.
درست بكلية الآداب قسم المكتبات والوثائق، وقررت العمل في بلاط صاحبة الجلالة، لكن الطريق لم يكن ممهدًا بالورود، بداية من رد فعل أسرتها، تقول للمرصد المصري للصحافة والإعلام: “لم تعترض أسرتي طريقي المهني، لكنهم أيضًا لم يشجعوه، كان لديهم تخوفات كبيرة وتساؤلات طوال الوقت، لماذا أرفض عروض العمل الثابت في القليوبية محل سكني، وأسافر يوميًا إلى القاهرة في طريق 4 ساعات من أجل مهنة لا تخلو من الخطورة والتحديات وعدم وضوح المستقبل”.
خلق هذا الرفض الشديد تحديًا جديدًا مع سحر، كانت تعتمد على الدخل المادي القليل الذي تتقضاه من الصحافة في البدايات، ولا تشكو من أي تغير أو مشكلة تواجهها. تقول: “شهد الطريق من القليوبية إلى القاهرة على عشرات المرات التي بكيت فيها بسبب ظلم تعرضت له، ولم أستطع مشاركته مع أسرتي لأن الرد جاهزًا “ابقِ في البيت أو اقبلي وظيفة التعيين في الجامعة طالما الصحافة متعبة هكذا”، وهو ما رفضته واضطرني لمواجهة مشاكلي وحدي”.
من إعلان على إحدى صفحات جريدة الأهرام عن قبول متدربين/ات في جريدة الحياة المصرية، بدأت سحر، ومنها انتقلت إلى جريدة المصري اليوم، ثم المسائية التابعة لجريدة الأخبار.
تولت ملف الهجرة في جريدة المصري اليوم، وباتت قضية الهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر، قضيتها الشخصية، ومن ثم عملت كمحاضرة في منظمة الهجرة الدولية وقدمت العديد من ورش العمل للصحفيين/ات.
رحلة البحث عن معلومة:
شهد العمل على تحقيقها الفائز بجائزة دبي للصحافة العربية، العديد من الصعوبات، تقول: “لا توجد أرقام محددة ﻷعداد المهاجرين، لا ورق، لا مستندات ولا خط سير لأشخاص قررت السفر لبلد أخرى بلا أي أدلة”.
كانت الانطلاقة من حادثة غرق السفينة المنكوبة “أدريانا” قبالة شبه جزيرة “بيلوبونيز” الواقعة جنوبي اليونان في يونيو 2023، وعثر على 38 مصريًا من الأحياء، أما غير الأحياء فلم تتوافر أرقام.
تتبعت سحر القصة، وبحثت عن أي دليل يصلها على معلومة، إلى أن وجدت منشورًا على صفحة خاصة بالمصريين في إيطاليا، شارك فيه أهالي المسافرين على متن السفينة صور ذويهم، لتجمع أول مادة في التحقيق وهي صور وأسماء 104 مصري كانوا موجودين على متن السفينة، منهم إخوة وأقارب وأطفال.
انتقلت بعدها إلى عدد من المصريين المتواجدين في ليبيا باعتبارها أول مسار للهجرة غير الشرعية، خاصة وأن مصر نجحت بالفعل في غلق حدودها، وذلك باعتراف منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية.
ومن خلال مصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة، والتي تصدر تقرير شهري عن أعداد المهاجرين لأكثر من 10 جنسيات، ومن خلال تتبع 12 تقريرًا سنويًا على مدار 5 سنوات – هي فترة إعداد البحث والتحقيق- نجحت في رصد أعداد المصريين في ليبيا والذين وصلوا إلى إيطاليا وقبرص واليونان.
ملفات صحفية:
تنقلت سحر بين العديد من الملفات الصحفية، منها صحافة المرأة والثقافة والتقارير اللايت، وعملت فيها جميعًا بطريقة البحث المعمق، كانت تستغل فترة سفرها من القليوبية وإلى القاهرة، في القراءة والتطلع، للاستزادة بالجديد في الصحافة، لتتولى منصب نائبة رئيس قسم للصفحات المتخصصة أو الملاحق في المصري اليوم.
تقول عن حبها للتعلم والتنقل بين الملفات: “التحقيقات بقدر أهميتها لكن الصحافة المتخصصة تنمي أدوات الصحفي/ة ومهاراته/ا بالذات أن كل الصحفيين/ات يمرون على الصحافة المتخصصة، ما يجعل المنافسة قوية في طريقة العرض والتناول لكل فكرة حتى في الموضوعات (اللايت)”.
تذكر سحر العديد من التحقيقات والموضوعات القريبة إلى قلبها، ومنها تحقيق عن شهادات الزواج الصحية الصادرة من المستشفيات كحبر على ورق خوفًا من ظهور أي مشاكل بين الخطيبين، وتحقيق بعنوان: “استكمال رحلة الأمير عمر طوسون للبحث عن رفات الجنود المصريين في المكسيك”، وتحيق آخر عن الغش في العدسات اللاصقة، وفقدان البعض لبصرهم بسبب الأنواع الرديئة المنتشرة على الأرصفة.
كما قدمت العديد من الحوارات مع شخصيات بارزة في مجالات عدة، ومنها حوارات مع وزيري الثقافة السابقين جابر عصفور، وحلمي النمنم، وحوار مع السفيرة مشيرة خطاب، وغيرهم.
جوائز وتكريمات:
حصلت سحر المليجي بخلاف جائزة الصحافة العربية المرموقة، على جائزة نقابة الصحفيين عن تحقيق استقصائي اقتصادي بالمشاركة مع الزميلة الراحلة غادة الشريف، وترشحت لجائزتين في النقابة عن صحافة المرأة وآخر كان تحقيق استقصائي.
تحديات المهنة وصحافة المستقبل:
تدرك سحر ما تواجهه الصحافة من تحديات مهنية وأخلاقية وقيمية، فلم تعد الصحف وسيلة تثقيفية للمجتمع والدفاع عنه، بقدر ما حالت إلى مؤسسات ربحية، تنجرف وراء صحافة الترند، هكذا تقول.
وتضيف: “رغم أهمية صحافة الترند لكن أزمتها عدم التزامها بأي أخلاقيات أو معايير، لأنها تحولت إلى صحافة قراءة الآلة “أي نقوم بتقديم خبر ليقرأه جوجل، ويظهر في محركات البحث، بعيدًا عن المحتوى والقيمة التي يقدمها”.
وترى الصحفية الاستقصائية أن هذا التطور يفرض على الصحفيين/ات السعي نحو التميز، وفهم آليات التكنولوجيا الحديثة، وتطويعها في المهنة، من خلال المداومة على التدريبات والتعلم فهما سلاح كل صحفي/ة يرغب/ ترغب في الحفاظ على المهنة- حسب قولها.