يحيى قلاش: يجب أن ندرك أن أزمة القانون 93 كان عنوانها الرئيسي هو “حرية الصحافة والدفاع عنها”
شاركنا الكاتب الصحفي الكبير يحيى قلاش نقيب الصحفيين الأسبق، بمقالة بمناسبة يوم الصحفي المصري يٌحدثنا عن معركة قانون 93 لسنة 1995.
- نص المقالة:
يمرّ علينا اليوم، نحو 29 عامًا على إحدى أنبل وأهم معارك الدفاع عن حرية الصحافة، وهي معركة القانون 93 لسنة 1995، والذي يوافق العاشر من يونيو، وهو اليوم الذي اختارته الجمعية العمومية، ليكون عيدًا سنويًا لنا، دعا فيه مجلس النقابة لاجتماعٍ طارئ، احتجاجًا على محاولات تكبيل أيدي الجماعة الصحفية.
في البداية.. أوجّه شكري لما فعله مجلس النقابة الحالي، بقيادة النقيب خالد البلشي، بعث الحياة لهذه الذكرى والاحتفاء بها، والتأكيد على أن الكيانات الحيّة، هي التي تحافظ على ذاكرتها، وتحمي تاريخها، وتضع أمام كل الأجيال، ما تعتز به، وما تبني عليه. من الضروري بعد مرور كل تلك السنوات، أن يتوقّف الصحفيون عند هذه الانتفاضة كثيرًا، والتي ظلّت الجمعية العمومية منعقدةً فيها لعامٍ كامل؛ وذلك ليدرك شباب الصحفيين الذين لم يشاركوا في هذه المعركة، ملامح ما جرى، ودلالات الأحداث والمواقف المختلفة.
إن شباب الصحفيين يمثّلون اليوم أكثر من نصف الجمعية العمومية، والذين يجب أن يدركوا معنى “الكيان النقابي”، والأهم من ذلك هو حماية الذاكرة، وتواصلها من جيلٍ إلى جيل؛ فالأمم لا تقضي عليها الأوبئة الفتّاكة، بل تفقد هويتها بسرقة تاريخها، وتموت بمحو ذاكرتها. يجب أن ندرك أن أزمة القانون 93 كان عنوانها الرئيسي هو “حرية الصحافة والدفاع عنها”، باعتبارها حقًا من الحقوق العامة لكل المواطنين، وكان مهمًا وفارقًا إدراك الجمعية العمومية بعقلها الجمعي، أنها ليست أمام معركة فئوية، بل معركة للدفاع عن الحرية، ما أكسبها تأييد وتعاطف قوى كثيرة من الأحزاب، والرأي العام، ومؤسسات محلية، ودولية.
اتسمّت هذه المعركة بالنفس الطويل؛ حيث امتدت على مدى عام، وفشل رهان النظام على الموت بالتبريد، وتنوّعت فيها الأساليب والوسائل، وتوّحدت الجمعية العمومية، وتضافرت، ولم تتضاد خبرات الأجيال المختلفة من كل لونٍ مؤسسي، وفكري، وعُمري، وتعايشت حكمة الكبار مع حماس الشباب، وسار الجميع نحو الهدف نفسه.
وكان أداء مجلس النقابة استثنائيًا بكل المقاييس، واستطاع أن يأخذ زمام المبادرة في قيادة الأزمة، وجعل دعوته لحضور الجمعية العمومية قوةً مُضافة له؛ لإدراكه المبكّر، ومن اللحظة الأولى، أنه لن يستطيع أن يتجاوزها دون ظهير، واستطاع بأداءٍ مؤسسي مُنظّم، يضم كل ألوان الطيف الذي يتشكّل منه أعضاء المجلس، ألا يكون هناك أي تناقض بين ارتفاع سقف مطالب الجمعية، وبين ما يُعرض في كواليس المفاوضات، وتعامل المجلس بصفته مؤسسة لا تتوقّف على فردٍ؛ فكلٌ يؤدي دوره. تلاشت المسافات والمنافسات بين أعضاء الجمعية العمومية، ورموزها، وحضر المعارض ليشد أزر المفاوض، وهذا ما أتمنّى أن نراه في عموميتنا الآن. هذه المعركة سجّلت نموذجًا مهمًا في كيفية إدارة الأزمات، والحوار الجاد كان هو المدخل الحقيقي للحل ونزع الفتيل، وكل الأطراف قامت بأدوارها، والنقابة في ظل حضور جمعيتها العمومية، أدّت واجبها الذي تقوم من أجله النقابات؛ فتحافظ على توازن المصالح، وتصبح قوة تفاوض حقيقية، اعتُبرت مرجعًا لمعركة خرج منها الجميع بمكاسب، حتى من تصوّر وقتها أنه قد تنازل أو حتى قد خسر.